الشهيد الشاهد (4) الشهيدُ القائدُ ومشروع إثبات الإسلام المحمدى الأصيل .. بقلم/ أم مصطفى محمد
لقد حرص الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في أَكْثَــر من محاضرة على بيان أن محتوى الرسالة الحقة هي الصدق والعزيمة وحب الناس والتضحية والإيثار، وبالتالي الإيْمَـان والعمل الصالح، أما الإطار فهو الصلاة والزكاة وتلاوة القُــرْآن الكريم والالتزام بالعبادات، وبيّن الشهيدُ القائدُ أن الإنْسَانَ الذي يتعهّـدُ الرسالة الإلهية عن قناعة وفهم سوف يستهدفُ المحتوى الرسالي من خلال ممارسته لإطاراتها المعلومة، أما حين يرث الإنْسَان الرسالة إرثاً فهو يفرغُ الإطارات من محتوياتها فإذا به لا يفهم من الصلاة إلا بضعة حركات ونشاطات جسدية فحسب وهنا تضيع الصلاة عند هذا الجيل، إِذ أنها بذلك لا تؤدي رسالتها، فأراد الشهيد القائد أن يبين أن الأُمَّـة التي ورثت الرسالة لا بُـدَّ من أن تتحمل مسؤولية مقاومة التحريف التي يريدها العدوّ الإسرائيلي والأمريكي حتى لو أعطت في سبيل ذلك الكثير من التضحيات؛ لأَنَّها لو أمعنت النظر قَليلاً في الشعوب التي فرغت الرسالة من محتواها لوجدت في تأريخ تلك الشعوب المآسي والويلات من قتل وتشريد وحروب فاشلة تتصل بمذابح دامية وآمال محطمة وكوارث فجّرت دموع الملايين.
إن الشهيدَ القائدَ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- قد حرص على إثبات الإسْــلَام المحمدى الأصيل وَدحض الإسْــلَام الأمريكي، ذلك الإسْــلَام الأمريكي الذين يريد أن يفصل المجتمع وَالسلوك الاجتماعي للبشر عن الدين وَالإسْــلَام، مستنداً على وجود مجموعات تحمل نظرة متحجرة للدين من خلال تعصبها لأسس خاطئة ما أنزل الله بها من سلطان، فبيّن الشهيد القائد من خلال محاضراته أن هذا النوع من الإسْــلَام موجود في عالمنا الإسْــلَامي وَمدعوم من قبل القوى المتجبرة في العالم من قبل أمريكا وإسرائيل، وهدف هذا الإسْــلَام هو تفريق المسلمين من خلال إثارة النعرات الطائفية، فها هو الشهيد القائد يبين ذلك بقوله (كثيراً ما ذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- اليهود وركز على أنهم يستخدمون سياسة التفريق ويعززون الفرقة المذهبية التي بين المذاهب؟ هم كما يقال وراء تأسيس عدة طوائف: الوهابية في الحجاز، والبهائية في إيران زمان، والقاديانية في الهند وفي باكستان، عدة طوائف، هم أسسوها وانظر كيف كانت الطائفة الوهابية تتحَـرّك في الدنيا كلها، ألم يكونوا يتحَـرّكون في الدنيا كلها؟ بكل هدوء وبمعنويات مرتفعة ولا يخافون شيئاً؛ لأَنَّ ما هناك من يخافون منه، هم لا يخافون أمريكا ولا يخافون أحداً، هم من جندوهم، تحَـرّكوا في الحجاز وفي اليمن وفي باكستان وفي الجزائر وفي مصر وفي مناطق كثيرة)
إن القضيةَ التي كانت تشغل ذهن الشهيد القائد في كُـلّ مراحل حياته هي قضية فلسطين؛ لذلك نجده -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- يوجهنا نحو القضية المحورية، وهي أن فلسطينَ قلبُ الأُمَّـة، فهذه القضية هي قضية التحدي التي في أحد بُعدَيها مؤشرات الضعف الذي يعتري المسلمين، وفي البعد الآخر مؤشرات الاستكبار وأَمَارات مشروعه للهيمنة على الأُمَّـة ومقدراتها؛ لذلك نجد الشهيد القائد قد بيّن في كثير من محاضراته أنه لولا الضعف والوهن والانقسام والتبعية والتشرذم في عالم المسلمين وبين صفوفهم لما استطاع حفنةٌ من اليهود المطرودين من عالم الرحمة والمشتتين في الأصقاع وَقليلي العدد أن يجتمعوا ويتآمروا على الأُمَّـة ويخططوا للانقضاض عليها من خلال التواجد في قلبها، وكذا بناء القاعدة للانطلاق نحو دولها وإماراتها وكياناتها؛ لتجعل من ذلك مقدمة للسيطرة على الأرض والثروات والمقدرات، وقد ركّز الشهيدُ القائدُ على الأسباب الكبرى والرئيسية التي تقف وراء ما حصل، والتي تمثلت أَسَاساً في الحكام والرؤساء والملوك والزعماء والأمراء والحكومات والإدارات والسلطات والأنظمة الحاكمة في دول المسلمين، وهو بذلك يريد أن يضع الأمور في نصابها من خلال الإشارة إلى مكمن الداء الحقيقي دون مواربة ودون مهابة أحد؛ لأَنَّ القضية لا تحتمل ذلك، ففلسطين ضاعت والأمة ضعيفة والمستقبل لا يبشّر بالخير في حال التقاعس عن القيام بواجب المجابهة والمواجهة مع الكيان المختلق “إسرائيل” فإما أن هؤلاء الخونة والعملاء يفتضحون فتنتبه الشعوب إلى ضرورة تغييرهم أَو مجانبة مشاريعهم ومقرّراتهم، وإما أنهم يستيقظون على وقع الخطر الداهم ليس فقط على الشعوب وإنما على الأنظمة والحكام جراء بقاء “إسرائيل” التي تريد في نهاية المطاف حكاماً عبيداً لها، وهذا هو الحاصل اليوم، وعلى كُـلّ الأحوال لم يكن الشهيد القائد ليعوّلَ كثيراً على الحكام طالما أنه يعرف طبيعة العلاقة بينهم وبين الدول الداعمة لـ “إسرائيل”.
لقد كان الشهيد القائد عالمي الرؤية، ولم ينحصر اهتمامه أَوْ نظرته أَوْ توجُّهه في محيطه المذهبي ولا الجغرافي ولا العشائري؛ كَــوْنه استنار بالقُــرْآن الكريم، فكان فعلاً عالمياً بعالمية القُــرْآن في رؤيته الواسعة، واهتمامه الواسع، وفي نظرته الواسعة، وفي أفقه الواسع ولقد أصاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله حين قال (كان استهداف هذا الرجل العظيم بما يمثله من مبادئ وقيم ومواقف، اسْتِهْــدَافاً للحق، اسْتِهْــدَافاً للحرية، استهدافاً للقُــرْآن الكريم، وكان بهدَفِ إسكات صوت الحق، وكان بهدف إطفاء نور الله.