السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية التاسعة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
مَـــرَّ بنا في الأمس الحديثُ عن المبدأ العظيم والذي هو مبدأُ التوحيد الذي يقومُ عليه الدينُ الإلهي بكله وعن أَهميّة هذا المبدأ الأَهميّة الكبيرة بالنسبة لنا في حياتنا وفي علاقتنا بالله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وفي مستقبلنا بالآخرة، وأشرنا إلى ما يستفادُ من قوله -جَــلَّ شَأنُــهُ-: (لا تَجعَل مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقعُدَ مَذمومًا مَخذولًا) ما تفيدُه هذه الآية المباركة ما يفيدُه قوله تعالى فتقعد مذموماً مخذولاً، من خطورة اتّخاذ آلهة من دون الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- سواء على المستوى العقائدي كما هو حالُ الكثير من المشركين أَو على المستوى العملي والذي هو واردٌ في حالة المنتمين للدين الإلهي ثم يحصلُ انحرافٌ في الواقع العملي، ومبدأُ التوحيد هو مبدأٌ عظيمٌ في ربط الإنْسَان في حياته بالرعاية الإلهية الإنْسَان من خلال مبدأ التوحيد إذَا استوعب هذا المبدأ وآمن به ورسّخه في نفسه ووجدانه، وانطلق في مسيرة الحياة على أساسه حينها يحظى الإنْسَان برعاية إلهية واسعة ويتحَــرّك وينطلقُ في واقع هذه الحياة وهو معتمدٌ على الله مرتبط برعاية الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، أما الآخرون الذين ينطلقون بالاعتماد على اتّخاذِ آلهة أُخْـــرَى شريكة مع الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- بالنسبة لهم يشركونها ويشركون بها في عقيدتهم أَو في واقع حياتهم فهم بكلهم في دائرة الخذلان وفي دائرة الضعف وفي دائرة الحرمان في كثيرٍ من أشكال الرعاية الإلهية والتوفيق الإلهي والهداية الإلهية وبالنتيجة هم خاسرون ونحن كمسلمين في أَمَسِّ الحاجة إلى ترسيخ مبدأ التوحيد ترسيخاً كَبيراً؛ لكي تتحقّـــقَ لنا الثمرةُ من هذا المبدأ على المستوى النفسي في الخوف من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- والرغبة إليه وفي أن نتحرّرَ تحرّراً كاملاً من الخوف من غيره -جَــلَّ شَأنُــهُ- لا نكونُ ممن يخافون غير الله أَكْثَـــرَ من الله أَو ممن يرغبون إلى غير الله بأَكْثَـــرَ من رغبتهم إلى الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- وبقدر ما نرسخُ هذا المبدأ العظيم عقيدةً وإيْمَــاناً ووجداناً وشعوراً، بقدر ما نكون متحرّرين من قوى الطاغوت والاستكبار وبقدر ما نكون أقوياء في رفضِ كُــــلِّ آلهة مصطنعة من قوى الطاغوت من البشر ومن الحجر ومن كُــــلّ الأشكال المزيفة التي تسعى أَو يسعى الآخرون إلى فرضها علينا.
عندما كان أنبياءُ الله وأولياؤه الصادقون أقوياءَ جِـــدًّا في مواجهة الطاغوت والاستكبار واتّجهوا لتحرير البشرية من العبودية لقوى الطاغوت كانوا أقوياءَ بقدر قوة إيْمَــانهم بهذا المبدأ الإلهي العظيم بقدر ما فصلوا أنفسهم كلياً عن تلك الآلهة المزيّفة من الطاغوت ومن المجرمين من المضلين من المستكبرين وانطلقوا أقوياءَ لا تؤثرُ فيهم المخاوفُ من الآخرين ولا يؤثر فيهم الترغيب ولا يؤثر فيهم الأطماع من الآخرين.
اليومَ في ساحتنا الإسْـــلَامية ما الذي يُضعِفُ الكثيرَ منَّا أمامَ قوى الطاغوت والاستكبار فيخافونهم أَكْثَـــرَ من خوفهم من الله ويرغبُ إليهم البعضُ بأَكْثَـــرَ فيما وعد الله به -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، وبالتالي يخنعُ لهم ويخضَعُ لهم ويستبعدونه، إلا ضعف في استيعاب هذا المبدأ المهم ولأَهميّةِ هذا المبدأ العظيم ورد في القُـــرْآن الكريم قول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- مخاطباً لمَن لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله: (فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ) عندما نلحظ أن الله يقول لرسوله ” فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ” بل وهناك خطاب متكرر يشبه هذا التعبير في القُـــرْآن الكريم في ترسيخِ ألوهية الله وحده للرسول صلوات الله عليه وعلى آله وللمسلمين جَميعاً وللبشرية بكلها، الخطاب للرسول نفسه صلوات الله عليه وآله يقدم درسا مهما لنا؛ لأَنَّه مهما بلغ إيْمَــانك فلست مستغنيا عن المزيد والمزيد من السعي لترسيخ هذا المبدأ المسار الإيْمَــاني بكله هو يرسخ هذا المبدأ وكل ما ترسخ أَكْثَـــر كلما حرّر الإنْسَان عن كُــــلّ أشكال الآلهة المصطنعة ومنها هوى النفس ومنها هوى النفس، كلما ساعده ليكون مستقيما على نهج الله أَكْثَـــر وكلما تحرّر من كُــــلّ المؤثرات الأُخْـــرَى أَكْثَـــر وأَكْثَـــر.
في المسيرةِ الإيْمَــانيةِ بكلها مهما بلغت مراتبُ الإيْمَــان لدى الإنْسَان لا يستغني أَبـَـدًا عن ترسيخ هذا المبدأ يحتاج إلى ترسيخه دائماً ودائماً ودائماً وتجده أن الخطاب يوجه حتى إلى النبي نفسه صلوات الله عليه وعلى آله، وَأَيْضاً مخاطب (لا تَجعَل مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ) وهو الأبعد عن أن يكون على هذا النحو إلى أن يتخذ إلها آخر ولكن في هذا درس حتى لنا نحن.
مَرَّ بنا أَيْضاً الإشارةُ إلى ضعفِ كُــــلّ الذين ينحون هذا المنحى من الانحراف الرهيب جِـــدًّا في اتّخاذ آلهة أُخْـــرَى وينبغي لنا أن ننظر إليهم أنهم في دائرة الضعف والخذلان مهما بلغت إمْكَــاناتهم وقدراتهم هذا يعطينا قوة في التصدي لقوى الطاغوت والاستكبار والإصرار على التحرّر من العبودية لها ومن الخنوع لها أنها ضعيفة هيَ وأننا بالله أقوياء كلما وصلنا حبلنا بحبله وانطلقنا على أساس هذا المبدأ العظيم والمهم.
مر بنا الحديث عن الإحسان بالوالدين حتى الباء بدلاً عن إلى بدلاً عن الإحسان إلى الوالدين الإحسان بالوالدين، فيه تأكيدٌ كبيرٌ كما قلنا على هذا العنوان كعنوان يحكم العلاقة، العلاقة ما بيننا وما بين الوالدين ما بينك وبين أمك وأبيك أن تحسن بهما إحساناً مباشراً إليهما في التعامل وفي التخاطب وفي الكلام وفي القول الكريم وفي كُــــلّ الحالات والظروف وهما في حالات الانفعال أَو هما في حالة بات أحدهم أَو كلاهما طاعنا في السن يحتاج إلى الرعاية وأنه لا يجوز لك أن تهجرهما أَو تزجرهما أَو تنهرهما أَو أن تتخاطب معهما بطريقة غير مؤدبة أَو غير محترمة أنه لا بـُـدَّ أن تتعامل معهم بمزيد من الاحترام والتقدير والتكريم ويفيد أَيْضاً قول الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-: (وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا) يعني أنه ينبغي على الإنْسَان أن يكون مبادراً للتخاطب معهما بالقول الكريم، يعني لو تعامل الإنْسَان معهما معاملة عادية فلم يسئ إليهما ولكن في نفس الوقت لم يحسن أَو سكت لا يتحدث معهما وهجرهما بالكلام يكون ذلك معصية لا بـُـدَّ أن يبادرَ أن يحسا منه بالاحترام والتقدير والقول الكريم والتخاطب المحترم وأن يدعوَ اللهَ لهما في الدنيا، في حياتهما وما بعد حياتهما إذَا كان قد توفيا أَو توفي أحدهم (وَقُل رَبِّ ارحَمهُما)، أن يدعو الإنْسَان لهما بالرحمة وأن يستغفر لهمها (كما ربياني صغيراً) وأن يستشعر الإنْسَان أَيْضاً حنانهما وإحسانهما إليه.
نتحدَّثُ اليومَ على ضَوء قول الله -جَــلَّ شَأنُــهُ-: (وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ وَالمِسكينَ وَابنَ السَّبيلِ وَلا تُبَذِّر تَبذيرًا *إِنَّ المُبَذِّرينَ كانوا إِخوانَ الشَّياطينِ، وَكانَ الشَّيطانُ لِرَبِّهِ كَفورًا)، نجد أن القُـــرْآنَ الكريم ينظمُ علاقتَنا كمجتمع مسلم بدءاً من محيطنا الأسري داخل الأسرة في العلاقة مع الوالدين ثم في محيطك الأسري الأقرب ذا القربى، ثم الفئات الاجتماعية البائسة والمعانية في هذا المجتمع ويجعل من الرحمة ومن الإحسان قاعدة أساسية لهذه العلاقة؛ ولهذا التعامل وهذا ما يجبُ أن نتربى عليه كمجتمع مسلم وأن نحرصَ عليه كمجتمع مسلم وأن نجسدَه في أخلاقياتنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا كمجتمع مسلم، أنت بدءاً من المنزل في علاقتك مع أبيك وأمك كيف تكون على هذا النحو من الإحسان من الرحمة من القول الكريم من التخاطب السليم من التعامل المحترم ثم مع محيطك الأسري الأقرب فالأقرب في تعاملك مع أبنائك كيف تكون على هذا النحو في التعامل المتعمد على الإحسانِ والرحمة والقول الميسور والخطاب الكريم والتعامل السليم ثم في المجتمع من حولك ثم كيف تكون الرحمةُ إلى تلك الفئات التي إن أُهملت تكونُ لإهمالها آثارٌ سلبية جِـــدًّا.
مسألةُ المسكين ومسألة ابن السبيل فئاتٌ من المجتمع تحتاج إلى أن نتعامل معها بالرحمة وأن ننظر إليها بعين الرأفة وأن نتعاطف معها وأن نشاركها هَمَّها وأن نُحسِنَ إليها أن لا ننساها ثم نأتي أَيْضاً إلى النظرة في الالتزامات المالية، وهذا يعطينا نظرةً إلى الجانب المالي كيف هي النظرة الإسْـــلَامية في الإسْـــلَام في الدين الإسْـــلَامي إلى الجانب المالي.
الجانبُ المالي هو نعمةٌ، والمالُ هو نعمةٌ، والمالُ هو قيامٌ للحياة تقوم عليه الحياة، ونقصد هنا بالمال يعني ما يتمولُ به الناس سواء الأشياء العينية أَو النقدية أَو غيرها ما هو مرتفق لهم تقوم عليه حياتهم، هذا الجانبُ يقدمُ الإنْسَانُ النظرةَ إليه من عين المسؤولية وبعين المسؤولية ومن واقع المسؤولية أنه جانبٌ ترتبطُ به مسؤوليات متعدّدة، وعلينا أن نلحظَ ذلك أن لا نتعاملَ بشكلٍ منفصلٍ فننظُرُ إلى المال أنه وسيلةٌ للثروة وللجشع وللطمع وللترف وتغيب عن ذهنياتنا وعن تفكيرنا وعن اهتماماتنا المسؤوليات المتعلقة بالمال المتعلقة بهذه الإمْكَــانات التي يمن الله بها علينا في الحياة ونكسبها في الحياة بفضله ومنه وكرمه.
(وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ) لينبه وليؤكّــــدَ وليبين أن هناك حقوقاً فيما لديك من مال حقوق لآخرين، يعني هذا المالُ هو أوّلاً لله ومن الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، وهو عندما أنعم به عليك ومكّنك جعل فيما مكّنك فيه وأنعم به عليك حقوقاً جعلها هوَ وهو المالك لك وما بيدك وللسماوات والأرض وما بك من نعمة إنما هي منه -جَــلَّ شَأنُــهُ- جعل فيه حقًّا ثابتاً إذَا أكلت هذا الحَــقّ إذَا لم تعطِ هذا الحَــقّ أصحابَه تعتبر خائناً فيما أعطاك الله وفيما مكّنك الله وتعتبر معتدياً وتعتبر متجاوزاً وتعتبر لِصًّا سرقت ما هو للآخرين، وتبدأ هذه الحقوق بدءاً من حقوق ذوي القربى، هناك حقوقٌ متصلةٌ بذوي القربى تدخُلُ فيها عناوينُ متعددةٌ منها رعايةُ القريب المُعسِر بالقدر الضروري والممكن، قد يكون ابنُك معسراً قد يكون أحدٌ من أقربائك معسراً جِـــدًّا وأنت ميسورُ الحال، لا تتفرجْ عليه لا تتركْه جائعاً وأنت شبعان، لا تتركْه يعانِ، يعانِ في معيشته وفي الحصول على لقمة عيشه، ولا تساهم معه ولا تساعده وأنت ميسور لا بـُـدَّ ما تساعده، كذلك في صلة الأرحام عنوانٍ آخر، عنوان آخر مهم جِـــدًّا ويدخُلُ في هذا الأمر الإلهي (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)، هو المواريثُ وبالدرجة الأولى مواريثُ النساء التي يضيعُها الكثيرُ من الناس للأسف الشديد، ولربما من أكبرِ المظالم المنتشرة في مجتمعنا الإسْـــلَامي هو أكلُ إرثِ النساء، النساءُ لهن حَـــقُّهن من الإرث الذي أكّــــد عليه القُـــرْآنُ الكريم في قول الله -جَــلَّ شَأنُــهُ-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، يؤكّــــد عليه فأتى في الآية المباركة الأمر أَو التأكيد أتى التأكيد على نصيب النساء من التركة من الإرث وبعبارة واضحة جِـــدًّا ومؤكّــــدة (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ويأتي تأكيدٌ أَكْثَـــر (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ)، ويأتي تأكيدٌ أَكْثَـــر (نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، فما الذي يحدُثُ لدى الكثير من الناس في مجتمعنا المسلم؟!
كأن الآيةَ قالت نصيباً مرفوضاً، يرفضون ذلك ويتجاهلون ذلك، والكثيرُ للأسف يأكُلُ إرثَ قريبته إرثَ أخته في أَكْثَـــر الأحوال إرث الأخوات، الكثير يأكل إرثَ أخته، والقضية خطيرة جِـــدًّا؛ لأَنَّه سحت وحرام، والإنْسَان عندما يتجاهلُ هذا الموضوع وعندما يسيطر على إرث قريبته ويأكله يدخلُ في قول الله تعالى (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا)، يدخلُ أَيْضاً في التعدي لحدود الله؛ لأَنَّ الله -جَــلَّ شَأنُــهُ- في سورة النساء عندما ذكر الإرث بشكل تفصيلي وحدد نسبة المواريث لكل وارث من الورثة الأساسيين ختم تلك الآيات المباركة بآيتين مهمتين جِـــدًّا، قال -جَــلَّ شَأنُــهُ-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدّد كم للبنت وكم للأخت وكم للأخ كم للأب وكم للأم وكم للأخوة، حدود واضحة حدّد حدودا واضحة، ثم قال -جَــلَّ شَأنُــهُ-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) الله هو الذي حدّدها ثم يقول: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) في نفس السياق (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) لاحظوا وركزوا بانتباهكم (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فتعتبر المسألة خطيرة جِـــدًّا، يعتبر أكلَ إرث القريبة إرث الأخت أَو إرث غيرها من الأرحام ممن لها إرث يعتبر تعدياً لحدود الله يدخل الإنْسَان؛ بسَببِه في هذا الوعيد الإلهي (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) ولا تُقبل منه أعماله الأُخْـــرَى لا صلاتك مقبولة ولا صيامك مقبول ولا أي شيء آخر أَبـَـدًا لا الصلاة تُقبل ولا الصيام ولا غيره، فالمسألة خطيرة جِـــدًّا على الإنْسَان، والكثير من المهم لهم أن يتخلصوا من هذه المشكلة قبل فوات الآوان، قبل أن يرحلوا بهذا الوزر وأن يخرجوا من الحياة محملين بهذا الإثم.
أيضاً مما يدخلُ في ذلك المهور التي للنساء والتي يأكلها البعضُ أَيْضاً الآباء كثيرٌ منهم يأكُلُ مهرَ ابنته يزوِّجُها وكأنها سلعةٌ يحرِصُ على أن يستلمَ فيها ثمناً كَبيراً ومبلغاً جيّداً ثم يقوم بأكله كله، وهذه أَيْضاً قضية خطيرة جِـــدًّا، وظلمُ ذوي الأرحام ظلم القرابة خطير جِـــدًّا من الظلم السيء وقضية خطيرة على الناس، قضيةٌ خطيرة عليهم لا ينبغي أَبـَـدًا أن يصل إنْسَان إلى هذه الدرجة الإنْسَان يفترض أن يكون حريصاً على العطاء وعلى البذل وعلى الإحسان وليس جشعاً إلى هذه الدرجة التي سيأكل فيها مهر ابنته أَو مهر أخته أَو قريبته أَو إرثها يتعدى على حقوق النساء، لا ينبغي أَبـَـدًا، والنتيجةُ هي الإثمُ هي الإثم هي الوقوعُ في الوزر هي تحمل الحرام وإثم وتبعات أكل الحرام قضية خطيرة جِـــدًّا على الإنْسَان تبطُلُ أعمالُه وتسبب له الدخول في نار جهنمَ.
أيضا أموالُ اليتامى وأموال اليتامى قضية مهمة أكّــــد عليها القُـــرْآن الكريم كَثيراً، والبعضُ يأكلُ من أموال أقربائه اليتامى، البعضُ يكون له أخ، ثم يتوفى أَو يستشهد فيحاول أن يأخُذَ من أموال أخيه أَو أن يتبدل الخبيثَ بالطيب وهي قضية خطيرة جِـــدًّا، (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، وعيد، وتهديد شديد في القُـــرْآن الكريم، وغير ذلك تدخل أشياء كثيرة في هذا السياق، البعض كذلك يكون له إخوة صغار ويحاول أن يأكل حقه من الإرث أَو بعضا منه أَو أن يخادع في ذلك أَو يغالط، فالله -جَــلَّ شَأنُــهُ- يقول: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ).
المسكين كذلك، المساكين، الفقراء الذين يعانون من الفقر المدقع، والبؤس الشديد، هم بحاجةٍ إلى التفاتة ورعاية وإحسان ولهم حَــقٌّ، الحَــقّ أوّلاً في الزكاة وهي العنوان الأول في هذه الحقوق، والزكاة ركن عظيم من أركان الإسْـــلَام وفريضة مهمة جِـــدًّا من فرائض الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، الإخلال بها يدمّـــر دينَك بكله، ولا يقبَلُ اللهُ منك أيَّ عمل من الأعمال أَبـَـدًا إذَا كنت مخلًّا بهذا الركن وقد لزمك، لديك من الأموال ما لزمت فيها الزكاة ثم لم تزك، أَو أخرجتها في غير مصارفها، فعليك مسؤولية أمام الله وأعمالك بكلها غير مقبولة نهائيا، حتى الصلاة لا تقبل صلاة إلا بزكاة، هذا حديثٌ روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتوافق مع قول الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، فالمسألةُ خطيرةٌ والمسألةُ مهمةٌ جِـــدًّا والمسألة حساسة للغاية، أَيْضاً هناك تقصيرٌ كبيرٌ في مسألة الزكاة، كثير من الناس يأكلونها أَو يأكلون قدرا منها، لا يخرجون الزكاة بكلها، والبعض أَيْضاً يخرجها في غير مصارفها الشرعية، وكما لم يخرجها، عندما يخرجها إلى غير مصارفها الشرعية، بل البعض يخرجها إلى حَيثُ يأثم، إلى مَثَــلاً البعض يسلمها لجمعيات من التابعة للتكفيريين التي تعمل لصالح الاستقطاب لهم ودعم أنشطتهم الإجرامية، يصبح بسَببِ ما أخرجه باسم الزكاة شريكاً في كُــــلّ الدماء المسفوكة ظلماً والجرائم الفظيعة التي يرتكبها التكفيريون، مسألة خطيرة للغاية جِـــدًّا، وكل أنشطتهم التضليلية، يشارك في الدماء ويشارك في التضليل ويشارك في كوارثَ وجرائمَ كبيرة جِـــدًّا يصبح شريكاً بذلك فيها، فمسألةُ الزكاة مسألةٌ مهمة جِـــدًّا هي من فرائض الله الرئيسية والمهمة، والأركان الأساسية لهذا الإسْـــلَام، والله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أكّــــد على إخراجها كَثيراً، (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، وآتوا الزكاة، وقرنها بالصلاة في أَكْثَـــر الآيات المباركة لتكون قرينة لها وفي مستواها من الأَهميّة، وأكّــــد أَيْضاً على أن يكون إخراجها إيتاء، أن تبادر أنت، لا يليقُ بالإنْسَان وليس من علامة الإيْمَــان أَبـَـدًا أن لا يُخرِجَ الزكاةَ إلا إجباراً أَو بملاحقة، أَو بمتابعة حثيثة جِـــدًّا، وعندما يخرجها يخرجها كرها وكأنها روحه ستزهق، كأنك ستنتزع منه روحه وحياته، بالكاد يخرجها، وهو مستاء جِـــدًّا ومعقد جِـــدًّا، هذه ليست حالة إيْمَــانية وقد لا تكون مقبولة عند الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، قد تجزي لكن قد لا تكون مقبولة تجزي في الحكم الشرعي، لكن مسألة القبول عندما تخرجها كرها بغير رضا وبغير إرادة وإنما انتزعت منك وكأن روحك انتزعت من بين جنبيك هذه حالة سلبية أين ستكونُ آثارُها في تطهرة النفس وفي تزكية النفس، من أهمّ ما يستفاد من الزكاة في الجانب التربوي هذا الأثر المهم الذي نحتاج إليه كمسلمين لتطهرة النفوس ولتزكية النفوس، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، نحتاج إلى ما يطهر نفوسنا نحتاج إلى ما يزكي نفوسنا ويطهر قلوبنا ومشاعرنا، والزكاة تؤدي هذا الدور، تعالجك من الشح، تعالجك من الحرص والجشع والطمع والهلع، تروضك على العطاء والبذل والإحسان، تنمي فيك الشعور الإنْسَاني تجاه الآخرين، والرحمة بالآخرين، تخلصك من الأنانية المفرطة التي لا تفكر فيها إلا بنفسك، لتفكر بالآخرين من حولك، درس مهم وأثر تربوي عظيم ومهم للزكاة في النفوس في الوجدان في المشاعر، وكذلك على مستوى العلاقة الاجتماعية تحافظ على العلاقة الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم، تحد من حالة الكراهية والبغضاء، الفقير عندما يعيش في وسط يرى فيه أنه لا أحد يبالي به ولا يكترث لحاله ولا يلتفت لبؤسه، يرى الأغنياء هنا وهناك ويرى الميسورين هنا وهناك يأكلون ويرتاحون ويتنعمون ويتقلبون في النعم ولا يلحظون وضعيته وظروفه ومعاناته وهو يحمل هم توفير لقمة العيش لأسرته، كيف ستكون نظرتهم إليهم؟ وهو يراهم على ما هم عليه من القسوة والفضاضة والغلظة وكأنهم وحوش لا يمتلكون الرحمة تجاه معاناته، حينها سينظر إليهم بكراهية، باستياء، بل في ظروفنا كمجتمع مسلم نعاني من حروب، حروب عسكرية وحروب اقتصادية وتنتشر حالة البؤس والفقر والحرمان، نحتاج إلى هذه الرحمة فيما بيننا، إلى هذه الالتفاتة، وإلى أصبح أمامك سلبيات كبيرة جِـــدًّا، إذَا لم نبادر بالعطاء بالزكاة وبغير الزكاة ندخل في سلبيات خطيرة جِـــدًّا، تتفكك مجتمعاتنا، تتنافر فيما بينها، وفي نفس الوقت يستغل هذا الوضع أعداؤنا، تأتي المنظمات الأجنبية لتقدم صورة مختلفة باسم المعونات الإنْسَانية والسّلات الغذائية، يأتي النصراني ويأتي البوذي ويأتي الوثني ويأتي اليهودي من أطراف الدنيا باسم أنه يريد أن يقدم إحسانا، أن يقدم سلّات غذائية أَو معونات أَو اهتمامات وأنشطة إنْسَانية في مجتمعك أنت المسلم، ويرى هذا المسلم أن أبناء مجتمعه من الأغنياء والتجار والميسورين لم يلتفتوا إليه، إنما أتى إليه يهودي من طرف الأرض أَو وثني أَو نصراني، يقول في الأخير هؤلاء هم اليهود هؤلاء هم الذين لا يصلحون، أما ذاك انظر كيف فكر بي وكيف أتى إلي وكيف اهتم بي، تنعكس نظرة إيجابية إلى العدوّ وهو العدوّ الذي أتى بهدف أن يكسب هذه النظرة وأتى لأهداف كثيرة، لتعطيل مجتمعنا من الإنتاج وتحويله إلى مجتمع متسول وأهداف أُخْـــرَى.
فنحنُ في واقعنا الاجتماعي للحفاظ على العلاقة الاجتماعية يجبُ أن نركِّــزَ على الزكاة وعلى سائر الحقوق والإحسان إلى الفقراء البائسين والمساكين والمعانين والنازحين والمنقطعين عن مناطقهم ممن يحتاجون إلى هذه الرعاية وهذه الالتفاتة وهذا الإحسان وإلا انتشرت آفات أُخْـــرَى، تنتشر السرقة، تنتشر عمليات النهب والسطو، تنتشر سلبيات أُخْـــرَى شراء الذمم، الجريمة المنظمة المخدرات، آفات كثيرة، كاد الفقر أن يكونَ كفراً، إذَا لم يكن هناك انتباهٌ واهتمامٌ بالفقراء، فالبعض قد لا يتحمّلُ، بؤسُه وفقرُه وحرمانُه يدفعُه إلى ارتكاب الجرائم أَو يدفعه إلى السرقة أَو النهب أَو السطو أَو أي أسلوبٍ آخر، أَو أن يعمل كعميل للأعداء فيرتكب أبشعَ الجرائم مقابل مبالغَ مالية يحصل عليها منهم، فالاهتمام بالفقراء الاهتمام بالمساكين والبائسين والنازحين والمنقطعين عن مناطقهم له أَهميّة كبيرة حتى في الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة والعلاقات الاجتماعية والمحبة والرحمة التي ينبغي أن تسودَ مجتمعَنا المسلم، (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا).
سيكون لنا حديثٌ مهمٌّ وواسعٌ إن شاء اللهُ فيما يتعلقُ بمسألة التبذير وما يتعلقُ به في المحاضرة القادمة نكتفي بهذا القدر، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..