السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية الثامنة عشرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّــلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ الصِّيَــامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إِنَّكَ أَنْتَ التوابُ الرحيم.
نستمرُّ في الحديثِ في إطَارِ غزوةِ بدر الكبرى التي كانت من أَهَمِّ الأحداث التأريخية المهمةِ في سيرة الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) وكانت كما أسماها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهي تسمية مهمة وملفتة، وتدُلُّ على الأهميَّة الكبرى لتلك الحادثة يوم الفُرقان، فهو اليومُ الذي تأسَّسَ من خلاله عهدٌ جديدٌ وأتت به مرحلةٌ جديدةٌ في واقعِ الأُمَّــة، بل في واقع البشرية بشكل عام.
والحديثُ عن غزوة بدر هو نافذةٌ مهمةٌ للحديث عن الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) في دوره العظيم وسعيه الحثيث لإنقاذ البشرية، وفي التزاماته العملية في إطَار حركته بالرسالة الإلهية، الرسول (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) كان من أبرز اهْتِمَاماته وأَكْثَـــر أعماله الجِهَــاد في سبيل الله، العمل للتصدي للطاغوت، السعي لإنقاذ الأُمَّــة لإنقاذ البشرية لإنقاذ المستضعفين من عباد الله من الاستعباد ومن الاستغلال الذي تمارسُه كياناتُ الطاغوت وقوى الاستكبار والطغاة والمتسلّطون والظالمون والجبابرة، وبذل جهودا كبيرة في ذلك، وكان لذلك مساحةٌ واسعةٌ في أنشطته وأعماله واهْتِمَاماته، الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كلّفه بذلك وأتى إليه الأمر من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ وَاغلُظ عَلَيهِم، وَمَأواهُم جَهَنَّمُ، وَبِئسَ المَصيرُ) (التوبة: 73) ويقول له الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا) (النساء: 84)، يقولُ له اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤمِنينَ عَلَى القِتالِ، إِن يَكُن مِنكُم عِشرونَ صابِرونَ يَغلِبوا مِائَتَينِ، وَإِن يَكُن مِنكُم مِائَةٌ يَغلِبوا أَلفًا مِنَ الَّذينَ كَفَروا بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَفقَهونَ) (الأنفال: 65). وهكذا تأتي إليه التوجيهات من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وتحثه على نحوٍ واسع للتركيز على هذه المسألة بشكلٍ كبير في اهْتِمَاماته فكانت في قلب اهْتِمَاماته، في مقدمة اهْتِمَاماته العملية وأنشطته الواسعة.
عندما نتأملُ في سيرةِ رسولِ الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) وعندما نتأمل في التوجيهات في القُـــرْآن الكريم التي خاطبه اللهُ بها والتي أتت أَيـْـضًا ضمن الالتزامات الإيْمَــانية بشكلٍ عام، نجد الأهميَّة الكبيرة لهذا الموضوع بما يترتب عليه في واقع الحياة وبما يتعلق به ويرتبط به من إمْكَانية لإقامة الدين في واقع الحياة، من الالتزام الإيْمَــاني في واقع الحياة، وهذه المسألة هي من أَهَمّ المسائل التي تحتاج إلى وعي واسع لدينا؛ لأَنَّ هناك أنماطاً مختلفةً تنشَطُ في واقع الأُمَّــة الإسْـــلَامية بين أوساطِ الناس باسم الدين وتحت عنوان الدين والاهْتِمَامات الدينية والإرشاد الديني والخطاب الديني والتعليم الديني، تقدم لنا أشكالا معينة عن هذا الدين، أنماطا مختلفة من هذا الدين تفصله وفق مقاييسها ورغباتها ونظرتها الخاطئة والقاصرة.
رَسُولُ اللهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ) بعثه اللهُ رحمةً للعالمين، منقذًا مخلصاً ولكي ينفّذَ هذه المهمةَ ولكي يتمكّنَ من إنقاذ البشرية لم يكن بالإمْكَان أن يكتفيَ لتحقيقِ هذا الهدفِ الكبيرِ لمُجَــرّدِ الموعظةِ والحديث والكلام الهادئ، لا، لم يكن ذلك ليكفيَ أَبـَـدًا، كان لا بُــدَّ من اهْتِمَامات عملية تصل إلى درجة الجِهَــاد والتضحية والعناء والصبر والهجرة وتكبد المشاق، كان هذا أمراً لا بُــدَّ منه، كان هذا أمراً لا بُــدَّ منه؛ ولذلك رسولُ الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، اهتمَّ على نحوٍ واسع في التحريض كما يأمُرُه الله، حرّض المؤمنين على القتال، وحرّض المؤمنين فكانت الكثيرُ من خطاباته الكثيرُ من إرشاده الديني الكثير من نشاطه التوعوي، يصب في إطَار الاستنهاض للمؤمنين، الدفع بهم نحو الجِهَــاد في سبيل الله، لم يكن يفعل كما يفعله البعض اليوم من الذين يقدمون أنفسهم إما باسم علماء دين، أَو باسم مرشدين في الإرشاد الديني، أَو باسم خطباء في التعليم الديني، أَو معلمين في التعليم الديني، ممن يشطبون هذه المسألة بالكامل وكأنه لا أَسَاسَ لها من الدين ولا وجود لها في الإسْـــلَام بكله، وكأنها لا تحتل تلك المساحة الواسعة جِــدًّا في القُـــرْآن الكريم وفي حركة الرسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ.
رسولُ الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، كانت مساحة الاهْتِمَام بأمر الجِهَــاد، بأمرِ الحركةِ في سبيلِ اللهِ لإنقاذ المستضعفين لإنقاذ البشرية للتصدي لقوى الطاغوت والشر والإجْـــرَام كانت المساحة في اهْتِمَاماته أَكْبَــر مساحة، أَكْبَــر مساحة، في الموعظة في الاستنهاض في الأعمال المتنوعة، الأعمال التي تأتي عادة في التحضير والإعداد لعمليات عسكريّة أَو لأعمال وأنشطة ذات أهميَّة كبيرة تصب في إطَار الموقف من الأَعْـــدَاء ثم كذلك الأعمال الجِهَــادية والقتالية التي أدارها والتي حركها والتي ما بين الغزوات ما بين السرايا.
الرسولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، في الإحصاء التأريخي في السير لأنشطته العسكريّة، بلغت في فترة وجيزة في سني الهجرة النبوية، ما بين الثمانين سرية وغزوة، بل كان في كثيرٍ من أنشطته واهْتِمَاماته يحث الناس ويحرضهم ويرغبهم على نحوٍ واسع ويشتغل عمليا لإنْجَـاز الكثير من المهام والأعمال هذه والتحضير لها والترتيب لها، لدرجة أنه صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، حتى وهو في الرمق الأخير من حياته على فراش الموت وهو يتحضر للقاء الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والانتقال من هذه الحياة وهو لا يزال يرتب لعملية عسكريّة ويتابع العمل على إنْجَـازها على التحَــرّك فيها وهو يقول (أنفذوا) بعث أسامة وقد أعد جيشاً بقيادة أسامة بن زيد وهو يحثهم على سرعة الإنْجَـاز للتحَــرّك في هذه المهمة والانطلاقة فيها وهو على فراش الموت، اهْتِمَام مستمر حتى في تلك اللحظات الأخيرة من حياته -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ-.
عندما نأتي للحديث عن الجِهَــاد في سبيل الله وهو حديث بالطبع لا يرغب الكثير في استماعه، والكثير من عامة الناس وبالذات ممن تعودوا على أن يسمعوا نمطاً معيناً من الخطاب، هادئًا ولا يتحدث عن المسؤولية وعن الجوانب المهمة وعن القضايا الحساسة، ينفرون من الحديث عن هذا الموضوع ومن الاستماع لهذا الموضوع وألفوا أن يسمعوا حديثاً حول مواضيعَ عاديةٍ وصغيرة وبسيطة، ولكن هذا لا يفيدهم شيئاً، لا يفيدهم شيئًا لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا يوم القيامة، يوم السؤال يوم الحساب يوم الجزاء الذي سيحاسبُنا اللهُ فيه على المسائلِ المهمة أَيـْـضًا، على القضايا الكبيرة، على توجيهاته الكثيرة التي أتت في كتابه الكريم على ما أتى من خلال نبيه -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ-، في توجيهاته في إرشاداته في تعليمه في حركته العملية وهو القدوة وهو الأسوة، قبل أن يكون قدوتك ذلك العالم الجامد وذلك المرشد الذي هو مفرط ومقصر وعاصٍ لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتجاهل أمورا مهمة من دين الله لا نجاة إلا بها ولا فوز إلا بها، ليكن قدوتك هو رسول الله، رسول الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، الذي تنجو باتباعه والاقتداء به (لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا) (الأحزاب: 21).
عندما نأتي للحديث عن هذه الفريضة المهمة، الحديث عنها واسع وكثير ومهم في نفس الوقت فهي قبل كُــــلّ شيء حاجة إنْسَــانية، حاجة إنْسَــانية لا ننظر إليها وكأنها عبئ في التزاماتنا الدينية والإيْمَــانية وكأنها تمثل حملا ثقيلا أتى به الإسْـــلَام ومثل مشقة كبيرة علينا وكنا لولا هذا التكليف الديني وهذه الفريضة الدينية وهذا الالتزام الإيْمَــاني، كنا سنكون مرتاحين وسالمين من أعباء هذه الفريضة وهذا الحمل، هي حاجة إنْسَــانية، الواقع البشري فيه التظالم في التحديات فيه الأخطار فيه الطغاة فيه الصراع، كحالة قائمة في الواقع البشري وما من أُمَّــة من الأُمَــم إلا وعندها اهْتِمَامات عسكريّة، وسعي حثيث لتكون أُمَّــة قوية ولتمتلك القدرات والخبرات العسكريّة التي تتمكّن من خلالها من الدفاع عن نفسها، كُــــلّ البشر يعون هذا، يعون أن الواقعَ البشري فيه الصراعُ وفيه الأَطْمَاع وفيه التحديات وفيه الأخطار، وأن أية أُمَّــة هي معرضة لأَن تتعرض للخطر، هي معرضة للخطر وللتحدي من هذه الأُمَّــة أَو من تلك من هذا العدو أَو من ذلك الطرف، ولهذا يسعى البشر بمختلف أُمَــمهم بمختلف مشاربهم بمختلف أديانهم بمختلف توجهاتهم، إلى أن يكونوا أقويا إلى أن يمتلكوا القدرات العسكريّة، إلى أن يمتلكوا الإمْكَانات اللازمة للدفاع عن أنفسهم لحماية أنفسهم من خطر مؤكّــد لا بُــدَّ أن يأتي من هنا أَو من هناك، فلماذا يريد البعض لنا نحن المسلمين أن نكن في الساحة البشرية الأُمَّــة التي لا تأخُذُ بعين الاعتبار هذا الخطر هذا التحدي الذي هو أمر واقعي أمر واقعي في الحياة؟ هل تقبل الصين هل تقبل الهند هل تقبل اليابان هل تقبل أمريكا هل تقبل أوروبا هل تقبل أية دولة أَو أُمَّــة من الأُمَــم أن تكون أُمَّــة لا تمتلك أية قدرات عسكريّة ولا أي اهْتِمَامات عسكريّة ولا أي قدرات لتكون أُمَّــة قوية ليس فقط عسكريّة قدرات متنوعة تساعدها لتكون أُمَّــة قوية تواجه الخطر تواجه العدو أياً كان هذا العدو؟
هذه مسألةٌ طبيعيةٌ في واقع الحياة وضمن الاهْتِمَامات البشرية عبر التأريخ بكله عبر التأريخ بكله، يوم كانت القدرات العسكريّةُ تتمثل بالسيف والرمح والسهم والقوس والوسائل الأولية تلك، كانت تدريبات على نمط معين من القتال بتلك الوسائل، كانت هذه مسألة قائمة في الواقع البشري عبر التأريخ بكله، واليوم تطورت المسألة إلى حَدٍّ كبيرٍ جِــدًّا واتجهت تلك الأُمَــم وتلك الشعوب إلى أن تمتلك قدرات متطورة، وتقنيات حربية وعسكريّة متطورة، ويستمر التسابق في ذلك، والواقع الإسْـــلَامي واقع المسلمين هو الأضعف في ظل اهْتِمَامات بقية البشر، بقية الأُمَــم، الآخرون هم أَكْثَـــر اهْتِمَاماً منا نحن المسلمين، أَكْثَـــر اهْتِمَاما أن يعدوا ما يستطيعون من قوة، أن يسعوا لامتلاك القدرات الكبيرة والمتطورة والتقنيات العسكريّة الهائلة والمتطورة والجيوش المنظمة والمدربة، بل على مستوى ساحتنا الإسْـــلَامية والعربية، إسرائيل هي الأَكْثَـــر اهْتِمَامًا على المستوى العسكريّ، اليهود يحرصون على أن يهتموا اهْتِمَاما كَبيراً جِــدًّا، لدرجة أنهم يحرصون على أن يكون هذا الاهْتِمَام شاملًا ليس فقط على مستوى الجيش العسكريّ إنما على المستوى العام لديهم، لدرجة أن لديهم تمارينَ ولديهم مناوراتٍ شاملةً حتى للأطفال والنساء، في التعامل مع الظروف العسكريّة مع الخطر العسكريّ مع التهديد العسكريّ، أما الاهْتِمَام الأمريكي والاهْتِمَام الأوروبي واهْتِمَام تلك الدول التي ترسل إلينا المنظمات التي تقول لنا دَائِمًا وأبداً أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــةً وديعةً تترك العنف ولا تقتني السلاح ولا تتجه إلى أن يكون لديها أي قدرات عسكريّة ولا تلتفت إلى أن تكون أُمَّــة قوية، ويحاولون أن ينتزعون منا القوة حتى قوة النفس حتى قوة المشاعر، وأن يعملوا على تدجيننا حتى نكون أناساً وديعين، نعيش حالة الضعف حتى على المستوى النفسي.
أولئك هم الذين يتسابقون دَائِمًا لتطوير قدراتهم العسكريّة، وإمْكَاناتهم العسكريّة ليس فقط القدرات للحماية والدفاع وإنما القدرات التي تمكّنهم من استعمار بقية البلدان والسيطرة على بقية الأُمَــم.
في ظل هذا الواقع البشري الذي فيه أشرار فيه أَطْمَاع فيه صراع فيه تحديات فيه أخطار مؤكّــدة فيه تنافس فيه سعي حثيث من أطراف كثيرة لبسط نفوذها والسيطرة على الآخرين والاستعباد لهم والظلم لهم والاستغلال لهم بالاستناد إلى قدراتها العسكريّة يعتبر الجِهَــاد في سبيل الله وسيلة ضرورية وحاجة إنْسَــانية، نحتاج إلى ذلك لحماية أنفسنا؛ لأَنَّنا إن لم نمتلك قدرات عسكريّة ولم نكن أصحاب اهْتِمَامات عسكريّة، لم يكن لدينا تركيز على أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــة قوية، سيسحقنا الآخرون يستذلنا الآخرون يستعبدنا الآخرون يطمع بنا الآخرون، إِذَا لم نمتلك قوة تردع الآخرين عنا تجعلهم ينظرون إلينا إلى أن لدينا المنعةَ والقدرة والقوة وأننا أُمَّــة في حالة من الجهوزية للدفاع عن أنفسنا ودفع الخطر عن أنفسنا، يطمع بنا الآخرون، ويرَون فينا فريسة سهلة وهذا ما حذر منه الرسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، عندما قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأُمَــم كما تتداعى الأكلة على قصعتها) تتداعى الأُمَــم الأُخْــرَى من أصقاع الأرض، الكل يطمعون بكم، الكل يركزون عليكم، الكل يرون فيكم فريسة سهلة، يرون فيكم مغنما كَبيراً في أرضكم في ثرواتكم في مقدراتكم حتى فيكم كثروة بشرية فيأتي إليكم الآخرون من شتى أقطار الأرض وهم يطمعون بكم وكأنهم يتقدمون على وجبة من الطعام (كما تتداعى الأكلة على قصعتها) وكأنكم قصعة دسمة ومائدة مغرية يتنافسون عليكم ويتزاحمون عليكم أليس هذا هو الذي يحصل؟ ألا يتزاحم علينا الآخرون اليوم؟ ألا يتزاحم الأمريكي، البريطاني، الفرنسي، الروسي، الصيني؟ كُــــلّ الأُمَــم الأُخْــرَى يرون فيكم مغنما وإن كان الأبرز في هذا التداعي هم الأمريكيون والأوربيون أَكْثَـــر من غيرهم، يتداعَون عليكم، تعالوا، تعالوا هناك أُمَّــة سهلة، ثرواتها هائلة، وهي في واقعها في حالة من الضعف والشتات، لا تمتلك المنعة لتواجه بل ستجدون من داخلها من يعينكم، فيتداعون، قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ هل طمعهم إلى هذه الدرجة بنا وتساهلهم لنا وتداعيهم علينا بسبب القلة؟ قال: (أنتم يومئذٍ كثير)، وفعلا نحن اليوم كمسلمين أَكْثَـــر من مليار مسلم، بينما إسرائيل هناك ستة ملايين أَو أقل أَو أَكْثَـــر بقليل، (أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل).
عندما تكون الأُمَّــةُ بلا منعة بلا قدرة، بلا قوة بلا جهوزية تكون غثاء كغثاء السيل، كذلك الهشيم، كذلك الذي يحمله السيل من حُطام هذه الأرض، من حطام النبات ومما يجرفه من المهترئ من النباتات والأشجار كغثاء السيل، (ينزع الوهن من قلوب أعدائكم ويلقى في قلوبكم)، قيل وما الوهنُ يا رسولَ الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهيتكم الموت).
أُمَّـــةٌ مرعوبة، أُمَّــة خائفة، أُمَّـــةٌ بمُجَــرّدِ أن تذكرَ على مسامع البعض منها هذه المسائل المهمة، يتهربون حتى من سماع الكلام، لهذه الدرجة من الذعر والوهن والتهرب من المسؤولية والتنصل عن المسؤولية، يتهرب البعض حتى من سماع الكلام حول هذه المواضيع، فالحالة حالة خطيرة علينا، ونحن سنظلم أنفسنا كمسلمين وسنجعل من أنفسنا أدنى حتى من بقية الأُمَــم والشعوب الموجودة على هذه الأرض، سنكون في هذه الدنيا الأضعف، الأذل الأَكْثَـــر قهراً واستعباداً، الساحة التي يطمع بها الآخرون ويتزاحم عليها الآخرون ويتنافس عليها الآخرون، إن لم نركزَ على هذه الفريضة المهمة، إن الله يقول: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (البقرة:251). لفسدت الأرض، لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، عندما نتجاهل سنن الله في عباده، ونأتي لنحاول أن نبني حياتنا على أَسَاس من الأفكار الخاطئة التي قد يجرنا إليها البعض من الجبناء والبعض من الأغبياء والبعض من الناس غير الواقعيين، والبعض من الذين يعملون أصلا لصالح الأَعْـــدَاء، ويريدون لنا أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــة مدجنة، لا تمتلك القوة للدفاع عن نفسها ولا لحماية نفسها ولا لدفع الخطر عن نفسها، من الذين لا يلتفتون لا إلى القُـــرْآن ولا إلى الرسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، في موقع القدوة، فالمسألة هي حاجة إنْسَــانية، لا بديل لها، لا بديل لها، ليس هناك وسيلة تجعل منا أُمَّــة ضعيفة ولكن في نفس الوقت لا خطورة عليها من أي طرف في هذه الأرض، لا وسيلة أُخْــرَى، الله يقول -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 243-244).
قاتلوا، لا تتصرفوا على هذا النحو، خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ، ألوف، لديهم إمْكَانية أن يكونوا قوة لحماية أنفسهم وأن يشكلوا قوة للدفاع عن أنفسهم، فكانت الوسيلة التي اعتمدوها، التنصل عن المسؤولية والهروب، وفي النتيجة ما الذي وقعوا فيه، لقنهم الله درسا مهما، أماتهم، وهم خرجوا من ديارهم حذر الموت، فهي حاجةٌ إنْسَــانية وهي مسألة واقعية والواقع البشري قائم على أَسَاسها، ثم هي فريضةٌ إيْمَــانيةٌ إلزاميةٌ كما الصيام قال عنه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) (البقرة: 183)، كما الصلاةُ فريضةٌ من الفرائض الدينية، كما بقية الفرائض، هذه فريضة من أَهَمّ الفرائض الدينية، ولهذا يؤكّــدُ عليها اللهُ في القُـــرْآنِ الكريم بكل العبارات الإلزامية بكل الصيغ التي تجعلُ منها فريضةً تمثل جزءاً من الدين نفسه، جزءاً من الالتزامات الدينية والإيْمَــانية، جزءاً من الواجبات، جزءاً من العمل الصالح، في كثير من العبارات، وفي كثير من التوجيهات وفي كثير من الصيغ التي قَدمت لنا في القُـــرْآن الكريم وعن طريق الرسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، هذه الفريضة، ولهذا يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في القُـــرْآن الكريم (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) (البقرة: 216). كتب، ما معنى كتب؟ يعني فُرض هذه فريضة مثلما قال كتب عليكم الصيام، هذه فريضة مكتوبة إلزامية (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) (البقرة: 216). وهذه الكراهية ما هي سببها؟ سوء الفهم، النظرة الخاطئة، ولهذا قال الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216). فهي فريضة من فرائض الله التي لا بُــدَّ منها في أن تكون مؤمنا، لا يمكن أن تحصل على هذه الصفة بمصداقية فتكون من المؤمنين الصادقين وأنت مُخِلٌّ بهذه الفريضة، وأنت لا تقبل بهذه الفريضة وأنت تتنصل عن هذه الفريضة بغير عذر، ولهذا يؤكّــد الله هذا في القُـــرْآن الكريم في آيات كثيرة، عندما قال -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111). إن الله اشترى من المؤمنين، إِذَا أنت تريد أن تكون من المؤمنين فلا بد لكي تكون من المؤمنين أن تكون على هذا النحو، أن تبيع من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن تدخل في هذه الصفقة ما بينك وبين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
عندما نجد في الآيات المباركة الحديث عن هذه الصفة كصفة تعبر عن المصداقية، عن مصداقية الانْتِمَاء الإيْمَــاني، وقد رد الله على الأعراب يوم قالوا آمنا، (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات: 14). ما الذي كان يعبر، أَو ما الذي كان يدل على مصداقية أن تقول آمنا؟ قال الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات: 15). هم الصادقون، فلكي تكون من المؤمنين ولكي تثبت مصداقية انتمائك الإيْمَــاني لا بُــدَّ من هذه الفريضة، هي جانب أَسَاسي في التزاماتك الدينية والإيْمَــانية، إِذَا شطبتها وتنصلت عنها وتهربت منها فهذا يدل على أنك لا تعيشُ حالة الإيْمَــان، أن الإيْمَــان لم يصل بعد إلى قلبك، ما الذي يدفعك إلى أن تتنكر لهذه الفريضة التي وردت بها أوامر الله وتوجيهات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟ ثم هي فريضة ذات أهميَّة كبيرة جِــدًّا، أَوَّلاً في مرتكزاتها الإيْمَــانية؛ لأَنَّها هي التي من خلالها تتوفر العناصر الإيْمَــانية اللازمة بما لا يتوفر في غيرها، متطلباتها الإيْمَــانية ذات أهميَّة كبيرة جِــدًّا، هذه الفريضة لكي نقوم بها نحتاج إلى أن ننمي في أنفسنا حالة الخشية من الله والخوف من الله والمحبة لله والرغبة فيما عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، حتى تكون هذه الحالة الإيْمَــانية النفسية التي موطنُها القلب ومحلّها النفس، حتى تكون حالة راقية تتفوق على كُــــلّ الحالات المؤثرة سلباً، عندما تتنصل عن هذه المسؤولية فهناك عائق، هناك مشكلة تعيشها أنت، هذه المشكلة قد تكون نقصاً في محبتك لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أنت تُحب أشياءَ أُخْــرَى أَكْثَـــرَ من محبتك لله، وهذا أقعدك عن القيام بهذه المسؤولية، أَو أنت تخاف من الآخرين بأَكْثَـــر من خوفك من الله، إنْ قصّرت وإنْ عصيت وإن أهملتْ وإن تنصلت عن واجباتك التي أمرك بها، ولهذا يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24).
حالةٌ غيرُ إيْمَــانية، عندما تكونُ علاقتُك وارتباطاتُك الأُخْــرَى تفوقُ علاقتَك بالله، تفوق محبتك لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وتؤثّر عليك في مدى الاستجابة لتوجيهات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، عندما تكون حالة الخوف من الآخرين هي التي أقعدتك، أثّرت عليك، دفعت بك إلى التنصّل عن المسؤولية، الله يقول: (أَتَخْشَوْنَهُمْ، فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (التوبة:13). (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران:175).
وهكذا نجدُ أن الموقعَ لهذه الفريضة في سلّم الالتزامات الإيْمَــانية وفي الموقع الإيْمَــاني هو موقعٌ مهم، موقعٌ مهم، لا بُــدَّ فيه من تنمية الحالة الإيْمَــانية حتى تكون حالة واقعية، حالة صحيحة، حالة مؤكّــدة، حالة موجودة بالفعل فيما يؤهلك للنهوض بهذه المسؤولية، وأَدَاْء هذا الواجب وأَدَاْء هذه الفريضة، ولهذا تبقى أيضاً محكاً للاختبار.
الكثيرُ من الناس قد يُقدّم نفسَه مؤمناً ومن أعظمِ المؤمنين، ولكن فيما إِذَا كانت الالتزامات الإيْمَــانية والدينية محدودة وبسيطة، ولا تلامس أشياءَ مهمةً بالنسبة له، ولهذا حين قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (التوبة:16).
أم حسبتم أن تتركوا يعني لا يمكن، لا يمكن أن تُتركوا من هذا الاختبار الذي هو أَهَمّ اختبار يكشف مدى إيْمَــانكم، مصداقيتكم في الانْتِمَاء الإيْمَــاني، لا بُــدَّ من هذا الاختبار، الاختبار في الموقف، في مواقفكم في ولاءاتكم في اتجاهاتكم العملية في إطَار الموقف العملي.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (التوبة:16). ونحن في واقعنا الإسْـــلَامي يجب أن نمتلك هذا الوعي، أن نمتلك هذه النظرة القُـــرْآنية، ماذا يريد البعض بعد القُـــرْآن ليعرف، ليعرف الحقيقة؟ ليعرف الواقع؟ ليعرف عندما يأتي البعض ليتخاطب معه باسم الدين، باسم الإيْمَــان، باسم التعليم الديني باسم الإرشاد الديني، ثم يراهم بعيدين كُــــلّ البعد حتى عن مُجَــرّد الحديث عن هذه الفريضة وعن هذه المسؤولية؟ ليعرف أن الله قد فضحهم؟ هذا تقييم إلهي، الله هو الذي يُبيّن، الله هو الذي يُميّز، ويقدّم المواصفات التي توضح وتبيّن وتكشف، (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران:179).
فبماذا يميز الخبيث من الطيب؟ بماذا يكشف لنا الخبيث من الطيب، في واقع الانْتِمَاء الإيْمَــاني، من خلال هذه الفريضة، من خلال هذا الواجب العظيم المهم، من خلال الاختبار في الموقف، ما هو موقفك؟ أين هو ولاؤك؟ ما مدى اهْتِمَامك بهذه الفريضة العظيمة والمهمة؟ والبعض يبقى أصم وأبكم، لا يعي، لا يفهم، لا يدرك، لا يستفيد حتى من آيات الله التي هي فرقان تفرق، تفرق لك، لا تبقى تعيش حالة الالتباس، لا تبقى إمعة، لا تبقى خاضعا للتأثير من هذا أَو ذاك ممن يأتي تحت أي عنوان ليثبطك أَو يقعدك أَو يدفع بك نحو التخاذل هذه الفريضة العظيمة، هي ذات فوائد كبيرة ومكاسب عظيمة ولهذا عندما نأتي إلى موقعها من الفضل والأجر، الإيْمَــان والعمل الصالح هو قربة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، نحظى من خلاله بالأجر بالفضل، نرجو به رحمة الله، نرجو به الجنة، نرجو به المغفرة، نرجو به الفضل عند الله، والأجر العظيم من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، هذا ما نتربى عليه كمؤمنين كمسلمين، هذا ما نتثقف به، هذا ما نكسبه من التعليم الديني والخطاب الديني والإرشاد الديني، أَنْ نَكُــوْنَ من أهل الرجاء أن نرى في العمل الصالح قربة نكسب بها الخير عند الله، الفضل عند الله، الأجر من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لأَنَّ الله غني عنا وعن أعمالنا نحن من نستفيد من العمل ولهذا يقول الله: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) (فصلت: 46). يقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أيضا: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 6).
في موقع القربة والفضل والأجر نجد أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقدم إلينا هذا العمل وهذه الفريضة باعتبارها من أعظم الأعمال قربة عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهي العبارة التي أتى بها في القُـــرْآن الكريم لتقدم لنا صورة تقريبية عن عظيم فضل هذا العمل وكبير أجره عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عندما قال الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الصف:10). هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ؟ الحديث في الأجر والحديث عن الفضل والحديث عن المكاسب التي يمكن أن نحصل عليها من خلال هذا العمل لم يعد حديثاً فقط عن أجر وإنما عن تجارة؛ يعني فكر لو كان جزاؤك على عمل معين هو أجرة، أجرة على عمل معين أَو يقال لك عندما تنجز عملاً معينًا سأعطيك عليه أجراً بمقدار كذا، أما هذا العمل فالله يقول لنا تجارة، جزاؤه تجارة وأي تجارة، أعظم تجارة بأَكْبَــر مكاسب يمكن أن تتحقّـــق للإنْسَــان في حياته في هذه الحياة يعني ليس هناك أية تجارة على الإطلاق يمكن أن يتحقّـــق من خلالها مكسب للإنْسَــان وتتحقّـــق للإنْسَــان من خلالها ما يتحقّـــق له من هذه التجارة التي دل عليها من؟ الله الغني الحميد ذو الفضل العظيم، الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قد يمثل العرض من غني وتاجر كبير، يعرض عليك أنت وبالذات إِذَا كنت فقيرًا ونحن كبشر فقراء إلى الله، فقراء إلى رحمته، لا نمتلك إلا ما أعطانا وأنعم به علينا وتفضل به علينا، قد يمثل العرض عليك من تاجر كبير وثري مشهور بالثروة، قد يمثل عرضاً مغرياً وتتفاعل معه وتنشد إليه، عندما يقول هل أدلك على عمل تكسب من خلاله أرباحاً كبيرة أَو أعطيك أنا من خلاله مكاسب كبيرة؟ وقد تتفاعل إِذَا كانت المسألة أَكْبَــر من هذا، دولة مثلاً ذات إمْكَانيات كبيرة، وقدرات وثروة هائلة، أما الذي يقدم هذا العرض فإنه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الصف:10). أول مكاسبها النجاة من عذاب الله، تكسبُ هذا المكسبَ العظيم، وأنت أحوج إليه، أحوج ما تحتاج إليه كلٌ منّا بحاجة إلى أن يسعى لما يدفع عن نفسه عذاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، العذاب في الدنيا والعذاب في الآخرة، (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف:11) ذلكم خيرٌ لكم فيه خير لكم، وما وراء الخير إلا الشر، إِذَا لم نقبل ما به الخير ليس البديل عنه إلا الشر، وفعلاً الذين يعطّلون هذه الفريضة من الأُمَــم والشعوب أَو من الأقوام، ما الذي ستكون النتيجة؟ أن يكونوا في حالة من الضعف أول ما يواجهون تحدياً أَو خطراً كبيراً يكونون لقمةً سائغة وفريسةً سهلة، يُسحقون ويضطهدون ويُظلمون ويُقهرون بلا منعة بلا قوة، (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (الصف:11-12) أوليس هذا مكسباً كبيراً؟ كلٌ منّا أثقلته الذنوب، كلٌ منّا أثقلته ذنوب الماضي، إما التقصير فيما قصّر فيه وهذه من الذنوب السائدة والمنتشرة بشكلٍ كبير والتي يتهاون بها الكثير من الناس، الذنوب التي هي بشكل تقصير في واجبات ومسؤوليات وأعمال مهمة نحن مُلزمون بها في ديننا، أَو الانتهاك لمحارم الله والتجاوز لحدود الله، وهي قضية خطيرة، كم لها من تأثير على الإنْسَــان في نفسيته في علاقته بالله فيما يحظى به من رحمة الله، وكم تشكل من خطورةٍ كبيرةٍ عليه في الآخرة، ما الذي يمكن أن يوصل الإنْسَــان إلى جهنم؟ إلا الذنوب، هنا يقول: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا، نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف:11-13). الحديث عن هذه الفريضة وعن هذا الأمر العظيم في ميزان القربى والأجر والفضل هو حديثٌ واسع، كم في القُـــرْآن الكريم من آيات، من ترغيب كبير الذي يُقدّم كعرضٍ عليك هو الجنة بكلها، الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الحياة الدائمة والأبدية، إغراءات كبيرة لا يمتلكها أي أحد في هذه الدنيا، الكثير من الناس يُهلكون أنفسهم في خدمة الباطل في صف الطاغوت من أجل الحصول على أشياءَ تافهةٍ، أموالٍ قليلةٍ أَو مكاسبَ محدودةٍ، أما هنا فمكاسب عظيمة جِــدًّا مع الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
ولهذا مما يقرِّبُ لنا المسألة هذه في موقع هذه الفريضة بين سائر الأعمال ما روُي عن رسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، عندما قال: (لَنَوْمَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً بين أَهْلِكَ، تَقُومُ لَيْلَكَ لاَ تَفْتُرُ وَتَصُومُ نَهَارَكَ لاَ تَفْطِرُ) هذا هو موقع العمل في سبيل والجِهَــاد في سبيل الله، أن النومة، النومة فيه – دعك من العمل المباشر- لها هذا الفضل أفضل من عبادة ستين سنة في أهلك، في أهلك وهذه عبادة تكون بشكلٍ مكثّف، تقوم ليلك لا تفتر، الليل تُحييه بالعبادة، وتصوم نهارك لا تفطر ولستين سنة، النومة في سبيل الله تكون أفضل من هذا بكله في ميزان الأجر والفضل والقرب إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
هذا العملُ العظيمُ وهذا الأجرُ الكبير نحصلُ عليه من خلالِ الجِهَــاد في سبيل الله، الذي نحن بحاجة إليه لكي نكون أُمَّــةً قوية، المسألة التي نحن بحاجة إليها نُظّمت في الواقع الإيْمَــاني؛ لأَنَّ الدين والإسْـــلَام والإيْمَــان هو تنظيم لحياة الإنْسَــان، وإعادة ترتيب للأَدَاْء في هذه الحياة وللعمل في هذه الحياة وتصحيح للدوافع، للنوايا، للتوجهات، للمواقف، للأعمال، ونظمْ لمسيرة حياة الإنْسَــان والأشياء التي لا بُــدَّ منها في الحياة، تأتي في الواقع الديني ضمن الالتزامات الدينية ومضبوطةً بضوابطها، وهذا هو الفارق، هذا هو الفارق، كُــــلّ الناس في الدنيا سيسعون بمختلف أُمَــمهم وشعوبهم إلى أن يكون لهم قدرات وقوة لحماية أنفسهم، فطرة فطرهم الله عليها.
في الواقع الديني والإيْمَــاني تأتي هذه المسألة ضمن ترتيب ضمن ضوابط ضمن مبادئ، وبشكلٍ عظيمٍ جِــدًّا، يتوفر فيها من عناصر القوة ما لا يتوفر لدى الآخرين، معك إضافات مهمة في الجِهَــاد في سبيل الله تساعدك على أن تمتلك أقوى طاقة معنوية، وأن تحظى برعاية من الله وأن تحظى بنصرٍ من الله وتأييد من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) (مُحَمَّــد:7). ثم أن تُضبط لك أعمالك وتصرفاتك بضوابط أَخْــلَاقية وإيْمَــانية وتشريعات إلهية تقف فيها عند حدودها وتلتزم بها في الممارسة في التصرف في العمل في الموقف، لا تستخدم هذه القوة هذه القدرة في الظلم، في الطغيان، لا تتجاوز بها الضوابط الشرعية والأَخْــلَاقية والإنْسَــانية، وتحظى بدافعٍ معنوي كبير جِــدًّا وفي نفس الوقت تحظى برعاية ونصر وتأييد من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، تعيش حالة الاطمئنان والشعور بمعيّته، أنك مع الله، والله معك، وفي نهاية المطاف أمرٌ أنت تحتاجُه، كإنْسَــانٍ كَأُمَّــةٍ كشعبٍ كبلدٍ، تحتاجُ إليه وإلا كنتَ عرضةً للظلم والقهر والإذلال والاستعباد.
نكتفي بهذا المِقْدَارِ، وَنَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..