السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثانية:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وارْضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
قدّمنا بالأمسِ عرضاً موجزاً على ضَــــوْءِ الآياتِ المباركة من سُورة البقرة التي نزل فيها التشريعُ من اللهِ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- لفريضة صيام شهر رَمْـضَـانَ التي تعتبر ركناً من أركان الإسْـــلَام، ويتبين لنا من خلال تلك الآيات المباركة الأهميّةَ الكبيرة لهذه الفرضية العظيمة وما اقترن بها من تسهيلاتٍ تراعي مختلفَ الظروف التي يعيشُها الإنْسَــان كحالة المرض وحالة السفر وحالة العجز والضعف لدى الطاعنين في السن وما شابه ذلك من الحالات، كما لاحظنا فيما مضى بالأمس الفوائدَ والمكاسبَ المُغرية والعظيمة والمهمة المترتبة على هذه الفريضة المباركة، مما يجعل من هذه الفريضة المباركة جذابةً ومهمةً للإنْسَــان؛ باعتبَارِها تمثِّــلُ عاملاً مساعداً مهمًّا وفعالًا ومؤثراً لهذا الإنْسَــان على المستوى التربويِّ؛ للسيطرة على غرائزه وتكسبُه قوةَ الإرَادَة وقوةَ العزم وقوة التحمُّل، فيتحَــرّك في ميدانِ هذه الحياة بالنهوض بمسؤولياته وللاستقامة الأَخْــلَاقية والسلوكية والعملية، وهذا مكسبٌ عظيمٌ ومكسبٌ مهمٌّ.
فصيامُ شهر رَمْـضَـانَ وسيلةٌ عملية تربوية مهمة جِــدًّا، وبالتالي يُفترَضُ بالإنْسَــان أن يدركَ قيمةَ هذه النعمة كنعمةٍ من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، ولهذا وجّهنا اللهُ أن نكبِّرَه على عظيم ما هدانا إليه، وأن نشكُرَه، وتختتم دائمًا فريضةَ صيام شهر رَمْـضَـانَ بعد كمال شهر رَمْـضَـانَ بمناسبة معروفة هي مناسبة عيد الفطر، العيدُ هو تعبيرٌ عن الاحتفاء بهذه النعمة والشكر لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- عليها؛ ولذلك في صلاة العيد هناك ذكرٌ من أهمّ أذكارها هو التكبير (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)، ففي صلاة العيد التكبير ذكرٌ رئيسي يتكرّرُ فيها كتعبيرٍ عن التعظيم لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- على عظيم ما هدانا إليه أنه هدانا إلى ما هو من النعِمِ العظيمة؛ ولما له من نتائجَ كبيرة وآثارٍ مهمة وعظيمة في أنفسنا وفي أعمالنا، وبالتالي في واقع حياتنا، فيجبُ أن يكونَ لدينا الوعيُ عن هذه الفريضة؛ لأَنَّه في العادة في العادة يركزُ الكثيرُ من الخطباء ومن المرشدين ومن العلماء في الخطاب الديني على الثوابِ والحسنات فحسب، ولا يركزون على النتائجِ المهمة لمثل هذه الفرائض العظيمة مثل قوله تعالى: (لَعَلَّكمْ تتَّقُونَ)، وتأتي الحسناتُ والأجرُ والفضلُ والمكاسب الكبيرة في الدنيا وفي الآخرة بناءً على هذه النتيجة المهمة (لَعَلَّكمْ تتَّقُونَ)، والذي نحتاج إليه هو الاستحضارُ لهذا الهدف المهم من الصيام في هذه النتيجة المترتبة عليه، إن نحن انطلقنا لأداء هذه الفريضة بشكلٍ واعٍ وبفهمٍ صحيحٍ لها وما يترتب عليها والتزمنا أثناءها، أثناء شهر رَمْـضَـانَ نلتزم ونتقي الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، نحذَرُ من المعاصي بكل أشكالها وأنواعها، ونحذر كذلك من التجاوز لحدود الله سواء تجاه المفطرات المأكولات والمشروبات المعاشرة الزوجية خلال شهر رَمْـضَـانَ في النهار منه أَو سائر المعاصي في الليل أَو النهار التي هي خطيرة على الإنْسَــان وستفقد الإنْسَــان الاستفادة من صيام شهر رَمْـضَـانَ إذَا لم يتق الله في شهر رَمْـضَـانَ فمن المهم أن نستحضرَ هذه المسألة ونحرصَ على أن نرسخَها في ذهنيتنا وفي وجداننا؛ ليكونَ لها الأثرُ في واقعنا العملي..
ممَّا مَرَّ بنا أَيْضاً في الأمس قول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) عندما أتى الحديثُ عن حلية المعاشرة الزوجية في ليالي شهر رَمْـضَـانَ في الليل وليس في النهار.
واللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- يُلفِتُ نظرَنا إلى أن يكونَ لدينا الوعيُ عن أهميّة كُــــلِّ ما أحله اللهُ لنا في جوانبَ مهمة وليس فقط لإرضاء الغريزة والشهوة لدى الإنْسَــان، لا، إنما هناك أَيْضاً إضافةً إلى أن هذا يتحقّقُ للإنْسَــان بالحلال، ولكن هناك أَيْضاً مسائل مهمة يلتفتُ الإنْسَــانُ إليها يحرص كُلٌّ من الزوج والزوجة أن يكونَ لهما ذريةٌ طيبة، هذه مسألة مهمة، ونحن في زمن فيه أحداثٌ كبيرة وجسيمة وصراع وشهداءُ كُـــثْــرٌ والأُمَّــةُ تضحي كُــــلَّ يوم بتضحيات كبيرة يحتاجُ الناسُ إلى الذرية الطيبة، ليس في الإسْـــلَام برنامج تحديد للنسل، يمكن فقط مراعاة الظروف الصحية إذَا كانت المرأة تمر بظروف صحية تعاني بسَببِها من الحمل أَو من الولادة أَو من كثرة الحمل والولادة في هذه الحالة يمكن أن تراعى، أما بسبب الرزق فمن سوء الظن بالله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أن يتصورَ الإنْسَــانُ أن كثرةَ العائلة أَو الأسرة سيسبِّبُ له مشكلةً في الرزق، فاللهُ هو الرزّاقُ ذو القوة المتين، أَو أسباب أُخْــرَى وبأن ذلك يعبر عن سلوك حضاري، لا، ذلك السلوك لا يعبر عن سلوك حضاري، الأمم الأُخْــرَى هي أمم كثيرة، الأمريكيون الصينيون الغربيون أمم كثيرة اليابانيون ذلك البلد مائة مليون وذلك البلد مائتا مليون، وذلك البلد مليار أعداد كبيرة من السكان، والرسولُ صلوات الله عليه وعلى آله حينما قال فيما روي عنه: (تزوجوا فإنَّي مكاثرٌ بِكُم الأمم) الأمم الأُخْــرَى كثيرة، الأمم التي لنا صراعٌ معها، الأمم التي تمثلُ خطورةً علينا بأطمَاعِها وسعيها للسيطرة والاستحواذ، الأمم التي تعادينا، طَبْــعاً بعضُ الرُّواة لم يفهموا النصَّ فأضافوا عبارة يوم القيامة مع أنه في النص الصحيح لا توجدُ إضافةُ يوم القيامة، هنا في الدنيا الأُمَّـــة بحاجة إلى طاقتها البشرية وقوتها البشرية وهي تواجهُ التحدياتِ وتنهَضُ بالمسؤوليات.
عموماً وهذا بعضُ ما ورد في تلك الآيات المباركة وعرضناه بالأمس ولنا وقفاتٌ حول نقاط مهمة وردت في الآيات المباركة وبالدرجة الأولى في الآية الأولى منها قول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لنا هنا وقفةُ تأملٍ وتدبُّرٍ مع النداء الإلهي، اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- نادانا في هذه الآية المباركة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وخاطبنا في هذا النداء ووجّهنا إلى ما وجّهنا إليه.
اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- ينادي البشريةَ، ينادي الناس، ينادي الإنْسَــان، لم يتركِ البشرَ في حالة فراغ من توجيهاته وتعليماته وهدايته وإرشاده، نادى البشرية في كُــــلّ مراحل التأريخ بدءاً منذ الوجود البشري منذ آدم عليه السلام ناداه الله وخاطبه اللهُ وعلّمه الله ووجّه الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- ثم هكذا عبر مختلف الأزمنة وفي كُــــلّ مراحل التأريخ يأتي الخطابُ إلى البشرية إلى الناسِ إلى الأمم من خلال أنبياءِ الله ومن خلال رُسُلِه.
فاللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- هو الرَّبُّ هو الملكُ هو الإلهُ للسماوات والأرض وللناس، لم يتركْ هذه البشريةَ من أن يخاطِبَها ويوجِّهَها ويناديَها ويأمُرُها وينهاها، ثم وراء هذا الحسابُ والجزاءُ في الدنيا وفي الآخرة، هذا أولُ درسٍ تجاه النداء الإلهي.
ثم نأتي إلى النداء الذي توجّــه إلى الذين آمنوا، نلاحظ أن اللهَ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- في كثيرٍ من الآيات في القُـــرْآنِ الكريم يخاطبنا بهذا النداء يا أيها الذين آمنوا، أشرنا بالأمس إلى أننا بحسب انتمائنا الإيْمَـــاني، انتمائنا للإيْمَـــان هذا العنوان المهم في حالة الميثاق، الانْتِمَاء بحد ذاته ميثاقٌ بيننا وبين الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- على السمع والطاعة، دخول في دائرة الرعاية الإلهية أننا أصبحنا في محط رعاية خَاصَّـــة من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، بهذا الانْتِمَاء للإيْمَـــان وبالإيْمَـــان نفسه نتلقى من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- التوجيهاتِ، الأوامرَ، الهدايةَ، الحلولَ لمشاكل هذه الحياة، الهدايةَ تجاه كُــــلّ شؤون هذه الحياة وارتبطنا بالله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- من خلال هذا الانْتِمَاء الإيْمَـــاني ارتبطنا به جل شأنُه كمصدر نتلقى منه التوجيهاتِ، الأوامرَ، نضبُطُ مسيرةَ حياتنا على هذا الأساس. هذه تُعتبَرُ نعمةً عظيمةً لا تساويها نعمةٌ على الإطلاق.
أيها الإخوةُ والأخواتُ، أيها الأعزاءُ والعزيزاتُ في هذه الحياة وفي الواقع البشري للأمم والأقوام والناس في هذا الزمن وعبر مراحل التأريخ الكثيرُ والكثير من الناس يتحَــرّكون في واقع حياتهم في أعمالهم وفي مواقفهم وفي الكثير من مسؤولياتهم بناءً على ما يتلقونه من توجيهاتٍ أَو أوامرَ أَو رؤىً وأفكارٍ أتتهم من هنا أَو هناك، الإنْسَــانُ لا يعيشُ حالةَ الفراغ في هذه الحياة هو مُتَــلَــقٍّ، الإنْسَــانُ هو مُتَــلَــقٍّ، يتلقى تعليماتٍ، توجيهاتٍ، أوامرَ يسيرُ في شؤون حياته على أساسها، وهذا هو الذي عليه الواقعُ البشري لمختلف الشعوب والأمم والأقوام، في كثيرٍ من الحالات قد تكونُ أُمَّـــةٌ من الأمم أَو شعبٌ من الشعوب أَو قومٌ من الأقوام يبنون مسيرةَ حياتهم في الأعمال والمواقف وفيما يلتزمون بفعله وفيما يلتزمون بتركه وفي الإجراءات والعقوبات والسياسات منهجَ حياتهم بشكلٍ عام أفكار أوامر يتلقونها من شخصٍ ما قد يكون طاغيةً قد يكون مجرماً لا يملك تجاههم ذرةً من الرحمة لا يبالي بهم يتعاملُ معهم من موقعِ الاستعلاء والتكبر والطغيان والتسلط، قد يكون متسلطاً، كم حصل هذا وكم يحصل في واقع البشرية، يخضع شعبٌ من الشعوب، أُمَّـــةٌ من الأمم تخضعُ لطاغية متسلِّط لا يحمل ذرةً من الرحمة ولا من الشفقةِ ولا من الاهتمام بأمرهم لا ينطلق فيما يوجهُهم به أَو فيما يقدمُ لهم من رؤىً وأفكارٍ من موقع الرحمة بهم أَو من حسابِ مصلحتهم بل من حسابِ ما يعزز موقعَه، ما يمكّنُه من السيطرة عليهم أَكْثَـــر، ما يزرعُ في قلوبهم ونفوسهم الرعبَ والخوفَ منه، ما يمكّنه من السيطرة التامة عليهم، وهكذا حساباتٌ أنانية وشخصيةٌ وظالمة ومتكبرة والبعضُ قد يحملُ حسنَ النية تجاه شعبه أَو تجاه قومه أَو تجاه أمته، يريد لهم الخيرَ ولكنه من واقعه هو كإنْسَــانٍ غافلٍ قاصر لا يمتلكُ الكمالَ المطلقَ الذي يمتلكُه اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بل وإنْسَــانٌ ضعيفٌ وعاجزٌ جاهل غافلٌ متأثرٌ بواقعه النفسي في حساباته الشخصية في واقعه النفسي، في رغباته، في شهواته، في مخاوفه، ومحدود القدرة، محدود العلم، محدود الرحمة، محدود المعرفة، محدود في كُــــلّ شيء، الإنْسَــانُ له حدودٌ في كُــــلّ شيء حتى لو امتلك حُسنَ النية؛ ولهذا يجبُ أن نستشعرَ نحن الذين آمنوا نحن كمجتمع مسلم قيمةَ الخطاب الإلهي قيمةَ النداء الإلهي قيمةَ الهداية الإلهية، هذه النعمةُ العظيمة، قيمةُ ما يأتينا من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أن يكونَ المصدرُ الذي نتلقى منه التوجيهاتِ، الهدايةَ، التعليماتِ، الحلولَ لمشاكل هذه الحياة، الإرشاداتِ لما علينا أن نفعلَه في هذه الحياة، أن يكونَ هو الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بكماله المطلق برحمته التي وسعت كُــــلّ شيء ولا حدودَ لها بعلمه بكل شيء بعلمه المطلق بعلمه الذي لا يحُدُّه حَــدٌّ، الذي شمل كُــــلَّ شيء ووَسِعَ كُــــلَّ شيء وأحاط بكلِّ شيء، الذي يعلمُ السرَّ في السماوات والأرض، العليمُ بذات الصدور العليمُ بمن خلق (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) العالمُ بالغيب والشهادة العالم بالماضي والحاضر والمستقبل، العالمُ بكل الجزئيات والتفاصيل لا تسقُطُ ورقةٌ إلا هو يعلمُها يعلمُ ما هو في أعماق البحار وما هو في السماوات والأرض محيطٌ بكل شيء علماً، محيطٌ بجزئيات كُــــلّ هذا العالم وبأحوال الإنْسَــان في كُــــلّ ظروفه وفي كُــــلّ شؤونه، أن يكونَ اللهُ الذي هو ملكُ السماوات والأرض الذي هو الخالقُ لهذا الكون الفسيح الكبير الذي بنى هذه السماواتِ والأرضين وبنى هذه المجرات وهذا العالم ويدير كُــــلّ شؤونه ويدبّرُ كُــــلَّ أمره، الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- ملك السماوات والأرض أن يكونَ هو المصدرَ الذي نتلقى منه التوجيهاتِ والأوامرَ، هذه نعمةٌ عظيمةٌ جِــدًّا، والكثيرُ من البشر هم بعيدون عن هذه النعمة؛ لأَنَّهم لم ينتموا للإيْمَـــان، لم يؤمنوا بالله وكتابه ورسوله وكُتُبِه ورسله، بعيدون عن هذه النعمة.
اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- يذكِّرُنا بهذه النعمة في قوله جل شأنه: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) يقول جل شأنه في آية أُخْــرَى في سور البقرة في سياق الحديث عن أحكام الطلاق وتلك الآية أتت في سياق الحديث عن الوضوء وما قبل ذلك من تعليمات وما بعد ذلك من تعليمات وتوجيهات عن القيام بالقسط عن الجهاد في سبيل الله إلى آخره، في سورة البقرة في سياق الحديث أَو التوجيهات الإلهية المتعلقة بأحكام الطلاق يقول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهي نعمةٌ، نعمةٌ عظيمة ما أنزل اللهُ علينا من الكتاب والحكمة ما أعطانا من التعليمات والإرشادات والتوجيهات المهمة لحياتنا لصلاح حياتنا لصلاح أنفسنا لحل مشاكلنا لاستقامة حياتنا لمصلحتنا في الدنيا ولمصلحتنا في الآخرة، تعتبر نعمةً عظيمةً ومهمة، وفي نفس الوقت حُجّة علينا وخسرنا في الواقع كمجتمع مسلم خسرنا الكثير والكثير بقدر ما ابتعدنا عن هذه التعليمات والتوجيهات، كُــــلّ توجيه من توجيهات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وكل هداية من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وكل تعليم أَو أمر من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أَو نهي لم نلتزم به نخسر في المقابل، في المقابل نخسر ويكون لذلك تأثير سلبي علينا في واقع حياتنا وخطورة كبيرة علينا في الآخرة، أمام العقاب الإلهي.
الوقفةُ الأُخْــرَى فيما يعنيه الانْتِمَاء الإيْمَـــاني تلك وقفةٌ مع النداء الإلهي وقيمة الهداية الإلهية وقيمة التوجيهات الإلهية وأهميتها وقفة مع الانْتِمَاء الإيْمَـــاني وما يعنيه هذا الانْتِمَاء بنعمة الله كمجتمع مسلم نقول نحن مسلمون ومن الذين آمنوا ونؤمن بالله وكتابه ورسوله إلى آخره. ولكن من المهم لنا أن نرسخَ ما يعنيه هذا الانْتِمَاء في واقع حياتنا وأن نستحضرَه في كُــــلّ شؤون الحياة وفي كُــــلّ مواقع المسؤولية وفي كُــــلّ الظروف والأحوال؛ لأَنَّنا نغفلُ ببساطة نغفلُ عما يقتضيه هذا الانْتِمَاء، الإنْسَــانُ في كثير من شؤونه وفي كثير من حالاته وفي كثير من مواقع المسؤولية قد يغفل أَو ينسى ما يقتضيه هذا الانْتِمَاءُ فينطلق بعيداً عما ينبغي أن يكون عليه كمؤمنٍ يعصي الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- ينحرفُ عن نهج الله عن توجيهاتِ الله عن أوامر الله، يتحَــرّكُ من منطلق هوى نفسه؛ ولذلك نحن بحاجة إلى أن نرسخَ هذا الجانب بشكل كبير، انتماؤنا للإيْمَـــان هو ميثاقٌ على السمع والطاعة لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، ارتباطٌ من واقع الحياة في كُــــلّ شؤون الحياة في المواقف، والدين مواقف، ويغفلُ الكثيرُ عن هذه المسألة في الولاءات والعداوات، في الالتزامات العملية فيما نعمل وفيما نترك، يجب أن نضبُطَ مسيرةَ حياتنا على هذا الأساس، هناك مَثَلاً في الكمبيوترات في الجوالات في كثير من الأجهزة، هناك الضبط الذي يضبط البرنامجَ الكامل، يضبط لك الشاشة ويضبط لك النمط المتبع وأشياء كثيرة، نحن كمنتمين للإيْمَـــان بحاجة إلى إعَادَة ضبط المجتمع الإسْـــلَامي، إلى إعَادَة ضبط لمسيرة الحياة بمقتضى هذا الانْتِمَاء، على أساس هذا الانْتِمَاء وأن نستحضرَ ذلك في كُــــلّ مواقع المسؤولية، في ميدان الحياة نحتاج إلى هذا، التاجر والعامل والفقير والغني والعالم والمتعلم والعامي، في كُــــلّ ظروف الحياة وفي كُــــلّ مواقع المسؤولية، الرجل والمرأة، كُــــلُّ الذين بلغوا موقع التكليف ومرحلة التكليف الإلهي بحاجةٍ إلى استحضار هذا الانْتِمَاء وضبط مسيرة حياتهم عليه، في مواقع المسؤولية بكلها، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الموظف، المسؤول في كُــــلّ مواقع المسؤولية، الرئيس، المدير، المحافظ، العسكريّ، الأمني، كُــــلُّ الذين هم في موقع مسؤولية في أي مستوى من مستويات المسؤولية عليهم أن يتقوا اللهَ وأن يستحضروا انْتِمَاءَهم الإيْمَـــاني، وأن يضبطوا مواقفَهم تصرفاتهم، أعمالَهم على أساس هذا الانْتِمَاء الإيْمَـــاني وفق توجيهات الله وفق تعليمات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، وليس وفق هوى النفس، ولا وفق أهواء الآخرين، هذه المسألة مهمة وإلا فإنَّ اللهَ يحاسبُ ويجازي، ليست المسألة سهلة يخالف الإنْسَــان ويتحَــرّك على أساس هوى نفسه، في الحالات التي قد يتأثر بها الإنْسَــان، الإنْسَــانُ يتأثرُ مَثَلاً في حالة التمكّن والثروة أَو القوة أَو القدرة عندما يكون في موقع مسؤولية معينة فيطغى؛ لأَنَّه أصبح مسؤولاً أمنيًّا أَو أَنَّه أصبح مسؤولاً عسكريَّا، أَو لأَنَّه أصبح في موقع مسؤولية يستطيعُ أن يأمُرَ هذا وذاك ويحرك هذا وذاك، أَو يسجُنَ أَو يتعاملَ بأية طريقة من الطُّرُق؛ للضغط على الآخرين والتأثير عليهم، يطغى البعضُ، يطغى، يصاب بالطغيان يتكبر، يتجبر، كم في هذه الحياة من المتجبرين والمتكبرين والطغاة والظالمين والمتسلطين والذي؛ لأَنَّه امتلك شيئاً من القدرة أصبح لا يتقي الله، لا يرقُبُ الله، لا يلتزمُ بتوجيهات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، إذَا غضب إذَا انفعل، إذَا تعصب إذَا تحَــرّك هوى النفس انطلق بناءً على ذلك، ولم يتَّقِ الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، أَو في الحالات الأُخْــرَى، الإنْسَــانُ في حالة المخاوف، الخوف من الفقر، الخوف من القتل، الخوف على المكانة الاجتماعية، الخوف بأي شكل من الأشكال، البعضُ عند هذه الحالة ينسى اللهَ، ينسى انْتِمَاءَه الإيْمَـــاني، ينسى الالتزامَ بتوجيهات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، وبالتالي نحن بحاجة -كما قلنا- إلى استحضار انتمائنا الإيْمَـــاني في كُــــلّ حالات الحياة وفي كُــــلّ الظروف وفي كُــــلّ مواقع المسؤولية وفي كُــــلّ مجالات الحياة حتى نستقيم وفق توجّــهات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وعلى أساس تعليماته، فنتقي اللهَ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- نتقي الله جَلَّ شأنُه، وهذه وقفةٌ مهمة من المهم أن نعززها في شهر الصيام حتى لا نكون ممن يعبدون أنفسَهم لهوى أنفسهم، للانفعالات والرغبات، الصيام يُعينُنا، وسيلةٌ عمليةٌ تعيننا وتساعدُنا للسيطرة على النفس ولضبط النفس وضبط واقع الحياة على أساس انتمائنا الإيْمَـــاني، سيطرة على الرغبات والسيطرة والتحمل أمام المتاعب والصعوبات، هذه نقطة مهمة جِــدًّا.
من الأشياء المهمة التي أتت في الآيات المباركة بالأمس هي الحديثُ عن القُـــرْآن الكريم، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، لو نفتح مِلَفَّ العلاقة مع القُـــرْآنِ في واقعنا كأُمَّة إسْـــلَامية ومجتمع مسلم فالحكاية طويلة جِــدًّا، الخلاصةُ أن القُـــرْآنَ الكريمَ هو كتابُ هداية، هداية، نهتدي به، نسترشدُ به في كُــــلّ شؤون الحياة وفي المواقف والأعمال والتصرفات وهو الخلاصة للدين الإلهي المتضمن للرسالة الإلهية، ونحن سنحاسَبُ في الدنيا والآخرة من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- على أساس علاقتنا بهذا الكتاب، المشكلةُ في واقعنا كمجتمع مسلم أن أغلبَ الرؤى، أَكْثَـــرَ المفاهيم، معظمَ التصورات ليست من القُـــرْآن ولا على أساسِ القُـــرْآن ولا متفقةً مع القُـــرْآن ونتأثر بها في هذه الحياة، وأَكْثَـــر المسلمين “مطننين” مفكرين تفكيراتٍ منفصلةً عن الاهتداء بالقُـــرْآن، سياسيّون، كم يفكرون تفكيراتٍ بعيداً عن العودة إلى القُـــرْآن، المسألةُ مفصولةٌ في الذهنية، ليس هناك تفكيرٌ من الأساس إلى أن نرتبط بالقُـــرْآن الكريم أن نرتبطَ به أن نعودَ إليه، أن نهتديَ به، أن نسترشدَ به، غائبةٌ هذه المسألة، بقية الفئات والمسؤولين والكثير من الناس كذلك انفصلوا حتى على المستوى الذهني عن مسألة العودة إلى القُـــرْآن الكريم ككتاب هداية، معظم وأغلب الأفكار والمفاهيم والتصورات بعيدة عن القُـــرْآن الكريم، أَكْثَـــر المواقف ينطلق فيها الكثير من الناس بعيداً عن القُـــرْآن الكريم، لا يحسبُ حساباً للعودة إلى القُـــرْآن الكريم وتصحيح موقفه من خلال القُـــرْآن الكريم، وفراغ في الذهنية، فراغ رهيب، وخواء، لا يوجدُ حضورٌ للمفاهيم القُـــرْآنية والتعليمات القُـــرْآنية والتقييم القُـــرْآني في الذهنية، ذهنية فارغة تحشى ذهنية الإنْسَــان المسلم من مراحل التعليم الأولى وخارج مسار التعليم فيما يسمعه من الإعلام أَو من الناس، تحشى حشوا بالكثير والكثير من المفاهيم المغلوطة والتصورات الخاطئة والعقائد الباطلة والمقولات الفارغة والحشو الكارثي جِــدًّا، الظلامي، تحشى بالظلام، ظلمات بعضها فوق بعض إذَا أخرج يده لم يكد يراها.
نحن بحاجةِ إلى أن نصحِّحَ علاقتَنا بالقُـــرْآنِ الكريم، لاحظوا أيها الإخوةُ مما يجلي هذا الواقع العام، المواقف العامة، المشاريع العملية، ومما يجلي هذا الضياعَ وهذا التيهَ المواقع، مواقع التواصل الاجتماعي، يأتي إنْسَــانٌ ضال تافه، يطلق أيةَ مقولة يحظى بخمسين ألف معجب، ستين ألف معجب، أَحْيَاناً ملايين المعجبين والمتأثرين بفكرته أَو بمقولته أَو بطرحه، فراغ، فراغ، الساحة الإسْـــلَامية الشبابُ يعيشون هذا الخواء، نحن بحاجة إلى العودة للقُـــرْآن، نحن بحاجة إلى أن نملأَ ذهنيتَنا كمسلمين بالمفاهيم القُـــرْآنية، بالمعارفِ القُـــرْآنية حتى لا نعيشَ حالةَ السذاجة، حالةَ الغباء، فيأتي أي إنْسَــانٍ يغرِّدُ ويضحكُ ويخدعُ ويقنعُ الكثيرَ الكثيرَ من الناس، نحن بحاجة إلى أن نستفيدَ من هذا الشهر المبارك بفريضة الصيام التي اقترنت في هذا الزمن المبارك بشهر رَمْـضَـانَ والذي هو شهرُ نزول القُـــرْآن لنصحّحَ ونؤسّسَ، نؤسّسَ هذا الارتباطَ والتلقيَ بالهدى من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، بالله جُــلَّ شَأْنُه، بهديه بنوره بتعليماته بتوجيهاته، ونعيد هذا الارتباط لنضبط به مسيرة حياتنا.
أكتفي بهذا المقدار وَنَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وأَن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا وأن يفرِّجُ عن أسرانا وأن يثبِّتَ مجاهدينا وينصُرَهم بنصرِهم ويُعينَهم بعونه.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..