صياغة وعي مفاهيمي جديد وتوجيه رسائلَ سياسيّةٍ جديدة .. بقلم/ إبراهيم الهمداني
تمر الذكرى الـ٢٩ لقيام الوحدة اليمنية في ظل واقع مرير ومأساة إنْسَــانية كبرى ناتجة عن الاستهداف العالمي للشعب اليمني في كل جوانب حياته، من خلال العدوان الإجرامي البربري الغاشم، الذي تقوده أمريكا وإسرائيل وتنفذه مملكة آل سعود وأخواتها من ممالك النفط الطارئة، حيث سعى ويسعى هذا العدوان للنيل من اليمن أرضاً وإنْسَــاناً، مستهدفاً الإنْسَــان والتأريخ والجغرافيا والانتماء والهوية اليمنية الأصيلة، ولم تكن الوحدة اليمنية – سواءً في سياقها المفاهيمي أو الإنجازي – بمنأى عن ذلك الاستهداف العدواني الممنهج، فقد اُستهدفت من محورين:
الأول:- المحور الجغرافي، من خلال احتلال دول العدوان لمعظم المحافظات الجنوبية، وبسط النفوذ والسيطرة الإماراتية والسعودية عليها، وتجريد أبناءها من أدنى مظاهر السيادة والاستقلال.
المحور الثاني:- سياسيّ، عمدت فيه قوى العدوان إلى تنصيب عملائها ومرتزقتها في مواقع قيادية وسياسيّة، وجعلها هي من تمثل الجنوب وتتحدث باسمه، في إقصاء وتهميش وإلغاء متعمد للقيادات المجتمعية والسياسيّة الوطنية الشريفة.
في الجانب المقابل تظل الوحدة أَسَاساً راسخاً ومبدأً لا يمكن التنازل عنه لدى القيادات السياسيّة والمجتمعية في شمال الوطن، حيث أطل الرئيس مهدي المشَّاط في الذكرى ال٢٩ لقيام الوحدة اليمنية على جماهير الشعب اليمني، منوهاً في خطابه بهذه المناسبة، إلى تزامن هذه الذكرى مع طبيعة الواقع المرير الذي يعيشه الشعب، والعدوان الإجرامي الغاشم في ظل الصمت والتواطؤ الدولي، وطبيعة التحديات والمؤامرات والمخاطر الكبيرة، والمشاكل والآثار الكارثية التي تسبب بها تحالف العدوان الصهيوسعوأمريكي، على الشعب اليمني بأكمله شماله وجنوبه.
رَكَّز الخطاب على تصحيح السياق المفاهيمي والرؤيوي، الذي ساد عملية التعاطي مع الوحدة كمفهوم وكمنجز، حيث يؤكّـــد الرئيس المشَّاط ان الوحدة اليمنية – مفهوماً ومنجزاً – اُغتيلت بوضعها في قالب الشخصنة، حيث تم اختزالها في بعدٍ شخصي، ونُسبت إلى ذات الشخص، فأصبح هو الوحدة، والوحدة هو، ومن ذلك المنطلق تم التعامل مع الوحدة قبولاً ورفضاً.
فالمزايدون جعلوا الوحدة موضوعاً لمزايداتهم، ووسيلةً لتحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية، كون الوحدة هي منجز زعيمهم وكبيرهم، وقد تحققت بفضله وإرادته وجهوده، بينما رأى المعارضون أن الوحدة تحولت إلى مغنمٍ شخصي، ومغرمٍ شعبي، وان هذه الوحدة لم تجلب إلا المزيد من الأزمات والظلم والضياع والسلبيات، التي تراكمت من بعد تحقيقها مباشرة، وهؤلاء أيضاً وقعوا في فخ الشخصنة، حيث أخضعوا الوحدة لمحاكمة قاسية، وحملوها كل أوزار وسلبيات ذلك الشخص الذي نُسبت إليه، ولذلك لم يكن رفضهم للوحدة لذاتها، وإنما من منطلق رفضهم لذلك الشخص وسياسته الفاشلة وتخبطه وعنجهيته وتفرده بالقرار.
إن تقديم الوحدة في إطار منظور الشخصنة الضيق، قد حولها من منجز وإرَادَة وحلم شعبي جماهيري، إلى لعنة وكارثة على الشعب، نتيجة لما تم تحميلها من السلبيات والسياسات الشخصية الفاشلة، وذلك ناتج عن تغييب الشعب الصانع الحقيقي لكل المنجزات الوطنية، وتغييب وتهميش دور الإرَادَة الشعبية والتمحور حول الشخصنة والمصالح الذاتية.
يتبنى الرئيس المشَّاط مفهوماً حقيقياً للوحدة بوصفها إنجازا جمعيا ومسئولية جمعية أيضاً، فالوحدة هي الشعب، والشعب هو صانع كل المنجزات، ومشروعية الأحزاب والقوى الوطنية مرهونة بتحرر السياسيّين من التبعية والارتهان للخارج، بعيداً عن القولبة الذاتية والمصالح الضيقة، وفي هذا السياق ينبه الرئيس المشَّاط القوى والأحزاب التي تقف في صف العدوان، أن تراجع مواقفها وتعيد حساباتها، وأن تجعل الشعب معياراً ومقياساً لكل مواقفها؛ لأَنَّ انحيازها إلى صف العدوان ضد الشعب، لا يُفقدها حاضنتها الشعبية فقط، وإنما مشروعيتها الوجودية على أرض الوطن، ويصيبها بمزيدٍ من الخزي والعار والضياع والسقوط.
في رسالته الأولى يؤسس الرئيس المشَّاط لمفهوم وحدوي إنْسَــاني وشمولي، يعمق حقيقة الإخاء بين أبناء الوطن الواحد، انطلاقاً من صلات الرحم والقربى والهوية والانتماء والثقافة والتأريخ والحضارة والماضي الواحد والمستقبل والمصير المشترك، مؤكّـــداً أهمية تعزيز روح الأُخوّة الإنْسَــانية بمفهومها الشامل، كون ذلك هو الصورة الحقيقية والتجسيد الفعلي للوحدة اليمنية، وصولاً إلى الوحدة العربية والإسْــلَامية الشاملة، الأمر الذي يؤكّـــد أن الوحدة هي الإنْسَــان شعوراً ومسئوليةً، وليست فقط الجغرافيا، ليصبح المجتمع قوة لا تقهر في مواجهة تحالف العدوان وجرائمه ومخططاته الاستعمارية، التي تهدف إلى النيل من وحدة وقوة الشعب اليمني الواحد، وتمزيق أواصر المجتمع وتفتيت عراه.
حملت الرسالة الثالثة بُعداً سياسيّاً دولياً وإقليمياً، تمثل في دعوة الرئيس المشَّاط لدول العدوان بوقف عدوانها ورفع حصارها واستهدافها للمدنيين، وإن عليهم الانخراط في السلام القائم على الندية والسيادة، وان رهانهم على كسر إرَادَة الشعب اليمني العظيم هو رهان خاسر لا محالة، مُشيراً إلى أن هناك دعوات لعقد قمم عربية وإسْــلَامية، متمنياً أَنْ تَكُوْنَ من أجل إحلال السلام في المنطقة، واستعادة الإخاء العربي والإسْــلَامي.
في الرسالة الثالثة يؤكّـــد الرئيس المشَّاط حرص اليمن ودعمه المستمر لجهود مباحثات السلام التي تقودها الأُمَم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن، مؤكّـــداً على ما قدمه أبناء الشعب اليمني من تنازلات كافية لإثبات حرصهم على السلام، ووقف جرائمها وانتهاكاتها المستمرة بحق أبناء الشعب اليمني.
في رسالته الرابعة جدد الرئيس المشَّاط التحية والإجلال والتقدير والامتنان لأبطال الجيش واللجان الشعبية المرابطين في الجبهات، وللقبائل اليمنية الوفية، ولكل أبناء الشعب اليمني الصامد رجالاً ونساءً، مؤكّـــداً على أهمية تكاتف جميع أبناء الشعب لتعزيز حالة الصمود في وجه العدوان، مُبشراً الجميع بما يسعدهم من نصر الله المبين والفرج القريب بإذن الله العلي القدير.