السيد عبدالملك الحوثي في خطابه بذكرى استشهاد الإمام علي:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّــلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ الصِّيَــامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إِنَّكَ أَنْتَ التوابُ الرحيم.
ذكرى استشهادِ أميرِ المؤمنين علي بن أبي طالب -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هي ذكرى لأعظم نكبة نُكِبَتْ بها الأُمَّـــةُ الإسْــلَاميةُ من بعدِ وفاةِ رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ).
الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- فيما يعنيه لنا كمسلمين في كماله الإيْمَــاني العظيم وفيما يعبر عنه في الإسْــلَام كامتداد أصيل وامتداد عظيم لحركة الإسْــلَام لحركة الهداية في الأُمَّـــة كامتداد أصيل يعبر عن الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، في مواصلة العمل على هداية الأُمَّـــة وقيادة الأُمَّـــة من موقعه الذي عبر عنه الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، في حديثه المشهور بين الأُمَّـــة (أنتَ مني بمنزلة هارونَ من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي) والإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- فيما نتج عن استشهادِه من تأثيراتٍ خطيرةٍ في واقع الأُمَّـــة مكّنت حركةَ النفاق من الوصول إلى مقاليد الحكم والسيطرة على شؤون هذه الأُمَّـــة بكل ما ترتَّبَ على ذلك من كوارثَ كبيرةٍ وانحراف رهيب لمسارِ أمتنا الإسْــلَامِية؛ فلذلك كانت نكبةً عظيمةً للأُمَّـــة وعندما شبَّهَ الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، قاتِل َالإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بعاقر الناقة ناقة نبي الله صالح في ثمود فكان بالفعل تشبيهاً دقيقاً؛ لأَنَّ قاتِلَ الإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- جلب الشقاء على هذه الأُمَّـــة وغيب عن الساحة الإسْــلَامية شخصية كانت تُمَثِّــلُ الضمانةَ لاستمرارية حركة الإسْــلَام بشكل صحيح وبشكل كامل.
الأُمَــمُ بكلها تحتفي وتمجِّـــدُ عظماءَها وقادتَها وصانعَ الأمجاد فيها ولكل أُمَّـــة من الأُمَــم قادتها الذين تتأثر بهم تنتمي إليهم، تعتبرهم أصحابَ إسهام أساسي في بنائها وأصحاب إنجازات كبيرة في واقعها فهي تحتفي بهم وهي تتأثر بهم بأفكارهم بمواقفهم بتضحياتهم بأدوارهم وترتبط بهم من موقعِ الاستلهامِ وموقع الاقتداء وموقع التَّمَسُّك وموقع الارتباط بنهجهم وأفكارهم وتراثهم ويكون لذلك أثرٌ كبيرٌ في واقعها إما سلباً وإما إيجاباً بحسب أولئك القادة الذين تتأثر بهم هذا هو الواقع البشري، ما من أُمَّـــةٍ إلا وهي على هذا النحو ترتبط بقادة ترتبط برموز ترتبط بأعلام لها وتتأثر بهم وتقتدي بهم.
نحنُ كمسلمين عندما نعودُ إلى مسيرة الإسْــلَامِ العظيمة نجد موقع علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الموقع العظيم الذي عبر عنه الرَّسْــوْلُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، من جانبٍ والذي شهد به التأريخُ في حركة عَلِيٍّ في عمل عَلِيٍّ في مواقف عَلِيٍّ من جانبٍ آخرَ.
وعندما نَتَحَدَّثُ عن الإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- فهناك جانبان أساسيان للحديث عنه كشخصية عظيمة في الإسْــلَام:
الجانب الأول:
فيما كان يمثِّلُه الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- من نموذج وبالتعبير القُـــرْآني الشاهد عندما قال اللهُ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَـالَـى-: (أَفَمَن كانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ) (هود: 17). وهو هنا يتحدث عن الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ).
(أَفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ وَيَتلوهُ شاهِدٌ مِنهُ) (هود: 17). الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كان هو الشاهِدَ الذي قدّم في واقعه هو الشهادةَ على عظمة هذا الإسْــلَام، هو النموذجُ الذي ارتبطت به الثمرةُ المهمةُ لجُهُود الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ).
الثاني: تربيتُه وتقديمُه للإسْــلَام في أثره في الناس في أثره، في أتْبَاعه في المتمسكين به في المهتدين به، فالإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- إلى جانبِ أنه قدَّمَ في واقعه العملي، وفي مسيرة حياته، قدم الشاهد على إمْكَانية التطبيق لهذا الدينِ، وعلى كذلك إضَافَةً إلى إمْكَانية التطبيق العملية الصحيحة للتطبيق والأثر الصحيح لهذا الدين في نفسه، في وجدانه، في أَخْــلَاقه، في اهتماماته العملية، في سلوكياته، في مواقفه، في أفكاره، في ثقافته، في ما كان يقدمه للأُمَّـــة؛ ولأنه كان على هذا النحو العظيم الشاهد للرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، للإسْــلَام في أثره العظيم في الإنْسَــان على المستوى التربوي، على المستوى الأَخْــلَاقي، على المستوى الفكري والثقافي، على المستوى العملي، نستطيع القول بأن الإسْــلَام صنع من عَلِيٍّ شخصية قدمت أرقى صورة عن الإسْــلَام وتجلى فيها الإسْــلَام في الإنْسَــان كيف هو أثره كيف هو صنعه في هذا الإنْسَــان، وهذه مسألة مهمة جِــدًّا تعني لنا الكثير كمسلمين؛ لأَنَّها تقدم جاذبية الإسْــلَام وتقدم عظمةَ الإسْــلَام الذي نحنُ في أَمَسِّ الحاجة أن ننظُرَ إليه نظرةً صحيحةً البعض مَثَلاً ينظرون إلى الإسْــلَام كدين إما نظرة خاطئة عندما يتقمصون شخصية على ضوئها تطلع شخصية مشوهة تسيء إلى الإسْــلَام بأَكْثَــرَ مما تقدم شهادة لهذا الإسْــلَام، والبعض قد يحملون العقدة تجاه عظمة هذا الإسْــلَام وقد يبحثون عن بدائلَ ولو لم يكن عن الإسْــلَام بشكل كلي ولكن في جوانبَ كثيرةٍ من هذا الدين قد يبحثون لبدائل هنا أَو هناك وهذا الذي يحدث في واقع الأُمَّـــة أن البعض يتأثر أَو ينظر ويستقرئ في ساحتنا الإسْــلَامية في نماذج مشوهة قدمت صورة سلبية عن الإسْــلَام أَو صورة ناقصة فهو إما أن يرى الإسْــلَام مشوهاً وإما أن يرى الإسْــلَامَ ناقصاً هذا وذاك يدفعه إلى التوجّــه هنا وهناك للبحث عن بدائلَ في الفكرة في الرموز في المسارات العملية في قضايا مهمة جِــدًّا، ولكن ينبغي لنا كمسلمين أن نعرف أن الإِمَــامَ عَلِيًّا -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو شخصية إسْــلَامية، ألا تُمَثِّــلُ الانقساماتُ المذهبية أسواراً على البعض أَو قيوداً تكبل البعضَ من الاستفادة من هذه الشخصية العظيمة التي هي إسْــلَامية للمسلمين جَميعاً وتعبر عن الإسْــلَام العظيم هذا الدين العظيم الذي نرى أثره في شخصية علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في كُـــلِّ مجالٍ من مجالات الحياة.
عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كان في هذا الدين هو السابق، هوَ أَوَّل الأُمَّـــة إسْــلَاما وإسْــلَاما من غير أن يسبقه شِرك وكانت هذه ميزة في كُـــلّ الذين أسلموا واتبعوا رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، ميزة فريدة، الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- حظي بما لم يحظَ به غيره من الاختصاص بالرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، الرَّسْــوْل هو الذي قام بتربيته منذ أن كان طفلا صغيرا وعاش في كنف رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وبقابلية عالية جِــدًّا في نفسه هو في مسيرة حياته العجيبة والفريدة وهو الذي فتح عينيه أَوَّل ما ولد في الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام ثم فيما بعد ذلك حظي في طفولته المبكرة بتربية الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، تربية على مكارم الأَخْــلَاق تربية على القيم الفاضلة وبقابلية عالية تأثر بهذه التربية العظيمة تركت فيه الأثر الكبير وعندما بدأت مسيرة الإسْــلَام في الرسالة الإلهية كان هو خير وأَكْثَــر الناس تقبلا وأَكْثَــر الناس تهيئة لحمل رسالة هذا الدين والتأثر بها من موقع الاتّباع من موقع الإيْمَــان بالرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، والاهتداء بالرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، بهذه القابلية العالية لإنْسَــان لم يتدنس بدنس الشرك لم يتأثر بالعهد الجاهلي لا في نفسه ولا في سلوكه ولا في وجدانه وفي بيئةٍ، بيئةٍ عظيمة بيئة سليمة بيئة صالحة في جو التربية النبوية جو التربية التي حظي بها عند رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ).
نشأ الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وبدأ مسيرته مع مسيرة الإسْــلَام من يومه الأول فكان ذلك الذي حظي بارتقاء عظيم في هذا الإسْــلَام لا يماثله غيره من المسلمين من أتباع الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، ونشأ نشأة عظيمة وتميز بإسهاماته الكبيرة تحت قيادة الرَّسْــوْل صلوت الله عليه وعلى آله، فكان على مستوى الجهاد وعلى مستوى العمل لإقامة الإسْــلَام، ذا إسهام كبير ذو إسهام كبير جِــدًّا وتأثير كبير جِــدًّا.
عندما نأتي إلى جانب من جوانب الإيْمَــان وجانب يُمَثِّــلُ إسهاماً عظيمًا في حركة الرسالة وهو الجهاد في سبيل الله نجد أن الإِمَــامَ عَلِيًّا -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- تميز على نحو عظيم بين الأُمَّـــة الإسْــلَامية بين المسلمين بكلهم في عطائه العظيم وجهاده الكبير، فهو في هذا الدين الفدائي الأول وهو في هذا الإسْــلَام الذي أتت الآية القُـــرْآنية المباركة عندما قال الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَـالَـى-: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشري نَفسَهُ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَءوفٌ بِالعِبادِ) (البقرة: 207). ليكون هو المصداق الأول لهذه الآية المباركة.
في مرحلة مَـكَّــةَ وهي مرحلة حساسة جِــدًّا كانت إسهاماته مهمة ومبكرة وكان حضوره للمبيت في فراش النَّبِيّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، ليلة الهجرة عملية فدائية بكل ما تعنيه الكلمة، نفذها بكل رحابة صدر وبكل رغبة واستحق بها وساما عظيمًا ومثل بها إيْمَــانه العظيم وعبر عن هذا الإيْمَــان الصادق باستعداده العالي للتضحية في كُـــلّ المواطن وفي كُـــلّ المقامات وفي كُـــلّ المواقف التي تستدعي هذا الاستعداد التام للتضحية وأَنْ يَكُوْنَ الإنْسَــان بالفعل في موقع التضحية.
الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كان أعظم جندي من جنود رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، جنديا عظيمًا وقائدا عظيمًا في كُـــلّ المهمات القيادية التي حركه فيها الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وكان أعظم قائدٍ عسكريٍ في بطولته العظيمة وفي إنجازاته العسكرية الكبيرة وفي إسهاماته الكبيرة فأشاد به القُـــرْآن وأشادت به الملائكة حتى هتف هاتفهم في يوم أحد (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي) وسجل له التأريخ أعظم المواقف، تضحية وبطولة وبسيفه جندل أبطال الكفر وصناديد الشرك وكل الذين يُمَثِّــلُون عقبة كبيرة وتحدياً خطيراً ضد الإسْــلَام، إسهاماته في بدر ومواقفه العظيمة التي سجل بها المؤرخون له أَكْبَــر رصيد وأعظم إسهام بين كُـــلّ جنود الإسْــلَام وهو يستبسل استبسالاً عظيماً منقطع النظير في معركة بدر كجنديٍ للرَّسْــوْل الأعظم (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، أما في يوم أُحُد فكما قال جبريل -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- فيما روته الأُمَّـــةُ عن الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، ورَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، في أحرج المواقف وهو بين يديه يستبسلُ استبسالاً لا مثيلَ له يتصدى للكتائب التي تأتي بهدفِ الوصولِ إلى الرَّسْــوْلِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وقتله وقد أثخن بالجراح، فكان الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- يتصدَّى لكل كتيبة ويقتل قائدها ويفرق جمعها، وتأتي الكتيبةُ الأُخْـــرَى فيثب وثبةَ البطولة والاستبسال والتفاني بالتصدي لها بما يمتلكه أيضاً من قدراتٍ عسكرية عظيمة، وبما يمتلكه من رصيد إيْمَــانيُ عظيم جعل منه أعلى مثال في جنود الإسْــلَام للاستبسال والتفاني، فيتصدى لتلك الكتيبة الأُخْـــرَى وهكذا فيقول جبريل -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- معجباً من هذا المستوى العالي من التفاني والاستبسال: (إن هذه لهي المواساة) فيقولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى أله وسلم: (إنه مني وأنا منه)، فيقول جبريل -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (وأنا منكما).
ما أعظمَ هذا الشرف الكبير والعظيم!.. ثم في غزوة خيبر في الأحزاب كذلك في كُـــلّ غزوات الإسْــلَام الكبرى وفي كُـــلّ المقامات التأريخية والمفصلية وفي حنين، في كُـــلّ المواقف الحساسة حتى كان الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في مقدمة مصاديق الآية المباركة: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب: 23). فسجل التأريخ له أعظم إنجاز وأَكْبَــر إسهام كجنديٍ عظيمٌ بين جنود الإسْــلَام وجنود الرسالة الذين كانوا تحت قيادة الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وبطولته كانت بطولة جمع فيها بين الفطرة والغريزة والإيْمَــان فكانت على مستوىً عظيم لامثيل له في جنود الإسْــلَام بكلهم أما في شخصيته في الأبعاد الأُخْـــرَى والجوانب الأُخْـــرَى والإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- تميز بالتكامل بما لا يوجد لدى غيره من جنود الإسْــلَام فيما هو قائد عسكريُ عظيم بل أعظم قائد عسكري من المسلمين من أتباع رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وأعظم جندي قبل أَنْ يَكُوْنَ قائداً كذلك ومقاتل لا مثيل له بين المسلمين وبين أتباع رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، بشخصيته العسكرية تلك وعادة ما تكون الشخصية العسكرية يغلب عليها طابع معين إلا أن شخصية الإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كانت شخصية تكاملت بتكامل الإسْــلَام في كُـــلّ مجالات الحياة في كُـــلّ تأثيراته الأَخْــلَاقية الأُخْـــرَى، في كُـــلّ جوانبه المهمة وهو إلى جانب ذلك الشخصية العلمية العظيمة الذي استوعب الإسْــلَام فكراً وثقافةً وعلماً بما لم يستوعبه غيره من أتباع رَسْــوْل الله وتلاميذ رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، فهو كما عبر الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، في قوله: (أنا مدينة العلم وعليُ بابها)، كان هو باب مدينة علم النَّبِيّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، هو الأُذُنُ الواعيةُ الذي كان المصداقَ الأولَ لقولِ اللهِ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَـالَـى- (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة: 12). فكان الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بدعوة رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، أَوَّلَ مِصداقٍ لهذه الآية المباركة وأعظم مصداق من أبناء الأُمَّـــة، أعظم مَن وعى واستوعب هذا الدين فكراً أَيْــضًا وثقافةً ومعرفة فكان هو بابَ مدينة عِلمِ النَّبِيِّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وهو الذي كان يحرصُ ألا يغمض له جفنٌ في كُـــلِّ يوم إلا وقد استوعب ما نزل من القُـــرْآن الكريم، ما نزل من توجيهات الرَّسْــوْل وما قدمه الرَّسْــوْل في ذلك اليوم من الهدى والمعارف الإسْــلَامية، وفي هذا المجال كم للإنْسَــان أن يتحدث عن علمه، عن معرفته عن ثقافته، عن موقعه في الهداية، في هداية الأُمَّـــة.
نَتَحَدَّثُ إن شاء الله عندما نصل إلى الحديث عن قول الرَّسْــوْل: (عَلِيٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآن مع علي)، عن قوله: (عَلِيٌّ مع الحَــقّ والحق مع علي)، والإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وهو باب مدينة العلم وهو الذي يقول (علمني رَسْــوْل الله ألف باب من العلم كُـــلّ باب يفتح لي ألف باب) معارف واسعة جِــدًّا جِدًّا وإلى جانب ذلك الذي عرف بإنْسَــانيته العظيمة، بروح التضحية والعطاء والإحسان فهو مع كونه شخصيةً عسكريةً إلا أنه شخصية محسنة، كان أرقى نموذج بين المسلمين، بين تلاميذ رَسْــوْل الله، بين أتباع رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، في مستوى الرحمة والإحسان والحنو والعطف على الفقراء والمساكين والضعفاء، والأعلى أَخْــلَاقاً وتواضعاً في تعامله الراقي مع أبناء الأُمَّـــة، لم يكن شخصية فظة غليظة من واقع أنه أَيْــضًا شخصية عسكرية كبيرة فيكون في التعامل مع الآخرين في واقع الأُمَّـــة مع إخوته ورفاقه من المؤمنين فيتعامل بفظاظة أَو بغلظة أَو بخشونة، لا، كان مشهوراً جِــدًّا بأَخْــلَاقه العالية، حتى لقد رماه أعداؤه بأن فيه دعابة وهم يقصدون دماثة الأَخْــلَاق واللطف في التعامل وانعدام حالة الخشونة فيه والجفاء في أسلوبه في التعامل، كان هو الذي يتعامل، وهو ذلك الذي يحمل الابتسامة، ويتخلص من حالة العبوس، ويقابل الناس بالبشاشة وبحسن الخلق، كان علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- لدرجة عالية ليس هذا فحسب إنما في العطاء، كان هو ذلك الذي وهو صائم ومحتاج إلى الطعام الذي لا يمتلك غيره وقد قدمه للسائل، للفقير، للمسكين وللأسير ولليتيم، فسطر القُـــرْآن الكريم عنه في سورة الإنْسَــان، حتى اسم هذه السورة التي عبّرت عن أرقى نموذج إنْسَــاني بين أتباع الرسالة الإلهية، كان الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- والزهراءُ عليها السلام والحسن والحسين عليهم السلام، كانوا هم النموذجَ الراقيَ المعبرَ عن الإنْسَــانية في كمالها الأَخْــلَاقي والإنْسَــاني.
ولذلك الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في كُـــلِّ جانب من جوانب الحياة كان شخصية فريدة نرى فيها عظمة هذا الإسْــلَام وأثر هذا الإسْــلَام كيف يصنعُ من الإنْسَــان إنْسَــاناً تتكامل فيه المواصفات الإنْسَــانية والأَخْــلَاق الإنْسَــانية ويتحول بعظمة هذا الدين إلى إنْسَــان له أثره الإيجابي في واقع هذه الحياة، إسهاماته الإيجابية والمثمرة والعظيمة في واقع هذه الحياة، فاستحق الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- أَنْ يَكُوْنَ هو كما عبر القُـــرْآن الكريم الشاهد وقُدّم له أَيْــضًا وسام آخر في القُـــرْآن الكريم هو (صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (التحريم: 5). وآياتٌ كثيرة كان الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- أرقى نموذجٍ لمصاديقِها حتى قال ابن عباس: “ما من آيةٍ فيها ثناءٌ على المؤمنين إلا وعَلِيٌّ أميرُها وشريفُها” بهذا المعنى لكلام ابن عباس.
الجانب الثاني:
المَعْلَمُ الآخرُ الذي نَتَحَدَّثُ عنه فيما يعنيه عَلِيٌّ لنا هو أنه يمثِّلُ الامتدادَ الأصيلَ لحركة الهداية في الأُمَّـــة ما بعد وفاة رَسْــوْلِ الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وفاةُ النَّبِيّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وغيابُه من بين المسلمين يمثّلُ خسارةً رهيبةً للأُمَّـــة الإسْــلَامية وللبشرية بكلها ومثّل أَيْــضًا ختاماً للنبوة وانقطاعاً لنزول الوحي في التشريع وفي حركة التشريع الإلهي، ما بعد هذه المرحلة وهي مرحلة مهمة من تأريخ البشرية، النَّبِيُّ بنفسه (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ) تحدث عن فتن مظلمة كقطع الليل المظلم تقدم عليها الأُمَّـــةُ بنفسها، ما بالُك بالواقع البشري وتحدث عن جاهليةٍ أُخْـــرَى قادمة هي أخطر وأسوأ وأظلم من الجاهلية الأولى، في ظل هذا المستقبل الحساس والخطير والمهم للأُمَّـــة، هل انقطعت مسيرة الهداية في واقع الأُمَّـــة وانتهت؟ وبقيت هذه الأُمَّـــة في حالة من الضياع والانفلات؟ لا، الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وجّه الكثير والكثير من الخطابات المهمة والكلمات المهمة جِــدًّا، المهمة لمستقبل الأُمَّـــة والمهمة لما بعد وفاته صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، بدءاً من قولِه عن علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ-: (إنه منه بمنزلة هارون من موسى) وكذلك في قوله للمسلمين: (إن اللهَ مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمَن كنتُ مولاه فهذا عَلِيٌّ مولاه) وكُلُّ المسلمين نقلوا بمختلفِ مذاهبهم هذا النص النبوي المهم جِــدًّا للمسلمين (فمن كنتُ مولاه فهذا عَلِيٌّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصُرْ من نصره واخذُلْ من خذله).
عندما قال الرَّسْــوْلُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ): (عَلِيٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآن مع عَلِيٍّ) عَلِيٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآن مع علي، وكذلك في قوله: (عَلِيٌّ مع الحَــقّ والحق مع عَلِيٍّ) فقوله عَلِيٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآن مع عَلِيٍّ يعبر لنا عن امتدادِ حركة الهداية في الأُمَّـــة في هذا الاقتران ما بين علي والقُـــرْآن وأن الإِمَــامَ عَلِيًّا -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو الذي يُمَثِّــلُ الامتدادَ بحركة الهداية في الأُمَّـــة، فاقترانُه بالقُـــرْآن اقترانُ الهداية، القُـــرْآنُ هو مصدرُ الهداية، مصدرٌ أساسيٌّ من مصادر الهداية للأُمَّـــة، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9). اللهُ يقولُ عن القُـــرْآنِ الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185). يقولُ عن القُـــرْآن الكريم: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 2). فالقُـــرْآنُ هو مصدرُ الهداية وإلى جانبِه الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو المستوعبُ هذا القُـــرْآنَ هو المؤتمنُ على تأويله كما قال الرَّسْــوْلُ عن الإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- أنه سيقاتِلُ على تأويلِ القُـــرْآن كما قاتَلَ الرَّسْــوْلُ على تنزيله، فالإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو المستوعب لهذا القُـــرْآنِ بما لم يستوعبْه غيرُه من تلاميذ رَسْــوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وهو المؤتمنُ على تأويل هذا الكتاب وهو المؤتمن في تقديم مفاهيم هذا القُـــرْآن بشكل صحيح بشكل نقي، يوم تختلفُ الأُمَّـــةُ ليس على التنزيل وإنما على التأويل، يومَ تختلفُ الأُمَّـــةُ على التفسير، على المفاهيم، كيف هي، على مدلول هذه الآية وما تعنيه هذه الآية، الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كما يقول الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، وكما ينبّه الأُمَّـــة على ذلك هو المؤتمن، هو الأعلم، هو الأوثق، هو حلقة الوصل المؤتمنة؛ ولذلك الحجة قائمة على الأُمَّـــة؛ لأَنَّ اللهَ يعلمُ أن حالَ هذه الأُمَّـــة كحالِ سابقاتها من الأُمَــم، ما بعد أنبيائها تختلفُ وتتنازع، تختلفُ على المفاهيم في الرسالة الإلهية في الدين الإلهي، وبالتالي تتفرق وتتنازع وتتناحر، وينشأ عن ذلك مشاكلُ كبيرةٌ في واقع الأُمَــم، فالرَّسْــوْلُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، عندما قال: (عَلِيٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآنُ مع عَلِيٍّ) يؤكّـــدُ استمراريةَ مسيرة الهداية بهذا الاقتران، عندما قال: (عَلِيٌّ مع الحَــقّ والحقُ مع علي) يؤكّـــد كذلك على هذا الاقتران، فَعَلِيٌّ هو الأعلمُ بالحق، وهو الذي حمل الحَــقّ، وهو الذي يهدي بالحق، وهو الذي يقدّم الحَــقّ يوم تختلف الأُمَّـــة على الحَــقّ، يوم تتنازع الأُمَّـــة في داخلها على المفاهيم المعبّرة عن الحَــقّ، على المواقف الحَــقّ، على المسارات الحَــقّ، على التوجّهات الحَــقّ، يبقى عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في هذا الموقع العظيم والمهم جِــدًّا، ويبقى الإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- الـمَعْلم المهم جِــدًّا في التصدي لحركة النفاق وحركة التحريف وحركة الانحراف في داخل الأُمَّـــة.
إنَّ الرَّسْــوْلَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ) عندما قال: (لا يحبُكَ إلا مؤمنٌ ولا يُبْغِضُكَ إلا منافق) هو أيضاً يُبين مقام الإِمَــامِ عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- في الأُمَّـــة، في كونه مَعْلَمَاً مهماً لأصالة الإسْــلَام النقية؛ لأَنَّ حركةَ النفاق في الأُمَّـــة، هي أخطرُ حركةٍ على الأُمَّـــة، هي الحركة التي تنحرفُ بالأُمَّةِ في مواقفها فتتجه بها بعيداً عن أصالة الإسْــلَام، بعيداً عن مبادئ الإسْــلَام الحقيقية، وبعيداً عن مشروع الإسْــلَام العظيم الذي يجعل منّا أُمَّـــةً مستقلّةً على أساس مبادئها العظيمة وأَخْــلَاقها العظيمة، وشرعها العظيم الذي هو من الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَـالَـى-.
حركةُ النفاق هي تقدّم قوالب مختلفة وتصيغ أشكالاً مزيفة تعبّر عن الإسْــلَام بتزييف وليست بحقيقة، ثم تتجه بالأمة نحو التبعية لأعدائها، وهذا هو أخطر أمر تعاني منه الأُمَّـــة، عندما تُزَيّف مسيرة الإسْــلَام، عندما يأتي التزييف والتحريف إلى داخلِ المفاهيم فتبقى تأخذ عنوانها الإسْــلَامي، وطابعها وشكلها الإسْــلَامي، وهي في واقع الحال إنما هي مختلفة، فالإِمَــامُ عَلِيٌّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- كان هو الشاهد، كان هو قبل ذلك السابق، وكان هو بعد ذلك الامتداد الأصيل في حركة الهداية في الأُمَّـــة، كان استشهاده -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وتغييبه عن الساحة في تلك المرحلة الحرجة من تأريخ الأُمَّـــة، يمثّل خطورةً كبيرةً جِــدًّا، وأدخل الأُمَّـــة في عهدٍ ظلاميٍ من الجور، من التسلّط الأموي الذي عبّر عنه الرَّسْــوْل (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ)، فيما يفعله أولئك بالأمة من اتّخاذهم لدين الله دَغَلًا، ولعباده خَوَلًا، ولماله دولاً.
نحن في هذا الزمن والأمةُ تعصفُ بها الفتن، وتواجهُ التحدياتِ الكبيرة جِــدًّا، أحوج ما نكون إلى استحضار عَلِيٍّ -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- على هذا الأساس من استحضاره كنموذج كشاهد، ومن استحضاره أيضاً كمَعْلَمْ من معالم الهداية اقترن بالقُـــرْآن الكريم، فكان هو الامتدادَ الأصيلَ لنرتبط بالإسْــلَام في أصالته، ولنواجه حركة النفاق وهي اليوم تنشطُ في ساحة الأُمَّـــة على نحوٍ غير مسبوق، تتمثل بحكومات وأنظمة واتِّجاهات تحاول أن تفرض نفسها كلياً على الساحة، وتحاولُ أن تسيطر على كُـــلّ أبناء الأُمَّـــة، لتتجهَ بهم نحوَ التبعية لأعدائهم.
هذه المرحلةُ مرحلة مهمة جِــدًّا، الأُمَّـــةُ بحاجة أيضاً على المستوى الثقافي والفكري إلى الاهتمام بعلي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- وبموروث علي المعبّر عن حقيقة الإسْــلَام ومبادئ الإسْــلَام، إلى رمزية علي من جديد.
نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَــهُ وَتَعَـالَـى- أن يجزيَ الإمامَ عَلِيًّا -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- خيرَ الجَزَاءِ في إسهاماته العظيمة، في صدر الإسْــلَام وما بعدَ وفاة النَّبِيّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ).. وَنَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..