يا تأريخُ اكتُــبْ .. بقلم/ زينب عبدالوهاب الشهاري
حينما كانت الأقلامُ تخُطُّ جهاداً وَوعياً وَأملاً، وَكانت البراءةُ تنهَلُ من ينبوع المعرفة وَالبراعم تنمو وَتزهر في صرح العلم، وَالعيون الحالمة ترنو لمستقبل اليمن الواعد، إذ بيد الإجرام وَعلى حين غرة تقطف هذه البراعم من بين أحضان مدرستها وَبكل وحشية ترسل حمم الموت عليها وَتردي فتيات بعمر الزهور شهيداتٍ مضرجاتٍ بالدماء، غضب العدوان من إرادة حطمت غروره وَمن قوة هزمت عنجهيته وَمن حُبٍّ لوطن أغاظه حَــدَّ الجنون فلم يرَ بُدّاً من الانتقام وَصنع بطولة على أجساد فتيات صغار..
هكذا تُختَطف الأرواح في وطني بكل بساطة وَبكل برود، ضحايا.. دماء.. وجع.. موت.. حزن.. هكذا يأخذونهم وَفي غمضة عين، وَهكذا يتكرر المشهد… أُمٌّ تفجع بابنها وَوالد يقهر على ابنته وَأخٌ يودع أخاه، نقصف في بيوتنا، في أسواقنا في مدارسنا، في الحزن وَفي الفرح نقتل، في الطريق، في المشفى نقتل، في أي وقت وَفي كُـــلّ مكان وَلا نملك إلا أن ندفن أحباءَنا في صمت، فمهما صرخنا من شدة الوجع الذي يظل يأكل قلوبنا وَيكوي أرواحنا وَيعصف بحياتنا فلن يسمع أحدٌ فقد صُدَّت دوننا كُـــلّ الأبواب وَأغلقت كُـــلّ النوافذ وَسُلِّط علينا من لا يرحم، وَعلى وثيقة الموت وقع العالم بحبر الدم وَبصم بالأشلاء وَمنح الجلاد مطلقَ الحرية ليدمّر كيفما يشاء وَيذبح كيفما يشاء، وَكلما جاع أشبع بطنَه من أجسادنا وَكلما عطش روى ظمأه من دمائنا في شهية مفتوحة تنادي فقط هل من مزيد..
إن دماءَ الثأر التي تفور في عروق اليمنيين الأحرار لن تهدأ إلا بردٍّ مزلزل على كُـــلّ جريمة وَيثلجُ قلبَ كُـــلّ أم وَأب فقد ابنته وَفُجِعَ بفلذة كبده التي أرسلها بكل اطمئنان في درب العلم لتعودَ جثةً هامدةً وَتبقى حقيبتها وَدفاترها وَكتبها وَأقلامها شاهدة أمام العالم في كُـــلّ زمان إلى يوم الحشر على وحشية عدو يملك ماضيا وَحاضرا وَمستقبلا مشرَّبا بالجرائم وَملونا بالدم، وَيريد قتل الإنْسَان وَتدمير الحاضر وَالإجهاز على المستقبل لبلد هو أصل التأريخ وَمهد الحضارات وَلكن هيهات أن نسكت، وَيبقى ميدان القتال هو الحَكَم وَالفاصل بيننا وَبينهم، وَقد أقسم اليمني أن يجعلَ أربابَ العدوان وَمرتزِقتهم يندمون على كُـــلّ جرم اقترفوه.
و يا ذاكرةَ اشهدي وَيا تأريخُ اكتُــبْ.