بعد قرن من التيه: هل آن أن يستيقظ العرب؟ .. بقلم/ طلال سلمان
ها قد تجاوز العرب قرناً من التيه، من دون أن يصلوا إلى نقطة بداية جديدة لتأريخهم الحديث: ففي السادس عشر من أيار 1916 وقعت فرنسا وبريطانيا، في القاهرة، اتّفاق سايكس ـ بيكو حول تقاسم أراضي السلطنة العثمانية في “الشرق الأوسط”!
لم يكن اختيار القاهرة كعاصمة للتلاقي مجرد مصادفة، بل إنه كان مقصوداً للإيحاء أن مصر كانت، أَو أريد لها أن تبقى خارج هذا الاتّفاق، أَو للإيحاء أن وادي النيل (الخاضع آنذاك للاحتلال البريطاني) ليس ضمن الوطن العربي.
بعد ثلاث سنوات من عقد ذلك الاتّفاق تقاسمت بريطانيا وفرنسا اقطار المشرق العربي بعد تقسيمها في ما بينهما.. وهكذا كانت فلسطين والعراق من حصة بريطانيا ومعهما كيان ابتدع في تلك اللحظة: اذ تم تشطير سوريا ففصلت من أرضها الضفة الشرقية لنهر الأردن لتكون إمارة للأمير عبدالله بن الشريف حسين، أمير مكة، ومطلق الرصاصة الأولى؛ إيذاناً بمباشرة السعي لإقامة المملكة العربية: “محررة” من السيطرة العثمانية..
كان جبل لبنان آنذاك “متصرفية” يعين لها السلطان العثماني “متصرفها” بشرط أن يكون من الأرمن، حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، فتم “ضم الأقضية الأربعة” التي كانت تتبع، بعد “السلطنة” كولايات: أي بيروت، وطرابلس، والجنوب والبقاع (ما عدا الهرمل وشمسطار اللتان ابقيتا داخل المتصرفية؛ لأَنَّ الأهالي فيهما من مهجري بلاد كسروان وجبيل، الواقعتين، آنذاك، ضمن أراضي المتصرفية).
أما سوريا فقد حاولت فرنسا تقسيمها إلى أربع “دول” لكن وحدة الشعب السوري (المفجوع بسقوط الوحدة العربية) أسقطت هذا المشروع الذي كان يهدفُ إلى تقسيم البلاد طائفيا ًوجهوياً.. كتتمة لتنازل “الحلفاء” عن بعض الأرض السورية (كيليكيا واسكندرون) في ما بعد، لتركيا.
بعد ذلك تبرع وزير خارجية بريطانيا العظمى اللورد بلفور بأرض فلسطين إلى مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل ليقوم فوقها الكيان الإسرائيلي..
ولسوف تبدأ سلسلة من الاشتباكات بين الجنود البريطانيين والمستوطنين اليهود الذين تدفقوا على فلسطين من دول الغرب، المانيا وبولونيا أساساً بعد أن سقاهم الحكم النازي العذاب والكراهية العنصرية.. فلم يجد “الحلفاء” في الحرب العالمية الثانية، تحت القيادة الأميركية، غير فلسطين العربية يقدمونها لكل يهود العالم لتكون “دولتهم” إسرائيل.
كان قادةُ العرب قد عرفوا، بالتواتر، مضمونَ وعد بلفور، وبالتحديد بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا، ونشر مجموعة من الوثائق والمحاضر بينها ما يتصل بهذا “الوعد” الذي يتعهد فيه وزير خارجية بريطانيا العظمى لمؤسس الحركة الصهيونية بإقامة “دولة إسرائيل” فوق أرض فلسطين.. لكن بعض هؤلاء القادة كان أقصر نظراً من أن يقدر النتائج، وبعضهم الآخر كان إما متواطئاً أَو لا مبالياً.. في حين كان يهود العالم يجمعون التأييد الدولي بذريعة المحرقة النازية ليحظوا بالعطف ومن ثم التأييد لمشروعهم بإقامة الكيان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين العربية.
وهكذا عندما وصلت مسألة إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها فإنَّ الصوت الأول المؤيد لقيامها كان الاتّحاد السوفياتي بينما كان الصوت الثاني للولايات المتحدة الأميركية..
هكذا قامت إسرائيل بالقوة على أرض فلسطين.. وكانت قواتها العسكرية أعظم عدداً وتجهيزاً من جيوش الدول العربية (شبه المستقلة) آنذاك: مصر وسوريا مع مشاركة رمزية من لبنان والعراق وجيش الأمير عبدالله في الأردن، وقد كان تحت قيادة جنرال بريطاني هو السير جون باغوت غلوب المعروف باسم غلوب باشا الذي عُرف بقيادته الجيش العربي الأردني بين العامين 1939 و1956 “تعرب” واطلق عليه لقب “ابو حنيك”،؛ لأَنَّه كان مكسور الحنك..
أي أنها قامت بالعدوان والاحتلال بالقوة على أرض فلسطين الذي تم تشريدُ شعبها، فلجأت أُسَرُه أَو من نجا منها إلى دول الجوار: لبنان وسوريا والأردن الذي حوّلته النكبة إلى مملكة أردنية هاشمية.. لكن ملكها، عبدالله بن الشريف حسين سَرعانَ ما اغتيل في المسجد الأقصى بالقدس بعد ثلاث سنوات من الهزيمة.
ولقد توالت الانقلابات العسكرية في سوريا بذريعة الهزيمة.
كذلك تفجرت مصر بثورة جيشها ضد الحكم الملكي فيها (فاروق الأول) الحفيد الأخير لمحمد علي باشا ـ ألباني الأصل ـ الذي حكم وذريته مصر أَكْثَـــر من مائة وخمسين سنة.
* كاتب وناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير