من بوابة الحديدة: محاولات بريطانية لإعادة استعمار اليمن
المسيرة | ضرار الطيب
تسلّمت بريطانيا مؤخَّــراً الملف اليمني في مجلس الأمن، لتظهرَ نفسَها كـ “وسيط دولي للسلام” تغطيةً على دورها المباشر والواضح في العدوان على اليمن منذ البداية، لكنها لم تتقنْ هذه التغطية، فبالرغم من تبنيها لقرارين دوليين دعما “مشاورات ستوكهولم للسلام”، إلا أنها أرفقت نشاطاتِها في مجلس الأمن بتحَـرّكات شديدة العداء للسلام على الميدان اليمني كشّرت من خلالها عن المزيد من أنياب رغبتها الاستعمارية المسعورة، إذ أخذت تصنع كُــلّ العقبات أمام تنفيذ اتّفاق السويد وبالذات ما يتعلق بالحديدة التي تمثل مطمعاً استراتيجياً لها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ كشف الإعلامُ البريطاني مؤخّراً عن مشاركة قُــوَّات بريطانية خاصة في صفوف العدوان السعوديّ، تقاتل جنباً إلى جنب مع مليشيات من المرتزِقة تحتوي على أكثر من 40% من الأطفال وترتبط بتنظيم القاعدة التكفيري، في فضيحة أدّت إلى فتح تحقيق جديد للأمم المتحدة، وكشفت أن تسلُّمَ بريطانيا لملف اليمن لم يكن سوى خدعة للوصول إلى مصالح استعمارية تحت غطاء “البحث عن السلام”.
ديلي ميل: الأممُ المتحدة تحققُ في مشاركة القُــوَّات البريطانية في اليمن
الأسبوعَ الماضي، نشرت صحيفةُ “ديلي ميل” البريطانية تقريراً فضحت فيه مشاركةَ عشرات من عناصر القُــوَّات البريطانية الخاصة في صفوف العدو السعوديّ في اليمن، وقالت إن القُــوَّاتِ البريطانية تقومُ بتدريب مليشيات المرتزِقة المرتبطة بشكل مباشر مع تنظيم القاعدة، مؤكّـدةً أن أكثرَ من 40 % من تلك المليشيات أطفال، كما تشارك القُــوَّات البريطاني في القتال إلى جانب تلك المليشيات أحياناً.
ويوم أمس، أعلنت الصحيفة نفسها أنها تلقت طلباً من قبل لجنة الخبراء الرسمية التابعة للأمم المتحدة والتي تقدم المشورة لمجلس الأمن؛ للحصول على معلومات حول ما نشرته الصحيفة في إطار تحقيق جديد.
فتحُ تحقيق أممي رسمي في ما نشرته “ديلي ميل” يمثّلُ فضحيةً دوليةً لبريطانيا التي تُعنَى بالملف اليمني في مجلس الأمن متنكرةً بشخصية “وسيط السلام”، فما نشرته الصحيفة لا يثبت وحسب المشاركةَ العسكريّة المباشرة لبريطانيا في العدوان على اليمن، بل يتجاوز ذلك إلى إثبات “إدارة” بريطانيا لهذه العدوان عن طريق التحكم بمسار التحَـرّكات الدولية بما يخدم المصالح البريطانية ضمن العدوان.
فضيحةٌ لا يبدو أن الوسط الإعلامي والسياسيّ في بريطانيا ينكرها، فقد ذكرت الصحيفة البريطانية أمس أن المعلومات التي نشرتها أثارت اسئلة غاضبة في مجلس العموم البريطاني حول تورط المملكة المتحدة في العدوان على اليمن، كما أثارت شكوكاً حول الادّعاءات المتكرّرة للحكومة البريطانية بأنها “ليست طرفاً في الحرب”.
وأعادت الصحيفة نقل اتهام وزير الخارجية السابق أندرو ميتشل، لحكومة المملكة المتحدة بأنها “متورطة بشكل مخجل” في اليمن.
ولا تقف الفضيحة عند هذا الحد، فقد كشفت “ديلي ميل” في تقريرها الجديد أمس، أن هناك احتمالات تفيد بأن سلاح الجو البريطاني متورط بقصف مستشفى للأطفال في اليمن قبل أيام، وهو ما يوضح بشكل أوسع نوعية الدور البريطاني في اليمن والذي ينسف تَمَاماً ادّعاءات الحكومة البريطانية المتكرّرة بأنها “ليست طرفاً في الحرب”.
اتّفاقُ السويد شاهدٌ على “قيادة” بريطانيا للعدوان
ما يكشفه الإعلامُ البريطاني راهناً ليس إلا تفصيلاً جزئياً من مجمل التحَـرّكات البريطانية الرسمية التي تشهدها الساحة اليمنية منذ بداية العدوان، انطلاقاً من ضخ الأسلحة لـ “التحالف” ومروراً بتوفير الغطاء الدولي له، وُصُولاً إلى عرقلة اتّفاق السويد الذي كانت لندن تريد أن تظهر من خلاله كراعية لعملية السلام، إلا أنها أخفقت وكشفت عن مخطّطات بديلة لا علاقة لها بالسلام.
تبّنت بريطانيا القرارين الدوليين الأخيرين لمجلس الأمن بشأن اليمن، واللذين يدعمان تنفيذ نتائج مشاورات استوكهولم، لكنها استخدمت على الأرض فريقا نشيطا ليضعَ كُــلَّ عقبة ممكنة أمام تنفيذ الاتّفاق، في محاولة لاستخدام الاتّفاق نفسه كوسيلة أقل تكلفة للحصول على المطامع الاستراتيجية وبالذات في الساحل الغربي.
على رأس ذلك الفريق، كان وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، الذي مضى خلال الفترة الأخيرة يهدّدُ بفشل “اتّفاق الحديدة” بالذات، وَيلمح بعودة الحرب، ويتحدث عن “انسحاب الجيش واللجان” من الحديدة، وهو أمرٌ مخالف تَمَاماً لنص ومضمون الاتّفاق الذي يفترض ببريطانيا أن ترعى تنفيذه.. تصريحاتٌ أكّـدت أن بريطانيا تسعى لاستخدام اتّفاق ستوكهولم كوسيلة لفرض سيطرتها العسكريّة على الحديدة والبحر الأحمر بدون خسائرَ، بعد أن فشلت في كُــلِّ جولات التصعيد القتالي.
لم يقم وزيرُ الخارجية البريطاني بتأكيد الدور البريطاني المباشر لبلاده في الحرب على اليمن فحسب، بل أكّـدت تصريحاته أَيْضاً أن المملكة المتحدة “تدير” تحالفَ العدوان، إذ اتضح أن الخروقاتِ المتواصلةَ التي ترتكبها دول العدوان ومرتزِقتها في الحديدة كانت بإيعاز بريطاني أَيْضاً، كما اتضح أن تسلُّمَ بريطانيا لملف اليمن لم يكن سوى للتحكم بمعطيات الموقف الدولي لدعم العملية الاستعمارية الجديدة التي تقف فيها بريطانيا على رأس هرم تحالف العدوان.
وفي ظل هذا الوضوح لم يفلح حتى المبعوثُ الأممي “مارتن غريفيث” في أن يتقنَ دورَ “الوسيط” كما لم تفلحْ بلادُه في الخدعة ذاتها، فمع تكاثف الخروقات واتضاح المخطط البريطاني من خلال تصريحات “هنت” المخالفة للاتّفاق، كان الصمتُ الأمميُّ بمثابة دليل الإدانة الذي كشف أن “غريفيث” لم يكن سوى مجرد عضو آخر في الفريق البريطاني المكلف بعرقلة الاتّفاق وتهيئة الطريق لتحقيق مصالح المملكة المتحدة، حتى أن رئيسَ الوفد الوطني المفاوض، محمد عبدالسلام، أعلن بنفسه أنه لم يكن سوى “مبعوث بريطاني خاص”.