الكوليرا السعوديّة أنواع! بقلم د/ وفيق إبراهيم
انتشارُ الكوليرا في اليمن حقيقةٌ لا تحتاجُ إلى عناءٍ كبيرٍ لترصُّدَها، فالجزءُ الذي تحاصِرُه القُـــوَّاتُ السعوديّةُ والإماراتية في اليمن يشهدُ إصابةَ الآلاف من سكانه بأوبئة الكوليرا، والطاعون والجرب، إلى جانب عشراتِ الأنواع من الأمراض العادية التي تستعصي على الأطباء؛ لفقدان الأدوية والأمصال.
وهذا سببُه دولُ الحصار العربية المتحالفة مع الأميركيين والإسرائيليين والبريطانيين. هؤلاء باعترافِ الإعلام الغربي يمنعون الطعامَ والدواءَ عن اليمن المحاصر، متسبّبين بنشر جوعٍ عام قلَّ مثيلُه في المائة سنة الأخيرة.
وكأن هذه الأوبئة لا تكفي، فترفُدُها قُـــوَّاتُ الحصار السعوديّة الإماراتية بقصفٍ عنيفٍ ومتواصلٍ لا يستهدفُ إلا المدنيين والنساء والأطفال والطالبات، فكيف يجرؤون على الذهاب إلى المدارس فيما يرسلُ آل سعود النساءَ السعوديّات إلى السجون بمُجَــرّد تعبيرهن الرافض للقمع وعلى أجهزة التواصل الاجتماعي فقط؟، هناك يتحرّش بهنّ رجالُ الأمن ومرافقو الأمراء إلى حدود الاغتصاب!، اسألوا لجين الهذلول ورفيقاتها عن أمور مخجلة يعتبرُها آل سعود إجراءً وقائياً لصون مملكتهم!.
قبل شرح الأنواع السيئة من كوليرا خاصة من إنتاج آل سعود لا بد من إدانة هذا الصمت العالمي، الذي يكتفي في معظم الأوقات بإدانة مجزرة ما ليوم أَو يومين، وسَرعانَ ما يغرقُ في صمت المتواطئين.
فما يجري في اليمن اليوم هو «مجزرة مفتوحة» تستهدفُ شعباً آمناً وعصياً يتعرّض لأكبر مذبحة منذ أربع سنوات متواصلة من التحالف الخليجي الأميركي الإسرائيلي البريطاني؛ ولأن هذا التحالُفَ يسيطر على الإعلام في العالم فإن هناكَ تعتيماً كبيراً على المجازر المقترَفة في اليمن وحقيقة الصراع السياسيّ بين المشروع السعوديّ الأميركي للسيطرة على اليمن وبين مجاهدين يمنيّين يؤمنون بتحرير بلادهم من محاولة استعمار سعوديّ جديد عليهم بخلفية أميركية. وهذا يشملُ إقامةَ علاقات طبيعية مع «إسرائيل» بدأت تلوح في التطبيع المتدحرج بين الدولة الوهمية لعبدِربه منصور هادي وحكومة الكيان الغاصب. أليست هذه الانعكاساتُ من أهداف الحرب الخليجية على اليمن؟ أما لجهة نشر الكوليرا وتعميم الجوع، فهي آليات لاستنفاد قدرة اليمنيين على الصبر والصمود.
لذلك يؤدي الإعلام الغربي دوراً مشبوهاً يمنحُ العدوانَ السعوديّ الفرصةَ تلو الأُخْــرَى؛ للانتهاء من مجازره، فكان يتجاهلُها في بدايات الحرب، ويقدّمُها وكأنها اشتباكاتٌ داخلية بين يمنيين اثنين متناقضين، ولم يعترف بهذا العدوان الخارجي السعوديّ إلا بعد تطوّر الصراع الداخلي الأميركي بين الديمقراطيين والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبين هذا الأخير مع بعض السياسات الأوروبية والروسية والصينية والتركية. هذه السياسات التي استفادت من اغتيال الإعلامي جمال الخاشقجي على يد أجهزةٍ أمنية تابعة بشكل مباشر لولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان في القنصلية السعوديّة في مدينة إسطنبول التركية.
الإعلام الروسي بدوره يواصلُ تقديمَ العدوان على اليمن على أنه صراعٌ بين شرعية يمثلها عبدُربه منصور هادي وأنصار الله الثائرين عليه.
ولهذا الأمر صلةٌ واضحةٌ بالعلاقات الاقتصادية بين روسيا والسعوديّة، خصوصاً لجهة تنظيم أسعار الطاقة وأسواقها في «أوبيك».
أما الصين فهي أيضاً من المتجاهلين لكن إعلامها غيرُ مرئي في العالم ولا يصل بالتالي إلى أحد، لكنها تراعي الحيادية، فلا تدينُ الحربَ السعوديّة ولا تدافعُ عن اليمن. أليس هذا النفوذُ هو جزءاً أساسياً من أنواع الكوليرا التي ينتجُها آلُ سعود وذلك بالسيطرة بواسطة النفط على قرار مجلس الأمن الدولي؟
هناك ملاحظةٌ إضافيةٌ تتعلّق بصمت المراكز الدينية العالمية عن المجازر التي يقترفُها التحالُفُ السعوديّ في اليمن، فأين الفاتيكان والكنائسُ الكاثوليكية والارثوذكسية التي تتعامل مع الأحداث بعقلية القيم والمحافظة على الحقوق الأساسية للإنْسَــان؟
فلعلَّ هذه المواقعَ الدينيةَ ما زالت تحتفظُ بهوامشَ من حرياتها تستطيعُ أن تستخدمَها في وجه هذه الوحشية المتصاعدة؛ باعتبار أن المراكزَ الدينيةَ الإسلامية تنصاعُ لسياسات الأنظمة السياسيّة عندها، فتصمت أَو تؤيد العدوان لقاءَ هبات من ولي الأمر السعوديّ.
هذا ما يجعلُ اتّفاقَ السويد في حالة انسداد كامل؛ لأَنَّ السعوديّة والأميركيين فشلوا في تحقيق مشروعهم بوضع أيديهم على اليمن سياسيّاً واقتصادياً.
لا بأس هنا من الإشارة إلى أن آل سعود يخشون من أن تؤديَ هزيمتُهم في اليمن لتدحرجِها إلى كيانهم السعوديّ وزعزعتها لأكبر كوليرا منتشرة في العالم الإسلامي في الداخل السعوديّ، كوليرا «الوهَّابية» التي تستند إلى مفهوم غير معاصر وقرون أوسطي يدعو إلى «السمع والطاعة» لولي الأمر حتى و”لو ضربك على ظهرك أَو زنى». فهذه كوليرا فقهية لا علاقة لها بالإسلام وتجسدُ المدماك الأساسي للسيطرة المطلقة لآل سعود على المواطنين.
بناء على هذا المفهوم أليست الوهَّابية كوليرا فكرية تعاود إنتاج الملكيات البائدة المستبدة والمعادية للتطور؟
لذلك تأبى السعوديّة الانسحابَ من حرب اليمن وهي مهزومة، فتبذل جهوداً مليئة بالرشى والمعاهدات الاقتصادية وبيع فلسطين والتطبيع مع «إسرائيل» وشراء الدول وقمع المواطنين، كُـــلّ هذا من أجل التمديد لحكم سعوديّ يناقضُ حركة التأريخ في كُـــلّ شيء تقريباً وسلاحه الوحيد نشر الكوليرا بكل أنواعها المرضية والفكرية والإجرامية..