الرئيس المشّاط: الوَحدةُ من إنجاز الشعب وتسييسُها أضاع معناها السامي وقيمتها الجوهرية
المسيرة: صنعاء
وجّه الرئيسُ مهدي محمد المشّاط -رئيس المجلس السياسيّ الأعلى- مساءَ أَمس الثلاثاء، كلمةً إلى الشعبِ اليمني بمناسبةِ العيدِ الوطني الـ 29 لقيام للجمهورية اليمنية 22 مايو “عيد الوَحدة اليمنية” فيما يلي نصها:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وارْضَ اللهم عن صحابته المنتجبين وبعدُ.
باسمي ونيابةً عن زملائي في المجلس السياسيّ الأعلى، يسعدُني ويشرفُني أن أتوجهَ بعظيمِ الإجلالِ وعميقِ المحبة والتقدير إلى شعبنا اليمني الصامد وإلى كافة قواه ومكوّناته الشريفة والحرة، والإجلالُ موصولٌ والمحبة والتقدير لأعظم مَن أنجبتهم الأمهاتُ، إخوتنا وأبنائنا المرابطين في جبهاتِ الشرفِ والدفاع عن الوطن والأرض والشعب -جيشاً ولجاناً وأمناً وقبائلَ ومؤسّساتٍ حكوميةً- وإلى كافةِ الأحرارِ والشرفاءِ في الداخل والخارج، وَكُلُّ عامٍ والجميعُ بخيرٍ من الله وفضلٍ.
أَيُّهَـا الشعبُ اليمني العظيم:
تطُلُّ علينا الذكرى التاسعةُ والعشرون لقيامِ الوَحدة اليمنية في ظل واقعٍ مليءٍ بالمؤامرات والتحديات، والمخاطر الجِسامِ، كما تأتي هذه الذكرى على نحو متزامنٍ مع أَيَّـــامٍ معدوداتٍ من شهرٍ هو عندَ الله من أفضلِ الشهور.
الأمرُ الذي يشكِّلُ دافعاً مُهَــمّاً للحديث عن هذه المناسبة بطريقة جديدة وغير تقليدية، وحافزاً جيِّداً للنظر إليها على نحو يتجاوزُ معنى الاحتفالات والابتهاجات والمدلولات السياسيّة إلى معنى التأمُّل والغوص ولو قليلاً إلى ما تحت السطح، كنوعٍ من تلبية الحاجة الملحة إلى إعَادَةِ ضبطِ المفاهيم والمواقف، خُصُــوْصاً في ضوء ما يرتِّبُه الواقعُ والتحولاتُ والمتغيراتُ من ضروراتِ المراجعة والتصحيح.
وفي هذا السياق يبدو من المهم التذكيرُ ببعض الأخطاء التي تشوبُ نظرةَ الكثيرين للوحدة سواء كمفهوم أَو كمنجز، وهي أخطاءٌ ندعو الجميعَ لتصحيحها والتخلص منها؛ باعتبَارِها أسهمت إلى حَــدٍّ كبيرٍ في ترتيب الكثير من الآثار والمواقف السلبية، وعكست نفسَها على كُـــلّ شيء جميل في واقعنا، بل وخلقت قدراً محبطاً من الإعاقة في القدرة على تشخيص الإشكالات والوصول إلى الحلول العادلة والمنصفة ليس فقط في موضوع بعينه وإنما في كُـــلّ ما يتصل بالواقع العام والسياسيّ منه على نحو خاص.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ:
إن واحداً من الأخطاءِ الفادحةِ التي ندعو لتصحيحِها هو الاستمرارُ في التعاطي الخاطئ مع الوَحدة سواءً كمفهوم أَو كمنجز.
فلا ينبغي أن ننظُرَ إلى الوَحدةِ على أَسَاسِ أنها مفهومٌ سياسيٌّ أَو نتعاطى معها كما لو كانت منجزاً من صُنعِ السياسةِ أَو من صُنعِ الأشخاصِ أَو الأحزاب،؛ لأَنَّ هذه النظرةَ الخاطئةَ هي من قزّمت مفهومَ الوَحدة في نفوس الكثيرين، وهي من جعلت الممارساتِ الخاطئةَ للأشخاص والأحزاب معاييرَ لمحاكمة الوَحدة، وهي هي من حجبتنا وما تزالُ تحجبُنا عن الوصولِ إلى المعاني الجميلة المرتبطة بالوَحدة كمفهوم وكممارسة، كما أنها من تقفُ وراءَ عزل وتغييب صانعِها الأول والحقيقي وهو الشعب.
لقد أسهمت هذه النظرةُ القاصرةُ في تحويلِ موضوع الوَحدة إلى مادةٍ للاستهلاك والمكايدات والمزايدات السياسيّة، بل وصنعت من الوَحدة ومن كُـــلّ شيءٍ جميلٍ في حياتنا موضوعاً لعبث الأشخاص والأحزاب والمواقفِ السياسيّة المختلفة.
حتى لقد وصل العبثُ إلى درجةِ الزجِّ بإخائنا ووَحدتِنا ضمن قائمة الأسباب التي تقفُ وراء هذا الواقع المتردِّي، في دلالةٍ على الافتقارِ الشديدِ للتشخيص السليم والمنطقي، وفي دلالةٍ أَيْـضاً على حجم الأذى الذي لحق بواقعنا ومفاهيمنا جراء الممارسة السياسيَّة الخاطئة.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ:
إن الوَحدةَ (كمفهوم) تشيرُ في جوهرها إلى معانٍ راقيةٍ وسامية تتصلُ بقيم الإخاء والمحبة والتعاونِ والتكامل والانسجامِ، والقوة والنهضة والدور والمكانة، وتقفُ نقيضاً صارخاً لكل معاني الفُرقة والصدام والكراهية والمناطقية والهوان والضعف، وهذه المعاني المرتبطةُ بهذا المفهوم لا يمكنُ أَنْ تكونَ سبباً في إنتاج هذا الواقع المتردِّي.
وإنما هو نتاجٌ لتغييب الصانع الحقيقي للوحدة، وهو الشعبُ، وتنصيبِ وتحكيمِ الأشخاص والأحزاب بَــدَلاً عَن الشعب، مع أن الوَحدةَ (كمنجز) إنما تشيرُ فقط إلى حالةٍ من حالاتِ الانحياز السياسيّ للشعب والإصغاء لإرادته؛ لذلك عندما تمحور السياسيّون حول ذواتهم ومصالحهم الحزبية والشللية والعائلية توقف إنتاجُ المنجزات.
إن الانحيازَ للشعب هو المرتكَزُ الذي يجبُ أن نستحضرَه في هذه المناسبةِ تجاهَ كُـــلِّ شيءٍ يتصلُ بواقعنا اليوم لندركَ معه:
– أن وَحدةَ الشعبِ اليمني هي أَكْــبَــرُ من كُـــلِّ السياسيّين ومن كُـــلّ الأحزاب ومن كُـــلّ المواقفِ السياسية؛ لأَنَّ صانعَها الأولَ هو الشعبُ وهو وحدَه الحاكمُ فيها والمتصرف.
– علينا أن ندركَ بأن كُـــلَّ الإساءاتِ والانحرافاتِ التي فتكت بكُـــلِّ منجزات الشعب إنما هي نتاجٌ لتحكيم الخارج والارتهان للخارج بَــدَلاً عَن تحكيم الشعب والانحياز للشعب.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ:
لقد أثبت الواقعُ قديماً وحديثاً بأن الانحيازَ للشعب هو طريقُ الإنجاز والانتصار في اللحظة التي تحرّر فيها السياسيّون من تبعيتِهم وارتهانِهم وانحازوا إلى الشعب وأصغوا إلى صوتِه في عام 1990م كان الجميعُ على موعدٍ مع قيامِ وطنِهم الواحدِ والموحَّد.
لكنهم عندما عادوا إلى ما دأبوا عليه من الارتهانِ والتبعيةِ للخارج ومن التمحور حول ذواتهم وعوائلهم ومصالحهم الضيقة وجدناهم بعد أربعة أعوام فقط يستأنفون مشوار الضياع ويدمّـــرون كُـــلّ تلك المعاني السامية التي ارتبطت بمفهوم الوَحدة، ووجدناهم يبالغون في مراكمة كُـــلّ عوامل التبعية والارتهان والضعف والوهن حتى أنتجوا كُـــلَّ ما يعيشُه شعبُنا اليومَ من معاناة.
أَيُّهَـا اليمنيون واليمنيات في الداخل والخارج:
وفي ظل ما تواجهُه بلادُنا من عدوانٍ بغيض ومن حصار ودمار وانتهاك سافر لكل القيم والقوانين نجد اليومَ من الدلالات ما يكفي للتأكيد على قبح الارتهان والتبعية وعلى مؤشرات سقوط وخيبة وهزيمة كُـــلّ القوى والمشاريع التي آثرت الابتعاد عن الشعب وراهنت على تبعيتها للخارج، ولم يعد في مقدور هذه القوى أن تخدمَ نفسَها ولا حتى مصالحها الضيّقة لقد وجدت هذه القوى نفسَها مُجَـــرّدَ أداةٍ يستهلكها الأجنبي في خدمة مصالحه وأطماعه فقط لا غير.
وفي المقابل نجدُ من الدلالاتِ أَيْـضاً ما يكفي للتأكيد على عظمة الانحياز للشعب وعلى سلامة وصحة الموقف الوطني المتمسك بهذا النهج وهذا الفهم.
فاليوم والعدوانُ في عامه الخامس ها نحن وكل القوى الوطنية في بلادنا ومع شعبنا ننعمُ بشرف مشّاطرته الآلام والآمال، ونعيشُ معه الكرامة، ونتقاسم الصمود ونصنع معه الانتصارات، ونستمد منه الإلهام والعزم، والاعتماد على الذات، وفي كنف الله والشعب نزرع أرضنا، ونصنع ذخيرتنا، وأسلحتنا، وطائراتنا وصواريخنا، ونبني مؤسّسات الدولة ونحافظ عليها، ونحمي الأمن والسكينة، ونصون الأرض والعرض، ونراكم الخبرات، ونرعى المواهب، وننمي القدرات، ونلقن الغازي دروسا لا تنسى، ونحرزُ شروط النهوض ليكونَ الغدُ مشرقاً والمستقبل واعداً بما يليق بصمود وتضحيات الشعب، وليتنصب الفارق بحجم جبال عطان وردفان بين من رهن نفسه للخارج، وبين من قرّر من أول أن ينحاز للشعب وللوطن.
لذلك أجدُها فرصةً لتوجيهِ بعضِ الرسائل:
أوّلاً – أدعو كُـــلَّ تلك القوى التي راهنت على الخارج إلى العودة لرشدها وصوابها، وأقول لها لم يعد في مقدوركم أن تدّعوا بأن هذا العدوَّ جاء من أجل سواد عيونكم.
لقد أسفر الصبحُ لذي عينين ولم يعد أمامكم من عُذرٍ أَو قدرة للتغطية على مطامعِ وأهدافِ العدوّ المشبوهة ضد بلدنا وشعبنا ومستقبل أجيالنا، فأنتم اليوم كما ترَون بلا قرارٍ وبلا قضية، واستمراركم مع العدوان الأجنبي لم يعد يعني سوى المزيد من الخزي والسقوط، والاقتراب من اللامستقبل.. اتخذوا من هذا الشعب العظيم معياراً ومقياساً، وحاكموا مواقفَكم واسألوا أنفسَكم ماذا يعني أن تكونوا إلى جانبِ دول وطائرات أجنبية تقصف بلدًا يفترضُ أنه بلدُكم؟، وأطفالاً ونساءً يفترضُ أنهم أطفالُكم ونساؤكم؟ وتحاصِرُ وتجوِّعُ شعبًا يفترضُ أنه شعبُكم!! وتحتل أرضاً ومدناً وجزراً يفترض أنها أرضكم ومدنكم وجزركم؟!! ولصالح من تفعلون ذلك؟!!،.. لماذا تلعبون دورَ الشماعة والذريعة والوهم؟!!، ولماذا تضللون شبابكم واتباعكم؟! أين قراركم؟! وما هي قضيتكم؟ وما هو مستقبلكم مع الله؟ ومع شعبكم ومع التأريخ ومع حتى قواعدكم؟
أما آن الأوانُ لأَنْ تستشعروا حجمَ المخاطر والمؤامرات التي تستهدفكم وتستهدفنا جميعاً؟
إننا ندعوكم كقوى أخطأت في حَـــقِّ الأهل والوطن إلى الاعتذار والتوبة ونرحب بمصالحة وطنية شاملة وبحوار داخلي شاملٍ يفضي إلى استعادة إخائنا ووحدتنا وإلى بناء يمننا القوي والغني بتأريخه وشعبه وأمجاده وبموقعه وأرضه وخيراته والمتفوق بحكمته وإيْمَـــانه وهذه يدنا ممدودة للسلام وللمصالحة بما يفضي إلى هذه المعاني وإلى وطن يتسع للجميع على أَسَاس من الشراكة والوفاق والتوافق ومناهضة الإرهاب والفساد والاستبداد، وصون السيادة والاستقلال والأمن واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه.
ثانياً: ندعو دول العدوان إلى وقف العدوان ورفع الحصار والتوقف فورا عن استهداف المدنيين والانخراط في السلام بما يعود نفعه عليهم وعلينا وعلى المنطقة والعالم ونؤكّــــد بأن عليها أن لا تراهن على كسر إرادة شعبنا اليمني العظيم وأن تدرك بأن هذه الإرادة خلقها الله جزءا لا يتجزأ من جبال اليمن لذلك عليها أن تيأس تَمَاماً من الاستمرار في طريق البغي والعدوان ولتعلم بأن استمرارها في هذا الطريق لن يعني سوى المزيد من الهزيمة والجريمة وكل تصعيدٍ سيواجَهُ بتصعيد.
وبما أن هناك دعواتٍ لعقد قمم عربية وإسْــــلَامية نتمنى أَنْ تكونَ للسلام في المنطقة واستعادة الإخاء العربي والإسْــــلَامي وأن تنأى ولو لمرة واحدة في تأريخها عن دعم السياسات الخاطئة وتعميق جراحات الأُمَّـــة وكل ما يخدم أعدائها والمتربصين بكل أبناءها وبلدانها بدون استثناء.
ثالثاً – نؤكّــــد للمجتمع الدولي حرصنا على السلام ودعمنا المستمر لجهود السلام التي تقودها الأُمَــم المتحدة ممثلة بالأمين العام ومبعوثه الخاص إلى اليمن ونشير إلى أننا قد قدمنا من التنازلات ما يكفي لإثبات هذا الحرص وهذا الدعم والتعاون وندعو جميع الدول المهتمة بالسلام في اليمن إلى الاضطلاع بدورها وتقدير ما نُبديه من حرصٍ والنظرِ إلى القوى الوطنية المناهضة للعدوان كضرورة للأمن والتوازن في اليمن والمنطقة وتقدير نضالات الشعب اليمني في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية ومناهضة الإرهاب والفساد والضغط على دول العدوان للانصياع إلى السلام ووقف جرائمها وانتهاكاتها المستمرة بحق الشعب اليمني.
رابعا – نجدد التحية لشعبنا الصامد ولأبطالنا في الجيش واللجان ولقبائلنا الوفية ونحيي رجال الأمن والسياسة والإعلام والعلماء وكل رجال ونساء اليمن ونشد على أيدي الجميع في مواصلة النضال ونبشر الجميع بما يسعدهم من نصر الله المبين والفرج القريب (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
تحيا الجمهوريةُ اليمنية.
المجدُ والخلودُ للشهداء.
الشفاءُ للجرحى.
الحريةُ للأسرى.
والنصرُ لوطننا الحبيب.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.