خمسةُ أعوام والحربُ على اليمن بكفالة غربية .. بقلم/ أنطوان شاربنتييه*
* باحث سياسي لبناني- الميادين
منذُ خمسة أعوام واليمن يواجه حرباً لا مثيل لها من ناحية العنف والإجرام. هذه الحرب التي شُنّت عليه عَمَداً كلّفت الشعب اليمني ثمناً باهظاً من الأرواح والمال وخراب البُنَى التحتية. ورغم ذلك فهذا لم ولن يزعج أياً من الدول الكبرى وخصوصاً الغربية منها، التي تدَّعي وتُجاهِر ليل نهار بحبها واحترامها لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
بل على العكس من ذلك فنرى أن العكس هو الصحيح، فها هم زعماء الدول الغربية يدعمون بشكل مُطلق التحالف السعودي الإماراتي في حربه على اليمن. ويغضّون الطرف عن جرائمه، ويدعمونه بمختلف أنواع الأسلحة الفتّاكة، كما لا يعقدون “جلسات طارئة” في مجلس الأمن الدولي لبحث ملف الإجرام السعودي في اليمن! لكن رغم هذا الدعم الغربي والأميركي المُفرط للتحالف العربي فلم تستطع السعودية ولا الإمارات إخضاع الشعب اليمني.
إن فشل قوى ما يُسمَّى بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات واضحٌ جداً، ويعود سببُ ذلك لانعدام الرؤية السياسية الجدية والاستراتيجية الواضحة لهذا التحالف. ولكن السبب الأهم يعودُ في الحقيقة إلى صمود وعزم وإصرار وقناعة الجيش اليمني واللجان الشعبية بحقه بالدفاع عن شعبه وَأرضه.
تعلِّمُنا حربُ اليمن أنه لا يمكنُ الاستخفافُ والتقليلُ من شأن شعبٍ ما، لكي تتمكّن القوى المعادية من الانتصار عليه وإخضاعه لأمرٍ واقعٍ معين. كما لا يكفي أن يكون لقوى الاستعمار والاحتلال إمكانياتٍ ماديةً، وعسكريةً وتكنولوجية متطوّرةً لكي تنتصر، والدليل أمام أعيننا في اليمن وفلسطين.
وبالرغم من كل شيء ما يزال الجيش اليمني ومعه اللجان الشعبية يسعون جدياً لإيجاد حل سياسي يوقف الحرب ويُعيد اللحمة الوطنية والوحدة بين اليمنيين. فقد صرّح رئيس المجلس السياسي اليمني مهدي المشاط في 25 آذار / مارس 2019 لجريدة الأخبار اللبنانية، إن “الجيش واللجان الشعبية ما زالت لديهما الإرادة بإيجاد حل سياسي باليمن وإحلال السلام”. كل هذا وما يزال التحالف العربي إضافة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، يتنصّلون عمداً من كل المحاولات الهادفة لإيجاد حلٍ سلمي في اليمن.
تكشف لنا الأحداث يومياً مدى مشاركة بعض الدول الغربية كالولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا وفرنسا في العدوان على اليمن. ويجب التذكير هنا بأن الكونغرس الأميركي شرّع قانوناً يمنع فيه بيع وتصدير الأسلحة الأميركية إلى المملكة العربية السعودية. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعمل حق النقض كرئيس للبلاد. مؤكّداً بذلك على عدم احترامه للقِيَم القانونية والإنسانية. وبذلك يثبت لنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرة أخرى أنه يفضّل صفقات بيع الأسلحة، والمصالح الاقتصادية والتجارية على حقوق وَكرامة الإنسان.
إحدى الحجج التي استعملها ترامب لتبرير حق النقض هي حماية المواطنين الأميركيين المُقيمين في الخليج العربي من ضربات الحوثيين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين ومتى تعرّضت المقاومة اليمنية لمواطنين أميركيين في الخليج العربي؟ وَكيف يحمي الاعتداء على اليمن المواطنين الأميركيين؟ وَهل صارت القضية قتلُ شعبٍ ما، لحمايةِ شعب آخر؟
تورّط فرنسا في حرب اليمن، لم يعد سرّاً خافياً على أحد، خاصةً بعد ما كشفته وكالة “ديزكلوز” في 15 نيسان /أبريل عن وثيقة سرية للاستخبارات الفرنسية قُدمت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولوزيرة الدفاع فلورانس بارلي، ولوزير الخارجية جان ايف لودريان تكشف بالتفاصيل استعمال السلاح الفرنسي في حرب اليمن، وتكشف بالوقت عينه الخطاب المزدوج للقادة الفرنسيين الذين نفوا مراراً وتكراراً مشاركة فرنسا بالحرب على اليمن.
الوثيقة السرّية التي كشفتها وكالة ديزكلوس تثبت أيضاً نوعية وكيفية استعمال السلاح الفرنسي ضد الشعب اليمني. وبحسب الوثيقة فهناك 48 مدفعاً من نوع زيزار موجودة على الحدود السعودية اليمنية مهدّدة حياة حوالى 450 ألف يمني. ودائماً حسب الوثيقة، هناك أيضاً 70 دبابة لوكليرك تشارك في المواجهات والعدوان ضد منطقة الحديدة، مع وجود باخرتين حربيتين فرنسيتين مشاركتين بالحصار البحري القائم على اليمن.
هذا الحصار الذي يمنع عدّة بواخر مُحمّلة بالبضائع والمشتقات النفطية من الدخول إلى اليمن عبر مرفأ الحديدة، وهو المنفذ البحري الوحيد لليمن. لكن قمّة التناقض تكمن في كلام وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي التي تشدّد على أنه “يجب أن تدخل المساعدات الإنسانية إلى اليمن”!، وتنفي بالوقت نفسه في مقابلة لها على راديو “فرانس أنتر” معرفتها باستعمال سلاح فرنسي في العدوان ضد الشعب اليمني! والسؤال للسيّدة الوزيرة: كيف يمكن أن تدخل المساعدات الإنسانية إلى اليمن في ظل الحصار القائم الذي تشارك فيه فرنسا؟.
يؤكّد القادة الفرنسيون أن الأسلحة الفرنسية التي هي في حوزة المملكة العربية السعودية والإمارات قد بيعت قبل بداية العدوان على اليمن. لكن تحقيقات وكالة “ديزكلوس” أظهرت، أنه ثمة أسلحة فرنسية قد بيعت إلى العربية السعودية والإمارات بعد بدء العدوان على اليمن، وهذا ما لم ينفه القادة الفرنسيون حتى الآن. وبذلك تحذو فرنسا حذو الرئيس الأميركي ترامب، مفضلة المصالح الاقتصادية وصفقات بيع الأسلحة على القِيَم الإنسانية، وعلى حقوق الإنسان، وعلى شعارات العيش الكريم، ضاربة عرض الحائط عملية السلام في اليمن.
سمعنا مؤخراً الرئيس ماكرون يصرّح من دون أيّ إحراج يذكر تحمّله مسؤولية بيع السلاح للرياض وأبوظبي، مؤكّداً بالوقت نفسه حصوله على ضمانات من السعوديين والإماراتيين بعدم استعمال السلاح الفرنسي ضد المدنيين في اليمن. ويبرر الرئيس ماكرون للرأي العام الفرنسي والأوروبي بالقول “إنه قادر على التحكّم وَالسيطرة عن بُعد بكيفية ومكان استعمال السلاح الفرنسي من قِبَل السعوديين والإماراتيين” السؤال الذي يطرح نفسه خصوصاً في ظل حرب شنيعة، كالتي نراها في أيامنا هذه في اليمن، إذا كان لدى الرئيس ماكرون حقاً ضمانات كما يؤكّد من قِبَل السعودية والإمارات لماذا لا يعرضها على البرلمان وعلى الرأي العام الفرنسي؟
تحرّكت مؤخّراً عدّة جمعيات فرنسية عند وصول السفينة السعودية “بحري يانون” إلى مرفأ لوهافر في منطقة النورماندي ومنعتها من دخول المرفأ لتحميل أسلحة فرنسية كانت قد تستعمل في حرب اليمن. لكن إذا ما أبعدت الباخرة المذكورة عن الساحل الفرنسي من دون أخذ حمولتها، فهل هذا يعني أن فرنسا ستتوقف عن بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟
بينما الرأي العام الفرنسي مشغول ويراقب باهتمام بالغ مسار الباخرة “بحري يانون” التي اتّجهت من فرنسا إلى إسبانيا فربما يتم إخراج السلاح سرّاً وَإرساله إلى السعودية أَو الإمارات بطريقة أَو بأخرى. ونتساءل هنا مَن سيُسهّل عملية نقل هذه الأسلحة الفرنسية وَكيف؟
فتحت الدولة الفرنسية تحقيقاً بتهمة خرق “السرّية الوطنية” وأوقفت صحافيي “ديزكلوز” على ذمّة التحقيق. بينما كان يجدر بها أن تحقّق في صحة ما أفشت به الوكالة المذكورة إلى الرأي العام الفرنسي، والعمل على وقف استعمال السلاح الفرنسي ضد المدنيين في اليمن، وَمحاولة حل هذه الأزمة!. لكن تصرّف السلطات الفرنسية يبرهن أولاً وَأخيراً أنها راضية عما يحصل في اليمن، لأسباب أتينا على ذكرها، خصوصاً أرباح صفقات السلاح. وأنها تخشى كشف المزيد من الحقائق فما زالت لديهم أشياء كثيرة يريدون إخفاءها في ملف اليمن، من هذا المنطلق يريدون إعطاء درس لكل مَن يحاول أن يفضح شيئاً ما بأن مصيره التوقيف مثله كمثل صحافيي “ديزكلوز”.
أخيراً وَحسب تحقيقات وكالة “ديزكلوز” ففرنسا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي يبرم صفقات السلاح مع ما يُسمّى بقوى التحالف ضد اليمن. فهناك أيضاً بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا ممَن يبيعون السلاح للتحالف العربي الذي يقتل الشعب اليمني، ويدمّر بلاده من دون أيّ حرج يذكر.