مفهومُ الشرعية.. من صنعاءَ إلى الخرطوم .. بقلم/ علي الدرواني
قبلَ أَكْثَــرَ من أربع سنوات انطلقت الطائراتُ الحربية الخليجية لتقصفَ اليمنَ وتدمرَها، مستهدفةً المعسكراتِ والمراكز الأمنية والمقارَّ الحكومية والتعليمية وكل المنشآت المدنية، ولم توفر الطرقَ والجسورَ والمدارسَ ولا حتى المقابر، كُــلُّ ذلك بحجة العمل على إعادة ما تسميه الشرعية، وهي شرعيةٌ لا أَسَاس لها ترتكزُ عليه سوى الخارج، فهي لا علاقةَ لها من قريب ولا من بعيد برأي الشعب اليمني ولا اختياره، بل حصل عليها عبدربه من انتخابات صورية غير تنافسية بمرشح واحد هو المدعو هادي، لمدة سنتين فقط، انتهت فعلياً في العام مع بداية العام 2014، ليمددَ له عاماً إضافياً ينتهي أَيْضاً مع بداية العام 2015، قبل العدوان على اليمن، ثم يقضي هادي نفسه على ما تبقى من آثار شرعيته المزعومة عندما قدّم استقالته وحكومته في فبراير من نفس العام، بمعنى أن شرعيتَه قد انتهت ثلاث مرات.
ومع انتهاء هذه الشرعية إلّا أننا شهدنا تشكيلَ تحالف عسكري عريض لإعادتها.
في السودان كان الرئيسُ البشير، بغضِّ النظر عن سلوكه وعيوب حكمه، هو الرئيسَ الشرعي المنتخب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية 2015، بنسبة تجاوزت 90 % من الأَصوات، بغض النظر أَيْضاً عن طعون المعارضة في نزاهة الانتخابات، إلّا أن البشير ظل رئيساً شرعياً تمثلُه سفاراتُ بلاده في مختلف عواصم العالم، والمنظمات الدولية والإقليمية على رأسها الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتّحاد الأفريقي.
وبالنظر في المواقف الدولية ومقارنتها بين صنعاء والخرطوم، ندرك جيداً وبدون عناء أن هناك سياسةَ الكيل بكيالين.
يجب أن نقررَ أَوَّلاً حَــقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وطبيعة نظام الحكم، والسياسة الداخلية والخارجية للبلاد، وهذا ما يجب أن ينطبقَ على اليمن والسودان وغيرهما.
وبناءً على ذلك فقد كان من حَــقّ الشعب اليمني قبل أربع سنوات والشعب السوداني اليوم أن يقومَ بتغيير يفضي إلى مصلحة الشعب ويخدُمُ حاضرَه ومستقبله.
وبالنظر إلى المواقف الدولية والإقليمية من القضيتين يتبين التضاد الواضح، ما يضعُ الكثيرَ من الأسئلة ذات الإجابات المعروفة والواضحة، ومن أهمّ هذه الأسئلة هو لماذا لم تشهد السودان عاصفةَ حزم، لا سيما أن البشيرَ في السنوات الأربع الأخيرة كان أبرز حلفاء الرياض وأبو ظبي، إنْ لم نقل إنه كان تابعاً.. بل إن من اعجب المفارقات أن البشير -الذي أرسل قُــوَّاتِه من أجل ما سمّوها إعادة الشرعية- لم يستطعْ أن يحميَ شرعيتَه بهذه القُــوَّات، فكيف لمن يقدم المساعدةَ لإعادة شرعيته غيره، أن يعجزَ عن حماية شرعية نفسه؟!
السؤال الثاني: كيف قبل العالم بذلك التغيير العميق الذي وصل حَدَّ وصف بيان الجيش، أمس، إلى اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه وحل المجالس المنتخبة في العاصمة والولايات وإعلان حالة الطوارئ و… إلخ. في الوقت الذي رأينا العالم ولا سيما القوى الغربية تصف ما جرى في اليمن بالانقلاب وتدعم التدخل العسكري رغم المجازر الوحشية التي ارتكبها بحق اليمنيين طوال أربعة أعوام، إلّا أنه لا يزال يحظى بالدعم السياسي والعسكري الكامل، من واشنطن ولندن وباريس، وغيرها من الدول بما فيها إسرائيل.
لماذا ليس من حَــقّ الشعب اليمني أن يقررَ مصيره؟!، لماذا يصر العالم المنافقُ على تدميره ومحاولة إعادته للحضيرة السعودية؟، أين هي شعارات حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها؟، هل تخضع هذه الحقوق للانتقائية؟، وما هي معايير الحقوق عند ما يسمى بالمجتمع الدولي؟.
قد يجادلُ البعضُ هنا ويقولُ: إن الشعب اليمني هو من طلب الدعم العسكري لدفع انقلاب الأقليَّة، كما يحلو للرياض وحلفائها الترويج له، مثلاً.. والجوابُ هنا بسيطٌ للغاية وليس بحاجة للعناء؛ لأَنَّ الشعب اليمني هو من يواجه تحالفَ العدوان الطويل العريض على مدى أربع سنوات، ولو كان مُـجَـرّد أقليَّة لتم القضاء عليها خلال شهور معدودة، لا سيما وقد استخدم العدوان كُــلّ الأوراق والوسائل لإركاع الشعب، فإلى جانب المجازر الوحشية والدمار والعبث يمارس العدوان الحصار والتجويع والإفقار ونهب الثروات وسلب الحقوق حتى مرتبات الموظفين قطعوها للعام الثالث على التوالي بعد نقل البنك المركزي والسيطرة على أموال الشعب ومصادر الإيرادات العامة للدولة.
فهل هكذا يتم إنقاذ الشعب، أم تعذيبه وعقابه على موقفه الرافض للهيمنة الخارجية سواء السعودية أَو الأمريكية.
وبالنتيجة فَإنَّ ما يجري في اليمن من عدوان لا علاقةَ له بالشرعية بقدر ما يمثلُ محاولةً من الرياض وأبو ظبي وخلفَهما لندن وواشنطن للهيمنة على اليمن وكبح جماح ثورته الرامية للتحرر والاستقلال الكامل لتكون تابعاً خاضعاً للأجندات الأمريكية والإسرائيلية بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانية يؤمّنُ بعضَ مصالح الرياض وأبو ظبي.
هذا مُـجَـرّد مثال للنفاق الدولي وزيف الشعارات التي يتغنى بها، وهو من جهة أُخْرَى قد يشير إلى طبيعة ما يجري في السودان، ومحاولات الالتفاف على مطالب الشعب السوداني وسرقة ثورته، والسيطرة على حاضره ومستقبله، وجعله رهينةً بيد القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وهو ما يجبُ أن يتنبه له الثوارُ وأحرار الشعب السوداني وقِواه الحية.