عن الذكرى الخامسة لوفاة العلامة الرباني السيد بدرالدين الحوثي
صدى المسيرة:خاص
صحيفة صدى المسيرة العدد62 الاثنين 5أكتوبر2015
كلمة الشهيد الدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين
إن صاحبَ هذه الذكرى مجددٌ لهذه الأُمَّــة، في هذا الزمن العصيب والصعب، الذي تداخلت فيه الأمور بشكل كبير، وتعددت فيه الفئات، وَالمشارب، وَالأحزاب، وَالقوى السياسية، حتى اختلط الأمر على الناس، فلم يعد أحدٌ يعرف أين الحق من الباطل، أين الصحيح من السقيم، وهكذا، جاء يجدد لهذه الأُمَّــة في هذا العصر، متجاوزاً كُلّ المعطيات السابقة التي سار الناس عليها، متجاوزاً المعطى الإقليمي الجغرافي، وَالمعطى الثقافي الفكري، وَالمعطى السياسي الضيق، وَالمعطى الاجتماعي الضيق، وَالمعنى السياسي الضيق، أبعاد متعددة لهذه الدعوة بحيث أنها ضمت إلى جوانبها كُلّ هذه المشارب، ولذلك تجدون أن هذه المسيرة تلقى نجاحاً باهراً في سيرها كما يقول من يراقبون الحركات في العالم إن “حركة أنصار الله” والمسيرة بالذات من أكثر الحركات انتشاراً في العالم، ليس فقط على مستوى اليمن بل على مستوى العالم، ومن أكثر الحركات تأثيراً من الناحية الزمنية.
الحركة أبعادها تجاوزت الإقليم من الناحية الجغرافية فأصبح أثرها خارج اليمن، أصبح الشعور عند من هم أعداء لهذه المسيرة بخطورة هذه المسيرة عليهم خارج اليمن، على المستوى الإقليمي، على المستوى القاري، على المستوى العالمي.
تجد زعماء مهمين جداً في العالم يتحدثون عن المسيرة وعن حركة أنصار الله، وأثرها، أبعادها، من الذي أوجد هذه الأبعاد؟ الله سبحانه وتعالى أوجدها بفعل هذا المجدد لهذه المسيرة؛ لأن الدين كان في منتهاه، كان في نهايته، فبعث الله بهذا الرجل أمة، أحياها من تحت الأنقاض، ورفع بها الهامات، وأوصلها إلى ذرى المجد، وبإذن الله تعالى ستكون كلمتها هي العليا؛ لأنها تنطق بكتاب الله سبحانه وتعالى وبالثقافة القرآنية، وكلمة الله تعالى دائماً هي العليا، كلمة الله تعالى هي العليا.
لماذا القدوة الحسنة؟ لأن الله سبحانه وتعالى جعل نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قدوة للناس، قدوة للناس جَميعاً وليس فقط للمؤمنين أو للمسلمين، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) يعني قدوة.
وبالتالي فالرسول جسّد بعمله وفعله هذه القدوة، فالناس اقتبسوا من نوره، ولا زالت تلك القدوة موجودة إلى الآن، ولكن لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد غاب عنّا ـ نفسي له الفداء، ـ فإن حملة هذه الراية هم المجددون، وفي عصرنا هذا “العصر المعاصر” هذا المجدد العالم الرباني المجاهد السيد بدرالدين بن أميرالدين الحوثي جدّد القدوة التي جسّدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جسّدها في حياته.
أقول مثالاً في مسألة تجسيد الأسوة والقدوة الحسنة على هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جاء مشركوا مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعرضوا عليه عرضاً، قالوا: ماذا تريد من هذه الدعوة؟ هم يعتقدون أنه يبتغي من هذه الدعوة أن يحصل على حطام الدنيا كما هم يسعون إليه، وكما هو في زمننا هذا وفي الأزمان الغابرة وربما في الأزمان القادمة، الناس عبدة الدنيا يهتمون بمصالحهم الدنيوية ويعتقدون أن الآخرين كما هم، فجاءوا إلى النبي وقالوا له: ماذا تريد؟ وعرضوا عليه عرضا: إن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد جاها سودناك علينا، أي جعلناك ملكاً علينا، وإن كنت تريد شيئا آخر مثل النساء زوجناك بأفضل النساء عندنا، ماذا تريد؟ فقال: ليس هذا ما أدعو إليه، وقال كلمته المشهورة: “لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته”، أنا لدي مشروع آخر تماماً.
السيد بدرالدين بن أميرالدين الحوثي يجسد هذه القدوة الحسنة تماماً، هو عالمٌ له لسانٌ فصيح، وعنده قدرةٌ على الكلام، ويفهم الأمور بأعماقها، لو أراد الدنيا لحصل عليها طولاً وعرضاً.
مجرد قليل من المداهنة ومن النفاق ومن مداراة الظلمة ومن حضور مجالسهم وتزيينها لهم وما إلى ذلك من هذه المواقف ممكن أن ترفعه أعلى المقامات الدنيوية، ولكنه رفض ذلك كله، أنظر القدوة، أنظر القدوة التي نتأسى بها، أنظر القدوة، رفض هذا كله، وفضّل العيش في الجُرف والكهوف، وفضّل العيش بالفاقة، وفضّل العيش في حالة الفقر، والتضحية بكل ما لديه، إن كان لديه شيئ فهو يضحي به، يعني لا يحفظه وإنما يضحي به، وكما قال من تحدث قبلي: ضحّى بنفسه وبأبنائه وبأمواله وبأهله وبكل ما يملك من هذه الدنيا، لماذا؟ لأنه لا يطلب دنيا أصلاً، فكل الدنيا عنده متاعٌ من أجل تحقيق هدف معين، فلا بد أن يُسخر هذا المتاع في تحقيق الغاية النهائية التي نسعى اليها وهي الهدف وهو الله سبحانه وتعالى، لأننا جَميعاً في مسيرة، لماذا خلقنا الله؟ خلقنا لأن نرجع إليه، نسير اليه وفقاً لما قرره الله سبحانه لنا، اُمشوا في مسيرة إليّ وفقاً لهذا المنهج الرباني الذي قررته لكم، فهذا هو الهدف، وبالتالي كُلّ ما عدا ذلك هو وسائل وإمكانيات يجب أن تُستخدم جميعُها في سبيل هذا الهدف.
هذا الرجل الرباني جسّد هذه القدوة، هل سمعتم به أنه جلس مع ظالم أو أنه نافق ظالماً أو أنه جامل ظالماً؟ بالعكس، كان مبايناً لهم وهم مباينون له، وهذا هو دأبُ المجددين، الذي أولاً يعزل نفسه عن الوضع هذا، وينشئ أمة جديدة بفكره وجهاده وقدوته وسلوكه إلى غير ذلك، فهو جسّد هذه القدوة، ولذلك نحن نستلهم من أفعاله وأقواله وأعماله التي جسدت القدوة نستلهم منها الشيء الكثير في حياتنا، لأنها غابت عنا القدوة، ضاعت، لماذا ضاعت؟ لأنهم دلّسوا علينا، جهّلونا بالإعلام، جهّلونا بالثقافة، جهلونا بالتعليم، واحد يمكن أن يسألني كيف يجهّلوك بالتعليم، التعليم لا يُجهل، التعليم يُعلم الناس؟ لكن لا، في هذا العصر التعليم يجّهل، يُخرج أناساً جهلة، الثقافة لا تثقف تخرج أناساً أميين؛ لأنها تحرفهم عن المسارات، وتعطيهم معلومات مغلوطة، معلومات مبنية على أسس غير صحيحة، معلومات أو أدبيات أو ثقافات عبارة عن بذور تهدم الإنسان نفسه، وتهدم أمته وتهدم دينه، ولذلك لم تؤثر شيئا، هذا كله الذي عملوه عبارة عن تجهيل وتضليل وتزييف للأمور، وللأسف الشديد قاموا بهذا كله بأموالنا، هذا للأسف، يعني يأخذوا أموال الناس ويسخروا هذه الأموال ضدهم، لكن جاء رجل واحد نستلهم الآن منه القدوة الحسنة والسيرة الطيبة، نستلهم منه ونتبين منه الطريق الصحيح الذي يوصلنا إلى رضاء الله سبحانه وتعالى مجاناً (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) مجاناً، هو دفع لم يأخذ، هو دفع فأصبح لنا قدوة نستلهم منه مسيرتنا، والآن خطواتنا وعملنا كله تسير على نفس هذا المنهج الذي قرره هذا السيد المبارك، ثم حمل رايته بعد ذلك ابنه الشهيد القائد السيد حسين، ثم بعد ذلك المولى العالم الجليل المفدّى السيد عبدالملك بن بدرالدين الحوثي حفظه الله تعالى.
السيد المجاهد العالم الرباني قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل وجدتم في عصرنا من قام بهذا الواجب كما قام به؟، قام به في الميدان، ليس في الغرف المغلقة، وليس من وراء الماكرفونات، بين الناس، خرج يُبين للناس الحلال والحرام ويدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا أصلٌ من أصول الدين كان قد اندرس، ما عاد أحد كان يستطيع أن يقومَ بهذا الأصل، خلاص، لماذا؟ لأن الناس أصبحوا مهزومين من الداخل، هُزموا، لم يكن أحدٌ يجرؤ أن ينطقَ بكلمة وهو يعرف، يقول لك هذا جَرح، وقد سمعت أنا بعض العلماء الكبار وهو يقول “الكلام في هؤلاء الآن كالطعنة بالجنبية” لاحظوا إلى أين وصل الخوفُ من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!، ومع ذلك فإن هذا الرجل قام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقام بواجبه خير قيام، ولذلك الله سبحانه وتعالى جعل في حركته وفي قيامه وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بركة، وأخرج من حركته هذه الأُمَّــة التي أرجو بإذن الله تعالى أن تكون هي الوارثة في هذه الأرض.
قصيدة من شعر السيد المجاهد بدر الدين الحوثي رحمه الله
ألا قُلْ لمن قد قامَ للسلمِ داعيا
وحشَّدَ جمعًا للسلامِ مناديا
أتدعو بهذا من يفرُّ بدينهِ
ليحفظَه فوقَ الجبالِ الرواسيا ؟!
دعونا نُكَبِّر ربَّنا جلَّ شأنُه
فلا ثالثًا ندعو ولمْ ندعُ ثانيا
دعونا نعادي مَنْ يذمُّ نبيَّنا
جريمتُه جلَّتْ وليس مباليا
دعونا نُحَصِّنْ دينَنا بشعارِنا
ونحفظه مِن شرِّ كيدِ (الأعاديا)
رفعنا الشعارَ اليومَ منهم براءةً
وإعلانُنا أنَّا لهم لن نواليا
وهل يحفظ الإسلام إلا برفضهم
وتطبيق آياتِ الكتابِ المثانيا
ففي سورةِ (الأنفالِ) آخر صفحةٍ
ترى عندَها نورًا إلى الحقِّ هاديا
تحذِّرُنا من فتنةٍ شاعَ شرُّها
وشرُّ فسادِ المعتدين (الأعاديا)
وحذَّرَنا في (آل عمرانَ) رِدَّةً
بطاعتِهم فاحذرْ ولا تكُ ساهيا
لذلك أعلنَّا الشعارَ ونالنا
به الحربُ ممنْ كانَ بالحربِ باديا
فهلَّا دعوتُم بالسلامِ الذي بغى
وشرَّدَنا في مقفراتٍ (قواصيا)
وقد جاءَ في الأمثالِ: لو تُرِكَ القَطَا
لنامَ وكانَ الحالُ فينا مساويا