التوكّـل (1) التفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله .. بقلم/ أم مصطفى محمد
التَّـوَكُّـلُ هو الاعتمادُ على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى- والثقةُ به وإحالة الأمور إليه، وهو من أفضلِ المقامات التي يصلُ إليها الإنْسَان، يقولُ تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، حَيْثُ أن عدمَ الإيْمَــان بأي مؤثر حقيقي في الوجود غير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى- هو من شروط التَّـوَكُّـل، فالتَّـوَكُّـلُ عقيدةٌ ويقينٌ تقر به نفسُ الإنْسَان ولا يتحقّقُ التَّـوَكُّـل إلا إذَا أصبح ذا تأثير فاعل في سلوك الإنْسَان وتفكيره فمجرد التلفظ بـ(توكلت على الله) لا يكفي لأَن يصبح الإنْسَان متوكلاً، فالمريضُ لن يشفى إذَا تلفظ بكلمة الدواء ألف مرة، وكذلك بالنسبة للتوكل فهو يأتي نتيجة عقيدة سامية تنتجُها مسلّماتُ الإيْمَــان اليقيني الراسخة في النفس والقائمة على أَسَاس فهمٍ واعٍ وعميق لمعنى التوحيد؛ كَــون العلاقة وثيقةً بين عقيدة التوحيد وبين التَّـوَكُّـل على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى-؛ ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام علي عليه السلام: (الإيْمَــان على أربعة أركان: التَّـوَكُّـل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضى بقضاء الله)، ومن الجانب الإلهي فَإنَّ التَّـوَكُّـلَ يقومُ على أَسَاس إيْمَــان الإنْسَان بأن اللهَ وحدَه هو خالق ومدبر الكون وجميع ما في الوجود مسخر لإرادته، ولا شيء يستقل بوجوده عن الله سبحانه كما في قوله تعالى (وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) ولعلنا نجد أن هناك الكثيرَ من الأحاديث والروايات وآيات القُــرْآن الكريمة التي تؤكّـــد على أهميّة التَّـوَكُّـل في حياة الإنْسَان وطمأنته واستقرار نفسه، فها نحن نجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (من سَرَّه أن يكونَ أغنى الناس، فليكُنْ بما عند الله أوثق بما في يده) فالغنى هنا لا يختصر في الثروة والمال فحسب بل يمتد إلى كُـــلّ شيء، حَيْثُ جاء في حديث آخر عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم: (من انقطع إلى الله كفاه كُـــلّ مؤنة ورزقه من، حَيْثُ لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها). ويقول الإمام علي عليه السلام (أوحى الله إلى داود ما اعتصم بي عَبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفتُ ذلك من نيته، ثم تكيده السموات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن، وما اعتصم عَبد من عبادي بأحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات والأرض من يديه وأسخت الأرض من تحته ولم أبالِ بأي وادٍ هلك) فهذا الحديث يؤكّـــدُ أن اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى- الذي دعا الإنْسَان إلى التَّـوَكُّـل عليه سوف يكون بجانبه ما دام هو يتوكل عليه، ولذا فَإنَّ المتوكل يطمئن كُـــلّ الطمأنينة بالتَّـوَكُّـل على الله سبحانه وتفويض الأمور إليه والثقة به؛ كَــونه يعتقد أنه هو سبحانه الذي يتولى أمره وهو سيكفيه ويغنيه عن غيره، حَيْثُ يقول -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى- (ومَن يتوكلْ على الله فهو حسبُه) فالمتوكل يتصرف ويعمل وهو يرجو تحقيق خيره من الله وهو موقن بأن جميع ما يملك الإنْسَان من قُـــوَّة وسلطة ومركز وقدرة وثروة وعلم وذرية لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأَنَّها جَميعاً لا تغنيه عن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى-، فيعيش المتوكل مستقرَّ النفس وهادئ البال ومطمئناً أن كُـــلّ ما يقع عليه هو خير له؛ لأَنَّه توكل على خالق الكون، وعلى العكس تَمَاماً بالنسبة للإنْسَان الذي لا يؤمن ولا يتوكل على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَــى- فهو يعيش دائماً في هلع وقلق وترقب وهو يخشى ضياعَ ما يملك ويظل غيرَ واثق من نتيجة عمله..