السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية الرابعة عشرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
الحديثُ على ضوءِ الآياتِ المباركةِ من سُورةِ الإسراءِ فيما يتعلقُ بموضوع مُـهِـمٍّ وهو الموضوعُ الاقتصادي، نجدُ على ضوء تلك الآيات المباركة أن من أخطر ما يتورّطُ فيه الإنْسَـــانُ هو ارتكابُ الجريمة؛ بهَدفِ الحصولِ على المالِ؛ بهَدفِ مكافحة الفقر؛ بهَدفِ الحصول على الثروة والغنى، وربما من أَهَــمّ الأسباب ومن أبرز الأسباب في كثيرٍ من الجرائم وفي كثيرٍ من المعاصي والذنوب وفي كثيرٍ من الانحرافات بكل أشكالها هو الطمعُ والسعيُ للحصول على المال بأية وسيلة.
المعاصي والذنوبُ والانحرافاتُ التي سببها ذلك هي كثيرة جِــدًّا كثيرة جِــدًّا، والحديثُ عنها واسعٌ ولا يتسع الوقتُ للحديث عنها بكلها، والمسألةُ معروفةٌ في واقعنا البشري، انحرافاتٌ ثقافية، كذلك انحرافاتٌ على المستوى الأَخْـــلَاقي، انحرافات فيما يتعلقُ بالجرائم والمعاصي والذنوب بأشكالٍ كثيرةٍ جِــدًّا في كثيرٍ منها يكونُ الدافعُ الأساسي فيها هو السعيَ للحصول على المال، السعيَ للحصول على الثروة، السعيَ لجمع المال بأية طريقة كانت، وهكذا تعتبر هذه المسألة مسألةً خطيرةً جِــدًّا، اللهُ -جَـــلَّ شَــأْنُــهُ- حينما قال في كتابِه الكريمِ: (وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ) [الإسراء: 31]، نجدُ كيف وصل الحالُ ببعض الناس إلى قتل أولادِهم في الجاهلية؛ نتيجةَ الخوفِ من الفقر، الخشية من الفقر، جاء قولُ الله تعالى: (نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم) [الإسراء: 31]، إضَافَــةً إلى آياتٍ أُخْـــرَى تكفّلَ اللهُ فيها بالرزق وأكّـــد لعباده أنه قد تكفل برزقهم وما علينا إلا أن نأخُذَ بالأسبابِ أسبابِ الحصول على الرزق، على الحلال والحذر من كُــــلّ تلك المحرّمات، وهي كثيرةٌ وأصنافُها كثيرة.
اليومَ نحن كمجتمعٍ مسلم معنيون أن نسعى للخَلاص من كُــــلّ أسبابِ الكسب غير المشروع من كُــــلّ الوسائل المُــحَــرَّمة للحصول على المال أَو لمكافحة الفقر، وهي كثيرةٌ، هي كثيرةٌ عندما نجدُ اليومَ البعضَ من الناس يقفون في صَـــفّ الباطلِ، ونحن كشعب يمني نعاني من العدوان الأمريكي الإسرائيلي السعودي الإماراتي، هذا العدوانُ الظالم الغاشم المدمّـِــرُ الذي يرتكبُ أبشعَ الجرائم بِحَــــقِّ شعبنا، يقتلُ الناسَ بشكلٍ جماعي في الأسواق وفي الأحياء السكنية وفي المساجد وفي المناسبات الاجتماعية في الأفراح وفي الأحزان، يقتُلُ الناسَ بغير حَــــقّ، يسعى إلى السيطرة على هذا البلد والتحكم بهذا الشعب والإخضاع لهذا الشعب الذي هو شعبٌ مسلم تحت الإرادة الأمريكية والهيمنة الأمريكية والولاء لمن يوالون أمريكا ويوالون إسرائيل، يندفع البعضُ ليقفَ معهم ليقتُلَ أبناء شعبه، ليقتُلَ أبناءَ منطقته، ليقتل أبناء بلده، لماذا؟ من أجل الحصول على المال، يبرّرُ بهذا، وفي نظر البعض هذا سببٌ كافٍ ليفعلَ ذلك، بما أنه سيحصل على المال فلا مانعَ عندَه من اللحاق بالعدوّ والوقوف في صَفّه والتحَـــرّك من جبهاته للزحف على أبناء ولقتلهم بأية طريقة كانت، البعض سيزحفُ ويكون مقاتلًا في المشاة، البعض على أسلحة أُخْـــرَى، وكم يا جرائم، يعني البعض كذلك من الساسة التحقوا بصَفِّ العدوان من أجل المناصب والأموال، البعضُ من الإعلاميين تحولوا إلى أبواقٍ ينفخ فيها العدوُّ بباطله وزورِه وتضليلِه وخداعِه، ورضوا لأنفسهم هذا الدورَ مقابل الحصول على المال، وهكذا البعضُ تحت عنوان علماء وتحت عنوان دُعاة وقفوا كذلك في صَـــفِّ العدوّ وأصدروا الفتاوى التي تبيحُ قتلَ أبناء هذا الشعب رجالًا ونساءً وأطفالًا وصغارًا وكبارًا، لدرجة أن البعضَ قال: (لا مانعَ أن يُقتل 24 مليونَ يمني)!!، يعني إباحة لأبناء هذا البلد بكلهم صغارهم وكبارهم.
فالكثيرُ من البشر ينحرفون، يرتكبون المعاصي، يرتكبون الجرائم، يخرجون عن الحالة الإنْسَـــانية ويتخلَّون عن القيم والأَخْـــلَاق والمبادئ؛ سعيًا وراء الحصول على المال لجمع الثروة لمكافحة الفقر والتخلُّص من الفقر، ويُعْرِضُ الناسُ عن الأسباب المشروعة، الأسبابِ الصحيحة التي هي كفيلةٌ لمعالجة مشكلة الفقر، هي كفيلةٌ لتوفر الحلال والمتطلبات الأساسية للناس بشكل سليم ويحافظون على إنْسَـــانيتهم على أَخْـــلَاقهم على مبادئهم على كرامتهم على شرفهم على حريتهم، الحالة التي يصل إليها البعضُ أنه يبيعُ نفسَه، يبيعُ نفسَه في سبيل أن يحصل على شيء من المال، من يبيع موقفه هو باع نفسه هذه حقيقةٌ لا شك فيها، من يجعل نفسَه بيد الأعداء يفعلون به ومن خلاله ما يشاؤون ويريدون في أي موقف هو باع نفسَه وأوبق نفسَه وخسر نفسَه بدلًا عن أن يبيعَ من الله الذي هو يدفعُ لهذا الإنْسَـــان أغلى ثمن، رضوانَه والجنةَ التي عرضُها السماواتُ والأرضُ والحياةُ الطيبة والشريفة والكريمة في هذه الحياة، ولكن البعض يبيعُ نفسَه بالفعل مقابل الحصول على المال، يقتل أبناء شعبه أبناء بلده مقابل الحصول على المال، يتحمل وزرًا عظيمًا وشنيعًا يسعى لتمكين قوى الطاغوت والاستكبار والشر، القوى الظلامية قوى النفاق وقوى الكفر من التحكم لرقاب أبناء بلده وشعبه، جرائمُ كثيرةٌ تدخل تحت هذا الموقف، موقفٌ في إطاره جرائمُ كثيرةٌ وشنيعةٌ وفظيعة.
عندما نجدُ البعضَ يتحَـــرّكون بالاتّجارِ في المُخَــدِّرات وهي تجارةٌ خطيرةٌ مدمّـــرة كارثية وتعتبر إنتاجًا للجريمة بكل أنواعها، مَن يَبِعِ المُخَــدِّرات ويروِّجْ للمُخَــدِّرات هو يصنع الجريمة؛ لأَنَّ المُخَــدِّراتِ لها أضرارٌ خطيرة جِــدًّا، أضرار صحية كارثية ومدمّـــرة لمن يتعاطونها وفي نفس الوقت يترتب على تعاطي المُخَــدِّرات ارتكاب الجرائم والمُــحَــرَّمات، فالذي يبيع المُخَــدِّرات وإنْ لم يكن يتعاطاها، يبيع ويشتري فيها هو مساهمٌ أساسي في صنع الجريمة، هو مساهم ومتعاون وشريك في كُــــلّ الجرائم التي سيرتكبها متعاطي المُخَــدِّرات، قد يكونُ من ضمنها القتل، قد يكون من ضمنها الفواحش، قد يكون من ضمنها السرقات، النهب، السطو، سيكون شريكًا في كُــــلّ جريمة يرتكبها متعاطي المُخَــدِّرات، إضَافَــةً إلى أن انتشارَ المُخَــدِّرات بين شبابِ الأُمَّــــة وأبناء الأُمَّــــة يُعتبرُ عملًا تدميريًّا للأُمَّــــة، لكيانها؛ لأَنَّه يقتل الروحَ المعنوية، المدمنون على المُخَــدِّرات تائهون ضائعون ساقطون في هذه الحياة، أدوارُهم ستكون أدوارًا سيئة، أعمالُهم أعمالًا تخريبية وتصرفاتهم ستكون تصرفاتٍ إجراميةً وعبثية، يقتُلُ الروحَ المعنويةَ في الإنْسَـــان، يفقدُ الإنْسَـــانُ توازُنَه، استقامتَه في هذه الحياة، إنتاجَه، القدرةَ على الإنتاج الصحيح والسليم، يعطِّلُ كُــــلَّ هذا فهو قتلٌ معنويٌّ للإنْسَـــان، قتل معنوي للإنْسَـــان، وتجريد للإنْسَـــان من هُـــوِيَّته الإنْسَـــانية، ومن واقعه الإنْسَـــاني، في المشاعر تتبدل المشاعر عنده، في الدوافع في الاهتمامات تتغير بكلها وتتبدل بجميعها، وهذه حاله خطيرة جِــدًّا، إضَافَــةً إلى الكوارث الصحية التي تنشأ؛ نتيجةً لتجارة المُخَــدِّرات وتعطيل الأسباب النافعة، عندما يتجه الناس لاعتماد الأسباب المُــحَــرَّمة، والوسائل المُــحَــرَّمة بَدَلًا عن الوسائل المشروعة، والأسباب المشروعة ينشط الناسُ فتكبر تلك الوسائلُ والأساليب المُــحَــرَّمة وتكبرُ آثارُها وأضرارها في واقع الناس وفي حياتهم، في نفس الوقت تتعطّلُ الأسبابُ المشروعة والوسائل المشروعة فيغيبُ عن واقع الناس ما ينفعُ ويفيدُ، ويكثر ويكبر ما يضُرُّ ويدمّـــر ما يؤثر تأثيرًا سيئًا في النفوس في الواقع في الأعمال وينجر الكثير وراء هذه الوسائل المُــحَــرَّمة.
البعض يرى ذلك المُحَشِّــش وذلك البائع والمشتري في المُخَــدِّرات تكثر أمواله، تكبر تجارته، يراه يبني له منزلًا جميلًا وفخما ويراه يشتري السيارات من الموديلات الحديثة فينشَدُّ وراء هذه التجارة المُــحَــرَّمة، وراء هذا الكسب غير المشروع وهكذا ينجر الآخر والآخر وتتكون في الواقع شبكة من العلاقات يحرصُ من يبيع ويشتري في المُخَــدِّرات.
المحشِّشُ يحاولُ أن يُنشِئَ له شبكةً من العلاقات التي يحتمي بها في المجتمع والتي يقلّلُ فيها من النظرة السلبية إليه، حتى عندما يُقسّم ويوزع هدايا لهذا وذاك ويحاول أَنْ يَكُــوْنَ كريمًا فكرمُه ليس كرمًا صحيحًا، هو تصرُّفٌ ليمسحَ النظرةَ السلبية إليه كمُحَشِّــش وبائعٍ ومشترٍ في المُخَــدِّرات وفي نفس الوقت هو يسعى لأَنْ تكونَ له شبكةٌ من العلاقات التي يحتمي بها ما إن تذهب الجهات الأمنية لتتخذ ضده الإجراءات حتى يبدأَ ذلك الشخصُ وذلك الشيخ وذلك الوجيه وذلك وهذا وذاك بالوساطات والمساعي والشفاعة له والتبرير له والتبرئة له وشهادات الزور من أجله ويشكل له حالةً من الحماية والمساندة وهذا يصيح هنا وذاك يتوسط له هناك وتتحَـــرّك الوساطات من هنا إلى هناك، قضيةٌ خطيرة جِــدًّا.
الإنْسَـــانُ الذي يشفعُ شفاعَةً سيئة يعني يتوسط لمجرمين في سبيل أن يحميَهم من إجراءاتٍ مشروعةٍ ضدهم يكون له كِفْلٌ منها، تكون له حصةٌ من تلك الشفاعة السيئة ويكون شريكًا له في الجُرْم يكون مساهمًا في حمايه المجرمين، عندما يذهبُ الشيخ أَو وجاهات أَو أبناء منطقه للتعاطف مع مُحَشِّــش يعرفونه أنه يبتاع ويشتري في الحشيش والمُخَــدِّرات؛ لأَنَّه ساعد هذا وساهم مع ذاك وأعطى هذا وأعطي ذاك وكان هدفه الأساسي من ذلك أن يحميَ نفسه عندما يواجه المشكلة مع الدولة مع الجهات الأمنية فيتعصبون معه ويدافعون عنه ويتوسطون له، يصبحون شُركاءَ في الجُرم عند الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى-، شركاءَ في الإثم، وهذه قضية خطيرة جِــدًّا عندما تكون شريكًا للمُحَشِّــش في إثمِه وجرمِه والمُحَشِّــشُ شريكٌ للأعداء الذين يسعون إلى تدمير اقتصادنا كشعب يمني أَو كبلد مسلم أَو كأمة مسلمة بشكل عام، ويريدون أن يضيعونا أن يضيعونا وراء الأَشْيَــاءِ التافهة والمُــحَــرَّمة بَدَلًا عَن أن نبني لنا اقتصادًا صحيحًا واقعيًّا سليمًا.
الدولُ التي نهضت اليوم وهي في المصاف الأولى في نهضتها الاقتصادية ما هو اقتصادها؟ هل تُجَّارُ مُخَــدِّرات؟ أم مُؤَسّساتٌ عملاقة وشركاتٌ عملاقة، شركاتٌ تصنع كُــــلّ الأغراض التي يحتاج إليها الناس شركات تصنع طائرات، شركات تصنع سيارات، شركات تصنع مختلف الأغراض بهذا نهضت تلك البلدان هل نهضت الصين؛ لأَنَّ الصينيين أصبحوا تجارَ مُخَــدِّرات وأصبح كُــــلٌّ منهم يبيع ويشتري في المُخَــدِّرات؟ أم أنها نهضت بالشركات والمُؤَسّسات والنشاط الاقتصادي النافع الذي يتجه إلى مختلف أغراض الحياة متطلبات حياة الناس ليصنعها، لينتجها ليوفرها، عندما نجد أنفسنا نستوردُ مختلفَ المحاصيل الزراعية وفي مقدمتها القمح، القمح الأسترالي القمح الروسي القمح الكندي القمح من تلك البلدان تجد تلك البلدان الناهضة اقتصاديًّا نهضت بالزراعة، نهضت بالصناعة، لم تنهض ولم تبتنِ بالمُخَــدِّرات وتجارة المُخَــدِّرات، لو يتجه الناس إلى الوسائل المُــحَــرَّمة هذه وإلى هذه الكوارث المدمّـــرة ستكون أسوأَ بديلٍ في الوضع الاقتصادي أسوأ بديل، فلا يبتنى للأُمَّــــة اقتصادٌ حقيقي ولا نهضة حقيقية أَبـَـدًا، وإنما يتاجر الناس بما يدمّـــرهم بما يضر بهم بما يكون سببًا لانتشار الجرائم لانتشار المنكرات لانتشار الفواحش لانتشار ما يدمّـــر الصحة، صحة شبابنا فيكون الناس يبتاعون ويشترون فيما يدمّـــر صحة المجتمع وأَخْـــلَاقه وفيما يدمّـــر أمنه وفيما يكون سببًا لانتشار الجرائم، هذا أمرٌ شنيعٌ، هذا أمر ينافي الإسلام، ينافي الأَخْـــلَاق، ينافي القيم، ينافي المبادئ؛ ولهذا يجبُ أن يعيَ المجتمع بكله خطورةَ الممارسات غير المشروعة، الكسب الحرام، الوسائل المُــحَــرَّمة في الحصول على المال بكل أشكالها بكل أنواعها أنها خطيرةٌ على المجتمع خطيرة على الناس في حياتهم خطيرة عليهم في أمنهم واستقرارهم، خطيرة عليهم في استقرارهم الاجتماعي، خطيرة عليهم في اقتصادهم لا يمكن أن ينهضوا اقتصاديًّا، وخطيرةٌ عليهم في أَخْـــلَاقهم وقيمهم خطيرة عليهم في دينهم قضية خطيرة جِــدًّا جدا جِــدًّا وهذه المسألة من أَهَــمّ المسائل التي يجب أن يتعمم فيها الوعي، أن يركزَ عليها الخطابُ الديني والتثقيفي والتوعوي من العلماء والخطباء والمرشدين والمثقفين والمعلمين، مسألةٌ مهمة جِــدًّا، غيابُ الحديث عنها يجعلُها تتحولُ في المجتمع إلى ظاهرة، انتشار البيع والشراء في المُخَــدِّرات ونشاط المُحَشِّــشين يتوسع يَــوْمًا بعد آخر، وهذه مسألةٌ خطيرة للغاية خطيرة وسلبية جِــدًّا، يجب أَنْ تَكُــوْنَ محارَبةً من الجميع، أَنْ تَكُــوْنَ منبوذةً، أَنْ تَكُــوْنَ مرفوضةً، أن لا يجدَ المُحَشِّــشَ ساحةً وبيئةً تساندُه، ولا يجوز للبعض أن يحصلَ على هبة أَو هدية أَو مكافاة أَو شيئًا من ذلك، هذه رشوة، رشوة حرام ليساندَ ليقفَ مع هذا الشخص أَو مع ذلك الشخص وهكذا هي كثيرة الوسائل المُــحَــرَّمة التي تدمّـــر على المجتمع وفي المجتمع الصحة العامة، كم يمرض من الناس من تعاطي المُخَــدِّرات؟ ولو في البلدان الأُخْـــرَى، ولو في بلدان الخليج ولو أنت تصدِّرُ ذلك إلى السعودية، أنت تدمِّـــرُ المجتمعَ السعودي وهو مجتمع مسلم، لا يجوزُ أَبـَـدًا، أنت تدمِّـــرُ اقتصادَك؛ لأَنَّك تساهمُ في توجّــه الناس نحو بناء اقتصاد هَشٍّ قائم على الحرام وعلى ما يدمّـــرُ وعلى ما يضُرُّ بالناس في صحتهم وفي أمنهم وفي أَخْـــلَاقهم وفي واقعهم الاجتماعي، والبلدانُ الأُخْـــرَى نهضت؛ لأَنَّها اهتمت في أعمالها الاقتصادية على ما ينفع، على ما يفيدُ بشكل أساسي، بشكل أساسي، فصنعوا وركّزوا على الزراعة وطوروا العمل الزراعي والإنتاج الزراعي حتى صدروا إلى مختلف بقاع العالم.
فالمسألةُ خطيرةٌ جِــدًّا، يجبُ التركيزُ على الوسائل المشروعة التي فوائدُها كثيرةٌ، تبني المجتمع، تبني اقتصادًا حقيقيًّا سليمًا نافعًا وفي نفس الوقت لها آثار إيجابية في الواقع، لاحظوا في بعض البلدان، ركّزت بعضُ الشعوب على عملية الإنتاج، الإنتاج أَنْ تَكُــوْنَ شعوبا منتجة، هذا هو التوجّــه الصحيح، أَنْ تَكُــوْنَ شعوبًا منتجة، تبدأُ هذه العمليةُ على مستوى الأُسَـــر، تتعود الأُسَـــر كيف تنتج ما تستطيع، ويتهيأ هذا في الريف إلى حد كبير، ويتهيأ في بعض المدن.
في سوريا مَثَــلًا عملية الإنتاج حالة متميزة وخُصُوْصًا قبل الحرب على سوريا والعدوان على سوريا الذي رعته أمريكا ورعاه الغرب ودعمته ومولته أنظمة عربية، في سوريا عملية الإنتاج عملية على مستوى جيد ومتقدم قياسا ببقية البلدان العربية، البعض من الأُسَـــر تنتج على مستوى الصناعات الغذائية والمنتجات الغذائية، تنتجُ أَشْيَــاءَ كثيرةً في المنزل، تنتج المربيات، تنتج الفواكه المجففة، تنتج مشتقات الألبان، الجبنة، الزبادي، تصنع في المنزل، الخَل كذلك يصنع في المنزل، أَشْيَــاء كثيرة تصنع في المنزل ويتم إنتاجها في المنزل، أدوات التنظيف، أدوات التنظيف تصنع بمختلف أنواعها، الصابون، سواء الصابون المسحوق أَو الصابون الآخر، أنواع كثيرة، أغراض كثيرة يتم إنتاجها في المنزل، تستطيع الكثير من الأُسَـــر أن تتعود إنتاج الكثير من هذه الأغراض، كثير من أعمال التطريز والخياطة وما شاكل ذلك يتم أَيْضًا التعلم عليها إنتاجها، صناعتها في المنازل، للأسر، وتصبح وسائل لأَنْ تحصل هذه الأُسَـــر على المال.
بدأت خطواتٌ أولية من هذا القبيل ترعاها مُؤَسّسة بُنيان وبعضُ المُؤَسّسات والجمعيات في البلد، ويمكنُ أن تتطورَ هذه الأنشطةُ بمساعدة الأُسَـــر كيف تكون أسرًا منتجة، أما في الريف يمكن للأسرة أن تقتنيَ الدجاجَ والبيض والغنم والماعز والحليب وأَشْيَــاءَ كثيرةً في الريف ممكنٌ اقتناؤها، وتمثل حالة مهمة جِــدًّا في توفير الاحتياجات الضرورية، تساعد الناس على توفير احتياجهم من المواد الغذائية الأساسية، البعض اليوم، بعض الأُسَـــر كم ستكون كلفة شراء البيض في العام؟ البيض لوحده، تصل مبالغُ لو تحسبها أسرةٌ معينةٌ كم اشترت خلال سنة كاملة من البيض، كم كلفتها ماليا، وكم كانت هذه الكلفة ستستفيد منها في شيءٍ آخر لو بقي لديها دجاج يتوفر لها البيض مجانًا، وهكذا البعض ماعز، ثنتين ماعز قد تكفي أسرة، أَو ماعز واحدة وهي حلوب تكفي لأسرة توفر لها الحليب أَو توفر لها اللبن والسمن، العملية التنموية بدءًا من الأُسْـــرَة والتركيز عليها في واقع الأُسْـــرَة، أَشْيَــاء كثيرة تتوفر لهذا أَو ذاك، هذا بشكل وهذا بشكل آخر، هذا بمستوى وهذا بمستوى آخر في واقع الأُسَـــر، التعود والتعلم على إنتاج الكثير من الأَشْيَــاء، هذه مسألة مهمة وإيجابية، يمكن إنشاء المُؤَسّسات التي تساعد هذه الأُسَـــر ويمكن أن توسع مُؤَسّسة بُنيان وغيرها من المُؤَسّسات، يمكن الجانب الرسمي ينشئ مبادرات وكذلك مشاريع عملية تساعد الأُسَـــر المنتجة.
يمكن أن يُنشِئَ الناسُ على مستوى أوسع، تعاونياتٍ زراعيةً، جمعياتٍ استثماريةً، أعمالًا كثيرةً تساهمُ وتساعدُ الناسَ في بناء اقتصاد صحيح بَدَلًا عَن التسول، البعضُ يتجهون للتسول وهذه عادة سلبية جِــدًّا وكريهة للغاية وسيئة جِــدًّا تحط من كرامة الإنْسَـــان، والبعض ليسوا مضطرين، يعني لم يصل بهم الحال إلى الاضطرار، والبعض لا يتفاعلون مع من يسعى إلى إنقاذهم من هذه الظاهرة السلبية جِــدًّا، نحن جربنا هذا وأقمنا نشاطا لرعاية بعض المتسولين والسعي لإنقاذهم من ظاهرة التسول التي هي حط من الكرامة وحاولنا أن نقنعهم للكف عن هذه الظاهرة ومساعدتهم ماليا حتى يخرجوا من هذه الظاهرة ومساعدتهم عمليا، بمشاريع معينة وبرعاية بشكل أَو بآخر، فحاول البعض أن يتهربوا من ذلك، واتّجهوا نحو ظاهرة التسول بما يدخل ضمنها من أساليب سلبية ولا إنْسَـــانية، البعض يعرون أطفالهم في الشمس لفترات طويلة، للاستعطاف بهذه الوسيلة، البعض ينشطون بشكل أَو بآخر، يتظاهرون بالمرض أَو يتظاهرون بالجراحة أَو يتظاهرون بأشكال معينة، وهناك حالات فعلا إنْسَـــانية مؤلمة جِــدًّا موجودة في حالات التسول وفي حالات بعض المتسولين، لكن هذه الحالة يجب معالجتها أَيْضًا، ظاهرة التسول يجب معالجتها، الجمعيات وكذلك الدولة من جانبها، المُؤَسّسات المختلفة، المجتمع بنفسه أن يحاولَ أن يساهمَ في معالجة هذه الظاهرة التي هي ظاهرة خطيرة وتتحول في بعض الحالات لبعض الناس إلى عادة محببة؛ لأَنَّه يرى فيها مصدرًا سهلًا للدخل بَدَلًا عن العمل وهذه جريمة، جريمة من يتجه وهو غير مضطر لفعل ذلك، فيجب أن يتعاون الجميع في احتواء هذه الظاهرة، من جانب المجتمع نفسه، ومن جانب الدولة نفسها، من المُؤَسّسات والجمعيات أن تسعى لمعالجة ظاهرة التسول ومساعدة الناس المضطرين أَو الذين يعانون من ظروف صعبة، من خلال العمل، من خلال الإحسان من خلال الرعاية من خلال حتى القرض، مُـهِـمّ جِــدًّا رعاية هذا الجانب إلى جانب الإحسان، إلى جانب الهبة، الصدقة، العطاء، مُـهِـمٌّ أَيْضًا القرض، في بعض البلدان هناك تجاربُ جيدةٌ للقرض الحسن، القرض غير الربوي، أما القرضُ بالربا وعلى أساس الربا فهو مُــحَــرَّم وهو لا يمثل أيةَ مساعدة، هو استغلالٌ، هو عمل انتهازيٌّ لا إنْسَـــاني، ابتزازُ الناس بحسب ظروفهم وعلى أساس الاستغلال لمعاناتهم، لكن القرض غير الربوي هو إحسان، هو خدمةٌ كبيرةٌ يقدمُها الإنْسَـــان إلى أخيه الإنْسَـــان، وتعاونٌ مُـهِـمٌّ هو من التعاون على البر والتقوى، فيه أجرٌ فيه فضل، له أهميَّةٌ له قيمةٌ إنْسَـــانية وأَخْـــلَاقية وإيْــمَـــانية ودينية، القرضُ في حالة العسرة إلى حالة الميسرة، على مستوى الناس فيما بينهم أن يتعاطف هذا مع ذاك ويقرضه عند الظروف الصعبة، في نفس الوقت المُؤَسّسات التي يمكن إنشاؤها لتقديم هذه الخدمة للبعض الآخر مع الناس، مع أن المُؤَسّسات لا يجب أَنْ تَكُــوْنَ بديلا عن تعاون الناس فيما بينهم، أبناء المجتمع فيما بينهم؛ لأَنَّ هذا يساهمُ في تعزيز الروابط الأخوية، يساعدُ في تعزيز الأمن الاجتماعي والاستقرار فيما بين الناس ويقلص الجرائم، يعزّز من حالة المحبة والإخاء والمودة ما بين أبناء المجتمع.
فنحن يجبُ أن نركِّـــزَ على الوسائل المشروعة، الوسائل الإيجابية وأن نعزّزَها في المجتمع وأن نحاربَ وأن نسعى لمكافحة كُــــلّ الوسائل المُــحَــرَّمة وأن نحاصرَها بالوعي، بالإرشاد، بالتثقيف، بالتعليم وَأَيْضًا بالإجراءات، بالعمل، أن نتحَـــرّكَ على كُــــلّ المستويات والمسارات (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء: 31)، ذنبًا عظيمًا..، الخِطء: الذنبُ والجريمةُ الكبيرة، وهكذا عندما تقتُلُ شعبَك عندما تقتل الناس صحيا، عندما تبيع للناس المبيدات التي تنشر السرطان، تنشر فيروس الكبد المدمّـــر لصحة الناس تكون قاتلًا، عندما تعمل لكسب المال بالقتل، بغير حَـــقّ للناس في صحتهم، عندما تقتل فيهم الروح المعنوية، عندما تنشر الجريمة، عندما تساهم فيما يضر، هذه قضية خطيرة جِــدًّا، والمفترض هو المكافحة لكل الوسائل المُــحَــرَّمة والمدمّـــرة والتي عندما يتحَـــرّك الإنْسَـــان فيها ويعتمد عليها هو يتجرد ويتخلى عن إنْسَـــانيته، عن أَخْـــلَاقه، عن إيْــمَـــانه، عن كرامته ويكون إنْسَـــانًا دنيئًا متوحشًا ومجرمًا، وَالعِيَاذُ بالله.
نكتفي بهَذا القَـــدْرِ وننتقلُ إن شاءَ اللهُ في محاضرةِ الغدِ إلى قولِ اللهِ -جَـــلَّ شَــأْنُــهُ- {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (الإسراء: 32).
نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..