التداعياتُ العالمية للعدوان على اليمن .. بقلم/ علي الدرواني
لم يذهب بعيداً من قال إن ما يجري في اليمن سيغيّر وجهَ المنطقة.. فهذه العبارة أصبحت واقعاً ملموساً ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم لدرجة سيكونُ العدوانُ على اليمن تأريخاً تنسب إليه الأحداث وتقارن به وتقاس عليه الأمور.
أربع سنوات مضت نشأت وأنتجت فيها مشاريع وصعدت على السطح أُخْرَى، وبرزت تحالفات وانتهت أُخْرَى ما كان لها أن تتغير لولا هذا العدوان ولا يزال الباب مفتوحاً على المزيد من التغيرات كلما طال به الزمان.
إقليمياً ترسخ التحالف السعوديّ الإماراتي مع انطلاق ما سمي عاصفة الحزم في نفس الوقت الذي بدا البيتُ الخليجي بالتصدع والتفكك، إلّا أن هذا التحالف ما لبث أن بدأ يأخُذُ منحىً آخر من الصراع الخفي المرشح للتزايد والتجلي بعد الصراع على النفوذ في المحافظات المحتلّة.
أرادت الرياضُ من خلال قيادة هذا العدوان أن تتربع على عرش المنطقة والإقليم بل والعالم السُّني إن جاز التعبير، لكنها تراجعت تحتَ ضغط الفشل وتفكك تحالفها المسمى زوراً بالعربي ضد اليمن، ومنذ أول لحظة لتشكيله من 22 دولة تداعَى التحالف وتساقط واحداً تلو الآخر حتى لم نعد نسمع إلّا السعوديّة والإمارات، ومِن خلفهما واشنطن ولندن والصهيونية.
ربما يكونُ من أهمّ تداعيات هذا العدوان هو بروز مشاريع التطبيع مع كيان العدوّ الإسرائيلي بقيادة الرياض وأبو ظبي، وبعد عقودٍ من العلاقات الخفية تتسارَعُ عَجلةُ قطار التطبيع بشكل لا لَبْسَ فيه، ولا تخفيه وسائلُ إعلام سعوديّة وإماراتية ولقاءات بين المسؤولين وزيارات وفود صهيونية إلى الإمارات وعزف النشيد الإسرائيلي لأول مرة في دولة عربية، لم يعزف قبلها في مصر ولا الأردن رغم معاهدات السلام الموقّعة والتطبيع المعلَن بينهما من جهة مع العدوّ الإسرائيلي من الجهة المقابلة، وليس بعيداً عنها ما جرى في وارسو ومحاولة إنشاء تحالف مع الكيان الغاصب، بالإضافةِ إلى العمل المستمرّ على صفقة القرن مع ترامب وصهره ومسؤولين سعوديّين وإماراتيين رفيعين، وآخر فصول هذا التطبيع تصريحاتُ الوزير الإماراتي قرقاش التي انتقد فيها مرحلةُ اللاءات العربية الثلاث وخص رفض أي حوار مع العدوّ الصهيوني، مبرراً انتقاداته بما سماه تعقيد مساعي التوصل إلى حَلٍّ على مدى عقود.
بل ذهب أبعدَ من ذلك عندما تحدّث عن حقوق المواطَنة المتساوية والتي تشيرُ إلى نسف القضية الفلسطينية وفكرة الدولة الفلسطينية، متجاوزاً حتى حَلَّ الدولتين ومبادرة السلام العربية السيئة.
ومِن التداعيات لهذا العدوان، بَرَزَ الخلافُ السعوديّ التركي على خلفية التنافس على زعامة العالم الإسْلَامي السُّني، لا سيما بعد الإعلان عن إنشاء ما سمي بالتحالف الإسْلَامي بقِيادةِ الرياضِ، وهي المنافسةُ التي تلقي بظِلالِها على كثيرٍ من المِـلَـفّات وتؤثر بعُمقٍ على العلاقاتِ الثنائية بين دول المنطقة وما يجري مع الدوحة واحدة من تجلياتِ هذه الصراعاتِ والتنافسات لا سيما أن حلفاء تركيا وقطر من تنظيم الإخوان في اليمن جزء أَسَاسي في تحالف العدوان وستتجاذبهم الدولُ المتصارعة.
مملكةُ المغرب هي الأُخْرَى لم تستطع بلع كُــلّ التصرفات السعوديّة وأعلنت خروجها من تحالف العدوان على اليمن، وقبل أيّام قال وزير الشؤون الخارجية المغربي إن العلاقات بين الرباط والرياض وأبو ظبي يجب أن تكون وفقاً لرغبة الطرفين وليس حسب الطلب، وهي إشارة إلى أن الرياض تريد للرباط أن تكون مُـجَـرّد تابع، وهو الأمر الذي باتت تشعر به عدد من العواصم العربية؛ بسَببِ الطريقة المتعالية التي يتبعها حكام الرياض وأبو ظبي؛ ظناً منهم أن المال هو كُــلّ شيء.
ولم تتوقف التداعياتُ هنا بل ها هي قد وصلت إلى عمق الدول الغربية، وبدأنا نرى الصراع بين البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي ومشاريع القرارات التي تواجه بالفيتو الرئاسي ليست إلّا تجلياً لهذه التأثيرات التي تركتها دماء الأطفال والنساء في اليمن والتي تعصف الآن بأعتى الأنظمة ولا يبدو أن المعركة ستكون سهلة بين الكونجرس والبيت الأبيض.
ومن واشنطن إلى برلين، حَيْــثُ تبوأت اليمن موقعاً هاماً في الصراع المحتدم بين الحزبين المسيحي والاشتراكي، والمنافسة الانتخابية المزمعة إبريل نيسان الجاري، وانعكس هذا الموقعُ على صفقات التسليحِ الموقّعة مع الرياض والتي تم تجميدُها مؤخراً لستة أشهر اضافية، على خلفية استخدام تلك الأسلحة في قتل النساء والأطفال في اليمن، واضطرّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتمديد الحظر؛ تفادياً لضغط شركائها الاشتراكيين، رغم رغبتها في مواصلة تصدير السلاح إلى الرياض، ورغم المعارضة الأوروبية الفرنسية البريطانية بالتحديد لقرار الحظر والتحذيرات البريطانية الشديدة لبرلين من تداعيات هذا القرار على اقتصاد أوروبا وفرص العمل التي توفرها مثل تلك الصفقات لمصانع السلاح الأوروبية المتشاركة في إنتاج عدد من أنواع السلاح المحظورة.
عندما نقول: إن العدوان على اليمن هو السبب في الأمور والمتغيرات المذكورة سابقاً، فَإنَّ مرد ذلك إلى أمرين رئيسيين:
الأول: هو طريقة المحمدَين في إدَارَة تحالف العدوان وَأَيْضاً النظرة الدونية والاستعلائية لمَن دونهم من الدول وتأخذهم الوفرة المالية لبلدانهم إلى معاملة الآخرين كأتباع لا كشُركاء، وهو الأمر الذي ظهرت آثارُه على المستوى العربي والإسْلَامي.
والثاني: هو المجازر المتوحشة والأزمة الإنْسَانية الأسوأ في العالم في التأريخ الحديث والذي تسبب بها الحصارُ المفروضُ على اليمن، والذي أصبح ورقةً بيد كُــلّ من يعارضُ الحكومات المشتركة في العدوان، ويتجلى هذا السببُ في الغرب بشكل حصري.