السعوديّة تحمي حدودها بأطفال اليمن
المسيرة: متابعات
كشف تحقيقٌ استقصائيٌّ نشرته قناة “الجزيرة” القطرية تحت عنوان “البُقعُ محرقةُ أطفال اليمن” عن انتهاكات العدوان السعوديّ بحق أطفال اليمن الذين تقوم بتجنيد الآلاف منهم والزج بهم في محارق الموت بجبهات الحدود.
وتطرق التحقيقُ إلى قصة طفلين من محافظة تعز تم استقطابهما إلى جبهات القتال للدفاع عن حدود السعوديّة، بعد أن تحول أُولئك الأطفال إلى لقمة صعبة سائغة وأموات على قيد الحياة، تنتهك المملكة طفولتهم بأبشع الصور وفي مزاد علني للموت تحمي بهم السعوديّة حدودها.
وأشار التحقيقُ إلى كيفية استقطاب الأطفال للقتال في الحدود نيابة عن السعوديّة، حَيْــثُ سلط الضوء على قصة الطفلين أحمد ومحمد اللذين لم يتجاوز عمرهما 16 سنة، بعد أن غادرا تعز هرباً في رحلة برية تستغرق أيّاماً عبر باصات السماسرة وفي رحلتين منفصلتين وعبر طرق بعيدة وصولاً إلى البقع أحد المنافذ التي تربط السعوديّة باليمن، وتدور فيها معارك طاحنة، مبيناً أن الأطفال يذهبون إليها مقابل حفنة من الريالات بعد أن يصبحَ جندياً وهمياً في صفوف تحالف العدوان السعوديّ الإماراتي وجيش ما يسمى الشرعية.
وأضاف: “تحت ضغط الحاجة يستبق الأطفال والشباب إلى اتخاذ قرار المغامرة بعد أن ضيق العدوان والحصار أنفاس اليمنيين وكانت إغراءات السماسرة دافعاً لبحث الأطفال عن الحياة في أماكن الموت”، مشيراً إلى أن الطفل اليمني حين يصل إلى الصف التاسع أي يبلغ من العمر 15 عاماً، فَإنَّ المدرسة تقوم بمنحه رقمَ جلوس كبطاقة تعريفية، تسمح له بدخول منفذ الوديعة، اما لم يكن بحوزة الطفل رقم جلوس فيصدر له بطاقة عسكريّة غير رسمية، الأمر الذي زاد أعداد السماسرة، وخلق سوقاً يمكن لأي فردٍ التجارة فيه”.
وتساءلَ التحقيقُ الاستقصائي: ما الذي يدفع إلى تجنيد الأطفال من اليمن وخارجه وتوظيفهم للدفاع عنها في كتاف وعلب والبقع وباقي المنافذ الحدودية للملكة طالما وهي لا تستطيع حماية حدودها، بالرغم أنها قد قرّرت منحَ الجندي السعوديّ في حال قُتل مساعدةً عاجلة بمبلغ مائة ألف ريال سعوديّ، ويمنح لأسرته تعويضاً بمبلغ مليون ريال، إضَافَـةً إلى الالتزامات الأُخْــرَى.
تجنيدُ الأطفال بطرق خفية وملتوية
وكشف التحقيق الذي نشرته “الجزيرة” عن وجود المئات من الأطفال اليمنيين في الحدود السعوديّة وتحديداً جبهتَي البقع وكتاف الحدوديتين مع السعوديّة، موضحاً أن المملكة صادقت على البروتوكول الخاص بإشراك الأطفال في الحروب عام 2011 لكنها اتهمت مؤخّراً بتجنيد الأطفال من دارفور واستغلال حاجة الفقراء في حربها على اليمن، أما اليوم فهي تجند الأطفال اليمنيين بطرق خفية وملتوية للدفاع عنها.
وأشار التحقيق إلى الطفل أحمد النقيب الذي اكتشف الخديعة مبكراً واختار الفرار، حَيْــثُ قال الطفل أحمد محمد النقيب في حديثة للقناة: “لا قد استخدمت السلاح ولا أعرف البندقية ولا آلي، ولا حتى قد رميت “قرحت” والله ما قد قرحت”، مضيفاً حول السمسار الذي استلم على كُـلّ واحد 17 ألف ريال يمني قائلاً: “شلنا إلى معسكر جديد استقبال، جلسنا داخله وفيه 5 إلى 7 خيام، وقالوا لنا لواء النصر، ودخلنا اللواء الجديد وأعطونا طعام غير ناضج، رز ناوئ ودجاج ناوئ وشربنا ماء مالح، ولما قمنا نصلي قالوا تيمموا ما فيش ماء، وجلسنا داخل اللواء ومكنوننا ندخلكم بكرة السعوديّة، وجاء قائد اللواء وباعنا للواء آخر لواء الوحدة.
وحول المستحقات المالية التي كان يحصل عليها قال الطفل أحمد محمد النقيب: “ما ادوا لي إلّا ألف وخمس ويسرق القادة نصفه الألف والخمس، والأولين أدّوا لهم ثلاثة ألف.. شافوا السوق عندهم امتلأ، ما عاد ادوا لهم إلّا من ألف وخمس.. قال لنا شغل استعد استريح والله ما يعطيك إلّا بندقية وجعبة ويقول لك اطلع الجبهة ما تشوف إلّا وقد الحوثي فوقك وماب يدربوهم ولاشي.. بعدها عرفت أنه لا فائدة أخذت نفسي وخرجت من المعسكر جلسنا هناك بمنفذ الوديعة يومين ننام وسط الجامع هاربين من المعسكر”.
ونوّه التحقيق إلى أن أحمد النقيب الطفل الذي ذهب بقدميه إلى الموت عند الحدود ونجا منه حين اتخذ قرار العودة إلى تعز كان الموت هذه المرة في انتظاره رصاصة في الرأس من سلاح منفلت أنهت نضاله من اجل الحياة في بلد حوّله تجار الحرب إلى مقبرة، مات أحمد ونفس الأطفال الذين وقفوا خلفه ضاحكين يقفون اليوم دونه، متسائلاً: ترى من الطفل القادم يا يمن.
السعوديّةُ تستغلُّ أطفالَ اليمن رغم امتلاكها كُـلّ أنواع الأسلحة
من جانبه قال محمد النقيب والد الطفل أحمد “سمعت صوت من أهل القرية يقول يا نقيب يا نقيب أحمد ابنك هرب، قلت وين هرب؟ قالوا البقع” مضيفاً: “يستغلوا طيش الأطفال ويستغلوا الوضع المادي الصعب لدى الناس، يخرج الطفل من بيته وما معه في جيبه ألف ريال، وهناك من يستهدفه في الشوارع بحيث يقوم بعملية ترويج”، وعلّق ساخراً على تجنيد العدوان السعوديّ للأطفال اليمنيين قائلاً: “يملكون الطائرات ويملكون المعدات ويملكون الأقمار يملكون الأسلحة يملكون الأنْظمة التي تقوم بحمايتهم ولكن نستغرب أين هذه الأسلحة وأين هذه المعدات.. بينما يستغلون الأطفال للدفاع عن المملكة العربية السعوديّة”.
مبيناً أن نجلَه أحمد قلب ميزان حياتهم، حَيْــثُ أصبح نهارنا طويلا وليلهم حزينا حتى أن أُمَّه كانت تنظر كُـلّ يوم إلى الفراش والدموع تتساقط من عينيها.. وتدعو يا الله ضيّق عليه خليه يرجع، مضيفاً: “تصور أن ابنك فلذت كبّــدك ليس في البيت.. وفي مكان خطر.. يعني تتصور يأتوا اليك بالخبر ويقولوا ابنك مات.. ولن تستطيع أن تحصل على جثته.. وما الهدف من القتال.. يعني ادافع أنا على السعوديّة ليش أنا ادافع”.
وأردف والد الطفل أحمد بالقول: “بعدين اتصل لي وقال لي يا أبي لا يوجد إلّا بيع أرواح، قلت له يا ابني أنا كلمتك وفهمتك وأنا اعرف احسن منك ولكن أنت ما رضيت تفهم.. الآن وصلت هناك وعرفت الحقيقة”.
أطفال يمنيون للبيع
وفيما يخُصُ محمد الطفل الذي أفلت من الموت بعد وفاة ستة من أخواته بظروف المرض والولادة وأصبح جندياً طفلاً على الحدود السعوديّة فإنه لم يتصل بأهله منذ شهور ولم يعد يراه أحد إلّا في الصورة المعلقة على الجدار، وقد حاول معد التحقيق تتبع مصير الطفل محمد والاطلاع على نسخة من كشف سري قدمته ما يسمى الشرعية في اتّفاق السويد يوثق أسماء المعتقلين ولكن لم يكن اسمه بينهم، فمصيرُه أمام احتمالين إما أنه مات أَو أنه مفقود.
ويقولُ علي حميد والد الطفل محمد “ما درينا إلا عندما الولد صمم يروح البقع.. أصلاً الظروف هي اللي تخلي الواحد والمعيشة، وقد يكون غرر عليه ناس وقد يكون.. عباد الريال يعتبروا، كله عشان المال، هذه تعتبر تجارة، مفيش شغل خربوا كُـلّ حاجة ضيقوا علينا وحاصروا الناس وما تعرف تشتغل، يضطر انهو يروح يعني يبيع نفسه بيع”.
وحول مصير ابنه محمد يتحدث الرجل العجوز بصوت يكسوه الحزن ” ما ارسل ولا أنا داري أين هو؟ امه خلاص موكلة لله ماذا تفعل.. يعني لا نريد منه شي.. اللهم أنه نشتي نعرف هو حي أَو ميت.. الآن له أربعة أشهر وهذا الخامس ولا خبر وللحين لا ادري اينه.
ألوية المرتزِقة تستقبل الأطفال بمنفذ الوديعة
بدوره كشف التحقيق التلفزيوني عن محادثة هاتفية جرت بين أحد السماسرة ومتصل تابع ل”الجزيرة” يطلب تسفير أطفال إلى الجبهات، حَيْــثُ طلب المتصل من السمسار أخذ 3 أطفال إلى البقع واحد عمره 15 واثنين أعمارهم 17 عاماً ولا يملكون بطائق، الأمر الذي جعل السمسار يخاطب المتصل بأنه إذَا ما في رقم جلوس وعمره 15 سنه با يقطع لك التحالف بطاقة عسكريّة، بالرغم أنهم لا يمتلكون شوارب ولا لحى”.
وقد طمأن السمسار المتصل بأنه “لا مشكلة إن كانوا أطفالاً؛ لأَنَّ السعوديّة ستقبلهم بالتأكيد في البقع وعليه فإنه سيرى أي باص ذاهب للوديعة لأخذهم معه وتسليمهم أي لواء مثل لواء الفتح أَو لواء 102”.
ويعاود المتصل اتصاله مرة أُخْــرَى للسؤال قائلاً: كيف الرواتب هناك؟ فيجيب السمسار: كيف بعد شهر بعد شهرين يصرفوا لهم، الرجل المرتزِق عبر الهاتف قائلاً: اقصد الرواتب هناك كيف يجيبوا لهم بعد شهر، شهرين أَو كيف؟؟
السمسار: الرواتب كُـلّ شهرين يجيبوا لهم ثلاثة ألف.
المتصل: اووه.. شهرين تمام حلو.
السمسار متسائلاً: هل يقدروا يتحملوا البندقية؟
ويرد المرتزِق: اكيد يقدروا يتحملوا البندقية.
السمسار: خلاص يدخلوا الجبهات.