مشروعُ «إسرائيل جديدة» شرق الفرات! بقلم د/ وفيق إبراهيم
مشروعُ «دولة كردية» يلوحُ في الأُفُقِ القريبِ في شرق الفرات السوري يعملُ عليه الطرفان الأميركي ومنظمة قسد الكردية بتأسيس دولة قد تبلغ خمسين ألف كيلومتر مربع يشكل معظمها مساحات تقطنها عشائر عربية سورية منذ ألف عام تقريباً، أي قبل وصول الكرد من تركيا إلى سورية بثمانية قرون ونيّف.
بالمقابل تندلعُ تظاهراتٌ ضخمة يعلن فيها أبناء العشائر العربية السورية رفضَهم لهذه الدولة وامتناعهم الكامل عن الالتحاق بقوات «قسد الكردية»، وصولاً إلى إعلان استعدادهم لقتالهم واستهداف التغطية الأميركية المباشرة لها عسكرياً وسياسياً.
وهذه العشائرُ تمتدُّ من البوكمال عند الحدود مع العراق جنوباً مروراً بالبوكمال وحتى البادية والحدود التركية، وهذا يعني أن مناطق انتشار السوريين يغطي نحو 80 في المئة من شرق الفرات مقابل أقل من 15 في المئة للكرد وخمسة في المئة لسوريين من الأشوريين والكلدان.
هذا ما يضعُ الأميركيين في حالة من العصبية الشديدة لاستشعارهم بضمور دورهم السوري وتالياً العراقي، فهم لا يجدون تغطيةً من العشائر السورية لدويلة الكرد المزعومة في الشرق، ولم يعد باستطاعتهم التأثيرُ على الجيش في العراق وسورية اللذين يواصلان تنظيف حدود مشتركة بين بلديهما من قاعدة التنف التي يحتلها الأميركيون في سورية وحتى البوكمال والميادين المقابلة للحدود العراقية لناحية شرق الفرات.
لماذا يريد الأميركيون دويلة كردية في شرق سورية؟
انتبه الأميركيون لضخامة عديدِ العشائر السورية في الشرق، فحاولوا تأطيرها ضمن المشروع الكردي هناك بإضفاء لمسات عربية عليه.
لكنها قوبلت بالرفض على الرغم من مئات ملايين الدولارات التي نثرتها وفود سعودية وإماراتية قامت بلقاء شيوخ هذه العشائر ولمرات عدة لإقناعهم بأهمية الدويلة الكردية.
وكانت هذه اللقاءاتُ تتم بحمايةٍ أميركية في مناطقَ في شرق الفرات وبمعونة بعض المعارضات السورية على شاكلة الجربا وأمثاله.
لقد كشفت تظاهرات هذه العشائر فشل المساعي الإماراتية السعودية والضغوط الأميركية وعبرت عن مدى تمسك العشائر بسوريتها ووطنها.
لذلك يتمسّك الأميركيون باحتلال قاعدة التنف عند زاوية التقاء الحدود بين الأردن والعراق وسورية، لما تشكل من نقطة استراتيجية لم يستعملها الأميركيون حتى الآن، لكن بوسعها أداء دور تعطيلي لعمليات العبور بين هذه البلدان خصوصاً أنها متصلة بأقمار اصطناعية ونحو اثنتا عشر قاعدة أميركية عسكرية تنتشر في جهتي الحدود العراقية السورية.
لذلك، فالمشروع الأميركي في الشرق بات واضحاً؛ لأَنَّه مقدمة لتفتيت سورية على الطريقة الأميركية وذلك في منطقة في الشمال والغرب تغطيها معارضات سورية وهمية من المحسوبين على تركيا و”جيش سوري حر” هو جزء من الألوية التركية بشكل كامل.
وهذا يؤدي إلى إنتاج دولتين سوريتين إلى جانب الدولة السورية المركزية وعاصمتها دمشق.
فتؤدي دولة قسد دور القاطع بين سورية والعراق والرابط مع كردستان والفاتح أبواب النفط والغاز للشركات الأميركية، أي تجمع بين الأدوار الاستراتيجية والاقتصادية القائمة على كثير من النفط والغاز، أليس مثيراً معرفة الأعداد الكبيرة من إرهابيي سورية الذين أمّن لهم الاحتلال الأميركي الطرقاتِ من شرق سورية إلى وادي الأنبار، والهدف واضح وهو جعل القسم الأخير من الحدود السورية العراقية المواجهة للأنبار غير منتظمة.
الدويلة الكردية إذاً هي حاجة أميركية استراتيجية تتعلق بأهداف عدة: أولاً منع استعادة العراق عافيته الوطنية ثانياً عرقلة بناء الدولة السورية بما يمنع إنتاج تنسيق سوري عراقي وثالثاً إبقاء السعودية مرتاحة من أي نفوذ عراقي سوري عند حدودها مع الأنبار، فتبقى السياسة الأميركية في الخليج هي الناظم الأساسي لكل الاتجاهات الاقتصادية والسياسية في شبه جزيرة العرب، وتؤسس لأَكْثَـــرَ من صفقة قرن في منطقة متهالكة لا تنتج إلا انظمة ضعيفة مستتبعة.
لماذا الدولة الكردية؟ هي أيضاً حاجة ماسة لدفع كُـــلّ الأقليات في المنطقة لتقليدها وليس مستغرباً أن تتحد مع كردستان العراق فيشكلان سوية ضغطاً كبيراً لجذب أكراد إيران. أما لناحية الاعتراض التركي فيعمل الأميركيون على التعامل معه بأساليب براغماتية وعلى رأسها إنشاء دولة المعارضة السورية الوهمية في الشمال والشمال الغربي السوري برعاية تركية كاملة تصل إلى حدود الاحتلال الكامل. فتشكل هذه الدويلة فاصلاً بين كرد سوريين وعراقيين وكرد أتراك بما يُرضي السياسة التركية الحذرة من المشاريع الكردية.
أما استراتيجياً فهذه الدويلة الكردية تستطيع أن تحفظ النفوذ الأميركي كما يعتقد المخططون في البيت الأبيض الأميركي.
إن هذه المخططات تصطدم بالعديد من المعوقات، وفي طليعتها إصرار الدولة السورية على سوريّة كُـــلّ شبر من أراضيها وتستند إلى شعب مؤازر لها وعشائر تتمسك بسوريتها وجيش مستعد للقتال من أجل الدولة.
هذا بالإضافة إلى أن روسيا مستعدة للانخراط في مشروع الدولة السورية لأنها تشعر بالاستهداف ايضاً.
بالإضافة إلى أن حزب الله مع الدعم الإيراني على استعداد وتأهب للكفاح المشروع ضد أي «إسرائيل» جديدة.
الوضع إذاً إلى تأزم إنما لمصلحة سورية وأحلافها على أنقاض الهيمنة الأميركية في بلاد الشام والعراق.