الرؤيةُ الوطنية منظومةُ بناء وتنمية .. بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
قبلَ الحديثِ عن الرؤية الوطنية وأهميّة تطبيق محاورها في بناء الدولة اليمنية الحديثة، ينبغي أن نشيرَ أولاً وبإيجاز إلى الأسباب التي أَدَّت إلى قيام ثورات الربيع العربي في العديد من الدول العربية ومنها اليمن التي ثار شعبُها على النظام السائد قبل العام 2011 بأساليبه ووسائله القمعية ضد المجتمع اليمني وضد الآراء الحرة والأفكار المستنيرة التي تنشُدُ الحَــقّ والعدل والسلام والمساواة وترفض وصاية الأجنبي والاستبداد وتكبيل الحريات.
وكان من أهمّ أسبابها أيضاً الحكم الفردي العسكريّ المتسلط الذي استخدم خلال حكمه منذ عقود من الزمن النفوذ العسكريّ العائلي الذي وقف حجر عثرة أمام التطور والتنمية وبناء الإنْسَــان والنهج الديمقراطي، كما حمل رؤىً ضيّقةً كانت تنظر إلى كرسي السلطة كحق عائلي يتوارثه الأبناء وتوجيه القرار السياسيّ وفق إرادة القادة العسكريّين ومصالحهم الشخصية والمادية.
والملاحَظُ في سيطرة المؤسّسة العسكريّة على زمام الحكم أن النخب العسكريّة بطبيعتها ونظرتها القاصرة وضيق الوازع الديني والوطني وعدم استيعاب المُخَطّطات والمؤامرات الأجنبية الساعية إلى سلب حرية الشعوب وتقرير مصيرها أنها كانت تنقاد وَترتمي إلى أحضان تلك الدول بدون أن تشعر أَو تدرك خطورة أن يصبح القرار الوطني بيد الأجنبي الذي استخدم ووظف أدواته التخريبية والتكفيرية لمصلحة أن تبقى تلك اليد موجودة ومبسوطة على مقدرات البلاد العربية، وبالتالي فإن ثمة عاملا مشتركا بين سيطرة المؤسّسة العسكريّة على نظام الحكم وبين الدول المحتلّة أَو الطامعة وهو الاستبداد واحتكار الآراء السياسيّة والعمل على تقييد الحريات ومصادرة إرادة الشعوب وحريتها في اختيار القيادة السياسيّة ومؤسّساتها السيادية.
ومن هُنا وانطلاقاً من هذه العوامل التي أَدَّت إلى حَنَقِ الشعوب وانتفاضتهم ضد الأنظمة الحاكمة تأتي رؤية المجلس السياسيّ الأعلى الذي وُلِدَ من رحم ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م الرامية إلى بناء دولة مدنية تحقّــق التداول السلمي للسلطة وترفض الاستبداد وتكبيل الحريات وكان من أهمّ عواملها هو التخلص من حكم العسكر المتسلط الذي استخدم خلال حكمه منذ عقود من الزمن النفوذ العسكريّ العائلي الذي جعل طبيعة ونظام الحكم مزاجاً عسكريّاً مخالفاً للدستور والقوانين وخادماً لأجندةٍ إقليمية طامعة، كما أن المؤسّسة العسكريّة المسيطرة على زمام الحكم كانت تفتقد لمعنى سيادة الدولة وإدراك الأبعاد الكارثية لانتهاك السيادة والاستقلال السياسيّ للدولة، إضَــافَةً إلى فقدان الوازع الديني والوطني وذلك ما يشكل انتهاكات واضحة لكرامة وسيادة الوطن والشعب الذي عانى أيضاً من ويلات الأدوات التكفيرية والتخريبية لتلك الدول التي عاثت في الأرض الفساد قتلاً وذبحاً بحق مدنيين أبرياء.
ولذلك فإن الرؤية الوطنية عبر محاورها السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والأمنية والقضائية تسعى نحو تحقيق مبادئ الدولة المدنية التي تقوم على التعايش بين أفراد المجتمع وإفشاء السلام والتسامح بين جميع فئات المجتمع عبر المصالحة الوطنية وتحقيق المساواة والعدالة وكذلك فرض هيبة الدولة من خلال تحقيق مبدأ المواطنة المتساوية وَسيادة القوانين وتطبيقها وعدم انتهاك الحقوق والحريات والقبول بالآخر دون الاعتبار لمذهب أَو لحزب أَو توجّــه وكذلك احترام الاستحقاق الديمقراطي ووجوب التداول السلمي للسلطة.
إن معالم الرؤية الوطنية نالت حين إعلانها تأييدَ الشارع اليمني وَالمكونات السياسيّة المناهضة للعدوان؛ لأَنَّها تسعى من خلال محاورها إلى بناء الإنْسَــان علمياً وإدارياً وثقافياً، وما يثير الارتياح وَيلفت الانتباه في الرؤية الوطنية أنها اعتمدت على مرجعيات وطنية متمثلة في الدستور اليمني والقوانين النافذة ومخرجات الحوار الوطني ولم يكن هناك أية تدخلات أَو إملاءات خارجية، فقد وضع مداميك وأسس الرؤية الرئيس الاستثنائي صانع تأريخ اليمن الحديث الشهيد صالح الصمّــاد رحمه الله ترجمةً لشعاره “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”.
ويواصل بناءَها الخَلَفُ الرئيس مهدي المشّاط حفظه الله الذي يقودَ يمن الصمود والشموخ والتحديات في مرحلةٍ هي الأصعب في تأريخ اليمن.
وبالتالي ينبغي خلال هذه الفترة أن تتضافر الجهود في كافة مؤسّسات الدولة استعداداً للتعاطي مع الرؤية الوطنية ورسم الخطط التي ستحدّد طبيعة تطبيق محاور الرؤية، ولكي تؤتي الخطط ثمارها وفوائدها ينبغي أن يكون هناك تكامل وتنسيق بين ما سيقدم من الوزارات والمؤسّسات من خطط ورؤى وبين ما تقدمه الرؤية من محاور وأهداف خلال فترة تطبيق الرؤية في مراحل تطبيقها الثلاث والمحدّدة باثني عشر عاماً.