السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية السابعة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وارْضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
في محاضَرةِ الأمسِ، كان الحديثُ على ضوء بعض الآيات القُـــرْآنية المباركة التي يتبينُ من خلالها الخسارةُ الرهيبةُ والفادحةُ لكل المعرضين عن نهجِ اللهِ والذين لم يستجيبوا لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-.
نحن كمسلمين نحظى بهذه النعمةِ العظيمة التي تهيءُ لنا الفرصةَ للتمسُّكِ بالقُـــرْآن الكريم والاقتداء بالرسول صلوات الله عليه وعلى آله والالتزام العملي على أساس ذلك وضبط مسيرة حياتنا على أساس ذلك وهذا فيه الخيرُ والفلاحُ لنا في الدنيا والآخرة، والفلاحُ والخيرُ في ذلك والسعادة في ذلك تبدأ من هنا في الدنيا، جزء من وعد الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بالخير والبركة والفلاح والعزة والنصر للذين يستجيبون له ويهتدون بهديه ويطيعونه، جزءٌ من هذا الوعد الإلهي هنا في الدنيا، والفوزُ العظيم في الآخرة الجنة التي عرضُها السماواتُ والأرضُ، والسلامةُ من عذاب الله والسلامة من الشقاء الأبدي والخسارة الرهيبة التي تحدثنا بالأمس على ضوءِ بعضٍ من الآيات القُـــرْآنية المباركة التي قدمت وصفاً شاملاً ومتنوعاً لكثيرٍ من الأحوال التي يعيشُها الإنْسَــان الخاسرُ والخائبُ والهالكُ في عذاب الله، والعياذ بالله.
طريقُ الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- التي يدعونا إليها هي طريقٌ لمصلحتنا نحن، أما هو فهو غنيٌّ عنا، غنيٌّ عن طاعتنا، غني عن أعمالنا، نحن الفقراء إلى الله والذي نحتاجُ إلى رحمته إلى فضله إلى كرمه، وهذا لا يتحقّـــقُ إلا بالاستجابة له -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، لا يمكنُ أن نعرضَ عن نهجه وأن نرفُضَ دعوتَه وأن نعصيَه وأن نتبعَ عدوَّنا الشيطان الرجيم ثم تكون المَسْأَلَة طبيعيةً ونفلح ونفوز في الدنيا والآخرة لا يمكن، وطريقُ الجنة هي أيسر من طريق النار، الإنْسَــانُ في هذه الحياة سيواجهُ الصعوباتِ ويواجهُ التحدياتِ على كُــــلِّ حال (يَا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلاقيهِ)، هذه الحياةُ هي ميدانُ اختبار وميدان مسؤولية، وعلينا أن نرسخَ هذه المَسْأَلَة في أذهاننا ووجداننا، والراحة التي فيها السلامةُ من كُــــلّ المنغصات ليست إلا في عالم الآخرة في الجنة، ولكن هناك امتيازٌ لطريق الحَــقّ لطريق الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، امتيازٌ كبيرٌ جِــدًّا، في هذه الحياة الإنْسَــان من خلال إيْمَـــانه وتقواه يحظى برعاية إلهية في هذه الحياة، اطمئنان نفسي، طاقة معنوية هائلة، تيسير في الأمور، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا)، وعودٌ إلهية كثيرة وعودٌ من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بالخير والبركات باليسر والفرج، وعودٌ من الله بالنصر والعزة، وعودٌ كثيرةٌ تأتي هنا في الدنيا وفي الآخرة الجنة؛ ولذلك فنحن بالعودة إلى القُـــرْآنِ الكريمِ يتبينُ لنا أن الفوزَ والمصلحة للإنْسَــان وأن الخيرَ للإنْسَــان كُــــلُّ ذلك هو بالاستجابة لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بالطاعة بالتوجُّـه العملي والالتزام بأمر الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- والوقوف عند نهجه -جَــلَّ شَأْنُـهُ-.
الطريقُ إلى النار تجُرُّ إليه الشهواتُ والأهواءُ، ولكن ليست لمصلحة الإنْسَــان حتى لو لبّى الإنْسَــانُ شهوةً من شهواته أَو رغبةً من رغباته، فالتبعاتُ كبيرةٌ في الدنيا وفي الآخرة، دينُ الله الحَــقّ وتعليماته وتوجيهاتُه هي مطابِقةٌ لفطرة الإنْسَــان يرتاحُ بها الإنْسَــانُ إذا بنى حياتَه عليها، والله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- جعل دينَه رحمةً، رحمةً في الدنيا أحل الطيباتِ وحرّم الخبائثَ، وجّهنا إلى ما فيه الخير ونهانا عما فيه الشرُّ والسوءُ علينا نحن كبشر؛ ولذلك لا مبرّر للإنْسَــان عندما يورِّطُ نفسَه وراء الشهوات والأهواء بما يوصلُه إلى جهنمَ بما يعبّدُه للشيطان بما يخسرُ به خيرَ الدنيا والفوزَ العظيم في الآخرة.
أعظمُ الناس عذاباً في النار فئتان ينتميان للإسْــلَام
يتبينُ لنا أَيْضاً من خلال العودة إلى القُـــرْآن الكريم أن مُجَـــرّدَ الانتماء الإيْمَـــاني لا يكفي ومُجَـــرّدَ العملِ ببعضٍ من توجيهات الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وأوامره مع العصيان لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- في أوامرَ أُخْــــرَى لا يكفي ويتبين أن من أعظم الناس عذاباً في النار فئتان ينتميان للإسْــلَام:
الفئة الأولى: هم المنافقون الذين قال الله عنهم (إِنَّ المُنافِقينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ) والعياذُ بالله (فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ)، ولا شكَّ أن الدركَ الأسفل من النار هو الأَشَــدُّ عذاباً، فيها الأَشَــدُّ عذاباً في جهنمَ، والمنافقون ينتمون للإسْــلَام وهم أصناف، منهم فئةٌ تُظهِرُ التدينَ ولها مساجدُ الضِّرار وتحدَّثَ القُـــرْآنُ عنهم حَديثاً واسعاً في فئاتهم المتعددة ودوافعهم المتنوعة والمختلفة، ولكن ما هو قاسمٌ مشتركٌ فيما بينهم هو الخذلان للحق والتثبيط للأُمَّــة عن نصرة الحَــقّ والمَيْل لأعداء الله، ليس لهم موقفٌ من أعداء الله هم ما بين مؤيد ومناصر للعدَوّ لعدو المسلمين وما بين مثبط ومخذل عن النهوض بالمسؤولية في التصدي لهذا العدَوِّ وللخطر عن الأُمَّــة هذا القاسم المشترك والعنوان العام، تختلفُ الدوافعُ وتختلفُ السلوكياتُ فيما بينهم، مَن يتطبَّعُ منهم بطابع التدين، مَن يتحَـرّك منهم تحت عنوان إيْمَـــاني (مَن يَقولُ آمَنّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ) إلى آخره، من له اتِّجاهٌ آخر مَن هو في مستوى الريبة والشك في الدين مَن هو لا يعيشُ هذه الحالة ولكنه في الواقع العملي خضع لأهوائه ورغباته ولم يحقّـــقِ الثقةَ بالله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- التي تساعدُه على تبني الموقف الصحيح الذي يرضي الله -جَــلَّ شَأْنُـهُ- فهذه فئة.
الفئةُ الثانيةُ: الذين يؤمنون ببعضِ الكِتاب ويكفُرون ببعضٍ، الذين ينهجون في هذه الحياة نهجاً تجزيئياً للدين الإلهي، يعني يقبلون ببعضٍ من تعليمات الله وأوامره فيما يطابق أهواءهم أَو لا يرَون فيه أنه يشكلُ خطورةً عليهم وليس فيه صعوبةٌ عليهم ويردون جزءاً آخراً من الدين ويرفضونه ولا يقبلون به، هذه الحالة تسمى في القُـــرْآن الكريم إيْمَـــانٌ ببعض الكتاب وكفرٌ ببعضه (أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ، فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا، وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ)، لاحظوا يومَ القيامة يردون إلى أَشَــدِّ العذاب وأَشَــدُّ العذاب في جهنم هو التي تُعذَّبُ فيه الشياطين ويُعذَّبُ فيه أسوءُ المجرمين بما في ذلك فرعون وقومه بأَشَــدِّ العذاب، وهذه المزاجية في التعامل مع الدين غير مقبولة عند الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- غير مقبولة نهائيًّا أن تأتيَ أنت لتقبَلَ من القُـــرْآن بعضاً وترُدُّ الكثير الكثير من آياته وتوجيهات الله فيه وأوامره لماذا؟؛ لأَنَّها لم ترق لحضرتك لم تتناسب مع أهوائك، معناه أنك حكّمت هوى نفسك، جعلته الأساسَ حتى فيما تقبلُه وفيما لا تقبلُه من القُـــرْآنِ الكريمِ، فالمَسْأَلَةُ مهمةُ الدين منظومة واحدة مترابطة ودينٌ كامل وتجزئة هذه في القبول ببعض والرفض للبعض الآخر غير مقبولة وتجعل ما تقوم به من الدين غير مقبولٍ ولا مجزٍ عند الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-.
الطريقُ إلى الجنة إلى الفوز بما وعد الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- تبدأُ من هذه الدنيا، طريقٌ رسمه اللهُ منها، وبدايةُ الرحلة فيها من هنا من الدنيا، طريقٌ مرسومٌ إذا أردت أن تصلَ إلى الجنة، فتبدأ رحلتُك فيه من هذه الحياة وتبدأ خطواتُك فيه من هذه الحياة، ودعوةُ الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- هي إلى الجنة إلى المغفرة إلى دار السلام قال -جَــلَّ شَأْنُـهُ-: (وَاللَّهُ يَدعو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغفِرَةِ بِإِذنِهِ) قال -جَــلَّ شَأْنُـهُ-: (وَاللَّهُ يَدعو إِلى دارِ السَّلامِ)، وهي طريقٌ مغريةٌ وجذابةٌ جِــدًّا، إعراضُ الإنْسَــان عنها خسارةٌ رهيبةٌ وضلالٌ مبين وغباءٌ رهيبٌ جِــدًّا، (وَاللَّهُ يَدعو إِلى دارِ السَّلامِ) الجنة هذه الذي يتحدثُ القُـــرْآن عنها حديثاً واسعاً طريقُك فيها تبدأ عمليًّا بالاستجابة لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وهو يقول: (وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ) وسارعوا المفترَضُ هو أن نسارعَ إليها مسارعة أن نتحَـرّكَ في طريقها بكل نشاط وبكل رغبة وبكل جِدٍّ وبكل إقبالٍ، ما الذي يجعلُ الإنْسَــانَ يتباطأ، يتخاذل أَو حتى يحاولَ أن يُعرِضَ أَو يتجهَ إلى طريق أُخْــــرَى توصلُه إلى النار إلى عذاب الله وسخط الله والعياذ بالله؟!.
في هذه الطريق أنت في هذه الدنيا تعيشُ العزةَ والكرامة وتحظى بالرعاية الإلهية وتُحِسُّ بمعية الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أنك مع الله والله معك وتلتجئُ إليه في كُــــلّ أمورك وتحظى بالدعم المعنوي الهائل بالسكينة وبالطمأنينة وبالربط على قلبك في مواجهة الكثير من تحديات هذه الحياة وصعوبات هذه الحياة وأخطار هذه الحياة، أما في عالم الآخرة في يوم القيامة ومنذ أن يبعثَك الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- تتنزلُ الملائكةُ عليك، تبشِّرُك وتطمئنُك وفي كُــــلِّ مراحل الحساب، ترى البشاراتِ الواحدةَ تلو الأُخْــــرَى عندما تُوزَّعُ الكُتُبُ والصحفُ تؤتى كتابَك بيمينك كبشارة لك تحاسَبُ حساباً يسيراً، يبيضُّ وجهُك، يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوهٌ، يجمع الله شملَك بالمؤمنين والصالحين والأنبياء والصديقين والشهداء، كما قال -جَــلَّ شَأْنُـهُ-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا) في ساحة المحشر بعد عملية الفرز للخبيث من الطيب ولأصحاب الجنة من أصحاب النار ترى نفسك مع أولئك مع أولياء الله من أنبيائه والصديقين والشهداء والصالحين من عباده يلتئم شملك معهم نعمة عظيمة جِــدًّا وهكذا تعيش البشارات الواحدة تلو الأُخْــــرَى وكم ستكون سعادتك عندما تطمئن الاطمئنان التام بعد اكتمال عملية الحساب والبشارة النهائية لك بأنك من أصحاب الجنة.
في ساحة المحشر يُقَرِّبُ اللهُ عالمَ الجنة كما قرأنا قول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ)، تقرَّبُ وهي عالمٌ عظيم وواسع جِــدًّا كما قال الله -جَــلَّ شَأْنُـهُ-: (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) عالم كبير جِــدًّا فوقَ كُــــلّ آمال الإنْسَــان وفوق كُــــلّ طموحاته أكبر من طموحكَ هي واسعة للغاية ليست قريةً صغيرة وليست منطقةً محدودةً وصغيرةً ومساحتها ضيقة، حيث يتزاحمون فيها ويتنازعون عليها، لا، عالم متسع جِــدًّا جِــدًّا جِدًّا فوق كُــــلِّ خيال وفوق كُــــلّ تصورٍ، والحديث في القُـــرْآن الكريم الحديثُ الإجمالي عنها وعن النعيم فيها والحديثُ التفصيلي حديثٌ واسع جِــدًّا وكذلك في ما ورد عن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ومن أجمل ما ورد عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله صورة معبرة ومختصرة قال في ما روي عنه فيها يعني الجنة “ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر” عباراتٌ راقيةٌ جِــدًّا، نعيمٌ يفوق كُــــلّ تصور في ما تكون قد رأيتهُ في هذه الحياة من أجمل أَو أجمل ما كنت قد رأيته في هذه الحياة في الجنة ما هو أجمل منه وما لم ترَ مثلَهُ أَبَـدًا ولا سمعت بمثله لا بالوصف ولا بالمشاهدة ولا خطر على قلب بشر ولا حتى خطر في خاطرتك في تصوركَ في خيالكَ أَبَـدًا نعيم أرقى من كُــــلّ ذلك.
وفي القُـــرْآنِ الكريمِ عندما تحدث عن سِعتها بهذه السعة تحدث أَيْضاً عن وصف ما فيها من الأنهار والثمار فقال الله -جَــلَّ شَأْنُـهُ-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) وتجد ما ورد في القُـــرْآن الكريم من الوعود بالجنة يتحدث عن المتقين ويربط هذا الوعد بالمتقين والمؤمنين والمؤمنون هم المتقون والمتقون هم المؤمنون هناك تلازم بين الإيْمَـــان والتقوى؛ لأَنَّ التقوى هي ثمرةٌ للإيْمَـــان للإيْمَـــان الواعي للإيْمَـــان الصادق (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ)، وهذه صورة تقريبية مثل (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) جنةٌ بما فيها من الأشجار الكثيفة جِــدًّا والكثيرة كثيرة للغاية والأنهار تجري من تحتها هذه الأنهار متنوعة (أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) هذا الماء النقي ذو الجودة العالية الذي لم يتغير ولم يركد ولم يتغير فيه لا مذاقُهُ ولا لونُهُ ولا شمُّهُ (مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) أنهار أُخْــــرَى من اللبن، اللبن متوفر في عالم الجنة بشكل أنهار متدفقة ونقية ولا يتغير مذاقهُ وطعمهُ مع الوقت أَبَـدًا بجودة عالية جِــدًّا ونظافة مستمرة لا يلوثهُ شيء ولا يكدرهُ شيء ولا يغيرهُ شيء بجودة عالية بشكل دَائماً ومستمر ومتدفق بشكلٍ كبير، (وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أنهار من الخمر، وخمرُ الجنة هو خمرٌ يختلفُ عن خمرِ الدنيا، خمرٌ لا ضررَ فيه لا على ذهنية الإنْسَــان وتمييزهِ وعقله ولا على صحتهِ، خمر الدنيا هي بلاءٌ هي شرٌّ مضارُّها الكبيرةُ على الإنْسَــان في نفسيتهِ تدنس نفسية الإنْسَــان وتسبب لهُ الانحطاطَ والدناءة والخسة وآثار في صحتهِ على الكبد آثار على الصحة العامة آثار على الرأس آثار ومضار صحية كبيرة معروفة في الطب وكذلك آثار على تمييزهِ وإدراكه في حالة السكر الإنْسَــان يخرج عن حالة الإدراك والتمييز ويصبح إنْسَــاناً فاقداً لصوابه يتصرفُ أسوأ التصرفات، وقد يصدُرُ منه ما يتنافى حتى مع الإنْسَــانية بكلها قد يصدُرُ منه جرائمُ أَو تصرفاتٌ بذيئة منحطة للغاية قذرة، قد يتقذر، أما خمر الجنة فهي سليمة من تلك السلبيات، وهذا الوعد يرغب الذين قد يكونون في هذه الدنيا إما شربوا الخمر أَو يغريهم البعض بشربها، فهناك في الجنة ما هو بديل عنها لمن لم يشربها في الدنيا، لمن يترك شربها في الدنيا، سيحصلُ على ما هو في الجنة خير منها.
(وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)، حتى العسلُ يتوفرُ في الجنة بشكل أنهار متدفقة، ومصفَّى، ليس فيه أيةُ شوائب، وإنما تكونُ متنقلاً في عالم الجنة تتمشى، تذهب للراحة يعني للراحة النفسية، وإلا ليس هناك أية صعوبة ولا تعَب في الجنة، تذهب للتنعم، فأمامك في هذا العالم، في عالم الجنة هذه الأنهار من اللبن من الماء النقي من العسل المصفى، من خمر الجنة، ولهم فيها من كُــــلّ الثمرات على مستوى الثمرات الفواكه وما يلحق بها من الثمار، يتوفر كُــــلّ الثمرات كُــــلّ شيء متوفر في الجنة، فهو عالم يتوفر فيه كُــــلّ ما يحتاجه الإنْسَــان، وكل ما يرغب به الإنْسَــان من الطعام والشراب وسائر النعيم، يقولُ اللهُ -جَــلَّ شَأْنُـهُ- كذلك عن الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)، فهو عالمٌ يتوفر فيه كُــــلُّ النعيم، كُــــلُّ ما تشتهيه النفس، كُــــلّ ما تطلبه يتوفر لك، هذا لا يوجدُ في الدنيا لأي أحد أَبَـدًا، في الدنيا لو كنت ملكاً أَو أميراً أَو ثرياً أَو تاجراً لا يمكن أن يتوفرَ لك كُــــلُّ ما تتمناه كُــــلّ ما ترغَبُ به ومن دون منغصات، لا، هناك يتوفرُ كُــــلُّ ما ترغبُ به كُــــلّ ما تشتهيه وبدون أية منغصات أَبَـدًا، فهذا على المستوى الإجمالي عن سعة الجنة، وعن سعة النعيم فيها الذي يتوفر فيه كُــــلّ ما ترغب به كُــــلّ ما تطلبه، بشكل واسع جِــدًّا، لا تحتاج إلى كد ولا إلى عناء ولا إلى تعب أَبَـدًا، فاللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- عندما يقرِّبُ هذا العالم العظيم والجميل جِــدًّا والواسع والذي فيه كُــــلُّ أصناف النعيم والحياة الأبدية بسعادة لا يوجد ما ينغصُها أَبَـدًا تبدأ عملية الانتقال من ساحة المحشر إلى الجنة.
الانتقالُ إلى عالم الجنة ستكون لحظة بحد ذاتها سعيدة لا يمكن أن نتصور مدى السعادة فيها، الإنْسَــان عندما يطمئن إلى أنه سينتقل في تلك اللحظات من ساحة المحشر إلى الجنة، كيف ستكون فرحته؟ كيف ستكون سعادته، ارتياحه الكبير جدا؟ وقد رأى الآخرين الذين ميزوا بالذهاب بهم إلى النار، وما هم عليه من الحسرات وما هم فيه من الندم والبؤس والشقاء والعياذ بالله، عند الوصول بعد الانتقال إلى عالم الجنة، عند الوصول إلى أبواب هذه الجنة الله أعلم كيف شكل هذه الأبواب والمنافذ الموصولة إلى ذلك العالم، هناك من يستقبلهم، خزنة الجنة، المضيفون والمديرون لشؤون هذه الجنة هم في حالة استقبال، يفتحون الأبواب ويرحبون بهؤلاء الضيوف والوافدين إلى جنة الله، إلى دار كرامته ومستقر رحمته، يرحبون بهم (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) ترحيب من الملائكة بالابتهاج والتقدير والإكرام، ليس الحال كحال أهل النار عندما يصلون إلى الزبانية الذين يأخذونهم بالنواصي والأقدام ويسحبون بهم ويدفعون بهم للإلقاء بهم في نار جهنم بكل إهانة وعنف وقسوة، لا، حال مختلف، ترحيب بتقدير وإكرام، (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)، ادخلوها للأبد، لتعيشوا فيها حياة لا نهاية لها ولا انقطاع لها.
راحةُ وسعادةُ وفرحةُ الوصول إلى عالم الجنة كذلك هي فرحةٌ لا يمكن أن نتخيلها أَبَـدًا، في بعض الآثار عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله أن هذه الفرحة تصل إلى درجة أن لو بقي موت لماتوا من شدة الفرحة، عندما يصلون إلى عالم الجنة، في الآثار عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله أنهم أول ما يصلون إلى الجنة يغتسلون من نهر من أنهار الجنة، يغتسلون في نهر من أنهار الجنة، وبعد هذا الاغتسال يلبسون من ملابس الجنة ومن كسوتها من حريرها الذي تحدث عنها القُـــرْآن الكريم من السندس والاستبرق، ويحلون أساور الذهب وأساور الفضة، ومن حلية الجنة، وبعدها تبدأ مرحلة الاستضافة لهم في قصورهم في الجنة فالأسر التي تدخل الجنة يلتئم شملها هناك في عالم الجنة في سرور ونعيم عظيم.
في عالم الجنة وهو ذلك العالم الواسع يمكن للإنْسَــان أن ينتقل فيها أين ما يشاء ويريد، لا يوجد قيود كما في عالم الدنيا لا تستطيع أن تذهب من بلد إلى بلد آخر بقيود وصعوبات كبيرة وقد لا تستطيع أن تذهب إلى بعض البلدان، قد لا تستطيع ترى في شاشة التلفاز مناظرَ جميلة في بعض البلدان والمناطق لا تستطيع الذهاب إليها، أما في عالم الجنة فكما حكى الله عن سعادتهم وارتياحهم في قولهم: (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) مفتوح المجال، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) عالم واسع جِــدًّا جِدًّا عرضُها السمواتُ والأرض، الأرضُ بكلها لا تساوي إلا قطعةً صغيرةً فيما يقابل مساحة الجنة، في ذلك العالم الواسع تنتقل وتذهب أينما تشاء وتريد وتتبوأ مكانك أينما تشاء وتريد، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ)، لكل مؤمن متقٍ لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- في ذلك العالم بساتينه وقصوره الخَاصَّــة به ومساكنه الطيبة، وفيها يستقر الإنْسَــان وتطيب حياته في سورة الرحمن تحدث عن أربع جنات (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، يصف كُــــلًّا منهما تلك الجنتان ما فيها من أنواع النعيم (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)، يتحدث عما فيها من الطعام والشراب والفواكه، (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)، يتحدث عن أصناف النعيم الواسع في تلك الجنتين، ثم يقول بعد ذلك (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ)، ويضاف إليهما كذلك جنتان ويتحدث أَيْضاً ما في كُــــلّ من تلك الجنتين من نعيم واسع، أصناف النعيم، من الفواكه من عيون الماء، العين الفوارة، فيهما أَيْضاً يتحدث أنواع الفواكه، أنواع الفواكه والثمار، القُـــرْآن فيه حديث واسع عن أصناف هذا النعيم في الجنة، ثم الجنة بشكلها كعالم، فيها كما قال النبي صلوات الله عليه وعلى آله “ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر”، الفواكه متوفرة فيها في كُــــلّ مكان، الرياحين والأشجار الجميلة وذات الرائحة العطرية الفواحة في كُــــلّ مكان حيث أن عالم الجنة كما في القُـــرْآن الكريم وكما في الآثار عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله عالم معطر بكله، يعني في كُــــلّ مكان هناك الرائحة العطرة والزكية، ليس هناك أي رائحة قذرة في أي مكان في عالم الجنة أَبَـدًا.
حياةٌ سعيدةٌ وابتهاجٌ ونعيم، المرأة المؤمنة تكون حوراء من حور الجنة ويكسبها الله في خلقها في عالم الجنة ما يكسب حور العين من الجمال البارع والآخاذ، القُـــرْآنُ تحدث عن وَصَفِ الحور العين (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) الحسن والجمال البارع جداً لا تحتاج إلى مكياج ولا تحتاج إلى أدوات التجميل أَبَـدًا (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) يصفهن أَيْضاً ويشبههن باللؤلؤ اللؤلؤ في صفائه وَبياضه أَيْضاً في حمرة الوجوه التي على بياض الوجوه (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) جمال وصحة ونضارة ورشاقة ولا تحتاج إلى ريجيم في عالم الجنة ولا تحتاج إلى أدوات التجميل ولا تحتاج إلى أن تتعب نفسها بشيء تلبس من ملابس الجنة حليتها من حلي الجنة الراقية جداً، المساكن في الجنة مساكن طيبة مساكن بناها الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- في الآثار عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله ما يفيدُ أن البعضَ منها فضية مسكن من الفضة قصر من الفضة البعض منها مساكن ذهبية من الذهب بنيت، البعض منها من الزمرد وهكذا من الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة تبنى مساكن الجنة ويستقر فيها أهلها ونعيم للأبد ليس هناك ما ينغصه لا مرض ولا انقطاع للحياة ليست حياة مؤقتة ولا هرم لا يهرم الإنْسَــان مع طول العمر مع طول الوقت مع استمرار الحياة ولا حزن ولا هم ولاغم ولا نزاع ولا خصام ولا مشاكل ولا هموم ولا أي منغص (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) ما هناك لا حزن وَلا نصب ولا تعب ولاهم ولا أية منغصات أبداً والله يدعو إلى دار السلام دار السلام، السلام من كُــــلّ شر من كُــــلّ بؤس من كُــــلّ شقاء من كُــــلّ عناء سلام من كُــــلّ شر ومن كُــــلّ شقاء وعناء وهم من كُــــلّ المنغصات سعادة خالصة وراحة دائمة وسرور دائم لا ينقطع أَبَـدًا يعيش الإنْسَــان مبتهجاً.
الحالةُ الاجتماعيةُ في الجنة ما بين أولياء الله بين المؤمنين أولئك الذين قال الله عنهم: (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًاً) (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا) تجدهم في حالةٍ من السرور ليس هناك أَبَـدًا أي غِلٍّ ولا أي استياء من البعض على البعض الآخر (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)، (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)، أنت في الجنة تعيشُ إنْسَــانا محترماً مقدراً مكرماً لا أحد يزعجك ولا أحد يؤذيك ولا تسمع من أحد أي كلام يسئ إليك أَو يستفزك أَو يجرح مشاعرك تعيش مكرما لا ينغص حياتك شيء أَبَـدًا، لا تسمع إلا الكلام السليم والمحترم والطيب الذي ليس فيه أي إساءة ولا تجريح ولا تأثيم ولا انتقاص ولا جرح للمشاعر ولا أي شيء أَبَـدًا، راحة وسعادة دائمة لا ينغّصها شيء أَبَـدًا، تلتقي بأنبياء الله، تلتقي بأولياء الله تجتمع مع إخوتك المؤمنين في مجالس، مجالس فيها شراب من شراب الجنة، وأجواء كلها أجواء سعادة وراحة، ولا ملل فيها ولا سأمة أَبَـدًا ويتجدد النعيم بعد كُــــلّ فترة تأتي أشياءَ جديدة موديلات جديدة أصناف جديدة من فضل الله، الجنة هي مستقر رحمة الله ودار كرامته يتجلى فيها كرم الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- ورحمته على نحو عظيم وعجيب وكبير جِــدًّا، حتى الصحاف والأواني التي يقدم فيها الطعام (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ) الأكواب والأواني الفضية والذهبية التي تستخدم في عالم الجنة.
وكم في القُـــرْآن الكريم من حديث واسع عن نعيم الجنة يمكن للإنْسَــان من خلال شهر رمضان المبارك أن يتأمل وأن يحسب حساب نفسه كيف يسعى ليصل إلى ذلك النعيم إلى دار كرامة الله ومستقر رحمته، والخسارة كبيرة جِــدًّا، الإنْسَــان إذا لم يسع ليفوز بهذا الفوز العظيم فالخسارة رهيبة جِــدًّا، يوم القيامة إذا لم تكن من أصحاب الجنة إذا لم تسر في طريق الجنة الموصلة إليها وهي التقوى والطاعة لله والاستجابة لله، لا يكن حد الخسارة يوم القيامة بأنك ستخسر فحسب هذا النعيم، لا يقولون لك مثلا عفوا يا أخي أنت لست من أهل الجنة عد إلى منزلك عد إلى الدنيا هذه وابقى في بيتكم ارجع القرية أَو ارجع الحارة، لا، ليس هناك من بديل عن الجنة إلا النار، لا بديلَ عن الجنة إلا النار، فإما أن تسلك طريق هذه الجنة تبدأ الرحلة من هنا من عالم الدنيا في طريقها المرسومة لها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) فلتسع لتكون من عباد الله المتقين فيما وصفهم به في كتابه الكريم ولتستجبْ لله الاستجابةَ الكاملةَ ولتتُبْ إلى الله عند الذنوب عندَ الزلة عند الخطأ وترجع وتنيب إلى الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- لا تصرّ على المعصية لا تتهاون ابتداءً للوقوع في المعصية وإذا زللت فلتبادر بالتوبة والإنابة إلى الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وتطلب من الله دَائماً التوفيقَ، ولتبتعدْ عن الأسباب والمزالق الخطرة التي توقعك في المعصية وتتحَـرّك في طريق الحَــقّ وإلا فالخسارة كبيرة جِــدًّا، الله أقسم قسما كبيرا في القُـــرْآن الكريم (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) الإنْسَــان لفي خسر خسارته محقّـــقة ومؤكدة ولا شك فيها إلا (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
نحن في شهر كريم نتروّض فيه على التقوى نحاول أن نسيطرَ على شهوات النفس نحاول أن نتروّض على الصبر والتحمل فيما يساعدنا ولما يساعدنا للاستجابة لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- والنهوض بمسؤولياتنا لكي نفلحَ لكي نفوزَ ومُهِمٌّ مع ذلك التركيز على الدعاء، أهل الجنة في الجنة من أسباب نجاتهم وفوزهم العظيم كما ذكروا هم فيما حكاه الله عنهم (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وأَن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا وأن يفرِّجُ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..