السؤال الملحّ: هل تشن أمريكا الحربَ على إيران؟ بقلم/ إبراهيم السراجي
يجتهدُ المحللون هذه الأَيَّــام في البحثِ عن إجابة على السؤال الذي بات الأكثر إلحاحاً من قبل الرأي العام الدولي، وهو هل ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بشن الحرب على إيران؟ ورغم أن المحلّلين طرحوا تحليلات تتضمن نقاطاً منطقية قد تقود إلى الإجابة على جزء من السؤال ولكنها أغفلت الكثير من العوامل الأخرى التي تعد رئيسية في قراءة مآلات التوتر القائم بين واشنطن وطهران.
إذا كان السؤال هو: هل تستطيعُ أمريكا شنَّ حرب على إيران؟ فإن الإجابةَ نعم من حَيثُ القدراتِ العسكريّة، ولكن هل تستطيعُ تحمُّلَ كلفة هذه الحرب؟ وهل أمريكا في وضع يسمح لها بشنها؟ وهل ما يزال الشرق الأوسط ملعباً رئيسياً لأمريكا أم أن لدى الأخيرة هاجساً آخرَ يهددُ مكانتَها وهيمنتها على العالم اقتصادياً وعسكريًّا؟
حالياً تخوضُ أمريكا معركتَها الكبرى مع الصين على قمة الاقتصاد العالمي التي منها تهيمن واشنطن على العالم، في ظل عجز أمريكا على سد الفجوة في الميزان التجاري مع الصين وكذلك عجزها عن كبح جماح الأخيرة من الوصول إلى المركز الأول كأعلى ناتج قومي على مستوى العالم، ففيما كان الناتجُ القومي الأمريكي مطلعَ الألفية الجديدة يمثل أكثر من 45% من إجمالي الناتج القومي للعالم كله مقابل 1% فقط للصين فإن هذه النسبةَ تغيّرت، فصحيحٌ أن أمريكا ما تزال الأولى إلا أن ناتجَها بات يمثلُ 17% من الناتج القومي العالمي مقابل 14% للصين التي يُتوقَّعُ لها أن تتجاوزَ أمريكا وتتربعَ على العرش الاقتصادي العالمي بحلول عام 2025م.
وبناءً على ذلك فإن إقدامَ واشنطن على شن حربٍ على إيران يعني من ناحية الكلفة الاقتصادية أن تسلِّمَ قمةَ الاقتصاد العالمي للصين باكراً وبشكل مجاني وقبل الموعد المتوقع، وهذا سيمثل كارثة على أمريكا التي ما تزال، بدون حرب، تحاول عاجزة عن وقف صعود الصين؛ ولذلك يتابعُ الجميعُ كيف وصل مستوى الصراع الاقتصادي بين الدولتين إلى الذروة.
في عام 2003 عندما غزت أمريكا العراقَ كان الشرق الأوسط ما يزال الملعبَ الرئيسيَّ للأمريكيين وكانت الصين في ذلك الحين بعيدةً عن تهديد مكانة أمريكا الاقتصادية والعسكريّة، وكذلك كانت إيرانُ أضعفَ بمراحلَ أَو بالأصح أقل قوةً مما هي عليه اليوم ومع ذلك لم تجرؤ أمريكا في ذلك الحين على خوض حرب مع إيران رغم أن تهديداتِ إدارة بوش في ذلك الوقت وصلت إلى ذات المستوى الذي عليه إدارة ترامب اليوم.
كانت حادثةُ إسقاط الطائرة الأمريكية “غلوبال هوك” التي اخترقت الأجواء الإيرانية قبل أيام بمثابة الصدمة بالنسبة للأمريكيين ومؤشراً رئيسياً على ما ستتعرضُ له الولاياتُ المتحدة في حال شنت حرباً على إيران، فهذه الطائرةُ التي دخلت الخدمةَ قبل ست سنوات فقط يملكُ الجيش الأمريكي منها 10 طائرات فقط وجرى تصنيعُها من أجل التغلب على التقنيات التي تمتلكُها الصين وروسيا ولم يكن في حُسبان الأمريكيين أن تتمكّنَ الدفاعات الإيرانية محلية الصنع على اكتشاف الطائرة المتطورة بل وإسقاطها، وهو ما جعل البنتاغون وفقاً لعدة تقاريرَ موثوقةٍ يراجعُ حِساباته ونظرتَه إلى إيران وإمكانية شن الحرب عليها.
باختصار تدركُ واشنطن أن إيرانَ قوةٌ لا يُستهانُ بها وأنها كانت عاملاً رئيسياً في هزيمتها في سوريا، كما يدرك الأمريكيون أنهم لن يكونوا قادرين على تحمُّلِ الكلفةِ الاقتصادية والعسكريّة لحربٍ لا يمكنُهم بأي حال من الأحوال ضمانُ عدمِ تعرضهم للهزيمة فيها، ناهيك عن ضمانِ تحقيقِ الانتصار.