معنى الاعتراف الأميركي بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان المُحتل .. بقلم/ علي أبو الخير
* كاتب مصري- رأي اليوم
في خطوةٍ تمهيديةٍ من الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، كتلك التي مهَّد بها نقل السفارة الأميركية من “تل أبيب” إلى القدس المحتلّة، عندما غرَّد يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، عن عزمه نقل السفارة إلى القدس الشرقية المحتلّة، ثمّ نفّذ ما أعلنه بالفعل يوم 15 أيار| مايو 2018، قام “دونالد ترامب” بنشر تغريدة، عبر حسابه على موقع “تويتر”، يوم الخميس 21 آذار| مارس 2019، قال فيها إنه “بعد 52 عاماً حان الوقت لتعترف الولايات المتحدة الأميركية اعترافاً كاملاً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، التي تتميّز بأهميّة استراتيجية وأمنية حيويّة بالنسبة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة”.
ومنذ أن نَشَرَ التغريدة الاستعمارية، قام الجيشُ الإسرائيلي المحتلّ بنشر القنّاصة بطول الحدود مع سوريا، كما نشرت القُـــوَّات الصهيونية وحدات مُكافحة الشغب، مع الاستعداد لنشر قنابل الغاز المُسيّل للدموع، والرصاص المطاطي كجزء من الاستعدادات للمسيرات المُحتمَلة التي يُتوقّع أن يقوم بها المواطنون السوريون في الجولان المحتلّ، أي أن الاستعمار الصهيوني يعلم جيّداً أن الاعتراف الأميركي قادِم لا محالة، ويُهيّئ نفسه لخروج المواطنين السوريين ضد القرار.
لقد نفَّذت الدولةُ الصهيونية عمليات استيطان واسعة فيها كما حدث في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، منذ احتلالها في 5 حزيران| يونيو 1967، وحالياً تضمّ “هضبة الجولان” حوالى 30 مستوطنة إسرائيلية ونحو 20 ألف مستوطن، ويعيش فيها نحو 20 ألف مواطن سوري، وكان الكيان الصهيوني قد أعلن “ضمّ الجولان” يوم 14 كانون الأول| ديسمبر 1981، من خلال قانون تبنّاه “الكنيست الإسرائيلي” تحت اسم “قانون الجولان” ويعني “فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الهضبة السورية المحتلّة”، إلا أن القرار الإسرائيلي لاقى رفضاً دولياً وأكّدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن أنها قوّة احتلال في القرار الصادر عن مجلس الأمن 497 لسنة 1981، والذي لم يُنفّذ كالعادة؛ بسببِ الفيتو الأميركي المُتجدّد.
ومن نوافل القول إن الرئيسَ الأميركي يعرفُ أن ردودَ الفعل العربية والإسْلَامية والعالمية، لن تثنيَه عن خطوته، فالعالم العربي مهموم بمشاكله السياسيّة الداخلية، إرهابيون مموّلون من مخابرات الأعداء، وفِتَن طائفية مصنوعة، وتأخّرت القضية الفلسطينية لصالح المشكلات الناتجة من ما يُسمّى بالربيع العربي، وهو ما سهَّل لبعض المواقف الرسمية العربية أن تعلن وقوفها مع إسرائيل ضد إيران، ويعزّ على نفوسها خروج الدولة السورية مُنتصرة في حربها ضد الإرهاب والاستكبار العالمي، قد شهد العام الماضي 2018، تطبيعاً غير مسبوق مع إسرائيل، وذلك من عدّة دول خليجية كقطر والسعودية والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان، فاختلفت وتنوّعت أشكال التطبيع مع إسرائيل، فزار رئيس الحكومة الصهيونية “بنيامين نتنياهو” وزوجته سلطنة عُمان يوم 26 تشرين الأول| أكتوبر 2018، لبحث السلام في المنطقة كما زعموا، كما قامت وزيرة الثقافة الصهيونية “ميري ريغيف” بزيارة دولة “الإمارات العربية المتحدة” والتقت مسؤولين إماراتيين، وتجوّلت بأريحيّة في مسجد الشيخ زايد في العاصمة الإماراتية أبوظبي يوم 29 تشرين الأول| أكتوبر 2018 وقبلهما، أعلن وليّ العهد السعودي “محمّد بن سلمان” في يوم 2 نيسان| أبريل 2018، قائلاً: “إن الإسرائيليين لهم حَــقّ في أن يكون لهم وطن، وأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام في بلاده”، وطلب “ابن سلمان” من الرئيس الفلسطيني “محمود عبّاس أبو مازن” أن يوافق على دولة فلسطينية من دون مدينة “القدس الشريف”، وهو ما رفضه أبو مازن، أي أن “ابن سلمان” يعترف بوطنٍ قومي لليهود، مثل طلب وحقّق “وعد بلفور”، وهي ضمنياً موافقة على احتلال الكيان الصهيوني للأرض الفلسطينية منذ العام 1948 وحتى اليوم، وكما هو معروف توجد زيارات مُتبادَلة لمسؤولين من دولة قطر ومملكة البحرين للكيان الصهيوني، ولذلك جاء الاستنكار الخليجي ضد تصريحات “ترامب” ليس بالشدّة المطلوبة، وتركت الأمر للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ” الدكتور عَبداللطيف بن راشد الزياني”، ليُدين تلك التصريحات، هذا بالإضافَة إلى العلاقات الدبلوماسية الرسمية العلنية بين الكيان الصهيوني من جهة، ومصر والأردن من جهة أُخْــرَى، كُــلّ ذلك شجّع الإدارة الأميركية على اتّخاذ قراراتها ضد وجود أية دولة فلسطينية، فبدأ بالقدس، وتثنّى بالجولان، وربما في المستقبل القريب تُعلن الموافقة على ضمّ إسرائيل للضفة الغربية الفلسطينية المحتلّة، فكل شيء مُباح في زمن تنعكس فيه كُــلّ المواقف لصالح الأعداء ضد الإخوَة.
من جانبها، وكما هو مُتوقّع أدانت سوريا تصريحات الرئيس ترامب، وردّت وزارة الخارجية السورية بقولها في بيان رسمي: “تدين الجمهورية العربية السورية بأشدّ العبارات التصريحات اللا مسؤولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب” حول الجولان السوري المحتلّ التي تؤكّد مجدّداً انحياز الولايات المتحدة الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني ودعمها اللامحدود لسلوكه العدواني”، كما أدانت كُــلّ الدول العربية والجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى الدولة التركية رفضت التصريحات، وكذلك رفض الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية القبطية اعتراف أميركا بضمّ الجولان للدولة العبرية، وقد أكّد الجميع عدم اعترافهم بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلّة، بما فيها “مرتفعات الجولان”، ولا يعتبرها جزءاً من الأراضي الإسرائيلية، وذلك وفق القانون الدولي، كما صدر قرار عن مجلس حقوق الإنْسَان التابع للأمم المتحدة، يوم 22 آذار| مارس 2019، أي بعد تغريدة “ترامب” بيوم واحد، أكّد على تبعية الجولان لسوريا، وهو قرار مهم؛ لأَنَّه تأكيد على الموقف الدولي وعلى الشرعية الدولية لسوريا بأحقيّتها للجولان وفي أرض الواقع؛ لأَنَّ الجولان منطقة غير مُتنازَع عليها، فهي بالأساس أرض عربية سورية، فهي تؤكّد أن تصريحات ترامب لا تحمل أيّ ثقل قانوني أَو سياسيّ، وإنما هي مُزايدات سياسيّة، فقرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981 صدر ببطلان القرار الذي اتّخذته إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائيّـة وإدارتها على “الجولان السوري المحتلّ” وعلى اعتباره لاغياً وليست له أية شرعية دولية”.
من هنا نرى أن الأمر لا يدعو إلى اليأس المُطلَق، فأولاً الموقف الأميركي لا يؤثّر في الوضع القانوني والدستوري لهضبة الجولان المحتلّة، فالجولان باعتراف دول العالم أرض عربية سورية اُحتلّت من قِبَل قُـــوَّات الاحتلال الإسرائيلي، وأية خطوة تخالف ذلك مرفوضة قانوناً، ولا يسقط مثل هذا الحق بالتقادُم أبداً، وثانياً نتوقّع أن تنطلق حركة تحرير شعبيّة أَو انتفاضة جديدة من قِبَل أهالي الجولان السوريين، المُتمسّكين بالهوية العربية السورية، وثالثاً يمكن اعتبار هذه التصريحات بمثابة محاولات أميركية صهيونية للضغط على الدولة السورية المُنتصِرة للتراجُع عن بعض المواقف، مثل التعاون الاستراتيجي مع إيران وروسيا، وفي مجالات أُخْــرَى مُحدَّدة، تريدها بعض الدول الغربية، مثل منع تدفّق الإرهابيين الدواعش إلى الدول الأوروبية، أَو غيرها من الطلبات، ولكن هذا الضغط لن يكون له تأثير على الصعيد القانوني وهي جميعها تندرج تحت إطار الاستهلاك الإعلامي والسياسيّ، والحق في النهاية ينتصر ضد القوّة.