ما لم يفعلْه الشهيدُ حسين الحوثي .. بقلم د/ أحمد الصعدي
كانت ذكرى استشهاد حسين بدر الدين الحوثي والفعالياتُ التي زامنتها، فرصةً لمعرفة بعض وقائع حياتهِ الكفاحية الفكرية والتوعوية والعملية، التي أثمرت ما صار يُعرَفُ اليوم بـ(المسيرة القُــرْآنية) وَ((أنصار الله)).
ومما يُلفِتُ النظرَ ويدعو للتأمّل هو انعدامُ الإمكانيات المادية والتقنية وبساطة ما توفّر منها وصعوبة وتعقيد الواقع المجتمعي والسياسيّ الذي نشط وتحَــرّك فيهِ الشهيد، هذا من جهة، ومن جهة أُخْــرَى، تلك الثقةُ الراسخة والإيْمَان العميق بأن جهودَه ستُثمِرُ في المستقبل، رغم أجواء اليأس والخنوع والإحباط التي كانت سائدةً في اليمن والوطن العربي ككل بعد خلوِّ المجال العالمي للاعبٍ واحد مهيمن هو الولايات المتحدة الأمريكية وَحليفها المدلَّل الكيان الصهيوني.
في تلك الأجواء بدا الشهيدُ حسين الحوثي كأنه يسبَحُ ضد التيار الجارف، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. وما فعلَهُ قد أصبح معروفاً إلى حَـــدٍّ ما، لكن هنالك أمر في غاية الأهميّة لا يتوقف عندَهُ المتحدثون بما يستحقهُ مِن الاهتمامِ، أعني بهذا الأمر ما لم يفعلْهُ، لكنهُ، أي ما لم يفعلْهُ الشهيد حسين الحوثي أعطى نشاطَهُ وفِكرَهُ قوةَ التأثير في الناس بصورة فريدة، وجذب إليهِ أعداداً منهم كانت تتزايدُ رغم معرفتهم أن اختيارَ هذا الطريق فيهِ مخاطرةٌ لم يقوَ عليها كثيرون، تشملُ التغييبَ والتعذيبَ في السجون وفقدانَ الممتلكات الخَاصَّــة ومصدر الرزق والحياة برمتها.
الجانبُ الذي أعنيهِ بما لم يفعلْهُ الشهيد حسين بدر الدين الحوثي أوضحه كما يلي:
أخبرتنا تجاربُ العقود الماضية أن الحكامَ في صنعاء وكذلك في الرياض كانوا يفضّلون إسكاتَ كُــــلّ صوتٍ غير مرغوب بهِ بالمال وبالمصالح، ومن لم تنجح معه هذه الوسائل تستعمل معهُ وسائلُ أُخْــرَى أبرزها التصفية الجسدية.
ولنفترضْ أن السيدَ حسين الحوثي استمرَّ في إلقاء المحاضرات وإصدار الملازم وتحشيد الناس، ورفع نبرة خطابهِ، وفي الوقت نفسهِ ضَعُفَ أمام إغراء المال والمصالح، وطاب لهُ أسلوبُ الحياة المرفهة، مبرِّراً لأتباعهِ أن أخذَ المال أَو تقلُّدَ المناصب لا يعني أبداً تقديمَ أية تنازلات ثمناً لذلك، كما كان يردّدُ من يستلمون الملايين من اللجنة الخَاصَّــة السعوديّة ويدّعون في الزقت نفسه أن هذه الأموال منزَّهةٌ عن الغرض ولا تؤثر مطلقاً في مواقفهم الوطنية بما في ذلك في تمكين النظام السعوديّ من قضم الأراضي اليمنية بديمومة لم تنقطع حتى بعد توقيع اتّفاقية ترسيم الحدود.
ولنفترضْ كذلك أن الملتحقين بمسيرة الشهيد حسين الحوثي لاحظوا أنه قد صار يملكُ قصراً فخماً في واحد من أرقى أحياء العاصمة صنعاء، وأنواع من أحدث وأغلى السيارات مع استمرار دعوته إلى الزهد والتقوى، وأنه بعَثَ بأولاده وبناته وأقاربَه إلى الجامعات الغربية، ويخطط لتمكينهم من شغل مناصبَ مربحةٍ عند عودتهم إلى الوطن، ويؤهِّلُهم لكي يصيروا مالكي شركات وعقارات وبنوك، كما فعل كثيرون امتصوا عَرَقَ ودم الشعب اليمني وأذلّوه وأفقروه على مدى عقود، واستمر في الوقت نفسهِ يدعو الناسَ إلى الجهاد في سبيل الله هم وأولادهم.
أقول: لو أن الشهيدَ حسين الحوثي ظل يخطُبُ ويدعو لكل ما دعا إليه وفعل في الوقت نفسهِ ما أشرت إليه سابقاً هل كان سيؤثر في الناس، وهل سيلتحقون بمسيرته طوعاً واختياراً ويضحّون بحياتهم وأموالهم وممتلكاتهم! أعتقد غيرَ ذلك، اعتقاداً جازماً. فقوةُ تأثير الشهيد حسين الحوثي لم تأتِ من وضوح رؤيتهِ وحاجة الناس إليها فحسب، بل ومن صدقِه وإخلاصِهِ ومن اتساق أقوالهِ وأفعاله.
لقد تحدث الشهيدُ حسين الحوثي بصراحة عن ما آمن بهِ وعاشَ كما آمن وتحدث، وتوَّج تلك الوحدة المنسجمة بين الإيْمَان ومقتضياته والصدق مع الله ومع النفس ومع الناس بالشهادة، فكان له هذا الأثرُ الذي نشهدُهُ اليوم، والذي يعلمُ اللهُ وحدَهُ ما سيبلغُهُ في المستقبل.
لقد وُجِد أشخاصٌ كانوا خطباء مفوّهين، وقادرين على انتقاءِ الألفاظ وصياغة الجُمَل التي تسحر السامعين والقراء، وكانت لهم إمكانياتٌ هائلة، وفُرَصٌ ملائمة وأتباع كثيرون إلا أنهم كانوا يقولون أشياءَ ويفعلون ما يناقضُها؛ لهذا تخلى عنهم الناس، وأصبح أكبر ((نجم)) فيهم مجرد (مفسبك) يكتُبُ بسطحية وضحالة وسخافة لاهثاً وراء أكبر عدد ممكن من إشارات الإعجاب.
فاعتبروا من حياة وكفاح الشهيد حسين الحوثي يا أولي الألباب، ولا تنسَوا جهادَ النفس الأمَّـارة بالسوء والميَّالة إلى شهوات الدنيا ومغرياتها.