كريمُ أهلِ البيت عليهم السلامُ (1) الإمامُ الحسن عليه السلام انعكاسٌ لشمائل النبوة .. بقلم/ أم مصطفى محمد
إن الحديثَ عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) هو حديثٌ عن سرِّ الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على الخالق جل في علاه، كما أنه حديث عن عمق الإنْسَانية المتحَــرّكة بالخير كله والحق كله والعدل كله؛ كونه جسَّدَ معنى الحكمة في مواجهة حركة الواقع في سلبياته وإيجابياته، ومثّل شموليةَ العطاء في رعاية المحرومين من حوله، فسمى بأخلاقه إلى مرحلة احتضن فيها كُـــلّ مشاعر الناس بلهفةٍ حانيةٍ، فجسد بذلك أخلاقَ النبي والوصي فكان الرحمةَ المهداة إلى الناس الذي عاش لهم قبل أن يعيشَ لنفسه.
لقد كان لريحانة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسبطه الأول الزكي الحسن بن علي عليه السلام سيرةٌ فوَّاحةٌ عطرة تتدفق بها طاقاتُ الإسْـــلَام الغضة الندية وتتمثل فيها سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقه واتّجاهاته فحازت بذلك جميعَ عناصر التربية الإسْـــلَامية الرفيعة، فأصبح الإمام الحسن عليه السلام من أروع الشخصيات الفذة التي لمعت في سماء الأُمَّــة الإسْـــلَامية فكان في طليعة الذوات الخيّرة التي تحلى بها قاموسُ الإنْسَانية وذلك لما اتصف به من الحلم والعلم والخلق والسخاء وغير ذلك من الصفات الرفيعة التي شابهت صفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحكت أخلاقُه لقد أطل على العالم الإسْـــلَامي النور من بيت أذن الله أن يُرفع ويُذكر فيه اسمه، حَيْــثُ انبثق من دوحة النبوة فرع طيب زاك رفع الله به كيان الإسْـــلَام وأشاد به صروح الإيْمَــان وأصلح به بين فئتين عظيمتين، نعم لقد أفرعت دوحة النبوة وشجرة الذرية الطاهرة التي شكلت الامتداد الرسالي بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فكان بذلك الوليد الأول الإمام الحسن الزكي عليه السلام وذلك في الخامس عشر من شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة، حَيْــثُ استقبل حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم وسبطه الأكبر سيد شباب أهل الجنة دنيا الوجود في شهر هو أبرك الشهور وأفضلها عند الله ذلك الشهر الذي سُمّى بشهر الله والذي خصه الله تعالى من بين الشهور بإنزال القُـــرْآن فيه ولقد شوهدت في طلعة الوليد طلعة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حَيْــثُ بدت فيه شمائل النبوة.
لقد أخذ صلى الله عليه وآله وسلم بإجراء مراسيم الولادة وسننها على مولوده المبارك، فأذن في أذنه اليُمنى وأقام في اليسرى فمثل بذلك الأذان همسة رائعة همس بها خير بني آدم في أذن وليده ليستقبل عالم الوجود بأسمى ما فيه، فكانت هذه البداية هي أفضل ما منح الله بها السبط الأكبر كون أول صوت قرع سمعه هو صوت جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ذاك الذي وُصف بأنه علة الموجودات وسيد الكائنات، فاستقبل صلى الله عليه وآله وسلم حفيدَه المبارك بهذه الكلمات المنطوية على الإيْمَــان بكل ما له من معنى فغرسها في أعماق نفسه وغذى بها مشاعره وعواطفه لتكون أنشودته في بحر هذه الحياة، وأما عن اسمه فقد التفت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقد أترعت نفسه العظيمة بالغبطة والمسرات فقال له هل سميت الوليد المبارك؟ فأجابه الإمام علي عليه السلام (ما كنت لأسبقك يا رسول الله) فانطلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: (ما كنت لأسبق ربي) وما هي إلا لحظات وَإذَا بالوحي يُناجي الرسول ويحمل له التسمية من الحَــقّ تعالى فها هو جبريل عليه السلام يقول له (سمه حسنا) حقا إنه اسم من أحسن الأسماء وكفى به جمالا وحُسنا أن الخالق الحكيم هو الذي اختاره ليَدُلَّ جمال لفظه على جمال المعنى وحُسنه فصار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والإيْمَــان في الأرض فكانت شعاراً لكل تضحية تقوم على الحَــقّ والعدل.
لقد تولى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه رعاية الإمام الحسن عليه السلام فاهتم به اهتماماً بالغا فمزج روحه بروحه ومزج عواطفه بعواطفه فسكب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في نفس وليده مُثله ومُكرماته ليكون صورة عنه وامتدادا لحياته وممَثَــلاً له في نشر أهدافه وحماية مبادئه، وَلقد كانت تلك السنوات التي رعاه الرسول فيها على قلّتها كافية لأَنْ تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه عليه السلام أصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له (أشبهت خَلقي وخُلُقي)، فكانت هذه الكلمةُ هي وسامَ الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي المتمثل بوراثة الرسالة وخلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد خلافة وصيه الإمام علي عليه السلام، ولكون الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تحمّل مسؤولية هداية ورعاية الأُمَّــة ومسؤولية تبليغ الرسالة وتطبيقها وحماية مستقبلها -وذلك بوضع الضمانات التي لا بدّ منها في هذا المجال – فقد كان هو المطّلع ـ عن طريق الوحي ـ على ما ينتظر هذا الوليد الجديد من دور قيادي هامّ؛ وَلذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم هو المأمور بالإعداد لهذا الدور وذلك ببناء شخصية هذا الوليد بناءً فذّاً يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بها على صعيد هداية الأُمَّــة وقيادتها، ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي إليه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في تأكيداته المتكررة على ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاه (عليهما السلام)، حَيْــثُ نجده يقول (إنّهما إمامان قاما أَو قعدا) وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام الحسن (عليه السلام) (هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأُمَّــة، أمرُه أمري، وقولُه قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي).