شهيدُ الصمود (1) الدورُ المفصلي الذي لعبه الشهيدُ الصمّاد في تأريخ بلادنا .. بقلم/ أم مصطفى محمد
إن قراءةَ التأريخ بصورته الحقيقية ومحاولةَ الاستفادة منه تحتمُّ علينا الوقوفَ عند سيرة الشخصيات التي كانت حركتُها مفصليةً في تأريخ الشعوب، سواء ماضياً أَو حاضراً، فقراءةُ تجربة القيادات الحكيمة التي دخلت التأريخ هي من الأمور التي دائماً ما تستوقفُ المُنظِّرين والمفكرين وواضعي السياسات الاستراتيجية؛ وذلك لما تحتويه من دروسٍ قيِّمةٍ في القدرة العالية لهؤلاء القادة على ربط الماضي الذي عاشوه بالحاضر الذي خطّطوا له، وهذا الأمر هو جوهر الاستراتيجيات الناجحة.
ولعلنا عند قراءتنا للتأريخ المعاصر وبموضوعية نجدُ وبوضوح أن شخصية الشهيد الرئيس صالح الصمّاد -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- من تلك الشخصيات التي لعبت دوراً مفصلياً في تأريخ بلادنا في فترة كان الانهيارُ هو الأمرَ الحتميَّ لهذا الشعب المظلوم، فكان هذا القائدُ بعقيدته الراسخة وبهمّته العالية وبإيْمَانه العظيم وبرؤية القيادة الحكيمة هو صمامَ الأمان لمجتمعنا، حَيْــثُ كان ركيزةً من ركائز استقرار هذا البلد فكان بحقٍّ رجلاً استثنائياً بما تعنيه الكلمة.
لقد استطاع هذا القائدُ البطلُ بصموده الأسطوري أن ينفخ فينا روح العزة والكرامة، فمنذ اللحظات الأولى التي تسلَّم فيها زمامَ الأمور، استطعنا أن نكتشفَ أنفسَنا وأن نكتشف ما نمتلك من قدرات، وما إطلاقُه لمشروع “يدٌ تبني ويدٌ تحمي” إلا بهدف إخراج القدرات والإمكانيات التي تمكّننا من الصمود أمام هذا العدوان الغاشم، ذلك الصمود الذي شاهده العالم بأم عينيه؛ كَــوْن الكثير من الوعود الإلهية قد تحقّــقت على يد هذا الشعب المظلوم، فالأشياء التي كنا نقرأ عنها في التأريخ ونراها في الكتب أَصْبَـح العالمُ يشاهدها أمام عينيه كانتصار المستضعفين على المستكبرين وكالإيثار بالنفس الذي لم يتحقّــقْ إلا في واقعة كربلاء من خلال أولئك المخلصين الذين ضحَّوا بأنفسهم من أجل نُصرةِ الإمام الحسين عليه السلام، فهذا الإيثار الأسطوري قد لمسه العالمُ من خلال المشهد العظيم الذي سجله المقاتل اليمني البطل أثناء قيامه بإنقاذ زميله الجريح وحمله رغم زخات الرصاص التي أطلقها منافقو العدوان باتجاههما في إحدى جبهات العزة والبطولة بمحافظة الجوف، كما رأى العالمُ بأسره تلك المرأةَ اليمنية التي ضربت أروعَ الأمثلة في الصبر والعطاء والدفع بأبنائها وإخوتها إلى الجبهات؛ دفاعاً عن الوطن وحماية أراضيه والانتصار لمظلومية شعبٍ اختار العيشَ بكرامة وعزة ورفض الخنوع لقوى الاستكبار، فكشف بذلك الشعب اليمني المظلوم للعالم بأسره أن قصور المستكبرين الرائعة ظاهرياً ما هي إلا قصور بُنِيَت على شفا جرف هارٍ، وأن ذلك المستكبر ما هو إلا ذليل مهان، فهذه الحوادث وغيرها التي شاهدها العالم في هذه السنوات القصار التي تولى فيها هذا القائدُ الشريفُ إدارةَ البلاد دفعت بنا للوقوف قليلاً أمام هذا المجاهد البطل؛ للتعرف عليه أَكْثَـرَ؛ ولنتبين ذلك السر في تلك الشخصية التي أبكت المخلصين من هذا الشعب والمخلصين من الأحرار في العالم برحيلها المفاجئ.
لقد وُلِدَ الشهيدُ الرئيسُ صالح علي الصمّاد رحمه الله في 1 يناير 1979 في منطقة بني معاذ مديرية سحار بمحافظة صعدة، حَيْــثُ عاش طفولتَه المبكرة في تلك المنطقة، أما عن شبابه فقد تخرج من جامعة صنعاء حاملاً درجة البكالوريوس في القُــرْآن وعلومه، فكانت هذه الدراسةُ كفيلةً لأَن تفتحَ له البابَ لحفظ كتاب الله تعالى عن ظهر قلب ولكونه -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- لم يكن ليركنَ إلى دِعَةٍ أَو خمول، فقد عمل بعد تخرجه مدرساً في مدرسة عبدالله بن مسعود في محافظة صعدة، ولم يكن الشهيدُ رحمه الله ليكتفيَ بما أخذه من علوم في دراسته الأكاديمية بل حرص على تعلم العلوم الدينية على أيدي العلماء الذين كانوا في منطقته، حَيْــثُ نجده قد درس العلومَ الدينية على يد العالمين الجليلين مجدالدين المؤيدي رحمه الله وَالذي كان مقيماً في منطقتهم وكذا السيد العلامة بدرالدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ-، حَيْــثُ تلقى الشهيدُ صالح الصمّاد من هذين النجمين العلومَ المتعلقة بالجانب الديني؛ بُغيةَ معرفة الدين المعرفةَ الكاملة؛ ليصقلَ بذلك نفسه من خلال ارتباطه بالله تعالى وبعلوم آل البيت عليهم السلام، ولقد كانت الفترة التي قضاها الشهيد الصمّاد رحمه الله في تلقي العلم علي يد العلامة السيد بدر الدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- هي بدايةَ ارتباطه بالشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- كما كانت البدايةَ التي غيّرت حياةَ الشهيد صالح الصمّاد تغييراً جذرياً، فبالرغم أنه رحمه الله كان يُعرَفُ بجديته وعمله الدؤوب منذ ما قبل بداية المسيرة القُــرْآنية وَالتي أسسها الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- إلا أنه قد أدرك رحمه الله أن الطريق الذي سيسلكه مع الشهيد القائد هو طريقٌ محفوفٌ بالمخاطر والابتلاءات؛ كَــوْنه طريقاً يمثل الصراعَ بين الحق الذي يمثله أهله وبين الباطل الذي يمثله أراذلُ الناس، فكان على الشهيد صالح الصمّاد رحمه الله أن يختارَ مع من يكون.. هل يكونُ مع أصحاب المصالح، ومع الجبناء، ومع أصحاب الأهواء.. أم يكون مع الصادقين؟.. وهل يكون مع الحسين ورسالته.. أم مع يزيد وسلطانه؟ ولعل وقوفَه رحمه الله مع الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- قد بّين لنا أيُّ الطريقين قد سلكه هذا الشهيد البطل.