المشروع القرآني في وجه المشروع الإمبريالي .. بقلم/ سعاد الشامي
لطالما استُهدفت ركائزُ الأُمَّــة الأساسية وَخَاصَّـةً منها تلك المرتبطة بالتمكين في الأرض والنهوض الحضاري، فدُجِّنت الأفكار وضُربت القيم وأفسدت النفوس وطويت الأخلاق وخارت القوى وسلبت الإرادة وانحرفت المفاهيم وانتهكت الحرمات وسقط الشرف وعُطّلت حاسة الكرامة وصارت الأُمَّــةُ الإسْلَامية أضعفَ وأغبى وأجهلَ أُمَّــة في أزهى العصور، تتعثر في ثوب الخزي وتنسل من هُويتها وتلبس ثوب الهوان!
وبينما كانت الدولُ الإمبرياليةُ المتخصصة في تدمير الأرض وإفسادها واستعباد شعوبها مثل أمريكا وبريطانيا قد بلغت بمشاريعها الاستعمارية ذروةَ الهيمنة والنهضة الغربية والتطور التقني والصناعي وبعد أن نجحت في تثبيت دعائمها في مساحات واسعة من الكرة الأرضية وبالأخص منطقة الوطن العربي التي حوّلت شعوبَها وخيراتها إلى أدوات استعمالية بيدها؛ للحفاظ على مصالحها وزيادة قوتها وتمركزها وهيمنتها العالمية، خَاصَّـةً وقد تحكمت في قرارتهم السياسيّة عن طريق عمالة الزعماء العرب لها وسيطرت عليهم اقتصادياً وتسلطت عليهم ثقافياً وحضارياً، وفصلتهم عن ماضيهم وحضارتهم حتى لا يتسنى لهم التفكيرُ مجدّداً بالعودة إلى ما كانوا عليه من تأريخ القوة والغلَبة وصرفتهم عن حاضرهم بتفكيك كيانهم المادي والمعنوي، فلا تقوم لهم قائمة ولا يعتلي لهم شأن.
استشرى الذلُّ في كيان الأُمَّــة وتهافتت شعوبُها في حمأة الضلال ولم يكلفوا أنفسهم مهمة البحث عن الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الحال المهين، لم يكونوا يدركون أن ابتعادهم عن نهج الله وكتابه الكريم الذي نجحت الوهّابية التضليلية في تحويله إلى ظاهرة صوتية وبنك حسنات بإشراف الأنْظمة الإمبريالية التي أدركت خطورةَ هذا القُــرْآن في حال طُبِّقت تعاليمه وتوجيهاته عمليا، فلم تجد حينها حلاً لتبعد الناس عنه إلا بصناعة هذا الفكر التضليلي الذي حمل مسمى الإسْلَام وتم زرعه في المقدسات الإسْلَامية وتركزت مهامُّه في نشر العقائد الباطلة والثقافات المغلوطة وجعل المسلمين يدورون حولها ويبتعدون عن القُــرْآن الكريم سر قوتهم ومَصْــدَرِ عزتهم وكرامتهم.
تعددت عناوينُ الهيمنة والاستغباء الفكري، وكان عنوانُ الإرهاب هو الأخطرَ تخطيطاً لعمليات التغلغل العسكريّ إلى داخل الأوطان والسطو على مقدراتها وبدون وجود أية مقاومة أَو ممانعة شعبيّة؛ نتيجة انعدام الوعي بخطورة هذه المُخَطّطات، ولكن من رحمة الله بهذه الأُمَّــة أنه لا يتركها تتوهُ في غياهب الضلال دون أن يصطفيَ لها من أعلام الهدى من يصونها ويحميها وينصُرُ دينها، وفي هذا العصر الحالك بالظلام سطَعَ من صعدة السلام نجمُ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ والذي نهل من مشكاة القُــرْآن فحمله بين جوانحه وأدرك خطورةَ المرحلة التي تمر بها هذه الأُمَّــةُ وكشف ببصائر القُــرْآن خطورةَ وحقائقَ هذا المشروع الإمبريالي الذي يسعى إلى احتلال الأوطان ونهب الثروات واستعباد الشعوب وتوظيفهم كمادة بشرية تضمنُ له السيطرةَ العالمية.
أدرك الشهيدُ القائدُ رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ أن لا سبيل لمواجهة قوى الجبروت والتسلط إلا بسلاح القُــرْآن الكريم والتحَـرّك الثقافي في توعية الناس بخطورة ما هم عليه، فقرّر أن يكسرَ قيودَ الصمت في زمن الخنوع ويذكِّرَ الناسَ بما أصابهم من الذل، ناصحاً لهم بالرجوع إلى كتابهم القُــرْآن والتمسك بعُروته الوثقى والاحتكام إلى آياته حتى يحوزوا على الضمانة السماوية بالعودة إلى ما كانوا عليه من أبجديات القوة والعزة والتمكين، وكان من حقهم أن يعتبروا بهذا الكلام وأن يقابلوا النعمة بالشكر، ولكن أنّى للنفوس التي تطبّعت على الشر أن تميلَ إلى الخير، وأنّى لزعماء خانعين رضوا بالذل وسارعوا إلى مولاة اليهود والأمريكان أن تأنسَ نفوسُهم إلى الحرية والتخلص من الوصاية الخارجية، فما زادهم ذلك إلا استهتاراً وإمعاناً في غيهم، وانسياقاً في توجيهات أسيادهم في البيت الأبيض وتل أبيب، فخذلوا الشهيدَ القائدَ وحاربوه وقتلوه وأزهقوا دماً زكياً وصعدت روحُه طاهرة مقدسة، مبرورة مكرمة، تشكو جورَهم وطغيانَهم وتتبرّأ من أعمالهم.
قتلوا الحسين ولكن هيهات لهم أن يقتلوا مشروعه القُــرْآني، فلقد تخرّج على يديه عمالقةُ هذا العصر الذين أفشلوا مساعيَ أمريكا في وطنهم ولم يساوموا في مبادئهم ولم يتنازلوا عن كرامتهم ولم تهزهم كُـلُّ التهديدات وفشلت فيهم كُـلّ المحاولات ولم يرعبهم لا حديدٌ ولا نار ولا حصار ولا دمار، وواجهوا بسلاح الإيْمَــان ودرع التوكل على الله منظومةَ العدوان الأمريكي الإمبريالي منذ أول طلقة في الحروب على صعدة وحتى آخر ضربة صاروخ في تحالف العدوان على اليمن، فما زالوا هم المنتصرين وسيبقون كذَلك ما دام اللهُ متمَّ نوره ولو كره الكافرون.
فسلامُ الله على الشهيد القائد وسلامُ الله على كُـلِّ مَن حمل في قلبه هذا المشروعَ القُــرْآني وطبّقه سلوكياً عملياً على أرض الواقع.