برنامج رجال الله: ملزمة [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] للشهيد القائد:
المسيرة/ بشرى المحطوري
تناوَلَ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ملزمة ــ [{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] الابتلاءات في الجانب المعنوي مثل مسألة حب النفس البشرية للتعالي والظهور والكبرياء، فذكر عدة أشياء في ديننا الإسلامي شرعها الله لتكسر هذه النفس، ولتركع العبد لله، ابتلاءات في المجال المعنوي، فقال: [ابتلاءات كثيرة جداً، هذا المجال تركيعي، تركيعي كعبدٍ لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، أحطم كُلّ هذا الكبرياء ابتلاءات كثيرة منها الحج، الحج ماذا يعني؟ أليس هناك بيت من أحجار، في مكان محدد؟ أحجار، وهناك مواقف أخرى، عرفات، منى، مزدلفة، مواقع محددة، أماكن ترمي فيها أحجار، أماكن لازم أن تبيت فيها، بيت لا بد أن تطوف حوله، مسعى لابد أن تتحرك فيه، من هذه الصخرة إلى هذه الصخرة].
مؤكداً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أن الابتلاءات في المجال المعنوي هي تظهر مدى صدق الإنْسَان في ادّعائه العبودية لله، فقال بأن الإنْسَان المؤمن لا يمكن أن يسأل: [لماذا يأمرني أن أطوف حول هذه الأحجار؟ ما قيمتها؟ ما فائدتها؟ ما أهميتها؟.. وهكذا]؛ لأَنَّه مسلم تسليم مطلق لله جل شأنه..
أمثلة لبعض من (سقطوا) في الابتلاء المعنوي:ــ
المثال الأول: بلعام بن باعورا:ــ
ذكر -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أمثلةً لأشخاص سقطوا في الابتلاء في الجانب المعنوي، فكان حبهم لأنفسهم وتعاليهم على الآخرين وغرورهم كَبيراً جداً أوردهم النار، والمثال الأول يتحدث عن عالم كبير من علماء بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام يسمى(بلعام بن باعورا)، كان يظن نفسه أعلم وأفضل من موسى، حيث قال: [عالم من علماء بني إسرائيل ابتلي وسقط في الامتحان، واهتز، وضرب الله له مثلاً سيئاً: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}؛ لأَنَّه لم يرتاح لموسى، أو يدين بالفضل لهذا الشخص، فهو معتز بأنه عالم، بأنه كذا]..
المثال الثاني: عبدالله بن أبي بن سلول:ــ
وأيضاً ممن ذكرهم -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كمثال على سقوطهم في الابتلاء المعنوي، وحبهم لأنفسهم وتعاليهم وكبريائهم، رئيس المنافقين عبدالله بن أُبَي بن سلول، الذي كاد قومه يتوجوه ملكا لهم، قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة، فلما هاجر رسول الله إلى المدينة أخذ الوجاهة كلها، واتجه الناس إليه، فحقد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-: [هذا الشخص كان قد أحب الكبرياء والملك والعظمة، وأن يتوج كملك على قبيلتين كبيرتين: الأوس والخزرج، ماذا عمل؟ لو أنه أدرك المسألة، واستسلم لله، وآمن؛ لأَنَّه ما قيمة هذا الـمُلك الذي كنت أطمع فيه، وهذا التاج الذي كنت أرغب فيه، وهذه الكبرياء التي كنت أريد أن أصل إليها، ما قيمتها مع نعمة بين يديَّ نبي أعيش معه، نبي أطيعه، نبي ألتزم بأوامره، يوحى إليه مباشرة من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، لكنه أيضاً سقط في الامتحان، ونسي أنه عبدٌ لله، وتحول إلى شخص يكيد، ويمكر، ويعمل بكل وسيلة لمحاربة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) والدعوة الإسلامية، فاعتبر منافقاً بل كبير المنافقين، وأصبح مذموماً عند المسلمين جميعاً].
المثال الثالث: إبليس اللعين:ــ
تحدث -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عن هذا الموضوع بما فيه الكفاية من الشرح فقال: [إبليس نفس الشيء تعرض لامتحان من هذا النوع، من هذا النوع، تجد أنه كان في صفوف الملائكة نحو من ستة آلاف سنة، يعبد الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، لكن حتى الملائكة أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، وحتى الأنبياء أنفسهم يتعرضون إلى ابتلاء من هذا النوع، الابتلاء الذي ينسف التعالي، ينسف التعالي، استسلام كامل لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، الله لما خلق آدم أمر الملائكة كلهم أجمعين بالسجود لآدم، الملائكة يحملون عقولاً كبيرة، ووعياً، وفهماً، ويعرفون معنى عبوديتهم لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، استجابوا، استجابوا، لم يقولوا هذا خلق من تراب ونحن خلقنا من نور، والنور أفضل من التراب، ولا يمكن، و… و… لا، إبليس وحده استكبر، استكبر، ورفض أن يسجد لآدم بعد أمر الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.. سقط في الامتحان أيضاً وكذب في ادعائه العبودية لله التي ضل عليها ستة آلاف سنة، فترة ليست قصيرة، ليست بسيطة، تفلسف لنفسه بما يعزز لديه الشعور بالتعالي، الاحتفاظ بشعور التعالي لديه! {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}لا يمكن، واقتنع بهذا المبرر!].
كلما يشرّعُه اللهُ لك.. إنما هو من أجل تكريمك:ــ
بيّن -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن السير على النهج الذي رسمه الله لنا يشعرنا بعظمة الله، وبأننا نسير في طريق التكامل نحو الله سُبحانَه، والسبب كما قال: [لأنك عبَّدت نفسك لله، وكل ما يشرعه الله لك إنما هو من أجل تكريمك، حتى هذا الذي يبدو لك في الصورة وكأنه إذلال لك، إنه تكريم في النهاية، إنه تكريم في النتيجة]..
مضيفاً بأن عكس التكريم هو الذلة، عندما نتعالى، نرفض، نقول لا، كما فعل إبليس، حتى أصبح ملعونا هو وأولياؤه من البشر، فتساءل قائلا: [{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ماذا كانت النتيجة؟ ألم يُطرد إبليس؟ ألم يلعن؟ ألم يلعنه أولياؤه وأعداؤه من البشر؟ ويضل ملعوناً طريداً منذ أن ارتكب هذه المخالفة إلى يوم الدين، يذكر بشيطان رجيم، ملعون في الدنيا وفي الآخرة، هـل اعتـز إبليس؟ هـل بقيت له مشاعر العظمة؟]..
معنى (الاستقامة):ــ
وعرّف -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الاستقامةَ بتعريف واضحٌ بيّن، حيث قال: [ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، ثم استقاموا، أن أقول: ربي الله بإقرار هو تسليمي، وتسليم، والتسليم، أو الشعور بالتسليم هي حالة نفسية، أنا من داخل من أعماق نفسي أقر بعبوديتي لله، وأسلِّم نفسي لله، وأقبل أيَّ تشريع من الله، سواء توافق مع مصالحي، أو خالفها، سواء توافق مع رغباتي، أو خالفها، سواء انسجم مع كبريائي، أو خالفها، أنا عبدٌ لله، أسلِّم، هذا لا بد أن يكون منطلقاً من داخل مشاعرك، ثم تستقم {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الاستقامة على ما أمرك الله به، الاستقامة على ما تعبدك الله به، الاستقامة على النهج الذي رسمه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- لك.
أهميّة (الاستقامة):ــ
لافتاً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بأن الاستقامة قضية مهمة جداً بمعناها المذكور؛ لأَنَّنا في الحياة الدنيا نتعرض لابتلاءات، ومع هذه الابتلاءات يحدث إرجاف وخلط للأمور وآراء مختلفة، قد يحرفنا عن خط الاستقامة، فقال: [كثير من الناس عندما يتعرض لابتلاءات يتخلى عن كُلّ شيء، وينحرف عن خط الاستقامة، ينحرف عن خط الاستقامة]..
منوهاً بأنه حتى الأنبياء ليسو فوق خط الاستقامة، حيث قال: [الاستقامة نفسها قضية مهمة، الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- أمر رسوله(صلوات الله عليه وعلى آله) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} استقم أنت يا محمد؛ ليقول لنا -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- بأن كُلّ شخص من عبيده يجب أن يستقيم كما أمر، وأنه لا يجوز له أن يطغى، إذا طغى سيعاقب، إذا طغى سيعذب سواء كان نبياً، سواء كان ابن نبي، سواء كانت زوجة نبي، سواءٌ أكان صاحب نبي، كائناً من كان، ليس هناك أحد فوق أن يكون مستقيماً لله].
يجب أن نحكم على الناس بحكم القُــرْآن.. مهما كان مستواهم:ــ
مؤكداً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أن الأنبياء أنفسهم يخاطبهم الله بالشكل الذي يهددهم فيه، بأنهم إن أخطأوا سينالهم العقاب، فقال: [محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أفضل الأنبياء يقول الله له: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} يهدد محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)].
محذراً من الحب الأعمى من قِبَل البعض لشخصيات وعظماء قد يخطأوا، ولكننا لا نرى أخطائهم، نتأول لهم، وأننا يجب أن نحكم عليهم بحكم القُــرْآن، حيث قال: [نحن فيما بيننا نتأول أحيانا لبعض أشخاص؛ لأَنَّنا رُبِّيْنَا على توليهم، أو قالوا لنا: عظماء، ليست مشكلة إذا حصل مخالفة، ليست مشكلة منه. لا، يجب أن نحكم على الناس بحكم القُــرْآن، وأن تكون نظرتنا إلى الناس جميعاً هي نظرة القُــرْآن، أنه ما دام وقد أُمر محمد بأن يكونَ مستقيماً فلا بد أن يستقيم كُلّ الناس، وأنه ما دام وقد هُدِّد محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما إذا انحرف عن الاستقامة بأن يعذب، إذاً فكل الناس كائناً من كان، سواءٌ أكان صحابياً، أو من أهل بيت رسول الله، أو من عامة الناس، أو خاصتهم، ليس أحد فوق هذا الحكم إطلاقاً].