رمضان الخير أم…؟ .. بقلم د/ فاطمة بخيت
عندما تنعدمُ لدينا الروحُ الإيْمَـــانية التي ترقى بنا عن التعلقاتِ الماديةِ والدنيوية، تصبحُ نظرتُنا للدين والشعائر الدينية نظرةً سطحيةً، ونفقِدُ الشعورَ بالروحانية والطمأنينة عند تأديتنا لتلك الشعائر، بل تصبحُ مُجَـــرّد طقوسٍ ورثناها عن الآباء والأجداد، ولا يمثِّلُ أداؤنا لها أيَّ تأثير إيجابي على واقع حياتنا وزكاء نفوسنا.
أحياناً ونحن نزاولُ أعمالَنا اليوميةَ نصادفُ العديدَ من الأشخاص والعديدَ من المواقف التي تعكسُ تلك النظرةَ. ومنها ما قد يكونُ له وَقْـــــعٌ خَاصٌّ على أسماعنا ونفوسنا.
ففي الحين الذي يستعدُّ الناسَ لاستقبال هذا الشهر الكريم بفرحٍ وسرورٍ كبيرَين؛ لما له من مكانة عظيمة عند المولى عز وجل، ويضاعف الأجر على عمل الطاعات التي يتقرب بها المؤمنون إليه في هذا الشهر الذي فضله على سائر الشهور، يرى أحدهم أن هذا الشهر أصبح عبئاً ثقيلاً على كاهله، بل يرى أيضاً أنه: (رمضانُ الموت) على حَـــدِّ تعبيره؛ لأَنَّه لم يعد قادراً على توفير سفرةٍ عامرةٍ بما لذَّ وطاب تُشبِعُ نَهَمَه!!!
فَقَدْ أصبح هذا الشهرُ الكريمُ بالنسبة للبعض، صياماً ونوماً بالنهار، وتناولاً لشتى أصناف الطعام والشراب في الليل، وكأنه موسم لأكل ما لم يؤكل طيلة العام، فعندما نسمع الشكاوى والتذمر من ربات البيوت منذ النصف الأخير من شعبان عن مدى التعب والعناء الذي يجدنه منذ بدء شهر رمضان وحتى نهايته لكثرة العمل ساعات طويلة من النهار وجزءاً من الليل لإعداد أنواع المأكولات والمشروبات، يتأكد لدينا أننا أصبحنا نجهلُ الهدفَ الأساسيَّ من الصوم والغاية السامية من هذه الفريضة، وأن نظرتنا لهذه الفريضة المقدسة أصبحت نظرة مادية وسطحية.
بالإضافة إلى أن هناك الكثيرَ من الناس قد يضيعُ ساعاتٍ طويلةً من الليل أمام شاشات التلفاز ومشاهدة المسلسلات والبرامج، أَو قد يضيع وقتَه على وسائل التواصل الاجتماعي أَو في الأسواق، ويمضي هذا الشهرَ الكريمَ وهو لم يستفد منه شيئاً، بل قد يزيد في هذا الشهر بُعداً عن الله وينقضي وهو أسوأ حالاً.
فأين نحن من آبائنا وأجدادنا الذين لم يكن لديهم أصنافُ الطعام والشراب التي توجد في زمننا ومع ذلك كانوا يستعدون لاستقبال هذا الشهر الكريم بكل حفاوة وترحيب، وكانوا يتحدثون دائماً عن روحانية شهر رمضان والخير الذي يعم فيه؛ لأَنَّهم كانوا يغتنمون هذه الفرصة القصيرة (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) بالصوم والتقرب إلى الله بأداء أنواع الطاعات والعبادات؛ لأَنَّه لم يكن في زمنهم قنواتٌ متنوعةٌ ومسلسلاتٌ مختلفة.
ولنا في رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهلِ بيته عليهم السلامُ خيرُ أسوة وقدوة. فقد كان يفطِرُ صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد عنه بحبات تمر، فإن لم يجد حسا حسواتٍ من ماء، ويأكل ما يجدُه من طعام دون أن يكونَ له نوعٌ معينٌ من الطعام، ويقوم ليلَه ويصومُ نهارَه، ويتصدق على الفقراء والمحتاجين، فقد كان أجودَ من الريح المرسلة، وأجودَ ما يكون في رمضانَ، كما حكي عنه، فاهتمامُه صلى الله عليه وآله وسلم كان منصبًّا على أمور الدين وأداء الطاعات والتقرب إلى المولى عز وجل.
كذلك أهل بيته سُفُن النجاة، الذين كانوا ولا زالوا بحقٍّ قادةَ الأُمَّــة إلى بر الأمان.
ولنا في صومِ الإمام علي وفاطمةَ الزهراء عليهم السلام ليوم نذرهم لشفاء أبنائهم من المرض وتصدُّقِهم بأقراص الشعير التي كانت الطعام المعد لإفطارهم، لمسكين ويتيم وأسير، خيرُ درسٍ يتعلمُ منه المسلمون عبر الأجيال.
والذين نزل في صنيعهم قولُ الحَــقّ جل وعلا: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).