شهيدُ الصمود (3) عشقُ الشهيد الرئيس صالح الصمّاد للمسيرة القـرآنية وللسيد القائد حفظه الله .. بقلم/ أم مصطفى محمد
إن المطالعَ لما كان يجري خلال الحروب الست يجدُ أن هذه الحروبَ قد تمخضت عن الأنفُس الأبية الراغبة في طَــرْقِ الموت من أشرف أبوابه، ألا وهو بابُ الشهادة، ذلك الباب الذي انبثقت منه ثورةٌ ماردةٌ زلزلت الأرضَ من تحت عروش البغاة، فدكّت تلك العروش وأقامت على أنقاضها دولةُ الإسْلَام الحَـقّ لا الإسْلَام الأمريكي الذي فرضته علينا السلطةُ سابقاً؛ من أجل تنفيذ أجندة تخدُمُ العدوان اليوم، لقد أظهر اللهُ فينا السيدَ القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ليقلبَ مقاييسَ الطاغوت وليُحييَ دولةَ الإسْلَام بعد رُقادٍ عميق استشرى خلاله ظلمُ العاتي وزبانيته، فارتفعت بذلك أيادي المستضعفين في كُــلّ البلاد لتلوّحَ بجراحها للثورة الآتية من قلب عذابٍ دام قروناً نسي خلالها المستبد أنّ دولة الباطل ساعة ودولة الحَـقّ إلى قيام الساعة.
لقد كانت هذه الثورة حُلماً صعبَ التحقّــق وبعيدَ المنال، لكن السيد القائد حفظه الله قد جسّدها واقعاً اعترف به العدوُّ قبل الصديق، ولقد كان الشهيدُ الرئيسُ صالح الصمّاد رحمه الله في طليعة السائرين ضمن ركب السيد القائد حفظه الله، حَيْــثُ نجدُه رحمه الله قد حرص على هذه المسيرة بجفن الروح وهدب القلب الخافق؛ حباً لنهجها وشخص قائدها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، حَيْــثُ تشرّف الشهيد الرئيس رحمه الله بلقاء السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله مراتٍ عديدةً كان خلالها يتزود بتوجيهاته المباركة ويستلهمُ منه كيفية التعاطي مع مستقبل وأساليب العمل الجهادي في هذا الوطن النازف، فكانت تلك اللقاءاتُ تزيدُ الشهيدَ الصمّاد رحمه الله عزيمةً وصلابة، وبالتالي انعكست على شخصية، فكان يبث الروح الإيْمَانية في نفوس الناس من خلال خطاباته السياسيّة، ليس ذلك فحسب، بل كان ينمّي الوعيَ السياسيّ والجهادي لدى نخبة مخلصة وينفخ في صدور الشباب روح الثورة والتحدي والاستعداد للتصدي والمواجهة، فكان كُــلّ همِّــه رحمه الله أن يعلِّمَهم كيف يكونون تلاميذَ أوفياء، وجنوداً حقيقيين في قافلة الجهاد..
لقد كان الشهيدُ الرئيسُ صالح الصمّاد رحمه الله يعلمُ ويدركُ حقَّ الإدراك بأنه اختار الطريقَ الصعبةَ بل الطريقَ الأصعبَ، وذلك حين تسلَّم إدارة البلاد في مرحلةٍ كانت من أصعب المراحل.. مرحلة اجتمعت قوى الشر في العالم على شعب مستضعَفٍ لا حول له ولا قُــوَّة، الأمر الذي جعل منصبَ رئيس الجمهورية منصبَ تكليف لا تشريف،. وما وقع الاختيار على الشهيد الصمّاد إلا لكون الشهيد -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- كان يمتلكُ من التصميم والإرادةِ ومن حماسة الوعي الملتزم، ما حوّل الحالةَ الثورية التي كان يعيشُها في أعماق أعماق ذاته المنتفِضة إلى حالة عقائدية إيْمَانية.. جهادية شمولية.. راسخة في كيانه، بل كانت حالةً متآخيةً مع وجوده بشكلٍ لصيق حتى بات تشكيلاً رائعاً يجسّد الإيْمَان الثائر والوعي الرافض لأي شكل من أشكال الذل والتبعية..
فبالرغم من قصر المدة التي قضاها رحمه الله رئيساً للجمهورية والتي انتهت بشهادته العظيمة إلا أننا نجدُه قد أنجز الكثيرَ من الأمور على مختلف الأصعدة الاجتماعية والوطنية والسياسيّة والثقافية والإعلامية، فقد كان رحمه الله يعمل ليلَ نهارَ لأجل إعلاء كلمة الله، ولقد مثّل بأطروحاته الموضوعية الواضحة وبأسلوبه الواعي البعيد عن التشنج والمبالغة وجهاً اجتماعياً وإنْسَانياً بارزاً كانت الحالةُ القائمة بأمسّ الحاجة إليه، حَيْــثُ استطاع رحمه الله أن يستقطبَ وجوهاً سياسيّةً ووطنية واجتماعية كثيرة رسمية وغيرها بتواضعه وأدبه فسعت إليه الشخصيات الحزبية والسياسيّة وقصدته الوفود الشعبيّة والقبلية وكذا الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية، فقد كان الشهيد الصمّاد رحمه الله طوالَ فترة توليه للرئاسة دائمَ التنقل بين المناطق؛ بغية الاطلاع على أحوال المواطنين، حَيْــثُ كان يزورُ الأَحْيَــاءَ المستضعفة والتي نالتها يدُ العدوان فيستمع إلى معاناة ساكنيها ويوجه بضرورة المبادرة إلى مد يد العون لهم كما نجده -رِضْـوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ- كان ينتقلُ بين الجبهات يتفقدُ أحوالَ المجاهدين ويستمع إليهم ويرفع من معنوياتهم وكأنه فردٌ منهم متناسياً منصبَه كرئيس للجمهورية.. فقد كان زاهداً في ذلك المنصب، وكان يرى أن إزالةَ الغُبار عن أحذية المجاهدين أشرفُ من أي منصب في العالم، ولعل عدمَ امتلاكه لبيت يأوي أسرتَه أكبرُ دليل على صدق وشرف ذلك الشهيد البطل.
لقد كان عِشقُ الشهيد الرئيس صالح الصمّاد رحمه الله للمسيرة القُــرْآنية وقضيتها يفوق كُــلّ عشقٍ وهوىً، لقد عشِقها رحمه الله عِشق الروح المنجذبة إلى هواها.. عِشق الضمير النقي للمثل العليا.. عِشق العابد للصلاة والتهجّد؛ ولذَلكَ نجده رحمه الله قد ذاب روحياً في شخصية قائدها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، حَيْــثُ كان يرى في تلك الشخصية امتداداً لولاية أهل البيت عليهم السلام وتجسيداً لحلم ضائع منذ تأريخ طويل.. تأريخ ضارب في ذاكرة الألم الإسْلَامي العتيق، فالسيد القائد حفظه الله هو الدليل لنا نحن المستضعفين في رحلة العمر وغربة الحياة وهو ذلك المارد الذي انطلق من قمقمه ليهزّ عرش الطاغوت معتمدا على القُــوَّة الإلهية دون القُــوَّة المادية؛ ولذَلكَ كان الشهيد الرئيس رحمه الله يدرك أن موسم الخير الإلهي قد حل بوجود ذلك القائد الصادق فبوجوده بيننا انفرجت شفتا السماء عن بسمةٍ لوجودٍ طافت في أجوائه الكآبة وبوجوده انفرجت عن نهلةٍ لأرضٍ شقّقها الظمأ؛ ولذَلكَ كان الشهيد الرئيس رحمه الله يعُد نفسه جندياً من جنود هذه المسيرة التي تعاهد نواتها السيد القائد حفظه الله كما كان يَعُدُّ نفسه تلميذاً لقدوةٍ مثل تعاليم أهل البيت عليهم السلام؛ ولذا عندما اغتالته يد الغدر رحمه الله كانت دماؤه هي الدماء المجدّدة لواقعة كربلاء وهي الدماء التي كانت إيذانا بالفرج القريب..
فما بعد صمّاد سوى طلعة المهدي
وغدر سعود حينها قط لن يجدي
فما أقرب الآتي ويا نجد فارقبي
زمان يماني سيقضي على نجدِ