السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية السادسة عشرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّــلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ الصِّيَــامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إِنَّكَ أَنْتَ التوابُ الرحيم.
قبلَ أَنْ نَتَحَدَّثَ في إطار موضوع الدرس، يهمُّنا أَنْ نَتَحَدَّثَ عن ما تداولته وتناولته وسائلُ إعلام الأعداء، في المقدمة النظام السعوديّ الظالم بالأمس من افتراءٍ وبهتانٍ عظيم وكذبٍ فضيع، وادّعاءٍ شنيع على شعبنا العزيز، على يمن الإيْمَـــان والحكمة بالاستهداف لمَــكَّـةَ المكرمة، هذه المزاعمُ والافتراءاتُ وهذا البُهتانُ العظيم غيرُ غريب على النظام السعوديِّ وعلى إعلامه، هو يعتمدُ أصلاً على الأكاذيبِ والادّعاءات والتبريرات الزائفة والكاذبة، ومن غير الغريب عليه أن يبهتَ شعبَنا العزيزَ أن يبهَتَ يمنَ الإيْمَـــان والحكمة بهذا البهتان العظيم، النظامُ السعوديّ المجرم الذي أصبح له أسوأ رصيد وأسوأ سُمعة في العالم من الجرائم، وكذلك ما هو عليه وما عُرفَ به من الادّعاءات الباطلة يدّعي الأكاذيب ثم يتضح أنه يكذب ثم يعترف في كثيرٍ من الحالات بأكاذيبه تلك، ويجحد الحقائق ثم يعترفُ فيما بعد ذلك بحقائقَ كان قد سبق منه أن يجحدها أَو أن يقدّم لها تفسيراً آخر وصورةً مختلفة، هذا غيرُ غريب.
نحن نقول: مصدرُ الخطر على المشاعر المُقَــدَّسة وعلى مَــكَّـةَ المكرمة وعلى المدينة المنورة، مصدرُ الخطر يتمثلُ في اتِّجَــاهين:
الأولُ- هو الأمريكيُّ والإسرائيلي ومن يواليهم، هؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا على المشاعر المُقَــدَّسة للمسلمين يشكلون خطراً حقيقيا ومؤكّـــدا على مَــكَّـةَ المكرمة، على بيت الله الحرام، على المسجد النبوي، على مقام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هؤلاء هم أعداءٌ بالفعل، وهناك الدلائل الواضحة التي تثبت ذلك.
ومَصْدَرُ الخطر الآخر الذي يتمثل أَيْـضاً في الدواعش والتكفيريين، الذين يعتبرون المشاعر المُقَــدَّسة يعتبرونها معالم للشرك، ولا يعترفون أَصْلاً بمسألة التقديس لبيوت الله ولمعالم من معالم الإسْــــلَام في الأرض، يعتبرون كُـــلّ هذا من الشرك وعقيدتهم في ذلك واضحة، ومواقفهم واضحة، وفتاواهم واضحة، وتصرفاتهم واضحة، وكلا هذين الاتِّجَــاهين تربط النظام السعوديّ بهما صلات وأواصر معروفة، معروفة، علاقته بالأمريكي والإسرائيلي، هو يحاول أَنْ يكونَ أصلاً في مقدمة وأبرز من يوالي أمريكا ويكونُ له علاقةُ تطبيع مع إسرائيل، وتبنّيه للدواعش والتكفيريين، ودعمُه الهائل لهم أمرٌ معروفٌ جِــدًّا، في العالم بكله.
أمَّا يمنُ الإيْمَـــان، يمن الإيْمَـــان والحكمة فهو الذي يؤمَّلُ منه أَنْ يكونَ هو من يحمي المُقَــدَّسات في اليوم الذي يمكنُ أن تُباعَ يمكنُ أن تدخلَ تحت مساومات من قبل النظام السعوديّ يمكن أن يتعاملَ بطريقة مختلفة تجاهها، هو اليوم يستغلها كدُكانٍ للتجارة كبقالة للتجارة، كمتجر للاستفادة والاستغلال المادي وكعنوان للخداع والتضليل والاستغلال السياسيّ، في يومٍاً من الأيام يمكن أن يتغيرَ كُـــلُّ ذلك، غيرُ بعيدٍ على النظام السعوديّ أن يفعلَ ذلك.
ولكن نحن نقولُ: المؤتمن حقاً أَنْ يكونَ له موقف صادق لحماية المُقَــدَّسات وأثبت اليوم موقفه تجاه مُقَــدَّسات الأُمَّـــة في فلسطين هو الشعب اليمني هو يمن الإيْمَـــان، أما من يتآمر اليوم على المسجدِ الأقصى ومُقَــدَّسات الأُمَّـــة في فلسطين، ويتآمر على الشعب الفلسطيني بوضوح، وهو شريكٌ أَسَاسي في صفقة ترامب، وله دور أَسَاسي في القمة التي ستُعقد في وقت قريب في البحرين فهو من ليس بمؤتمنٍ أَصْلاً على مشاعر المسلمين وعلى مُقَــدَّساتهم، من تآمر على الأقصى أثبت أنه غير مؤتمن أنه غير مؤتمن أَبـَـداً على أي مُقَــدَّس من مُقَــدَّسات الأُمَّـــة، قد تآمر على المسجد الأقصى وهو من المُقَــدَّسات فممكنٌ أن يتآمرَ على المسجد الحرام كما تآمر على المسجد الأقصى، في اللحظة التي يرى أنه مطلوبٌ منه ذلك وأنه في الوقت الذي لا يبقى له خيارٌ إلا ذلك، أية قيمة عنده للمُقَــدَّسات، فتوى بأنها من الشرك وصفقة مع أي زعيم أمريكي وتنتهي المَسْأَلَة، ويمكن أن يفعل أي شيء.
فعلى كُلٍّ نحنُ نؤكّـــدُ أن بُهتانَهم وادّعاءَهم كاذبٌ لا أَسَاسَ له من الصحة، ونحن واضحون في أَهْـــدَافنا وفي معركتنا وفي ضرباتنا كشعب يمني ونعلن عنها أولاً بأول وبكل وضوح وبكل شجاعة وبكل تَحَدٍّ، وضمن الضوابط الشرعية بفضل الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى-، وضمن الضوابط المبدئية والأخلاقية لهذا الشعب العزيز.
الآن نأتي إلى الحديث على ضوء الآية المباركة يقولُ الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى-: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ، وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانًا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ، إِنَّهُ كانَ مَنصورًا) (الإسراء: 33) الآية المباركة تتحدث عن حرمة قتل النفس البشرية التي حرّم الله أن تقتل وأن يعتدى عليها (إِلّا بِالحَقِّ) (الأنعام: 151) الأصل هو الحرمة الأصل هو الحرمة لهذه النفس البشرية، تحريم قتلها، أعطاها الله عصمة الحياة، عصمة الدم، لا يجوز لأحد أن يهتك هذه الحرمة أَبـَـداً، والحالة الاستثنائية في قوله تعالى (إِلّا بِالحَقِّ) (الأنعام: 151) سنتحدث عنها إن شاء الله.
من أشنعِ الجرائم ومن أَكْــبَــر المآسي في الواقع البشري هو القتل، وهذه المأساة تحدث كثيراً في كثيرٍ من الأُمَــم والشعوب عبر الأجيال، وكانت بدايتها كما وثّقها القُـــرْآنُ الكريم في قصة ابنَيْ آدم أول حادثة قتل وأول جريمة قتل في قصة ابني آدم، وتحدثنها عنها في محاضرات متعددة، ثم من بعد ذلك استمرت في الواقع البشري وتكثر في بعض الأقوام، في بعض الأُمَــم، في بعض الكيانات التي تتجرد من الإنْسَـــانية ومن القيم ومن الأخلاق ومن التعليمات الإلهية، والمأساة كبيرة في الواقع البشري نتيجةَ لهذه الجريمة التي هي أشنع جريمة تعاني منها البشرية، وبسببها صاحت الملائكة عندما أخبرها الله أنه سيستخلف البشر على الأرض (قَالُوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ) (البقرة: 30) صاحت الملائكة من الإنْسَـــان من فساده ومن سفكه للدماء، في عصرنا الراهن نلحظ كم نعاني كبشر من جرّاء ارتكاب هذه الجريمة من قبل كيانات ودول وجهات تمتلك قدرات للقتل الجماعي والتدمير الهائل والسفك للدماء بشكلٍ كبير، بالذات كلما تطورت القدرات لدى البشر وامتلكها الطغاة والجائرون والظالمون، كلما كانت المأساة أَكْــبَــر؛ ولأنهم يستهينون بالإنْسَـــان ويستبيحون قتل البشرية لأتفه الأسباب، لأتفه الأسباب أَو للمطامع والأهواء والنزوات والرغبات، من أجل المناصب من أجل السلطة من أجل المال من أجل عوامل واعتبارات كثيرة يقتل البعض، وكم يحصل في الواقع البشري من مآسٍ، تحصل مآسٍ كبيرة جِــدًّا، فالله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- حرّم قتل النفس البشرية أعطاها حَـــقَّ الحياة، أعطاها حَـــقَّ الحياة والاعتداء على الإنْسَـــان في حياته يعتبر أَكْــبَــر ظلم له؛ لأَنَّه يفقد كُـــلّ شيء إِذَا فقد حياته في هذه الحياة، ومن هذه الحياة، فتكون المأساة كبيرة عليه وعلى أسرته، أقاربه أصحابه محيطه الاجتماعي، يمتد هذا الأثر في الواقع، وقد تكبر المأساة بقدر أَيْـضاً ما للدور البشري أَو لهذا الإنْسَـــان البشري الذي تُنتهكُ حرمةُ حياته ويُسفك دمه من أثر ودور في هذه الحياة، في مراحلَ في التأريخ قتل البعض من الأقوام أنبياءَهم بغير حَـــقٍّ كما يؤكّـــدُ القُـــرْآنُ الكريم في مراحلَ معينةٍ قُتل في الواقع البشري مع أعداد هائلة من البشر ظلماً وعدواناً.
وعلى كُلٍّ الحرمة لقتل النفس البشرية أتى التأكيد عليها في القُـــرْآن الكريم وفي كتب الله السابقة لدرجة أن الله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- جعل هذه الحرمة مشدّدةً ومؤكّـــداً عليها بقوله تعالى: (فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَميعًا)، (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32)
عندما يترسّخُ في الواقع العام، يترسخُ هذا المفهوم، ويدركُ الجميعُ الخطورة الكبيرة على المستوى الإنْسَـــاني والإيْمَـــاني والديني لهذه الجريمة، هذا بحَدٍّ ذاته سيمثلُ عامِلاً مُهَــمّاً في الحد منها في التخفيف منها في التقليل منها، الحالة الخطيرة في واقع الناس هي حالة اللامبالاة والاستهتار والتهاون، هذا التهاون الذي يدفع البعض للقتل لأبسط وأتفه الأشياء، أحياناً كلمة أغضبته من شخص فاعتدى عليه وقتله، في مقابل كلمة قالها، وكان بإمكانه أن يبدلَ الكلمة بكلمة أَو يقابلَ الكلمة بكلمة أَو الإساءة بإساءة أَو السب بسب أَو غير ذلك، أَحْيَــاناً طمع في شيء تافه قد يؤدي بالبعض إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة جِــدًّا، أَحْيَــاناً خلافاتٌ يمكن أن تُحّلْ تلك الخلافات عن طريق الشرع أَو عن طريق الصلح، فيلجأ البعض إلى القتل والقتال في أتفه الأمور نزاع على أرضية نزاع على شيءٍ ما من المختلف عليه بين الناس، وكم يحصل مما يؤثر حتى على السلم الاجتماعي، واللهُ أراد على مستوى الواقع البشري أَنْ يكونَ واقعاً قائماً على الاستقرار والسلم، ثم على مستوى الأُمَّـــة الإسْــــلَامية أَنْ يكونَ الواقع الذي يحكم الجميع هو الأُخُوة الإيْمَـــانية (إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ) (الحجرات: 10) وأن تعُمَّ حالة الاستقرار التي بها تعمر الحياة وتترتب عليها آثار إيجابية وصالحة، والله -جَـــلَّ شَأْنُــهُ- عندما قال (إِلّا بِالحَقِّ) (الأنعام: 151) يعني يحرُم القتل إلا بالحق، الحَــقّ الذي به يمكن القتل والقتال، أبرز عناوينه العامة هي ثلاثة عناوين:
أبرزُ عناوينه العامة، (عنوان الحد، وعنوان الدفع، وعنوان القصاص) الحدُّ هو خاص بذي الولاية المستندة إلى الشرع الإسْــــلَامي، وله ضوابطُه وله أحكامه وله إجراءاته المنصوص عليها في الشريعة الإسْــــلَامية، وليس حالةً يتصرفُ فيها الناسُ كيفما يشاؤون ويرون، أَو يتصرف فيها أي شخص بحسب ما يرى، لا، هذه مسألة مضبوطة جِــدًّا يتولاها ذو الولاية المستندة إلى الشرع الإسْــــلَامي ووَفْــقاً لأحكام الشريعة الإسْــــلَامية، ولعناوين معينة مثلما يتعلق بالمرتد، مثل الديوث، مثل الساحر ونحوهم يعني جهات معينة ووفق ضوابط معينة وأحكام معينة وإجراءات محدّدة في الشريعة الإسْــــلَامية، ليست مسألةً بمتناول أي شخص أن يتصرف فيها، أَبـَـداً، بحسب ما يرى أَو يقرّر.
العنوانُ الآخر عنوانُ الدفع، وهو عنوانٌ أَسَاسي ومهمٌّ ويشملُ حالاتٍ فرديةً وحالات عامة وحالات جماعية، الدفع الذي فيه دفعٌ للشر أَو للفساد أَو للمنكر الذي لا يندفع إلا بالقتل، له حالات فردية وله حالات جماعية، الحالة الفردية إِذَا ابتلي الإنْسَـــانُ بمن يعتدي عليه بغير حَـــقٍّ، ويحاولُ أن يقتلَه، ثم يرى أنه لا يستطيعُ أن يدفع ذلك عن نفسه إلا بالقتل وإلا قتله ذلك الآخر وبغير حَـــقّ، لا يستند ذلك الآخرُ فيما يفعله به إلى حَـــقّ، أَبـَـداً، عدواناً ظلماً، تعمداً، فالإنْسَـــانُ في هذه الحالة له الحَــقُّ أن يدفعَ عن نفسه، كذلك مَـثَــلاً دفع الجريمة، مَـثَــلاً المرأة إِذَا تعرّضت لمحاولة الاغتصاب ولم تستطع أن تدفع عن نفسها ذلك إلا بالقتل، فلها الحَــقّ في أن تقتل من يسعى إلى اغتصابها، ولا يندفع إلا بالقتل ولم تجد وسيلة لدفعه إلا بالقتل، كذلك من يحاول أن يغتصبَ مالَك، وممتلكاتك، ولا تقدرُ ولا تتمكّـن وليس هناك أية وسيلة أُخْــــرَى يمكن أن تدفعه عن ذلك إلا بالقتل، طَبْعاً هذا في غير المتنازع عنه، مسألة شجار على أرض أَو على ممتلكات معينة يمكن أن يبت فيها القضاء، لكن مسألةَ نهّاب أَو ممن يمارسون السطو أَو قطع الطرقات ولا تتمكّـن من الحفظ أَو الحفاظ على ممتلكاتك إلا بذلك، لو تمكّـن الإنْسَـــان من الدفع بوسيلة أُخْــــرَى فعليه أن يستخدم الوسيلة الأُخْــــرَى والتي هي أقلُّ من مستوى القتل، هذه كأمثلة، لو بغت مَـثَــلاً فئةٌ على فئة من أبناء الأُمَّـــة واعتدت عليها بغير حَـــقّ، لها أَيْـضاً أن تدافع عن نفسها، ويدخل عنوان الجهاد في سبيل الله تحت عنوان الدفع، هو في الحقيقة لدفع الشر لدفع الفساد، لدفع الخطر، لدفع الجريمة، لدفع المنكر، ولهذا أتى في القُـــرْآنِ الكريم في سورة الحج وفي سورة البقرة تحت عنوان الدفع نفس العنوان الجهاد في سيبل الله، في سورة البقرة أتى قولُ الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى- بعد قصة طالوت وجالوت (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (البقرة:251)، وفي سورة الحج أتى قول الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى- (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) (الحج:40)، وهذا أتى بعد قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه)، فالجهاد في سبيل الله ليس عنواناً لعملٍ عدواني، يبتدئ الناس هكذا بغير مبرّر، لا، فيأتي تحت عنوان الدفع، الدفع للشر الدفع للخطر، الدفع للطغاة للمجرمين للظالمين للمعتدين، فهذه الحالات التي هي حالة الحد ووفق ضوابطه الشرعية وإلى الجهات المختصة بهذه المسؤولية وفق أحكام الشريعة الإسْــــلَامية وعنوان الدفع ومنه دفع المعتدين، دفع المجرمين والظالمين والأشرار والطغاة والمتسلطين، وكذلك له ضوابط في الشريعة الإسْــــلَامية، في القُـــرْآن الكريم، له أحكام محدّدة يجب أن يبقى محكوماً بها وعلى أَسَاسها.
وكذلك العنوان الثالث الذي هو حالة القصاص، القصاص من القاتل ظلما، عُدواناً، تعمد أن يعتدي بظلم على شخص آخر، وقتله، أزهق حياته، وهذه المَسْأَلَة أَيْـضاً لها أحكامها المعروفة في الشريعة الإسْــــلَامية.
هذه العناوين الثلاثة هي العناوين الأبرز التي تشمل كَثيراً من التفاصيل المتعلقة بهذه المَسْأَلَة، (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) فهي جريمة شنيعة جِــدًّا (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93) جريمة خطيرة جِــدًّا، الإنْسَـــان المستهتر، الإنْسَـــان الذي لا يبالي قد يقع في هذه الجريمة، إما على خلفية نزاع أَو على خلفية غضب، غضب، حالة الغضب حالة خطيرة، أَو كبرْ في بعض الناس، أَو طمعْ لدى البعض الآخر يوصله الطمع إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، الجريمة الخطيرة جِــدًّا التي تسبب للإنْسَـــان غضب الله وسخط الله والخلود في جهنم والعياذ بالله، (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ، إِنَّهُ كَانَ مَنصُورً) (الإسراء: 33)، الذي يُقتل مظلوما، قتله من قتله ظالما له بغير حَـــقّ، جعل الله لوليّه سلطانا، الولي قد يكون هم الورثة، قد تكون هي الجهة التي لها الحَــقّ الشرعي في متابعة الاقتصاص من القاتل، وهذا السلطانُ سلطانٌ بالشرع للحكم الإلهي ويدخل ضمنه أَيْـضاً المعونة الإلهية كما في آخر الآية (إنه كان منصورا) تأكيدٌ بأن اللهَ -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى- سيعين المظلومين على أولئك الظالمين.
وهنا حديثٌ مُهِــمٌّ جِــدًّا عن قضية هي من أسوأ ما يعانيه مجتمعنا اليمني العزيز وهي مشكلة الثأر، الآية المباركة تقول (فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) من العادات الجاهلية التي هي موروثة من العهد الجاهلي هي قتل غير القاتل ثأراً من القاتل، وهذه عادة سلبية جِــدًّا، عندما تثأر فتقتل غير القاتل، البعض إما قد يقتل القاتل أيضاً وغيره، فيشمل الآخرين من أقاربه أَو من قبيلته أَو من منطقته أَو من جماعته وهذه قضية خطيرة، البعض مَـثَــلاً يريد أن يثأر بطريقة يعتبرها أَكْــبَــر، مَـثَــلاً يريد أن يقتل شخصا مهماً في تلك القبيلة، بدلاً من القاتل ليؤلمهم أَكْــثَــر والبعض يتصور أنه قد فاته القاتل فيريد أن يبادر بقتل أي شخص من أقاربه أَو من قبيلته أَو منطقته بشكل عاجل؛ لأَنَّه مستعجل للثأر، للثأر من قاتل قريبه أَو قاتل أخيه أَو قاتل ابنه، فهو مستعجل على عملية الثأر فيقتل مع استعجاله أي شخص من أقارب القاتل أَو من قبيلته أَو منطقته أَو جماعته أَو غير ذلك من الروابط المعروفة، فيكون قد ارتكب جُرماً آخر، والآخرون كذلك يأتون للثأر من أقارب ذلك القاتل أَو من قبيلته حتى تصل المَسْأَلَة إلى مستوى، جرائم كبيرة جداً ما بين الأطراف وتصل أحياناً إلى قتل نساء وأطفال ثم يعم الخوف ما بين أوساط المجتمع ليشمل، يشمل القبيلتين أَو يشمل المجتمع بكله، والقضية واحدة والمجرم واحد ثم تعممت المشكلة وأصبحت مشكلةً عامة، هذا هو سلوكٌ جاهليٌ ليس من الإسْــــلَام في شيء، الإنْسَـــان إِذَا قُتل قريبٌ له إما أخ وإما ابن وإما أب وإما أي قريب، أَو من منطقته أَو من قبيلته، أول ما عليه أن يتقيد به هو الضوابط الشرعية، أن لا يتجه إلى غير الجاني، إلى غير الجاني، أن لا يثأرَ من غيره أَبـَـداً، بل حتى في ظل ظروف يتهيأ فيها تفعيل القضاء والجهات المعينة في الدولة، والأجهزة الأمنية هي المعنية أصلاً أن تقوم بواجبها بالأَسَاس وتسعى إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في الساحة ثم تتخذ إجراءاتها بقدر ما تستطيع، لكن حتى لو افترضنا وقصرت تلك الجهات في مسؤولياتها وواجباتها، لا يجوز الثأر العشوائي، لا يجوز أَبـَـداً استهداف أَو التركيز على غير الجاني، الله يقول (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر:18) تصبح كمثل الجاني، تصبحُ مجرماً مثله، وهذه كارثةٌ يعني وتصرُّفٌ أحمق.
تلحظ البعض مَـثَــلاً في البداية يكون في الموقف الذي هو لصالحه، مظلوم، هو مظلوم وقُتل قريبه مظلوماً، هو في هذه الوضعية القضية لصالحه عند الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى-، وهو صاحب حَـــقّ في تلك الحالة هو صاحب حَـــقّ، وبالاستنَاد إلى الشريعة الإسْــــلَامية بالاستنَاد إلى هذا الحَــقّ بالاستنَاد إلى معونة الله ووعده؛ لأَنَّ قول الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى- (إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) وعدٌ من الله بالنصر، ففيما أنك صاحب حَـــقّ وفيما أنك صاحب مظلومية إِذَا تقيّدت بالضوابط الشرعية والتزمت بالتصرف المشروع الحَــقّ، فثق بأن الله سينصرك، ثق بنصر الله، الله يقول (إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) لا تسرف في القتل، بقتل غير القاتل، بالاعتداءِ على غير الجاني، أَو بإلحاق الضرر بمن هو بريء، هذا إسراف في القتل، أَو أنك تسعى إلى قتل القاتل وقتل آخرين، تريد أن تقتل مدري كم، عدداً معيناً مقابل المقتول من أقربائك أَو من قبيلتك، فهذه القضية خطيرة جداً، الإسراف في القتل، يتحول الوضع بالنسبة لك من صاحب حَـــقّ ومن صاحب مظلومية ومن صاحب وعدٍ وعده الله بالنصر (إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) إلى إنْسَـــان يتحمّل الوزر، يتحمل الإثم، يتحمل الجريمة، يخسر، يدخل ضمن الوعيد والتهديد الإلهي بالعذاب في جهنم.
لو نأتي إلى واقع مجتمعنا، كم مشاكل حصلت ما بين قبيلة وأُخْــــرَى، كم سُفكتْ دماء ما بين قبيلة وأُخْــــرَى نتيجةً للثأر بهذه الطريقة الجاهلية، وبهذا السلوك الجاهلي الذي ليس من الإيْمَـــان في شيء، كم انتشرت حالة الخوف وأثّرت على حياة الناس في حركتهم في الحياة في بيعهم في شرائهم في تنقلاتهم، نتيجةً لهذا السلوك الجاهلي، وأول ما يجب محاربته بالوعي والإيْمَـــان والالتزامِ بالشريعة الإسْــــلَامية وبالإجراءات وبالاتّفاقيات التي يجب أن تساعد على حماية الناس من هذه الجريمة، ابتداءً ثم في حالات الثأر الذي يأتي على النحو الجاهلي وبالسلوك الجاهلي، فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا، البعض تؤثر فيهم العجلة، الاستعجال، مستعجل أن يثأر؛ لأَنَّ القاتل اختفى أَو هرب أَو غير ذلك، فيتصرف كيفما كان، لا، ثق بنصر الله، الله قد وعد بالنصر (إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) إِذَا لم يسرف الإنْسَـــان في القتل وتقيّد بالشرع الإلهي، والتزم بأحكام الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَــى- وتوجيهاته وتعليماته فقد وعد بالنصر.
نأمل أَنْ يكونَ هناك أيضاً اهتمام بمعالجة هذه الظاهرة السلبية، وهذه المشكلة الخطيرة جداً، المؤثرة في واقع الناس، من خلال التوعية من خلال الوثيقة القبلية من خلال الإجراءات الرسمية من خلال اهتمامات واسعة لمعالجة هذه المشكلة والعمل على إنهائها؛ لأَنَّها سلوكٌ جاهلي وسلوك مدمّرٌ وسلوكٌ خطيرٌ جداً، والاستهتارُ أيضاً بحالة القتل نتيجةً لأتفه الأسباب قضيةٌ خطيرةٌ على الناس، الأُمَّـــة تواجهُ تحدياتٍ وتواجهُ مخاطرَ، لا ينبغي أن تستنزفَ في الصراعات الداخلية على أتفه الأسباب وأن يُقتل الناس على أبسط الأشياء، الأُمَّـــة بحاجة إلى قوتها البشرية وطاقتها البشرية في الاتِّجَــاه الصحيح في المواقف الصحيحة، والإنْسَـــان الذي يمتلك الشجاعة، يمتلك الجرأة، يمتلك القوة، يمكن أن يوفر شجاعته وأن يوظّف قدرته هذه وطاقته هذه في محلها الصحيح، نحن اليوم كشعب يمني نواجه عدواناً، عدواناً ظالماً باغيًا يسعى إلى احتلال بلدنا وإلى استعباد شعبنا وإلى السيطرة علينا، من يمتلك الشجاعة، من يمتلك الجرأة، من يمتلك القوة، من يمتلك الإقدام، يمكن أن يبيّن ذلك في محله الصحيح، في التصدي لهذا العدوان، بدلاً عن الغرق والضياع والتورط في جرائمَ من هذه الجرائم التي يبقى منها الوزرُ والإثمُ ولها تبعاتُها الخطيرة في الدنيا وفي الآخرة.
نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..