لحظاتُ وداع .. بقلم/ زينب إبراهيم الديلمي
في الصباح الباكر، استيقظتْ من منامها لتذهبَ إلى مدرستها بكل نشاط وحماسة.. تناولت وجبة الإفطار وتوجّـهت إلى غرفتها لتحمل حقيبتها وتُقبِّل والدتها ”كآخر لقاء بينها وبين والدتها وأسرتها”، اتجهت إلى منبر علمها حاملة مستقبلها راجيّة من الله أن يتوقفَ العدوانُ الغاشم على بلادها وأن تبني مُستقبلها المنشود، آملةً أن يتحققَ في يومٍ حصدت ما أثمرته خلال الاثنتي عشرة سنة من دراستها..
سَرعانَ ما انقضى الوقت وانقضت الحُصص الدراسيّة.. وهي تنتظرُ مجدّداً لأن تعود إلى منزلها الدافئ وأسرتها المطمئنّة، أسرعت حمّالة الحطب إلى قصف مدرستها وإضرام النيران فيها بصواريخها اللعينة لتنصب شرارة الإجرام على رأسها ورأس زميلاتها لترتقيَّ إلى عالم السماء تُحلِّق بجناحيها إلى عنان الملكوت الإلهي..
ففي تلك اللحظات التي حلَّقت روحها إلى الله، أصاب أهالي منطقتها بالهول والخوف والثبور وكأنه يوم المحشر.. فلم تبقَ إلاَّ جسدُها الشاهد الحي على قبح وإجرام ودناءة العدوان المُعتل بداء الخُبث والمكر والخديعة والرذيلة.. فأسرع والدها ليبحث عنها وهو يُنادي: أريد ابنتي!!
ليست تلك أول جريمة يرتكبُها العدوُّ الأحمقُ يا أمي، بل ارتكب عِدّة مجازر كــ مجزرة أطفال ضحيان.. وكذا مجزرة مدرسة الفلاح وكثير من المجازر الوحشيّة، فلا تخافي ولا تحزني أماه.. ها أنا أحظى بجائزة عظيمة في جنّات العلياء، وقد شاءت إرادة الله أن أحلِّق طيراً في ملكوته العظيم.. فالدنيا هي فانيّة ومستقبلي الذي خططتُ له حين ما كنتُ في الدنيا فانٍ، لا تحزني أماه على فراقي إياكِ.. ها أنا على الدوام أزوركِ وأطمئنُّ على صحتكِ وأنتِ لا تشعري بذلك..
فالعدوّ لا يخجل أبداً من غضب الله ومن سخطه، ولا يخجل من إباء ضيم الشعب اليمني الذي رفض الخضوع والركوع لطُغاة الأرض.. ولا يتيقَّن قط بأنَّ الدماء التي سقطت وروت الأرض ستصبحُ نارة وشرارة ولعنات وغضب على العدوّ ومن أيّد إجرامه، فإن صُحف الله التي لا تُبلى ولا تتبدد تُسجل على الدوام قُبحهم وإجرامهم ودناستهم لتُعرض في يوم اللقاء والمحشر.. فدعوا هذه الضمائر الميّتة وشأنها إلى أن تستيقظ من غيبوبتها الطويل وترى الوضع جيداً.. أماه، أبتاه.. وداعاً.