السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية الحادية والعشرين:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
وَتقبَّــلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ الصِّيَــامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال، اللهم اهدِنا وتقبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إِنَّكَ أَنْتَ التوابُ الرحيم.
بالعودةِ إلى الآياتِ المباركةِ من سُورةِ الإسراءِ والتي تضمنت تعليماتٍ ملزمةً، اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- صدَّرها بقوله تَعَالَى: (وَقَضَى رَبُّكَ) (الإسراء: من الآية23)، فهي تعليمات من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلزامية، لا مجالَ للتساهل فيها، ولا للنقاش فيها، ولا للتنصل عن الالتزام بها، والإخلال بها هو ذنبٌ عظيمٌ يعاقب عليه الإنْسَــان، ويهدم الإيْمَــانَ الذي يدَّعيه الإنْسَــانُ؛ ولذلك اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أكَّدَ على هذه التوجيهات في بدايتها وفي نهايتها.
وصلنا إلى قولِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)(الإسراء: الآية34)، اليتامى هم حالةٌ قائمةٌ في كُــلِّ المجتمعات، وقد تكبُـــرُ هذه الحالة في ظل ظروف معينة، كما إِذَا كانت الأُمَّــةُ في مواجهة تحدياتٍ وصراع، وكما هو الحال اليوم في واقع شعبنا المسلم العزيز وهو يواجه عدواناً، في كُــلّ يومٍ من أيام هذا العدوان وهناك شهداء، وبالتالي هناك يتامى، وهناك أرامل.
واليتامى هم وصيةُ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في أوساط مجتمعنا المسلم، يجبُ أن يحظى اليتيمُ بالتكريم، بالاحترام، بالصون لحقوقه، بحُسنِ التعامل معه، ويأتي الحديثُ في القُـــرْآن الكريم عن اليتامى حديثاً واسعاً في سور قرآنية متعددة، وفي آياتٍ كثيرة، تؤكِّدُ على صون حقوقهم، وإكرامهم، وحسن التعامل معهم، وحُسنِ رعايتهم.
اليتيمُ عندما يفقد والدَه، يفقدُ معيلَه، يفقد القائم على حمايته والاهتمام بأمره، يعيش حالةً من الضعف، إن لم تعوض هذه الحالة بالحنو، والعاطفة، والاهتمام من أبناء المجتمع، بدءاً من المحيط الأقرب لليتيم، المسؤولية هي على الجميع، ولكنها على نحوٍ أَكْبَــرَ تبدأ من المحيط الأقرب لليتيم، اليتيم عندما يكونُ محيطُه الأقربُ يتمثل بعمه مثلاً، أَو بأخيه الأَكْبَــر، إن كان لا يزال له أخٌ أَكْبَــرُ، كبيراً راشداً بالغاً، أَو البعضُ على مستوى الجد، البعض على مستوى الأعمام أَو الأخوال، المحيط الأقرب لليتيم عليه المسؤولية أولاً في حسن التعامل، في حسن الراعية، في إكرام اليتيم، في تعوضه عما فقده من عاطفة الأب، وحنان الأب، وحماية الأب، وحسن التعامل معه.
اللهُ يريدُ لمجتمعِنا المسلمِ أَنْ يَكُـــوْنَ مجتمعاً تسودُه الأُلفةُ، والرحمةُ، والمحبةُ، والعدلُ، والخير، والتعاون، والتفاهم، أن لا يكون ساحةً ممتلئةً بالتظالم، وتنعدمُ فيها حالة الرحمة والإخاء، ويتحولُ الناسُ إلى حالةٍ أشبهَ ما تكونُ بالوحوش في الغابات يأكُلُ القويُّ الضعيفَ، لا، هذه الحالةُ ليست إنْسَــانيةً أَبَدًا، عندما يتجهُ البعضُ إلى استغلال الظروف التي يعيشها اليتيم، وأنه لا يحظى بالحماية اللازمة -من خلال والده الذي قد فقده- على ممتلكاته وأمواله؛ فيتجه لاستغلال هذا الظرف، هذه أسوأ حالة من الاستغلال، استغلال يجرِّدك من الإنْسَــانية، تتحول فيه وكأنك وحشٌ مفترس، تستغل ظروفاً إنْسَــانية لطفلٍ صغيرٍ يتيم، ثم تغتنم هذه كفرصة بالنسبة لك، وتحاول إما أن تأكُلَ شيئاً من ممتلكاته، أَو أمواله، أَو حقوقه، وإما أن تتبدَّلَ الخبيث: أن تتبدلَ لتأخُذَ الطيبَ وتبدِّلَه بالخبيثِ من مالك، بالسيء، بالرديء، هذه الحالة لا إنْسَــانية، حالة تسبب مقتاً وسخطاً كبيراً من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على الإنْسَــان، ومن الأسوأ أَنْ يَكُـــوْنَ من يفعل ذلك هو قريب اليتيم، هو أخوه الأَكْبَــر كما يفعل البعض، أَو هو عمه، أَو قريبٌ له من أقربائه، عندما يكون هو والذي يفترض به أَنْ يَكُـــوْنَ أول من يحمي هذا اليتيم، ويحافظ على حقوقه، ثم يؤثِّر عليه الطمع، فيستغل حالة الضعف لدى اليتيم ويحاول أن يأخذ شيئاً، أَو أن يستبدل شيئاً مما هو أَكْثَــر نفاسة من أموال هذا اليتيم، هذه حالة خطيرة جداً تجرِّد الإنْسَــان من إنْسَــانيته أولاً، ومن إيْمَــانه بالله ثانياً، وتجعله محط سخطٍ من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
أتى التعبير في الآية المباركة: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ)، كما تقدَّم في قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا)(الإسراء: من الآية 32)، ليحول ويمنع ويحذّر من كُــلّ أشكال التصرف القائمة على الاستغلال، هذه مسألة خطيرة جداً وسلبية، وأتت آيات في سور أُخْــرَى منها سورة النساء، أتى فيها قول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)(النساء: الآية2)، فأتى الأمر الملزم من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بإيتائهم أموالهم وحقوقهم، والتحذير من كُــلّ أشكال الاستغلال، من استبدال الخبيث بالطيب: عندما تقدِّم الرديء من مالك سواءً كان متمثلاً بقطعةِ أرض، أَو بمزرعة.. أَو بأي ممتلكات أُخْــرَى، أَو بأي أموال أُخْــرَى، عندما تقدِّم ما لديك وهو رديء، لتأخذ البدل منه الأفضل والأحسن من مال اليتيم، أَو من حق اليتيم، وقد يكون اليتيم عندما يكون أيضاً بنْتاً (امرأةً) معرَّضاً للظلم أَكْثَــر، يحصل هذا في المجتمعات للأسف مجتمعاتنا الإسْـــلَامية يحصل هذا، الظلم لليتيم وَإِذَا كان بنتاً إِذَا كان أنثى فهو معرَّضٌ للظلم أَكْثَــر من غيره.
يأتي في القُـــرْآن الكريم قول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)(النساء: الآية10)، وهذا وعيدٌ من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- شديد، أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً فإنما يأكلون في بطونهم ناراً، إنهم يُحتّمون على أنفسهم بمقدار ما أكلوا أن يأكلوا في جهنم بشكلٍ مستمر (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا): للخلود في عذاب الله في نار جهنم والعياذ بالله، قضية خطيرة جداً، هذه القضية- بحد ذاتها- كفيلة بأن تدخلك إلى النار ولو كنتَ تُصلّي، ولو كنت تصوم، ولو كنت تتصدق، ولو كُنتُ تعمَلُ أية أعمالٍ صالحة، عندما يكون ضحيةَ ظلمك هو اليتيم، فهذا بحد ذاته كفيلٌ بأن يوصلك إلى قعر جهنم، وأن تأكل النار في جهنم، وأن تصلى سعير جهنم والعياذ بالله، وهذا أمرٌ مخيف، مهما يكن ذلك الذي اقتطعته من حق اليتيم، أَو من مال اليتيم، أَو من مرتب اليتيم.. من أي حَقٍّ من حقوقه، مهما يكن بالنسبة لك مُغرياً، لكنه لا يساوي أَو لا يستحقُّ أن تضحيَ من أجله فتأكل وجبة واحدة من وجبات جهنم، من طعام الزقوم الذي يغلي في البطون كغلي الحميم، عندما تأكل النار في جهنم، عندما تأكل الزقوم الذي يستعر ويحرقُك ويحرق بطنك يغلي في البطن كغلي الحميم، عندما تودِّف بنفسك، تورط نفسك، تهلك نفسك لتكونَ إلى جهنمَ والعياذ بالله، لتخلُدَ في النار، لتحترق بسعير جهنم، أي شيءٍ من هذه الدنيا يستحقُّ منك أن تورِّط نفسك هذه الورطة، وأن تضحّي من أجله بكل ذلك فتكون من أهل النار والعياذ بالله، قضية خطيرة.
الإنْسَــانُ بحاجة إلى أن يتأمل، أن يقدِّر لنفسه، وينظر في صالح نفسه بشكلٍ صحيح، حالة الطمع تعمي البعض، تغري البعض فلا يتفهم ويجازف مجازفةً خطيرةً جداً ويتورط.
في هذا الشهر الكريم من المهم لِكُـــلِّ الذين قد تورَّطوا في ذلك أن يعملوا على خلاص أنفسهم، من في ذمته حق يتيم ذكراً أَو أنثى أخذ عليه شيئاً من ماله، أَو من حقوقه، عليه أن يتخلَّص؛ لأَنَّ المسألة خطيرة، وعقابها جهنم، ولا مناص في التساهل في الموضوع أَبَدًا، هذه من القضايا المهمة، وردت في هذا السياق المهم جداً.
أيضاً فيما يتعلق بالتعامل مع اليتامى: يجب أن يحظى اليتامى في مجتمعنا المسلم بحسن الرعاية، وحسن التعامل من الجميع، من محيطهم الأقرب، محطيهم الأسري الأقرب، وفي وسط المجتمع، واليوم ونحن نواجه عدواناً ظالماً والشهداء كُثُرْ، بالتالي اليتامى كُـــثْـــرٌ، والأرامل كُـــثْـــرٌ، اليتامى بين أوساط مجتمعنا موجودون في معظم المدن، في معظم القرى، حالة قائمة، الإحسان إلى اليتيم، والإكرام لليتيم من أعظم القرب إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، من أعظم الأعمال التي تنال بها الأجر، وتنال بها الفضل عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ومن الفرصة للإنْسَــان أن يستغل الفرصة فيما يقرِّبه من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أن يكسبَ الأجر، وأن يكسبَ الفضل، ورد في القُـــرْآن الكريم وورد عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آل) الحث الكبير لحسن التعامل مع اليتامى، سواءً بالعناية بهم من حيث الرعاية المادية، وهي جانبٌ ضروريٌّ ومهم، في شهر رمضان علينا أن نفكر جميعاً كيف نهتم بهذه الفئة المنتشرة بين أوساط مجتمعنا، والتي هي جزءٌ مهمٌّ من هذا المجتمع، آباؤهم استشهدوا في سبيل الله؛ دفاعاً عن هذا البلد، وعن هذا الشعب، وعن هذه الأُمَّــة، وعن حرية واستقلال وكرامة هذا الشعب، أن نفكرَ بهؤلاء اليتامى، بالاهتمام بهم في هذا الشهر الكريم، مع قدوم العيد أيضاً، بشكلٍ مستمر، أن ندفع عنهم الظلم، إِذَا عرفنا بمظلومية على أي يتيم، هناك أيضاً معنيون بهذا الجانب، وهم أيضاً من يتزوجون بالأرامل، البعض قد يتزوج بأرملة شهيد، أَو بأرملة متوفى ولها أولادٌ يتامى، ذريةٌ من الشهيد أَو المتوفى، وهنا مسؤولية كبيرة تقع على عاتق هذا الذي تزوج بتلك الأرملة في حسن التعامل، التعامل الأبوي، التعامل الإنْسَــاني، التعامل الإيْمَــاني، البعض قد تؤثِّر عليه – وهذه حالات قد تكون نادرة، لكنها حالات سلبية جداً- قد تؤثر فيه حالة الغيرة، البعض تحصلُ لهم هذه الحالةُ حالةُ الغِيرة، وغِيرةٌ في غير محلها، غيرةٌ غير مفهومة، الغيرة مثلاً من ابن الشهيد أَو من بنت الشهيد؛ لأَنَّه ابن شهيد لا تريد أن يُذكرَ اسمُه في المنزل، أَو أن تسمع باسمه، أَو أن ينشَأَ هذا الطفلُ وهو مُنشَدٌّ إلى والده، هذه الغِيرةُ في غير محلها، غيرةٌ شيطانية، غيرةٌ سلبية، البعض تدفعهم هذا الغيرة إلى أن يتعامل معاملةً قاسية أَو معاملةً ظالمة مع ابن الشهيد، أَو ابنت الشهيد، أَو ابن المتوفى، أَو بنت المتوفى، الكل من أبناء هذا المجتمع من المحيط الأقرب: سواءً من العم، أَو الخال، أَو الجد، أَو.. أي محيط قريب لليتيم، أو- على ما ذكرناه- من الذي يصبح اليتيم ربيباً له، أَو تصبح اليتيمة ربيبةً له، الجميع معنيون بحسن التعامل، حُسن التعامل وحُسن الرعاية قربة عظيمة إلى الله وحالة إنْسَــانية راقية، الإنْسَــان الذي هو إنْسَــان بما تعنيه الكلمة متوازن المشاعر، سليم النفس، طاهر القلب، لا بُدَّ وأن يندفع تلقائياً إلى حسن التعامل، لا بدَّ أن تتحرك في نفسه العاطفة الإنْسَــانية، والرحمة الإيْمَــانية، فيبني عليها حسن التعامل، وحسن الرعاية، على مستوى الرعاية المادية كما ذكرنا، وعلى مستوى حسن التعامل، التعامل بإكرام واحترام، لا يكون التعامل قاسياً، ومُستَضعِفاً لليتيم هذا أَو اليتيمة، وكذلك الرعاية التربوية، اليتامى هم بحاجة إلى أن يحظوا بالرعاية التربوية، التربية على مكارم الأَخْــلَاق، التربية الإيْمَــانية، التربية على العزة، العمل على تقوية مشاعرهم ومعنوياتهم؛ لأَنَّ من الأَشْيَاءِ المهمة أن يحظى اليتيمُ برعاية تساعِدُه على اكتساب المعنويات العالية، أن لا ينشأ مُحطماً بين أوساط المجتمع، بل أن ينشأ بمعنويات عالية، ومعنويات طبيعية، ومعنويات قوية، وَإِذَا كان الجميعُ يُحسِنون التعامُلَ معه، أَو المعنيون – بالدرجة الأولى- يحسنون التعامل معه، والمجتمع يقدِّر هذه الحالة، فسينشأ الأيتام بمعنويات عالية، بل أحياناً يُتاح لهم أن ينشؤوا بنفوس أقوى من غيرهم، إِذَا حظي بتربيةٍ جيدة يكونُ بمعنوياتٍ أَكْثَــرَ حتى من الآخرين، من أبناء الآخرين الذين قد يكون البعضُ منهم مُدللاً أَكْثَــرَ، قد ينشأ اليتيم بمعنويات جيدة، ومعنويات عالية، ويكونون من ضمن هذا المجتمع حالة طبيعية في الأخير بمعنويات جيدة، وواقع إيجابي، لكن عندما يعاني اليتيم من الظلم، فهذه حالة سلبية.
ومن المهم جداً أن يركِّزَ المجتمعَ على هذه المسألة، قد يكون هناك مؤسّسات تؤدي دوراً مساعداً ويمكن مساعدتها في ذلك، ولكن دَور المؤسّسات لا يكفي ولا يغني، ولا يقوم مقام دور المجتمع، المجتمع يجب أَنْ يَكُـــوْنَ هو مُركِّزاً على هذه المسألة، سواءً من خلال ما يدعم به تلك المؤسّسات أَو عبرها مما هي مؤسّسات موثوقة، وإلا هناك مؤسّساتٌ غير موثوقة، عندنا مؤسّسة الشهداء مؤسّسة موثوقة والحمد لله، وفيها مسؤولون جيدون ومهتمون، ما يأتي عبر المؤسّسة، وما يأتي بشكلٍ مباشر لتعزيز الروابط، ما يأتي من خلال الرعاية المادية، وما يأتي من خلال التعامل الذي يرفع المعنويات، الذي يساهم بتعزيز الروابط فيما بين أبناء المجتمع، هذه مسألةٌ مهمةٌ جداً.
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: هي الحالة التي فيها عناية بمال اليتيم، وفيها اهتمام بإصلاح مال اليتيم، وفيها تنمية لمال اليتيم، فهذه حالة مطلوبة من ذي الولاية والمعني بذلك، العناية بمال اليتيم، وعدم الإهمال، حالة الإهمال أيضاً هي حالة سلبية، وحالة خطيرة، حالة الإهمال، يعني ليس المطلوب في التعامل مع اليتيم لا الإفراط ولا التفريط، لا حالة الإفراط أَو المخاوف الزائدة من الوقوع في الإثم في التعامل إلى درجة الإهمال لليتيم، سواءً الإهمال لماله، أَو الإهمال لإصلاحه وتربيته تربيةً جيدة وصالحة. لا، لا ينبغي الإهمالُ، البعضُ قد يتخوفُ أَكْثَــرَ، فيبتعد كلياً، يقول: (أنا ما لي دخل، أنا لا أريد أن أورِّط نفسي)، فيهمل اليتيم، أَو يهمل ماله، إهمال مال اليتيم حالة سلبية جداً، وتسبب لخسائر كبيرة، قد تكون مزارع وتتلف هذه المزارع نتيجةً للإهمال، قد تكونُ عقاراً معيناً بحاجة إلى استثمار كذلك، قد يكون مال هذا اليتيم عبارة عن مال تجاري: بقالة، أَو متجر.. أَو غير ذلك، يحتاجُ إلى الاستمرار فيه وبأمانة، قد تكون المسألة فيما يخص اليتيم في نفسه، يعني: الموضوع يجرّنا إلى الحديث عن العناية باليتيم في الاهتمام التربوي والتثقيفي والإصلاح له، والتقويم لسلوكه، أن لا يُهمَل ويترك مدللاً إلى حد أنه يفعل ما يشاء ويريد، ويتصرف، ويخطئ، وينحرف في سلوكياته، ثم يترك بحجة أنه يتيم، ولا يكون التأديب بشكل ظالم، يعني: بشكل يفوقُ ما يقتضيه مقامُ التأديب.
(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)(الإسراء: الآية34)، عندما يبلغ اليتيم كماله وبلوغه الرشدي والنفسي، فهنا تُسلّم إليه أمواله ومستحقاته، ومن المهم- حتى فيما قبل ذلك- أن يحظى أيضاً في العملية التربوية له بالتهيئة النفسية، وأتى في القُـــرْآن الكريم قول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)(النساء: الآية6)، (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى): مرِّنُوهم، عَوِّدوهم، اختبروهم عملياً حتى يكتسبوا الخبرة في التصرف في أموالهم وبشكلٍ تدريجي، فإذا أصبح عندهم الرشد الطبيعي الذي بين بقية أوساط المجتمع، لا يحتاج الإنْسَــان أن يتشرط عليهم حتى يكونوا عباقرة في الخبرة الاقتصادية والمالية، ويجعل من ذلك ذريعة للتمسك بأموالهم. لا، الحالة الطبيعية، الحالة السليمة السائدة في أوساط المجتمع: من حسن التصرف، من الحفاظ على المال، من الفهم بالمعاملة اللازمة والعمل اللازم والقدرة على القيام بواجبه، والتصرف الصحيح في ماله، هنا يُسلّم له ماله، حتى يبلغ أشده.
(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)، العهد: هو وسيلة من وسائل التوثيق فيما بين أبناء المجتمع والتأكيد على الالتزامات والمعاملات، وعندما يأتي العهد في إطار المعاملات المشروعة، لا بُدَّ من الوفاء به، الوفاء به جزءٌ من الالتزامات الأَسَاسية في الدين، الأَسَاسية في الإيْمَــان، العهد ما بين الإنْسَــان وما بين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، العهد في المعاملات: المعاملات الاقتصادية.. المعاملات بكل أشكالها، طالما كانت في الإطار المشروع، أيضاً العهد في اتفاقات الأمن والسلم والسلام، وهذه أيضاً مسألة مهمة جداً، على مرِّ التأريخ العهد حاضر في التعامل ما بين البشر بهدف الاطمئنان، والتأكيد على الالتزامات، والتوثيق للالتزامات، الإخلال به يفقد الناس الثقة، إِذَا لم يفِ الإنْسَــانُ بالعهد فما الذي سيفي به؟ بأي التزامٍ سيفي، بأيِّ كلامٍ سيفي، فالعهدُ مسألةٌ مهمة جداً، والوفاء بها مسألة إنْسَــانية وأَخْــلَاقية وإيْمَــانية، في مقدِّمة الالتزامات الإيْمَــانية المهمة، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أكَّد أيضاً في أية أُخْــرَى في قوله تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا)(النحل: من الآية91)؛ لأَنَّك في العهد تجعلُ اللهَ كفيلاً عليك، تُكفّل الله عليك في أن تفيَ بما عاهدت عليه.
فلكي تبقى الثقةُ سائدةً في أوساط المجتمع، ولكي تبقى الالتزامات قائمة بين أوساط المجتمع، بما يترتب عليها من استقرار في حياة الناس لا بدَّ من الوفاء، الوفاء أصلاً حالة مطلوبة في الالتزامات، فإذا تأكدتْ هذه الالتزامات والمعاملات إِذَا تأكدتْ بالعهد، يصبحُ الوفاء بالعهد نفسه، والوفاء بتلك الالتزامات بموجب العهد التزاماً أَخْــلَاقياً وإيْمَــانياً مهماً.
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)(الإسراء: الآية35)، التعامُلُ التجاري والاقتصادي وفي البيع والشراء مما يرتبط به التزامات إيْمَــانية ودينية، ومما هو مهمٌّ في حياة الناس، إِذَا اختل نتج عن الاختلال فيه خللٌ كبيرٌ في واقع الحياة، فقد الناسُ الاستقرارَ والاطمئنان، وترتب على ذلك أن تتحولَ المعاملاتُ فيما بين الناس إلى بيئةٍ إجراميةٍ، بيئةٍ سيئةٍ، بيئةٍ فاسدة، يعتمدُ الناسُ فيها على الحيل والغِش والخداع والمكر والأيْمَــان الفاجرة، ويتعامل الإنْسَــان وهو قلق فاقد للثقة، وهذا ما لا يريده الله أَبَدًا فيما بين المجتمع المسلم، ورد عن النبيِّ “صلواتُ الله عليه وعلى آله” اشتهر عنه: (الدينُ المعامَلة)، الدين المعاملة، ومن ضمن ذلك المعاملة في البيع والشراء، المعاملة التجارية، المعاملة الاقتصادية التي يجب أَنْ تَكُـــوْنَ متصفةً ومعتمدةً على الأمانة، أَنْ تَكُـــوْنَ متصفةً بالأمانة ومعتمدةً على الأمانة، الأمانة من الدين، أَنْ تَكُـــوْنَ سليمةً من كُــلِّ أشكال الخداع والمكر والغش التي هي صفات سلبية وشيطانية وإجرامية، لا علاقةَ لها بالدين، من يدفع به الطمع إلى أن يجعلَ من الغِشِّ والخداع في المعاملة وسيلةً للكسب هو يكسب الحرام، هو يتحمل الوِزرَ، هو يجعل من كسب المعيشة وسيلة لكسب الإثم، لكسب الوزر، لكسب المعصية، الإنْسَــان لو اتجه إلى كسب المعيشة الحلال بنيةٍ طيبة، بنيةٍ صالحة، من أهدافه أن يتمكن من الوفاء بالتزاماته الإيْمَــانية والدينية في هذه الحياة: ليعولَ أسرته، ليوفر حاجاتهم، لينفق في سبيل الله، ليتصدقَ على الفقراء، ليكونَ مصدرَ خيرٍ وعطاءٍ في هذه الحياة، هنا يصبحُ كسبُه بالحلال وللحلال وبالالتزامات الدينية جُزءاً من العبادة، جُزءاً من عمله الصالح الذي يكتسب عليه الأجر من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ لأَنَّه انطلق في ذلك بنية طيبة، نية صالحة، وبهدفٍ إيجابي، هدفٍ شرعي، هدف عظيم، هدف نبيل، هدف أَخْــلَاقي، يريد أن يعول أسرته، أن يوفر احتياجاتهم وأن يوفر لقمة معيشتهم، ويريد أن يفي أَنْ يَكُـــوْنَ مصدر خيرٍ وعطاء في هذه الحياة، أن يتصدق للفقراء، أن ينفق في سبيل الله، أَنْ يَكُـــوْنَ محسناً في هذه الحياة، ويلتزم في ذلك بالضوابط الشرعية، لا يغش، لا يخدع، لا يرتكب الحرام، لا يحلف الأيْمَــان الفاجرة، كُــلّ أشكال الوزر والإثم والحيل والخداع يحذرها ويتجنبها في معاملاته، هنا- كما قلنا- يصبح كسبه هذا وسيلة عبادة وقربة إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ويحظى عليه بالأجر والفضل عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
الغش في الكيل، والغش في الوزن، والغش بكل أشكاله في المعاملة التجارية محرَّم من أشد المحرمات في الإسْـــلَام، (من غشّنا فليس منّا)، ورد في الحديث عن الرسول “صلواتُ الله عليه وعلى آله”: (من غشنا فليس منا)، ليس من المسلمين من يغشهم، من يعاملهم بالخداع والمكر، من يسعى إلى اكتساب المال بالطرق المحرمة، الكيل والوزن كلاهما وسيلة أَسَاسية يُعتمد عليها في التعامل، في كثيرٍ من المبيعات والمشتروات يتم العمل فيها والتقدير لها إما بالكيل، وإما بالوزن.
اليومَ هناك أيضاً يعني معايير أُخْــرَى أيضاً، فالذي يغش في هذه المعاملة يعتبر مجرماً وخائناً وغاشاً، ويكتسب الإثم والوزر، الموضوع هذا مهم، ويدل أيضاً على مسألة مهمة جداً: أن الدين هو للحياة، دين الله هو لرعاية مصالح الناس، مصالح المجتمع، وإصلاح واقعهم وإصلاح حياتهم، وهذه النظرة هي النظرة الصحيحة تجاه الدين، البعض لا يفهم، عندما تلحظ أن الدين يعطي أهميَّة كبيرة لمصالح الناس، لرعاية الناس في معيشتهم، في أمورهم، في احتياجاتهم، فيما له أهميَّة بالنسبة لهم بطبيعة حياتهم، تجد أن هذا بنفسه من الشواهد على عظمة الدين، وعلى أننا بحاجة إلى الدين، بحاجة إلى الدين ليضبط لنا مسيرة حياتنا، لنبني عليه معاملاتنا، الدين لا ينحصر في المسجد، ولا ينحصر في بعضٍ من الطقوس الدينية أن تؤديها ثم إِذَا جئنا إلى ميدان الحياة، واقع الحياة، معاملات الحياة، يتعامل الإنْسَــان بأهوائه، بأطماعه، بتأثيرات الشيطان عليه. لا، الدين هو للحياة، الدين نحتاج إليه في المسجد، ونحتاج إليه في السوق، نحتاج إليه في البقالة، في المنزل.. في كُــلّ مكان، في كُــلّ موقع من مواقع الحياة، في كُــلّ مجال من مجالات الحياة؛ لأَنَّه نظامٌ من الله ينظمْ لنا حياتنا عل أَسَاسٍ أَخْــلَاقي، على أَسَاسٍ أَخْــلَاقي، اليوم ما الذي نعانيه من الرأسمالية في العالم؟ الرأسمالية في العالم جعلت الحصول على المال غاية وهدف رئيسي، ثم قالت: (الغايةُ تبرِّرُ الوسيلةَ)، وبالتالي فتحت المجال لِكُـــلِّ الأساليب المحرمة والوسائل المحرمة في الحصول على المال بأي طريقة، مهما كانت تلك الطريقة محرمة أَو ظالمة، في الإسْـــلَام هذا محرم، هذا محرم، يأتي الإسْـــلَام ليعطيَ أهميَّةً قصوى للجانب الاقتصادي، ومما يدلل على هذه الأهميَّة أَنْ تَكُـــوْنَ الجرائمُ في المجال الاقتصادي من أشنعِ الجرائم، من أَكْبَــرِ الجرائم في المعاملات، عندما يكونُ الربا أفظع من أربعٍ وثلاثين زنية، فهذا يدُلُّ على أهميَّةِ الجانبِ الاقتصادي في الإسْـــلَام، الجانب الاقتصادي إِذَا قام على أَسَاسٍ صحيح، وعلى معاملات سليمة، وعلى تعامل نظيف وسليم من الغش والخداع والمكر، وقام على أَسَاسٍ من الأمانة، وعلى أَسَاسٍ من الإتقان والجودة، وحُسنِ المعامَلة، والصدق في المعاملة، هذا يساعدُ على الاستقرار الاقتصادي، وعلى النمو الاقتصادي، السوق يحتاج إلى أمانة، يحتاجُ إلى قيم، الدول التي نهضت احتاجت إلى قيم تحكم العمل، من بين هذه القيم: الاتقان، الجودة العالية للمنتج، الأمانة، الأمانة يحتاج إليها، الياباني عندما حرص على أَنْ تَكُـــوْنَ منتجاته منتجاتٍ قيّمة، منتجات متقنة، منتجات موزونة بميزانٍ صحيح، لو بنى على الغش والخداع لكانت منتجاته رديئة، الغش يؤثر حتى على المنتج، الغش في المعاملة، الغش في الإنْتَــاج يؤثر على جودة المنتج، الغش يترتب عليه انعدام للثقة ما بين المشتري والمستهلك من جانب، وما بين البائع، يؤثر هذا – في النهاية- على النمو الاقتصادي، وعلى الاستقرار الاقتصادي، وعندما يصبح الغش وسيلة معتمدة يؤثر بشكلٍ كبير على الإنْتَــاج، ثم على الاقتصاد، ثم على النمو الاقتصادي، ويتشجع الكثير على التعامل بهذه الطريقة المغشوشة، يكونُ ضحيتَها الناسُ، يكون ضحيتَها المشترون والمستهلكون.
ولذلك نحن معنيون بشكلٍ عام، الدولةُ من جانبها أن تركِّــزَ بشكلٍ كبير على التدقيق في الجودة، في المعايير، في المواصفات، وأن تراقب عملية البيع والشراء، والاتقان في الكيل والوزن، والسلامة من الغش، وكل أشكال الخداع في المعاملات التجارية والاقتصادية والبيع والشراء.
ومعنيون كمجتمع أن نحرصَ على تقوى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأن نتحلى بهذه القيم، وأن نلتزم بهذه التعليمات في معاملاتنا في البيع والشراء، الحذر من الغش بكل أشكاله، الحذر من الغش في الكيل والوزن، البعض مثلاً قد يلعب في الميزان، يجعل له ميزان ولكن يلعب فيه لعبة معينة تساعده على الغش في المعاملة، ثم الغش في الجودة، في المنتج، أن لا يكون منتجاً رديئاً، البعض مثلاً: سواءً في بيع الفواكه، أَو بيع البعض من المنتجات، يحاول يكون ظاهر هذا المنتج من الأَشْيَاء الجيدة والسليمة، يوجّهه فقط الوجه؛ لينفّقه ويقدم صورة عن بقية البضاعة وكأنها بذلك المستوى من الجودة، ويغش المشتري، فالضابط الأَسَاسي لمعاملاتنا في البيع والشراء ومعاملاتنا التجارية والاقتصادية هو هذه المبادئ والتعليمات الإلهية، التي إن التزمنا بها نستطيع أن نتفوق على الآخرين في الإنْتَــاج الاقتصادي بجودة عالية وبأمانة كبيرة، ونستطيع أن ننشر الاطمئنان في أوساط المشترين والمستهلكين، فيقبلون على الشراء وهم مطمئنون، وهذا له أهميَّةٌ في نمو الاقتصاد في المجتمع الإسْـــلَامي، ويساعدُ مجتمعَنا الإسْـــلَامي أَنْ يَكُـــوْنَ مجتمعاً قوياً بقوة اقتصاده، اللهُ يريدُ لنا أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــةً قويةً، أن لا نعتمدَ على المنتج الخارجي والأجنبي؛ لأَنَّنا نرى فيه الجودةَ والإتقانَ والأمانة، ثم نرى في منتجنا المحلي أنه منتجٌ رديء، أَو أنه يعتمدُ على معاملات وإجراءات غير سليمة ولا موثوقة، هذه مسألة خطيرة جداً، (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، وما أحسن هذا التعبير القُـــرْآني وما أعظمه وما أهداه، (ذَلِكَ خَيْرٌ): إِذَا صلحت المعاملة واعتمدت على التعليمات الإلهية في البيع والشراء والتجارة والاقتصاد، ففي هذا خير للمجتمع، خير أولاً: بركة من الله، الله يبارك للناس، ثانياً: اطمئنان يساعد على الازدهار والنمو الاقتصادي، وازدهار المعاملة والنشاط في العمل والبيع والشراء، (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أحسن عاقبة.
فربما اليوم من أَكْثَــر ما يؤثر على مجتمعنا المسلم في واقعه التجاري والاقتصادي الإخلال بهذه القيم، نحن فقدنا عناصرَ أَسَاسية ضربتنا في اقتصادنا كمجتمع مسلم، مع أننا نمتلكُ من المقومات ما لا يمتلكه الآخرون، فقدنا الشعورَ بالمسؤولية لننهض، لم يعد عندنا اهتمام لننهض، أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــةً قوية؛ لأَنَّنا عطّلنا جانبَ المسؤولية في حياتنا، عطّلنا مسألةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد في سبيل الله، أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــة حاضرة في الساحة العالمية لنشر الخير والدعوة إلى الخير، ومكافحة الفساد والظلم والطغيان في أرجاء العالم، عندما عطلنا هذه المسؤولية لم نعد نشعر بالحاجة إلى أَنْ نَكُــوْنَ أُمَّــةً قوية، ودخل في هذا آفات كثيرة من كثير من المرشدين والموعظين والمعلمين والسياسيين، وأتى جانب الطغيان الذي يسعى إلى استعباد الأُمَّــة واضعافها ليكون قوياً، وهذا مثَّل عاملاً آخرَ، ثم فقدنا هذه القيم في التعامل التي تساعدنا أَنْ نَكُــوْنَ الأُمَّــة التي تنتج أحسن المنتجات، أَنْ تَكُـــوْنَ الأَكْثَــرَ أمانةً بين الأُمَــم في إنْتَــاجها الاقتصادي، الجودة على نحوٍ لا مثيل له لدى الآخرين، الإتقان، الإخلاص، الصدق.. هذه القِيَمُ العمليةُ التي تساعدُنا اقتصادياً، ولها عاقبةٌ مهمَّةٌ في النمو الاقتصادي، والاستقرار الاقتصادي، وحتى في الاستقرار الاجتماعي، وحتى في الاستقلال والحرية والكرامة، لدينا كُــلُّ المقومات الاقتصادية، لكن بحاجةٍ إلى قيمٍ، إحساسٍ بمسؤولية، حُسْنٍ في التعامل.
أكتفي بهذا المقدار.. نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُوَفِّـــقَنَا وإيّاكم لما يُرضيه عنَّا.. وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..