الدورةُ الصيفية وأثرُها في إبطال مفاعيل الحرب الناعمة .. بقلم/ علي عبدالله صومل
للثقافة دورُها المباشر وأثرها الظاهر في صياغة الوعي وصناعة السلوك فتصرفات الأشخاص والمجتمعات والشعوب تعبر عن لون الثقافة التي تأخذ بمجامع عقولهم وَتملأ زوايا نفوسهم.
إن حالة الفراغ الذهني والخواء الفكري التي يعيشها السواد الأعظم من أبناء الأُمَّــة الإسْــلَامية اليوم لهي النافذة المفتوحة التي تتسلّل منها ميكروبات الثقافة الغربية الوافدة إلينا عبر وسائل البث والإذاعة والنشر فتصادف قلوباً فارغة كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته _كما شبهها الإمام علي -عَلَيْهِ السَّــلَامُ-.
إن الحرب الفكرية الناعمة _التي تفوق خطورتها الحرب العسكريّة الصلبة_ تمتلك القدرة الفائقة على تشكيل تصورات جمهور المستهدفين وترجيحاتهم وخياراتهم وجداول أعمالهم بطريقة إيحائية مغرية وأسلوب سلس جذاب ولكنها لا تستطيع أن تحقّــق نجاحاً يُذكر إذَا كان المجتمع أَو الشعب المستهدف بها يمتلك ثقافة مستقلّة ضاربة الجذور وهُـوِيَّة أصيلة واضحة الحدود وإليكم ما قاله: منظر الحرب الناعمة نفسه البروفسور الأمريكي جوزيف ناي (لا يمكن لأية حملة تواصل استراتيجي مهما كبرت وتوسعت من أن تؤثر في المجال العام للآخرين وهي تروج لشعارات ومطالب وقضايا وقيم وسياسات غير مرغوب بها شعبياً).
إن الثقافة الرائدة ذات المعالم الواضحة والدعائم المكينة هي الحصانة الوحيدة التي ستحمي العقول من خطر الإصابة بالفيروس الفكري المنتشر في فضاء العالم الإلكتروني والمتفرخ من مستنقعات الوباء الفكري في دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد وبدون سلاح المعرفة الفعال لن نتمكّن من التصدي لحملات الغزو الثقافي المسعورة والمدججة بسلاح التكنولوجيا العصرية المتطورة بالغة الخطورة والقدرة في اختراق جدار الوعي وتحطيم أبنية الفكر.
وللأسف الشديد فقد استطاعت الاستقطاعات الفكرية الحادة للقوى الظلامية المعادية أن تجتذب مئات الآلاف من شباب الأُمَّــة الإسْــلَامية قاطبة والشعب اليمني المسلم العزيز خَاصَّـــة إلى حضائر الحداثة الأوروبية والأمريكية المعاصرة ومحارق مشاريعها الاستعمارية المغامرة كما هو الحال مع مرتزِقة العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن الذين تمكّن العدو من تجنيدهم ضد إخوتهم من أبناء الشعب اليمني الحر وأنا هنا أتحدث عن الهاوية السحيقة والنفق المظلم الذي وقع فيه أولئك الشباب السذج بمنطق المرارة والحزن لا من منطلق العداوة والحقد وأشعر أننا نتحمل جزءا كبيرا من مسئولية الضياع لهذه الشريحة الواسعة من الشباب المغرّر بهم من جهة الغرب فنحن من تركهم عرضة للسذاجة والجهل وفريسة لذئاب التكفير والفتنة والفسق كما سنتحمل كامل المسؤولية عن الجيل الصاعد إن وقع في الفخ وظل جادة الحق ومن منطلق الاستشعار للمسئولية الدينية الملقاة على عاتق العلماء ومدرسي العلوم الشرعية في يمن الإيمان والحكمة والفقه فقد فتحت المراكز الصيفية أبوابها أمام طالبي العلم وخُصُــوْصاً الناشئة وصغار السن فعلى أولياء الأمور وربات البيوت أن ينتهزوا الفرصة بتفريغ أولادهم لطلب العلم والدفع بهم إلى مراكز الدورات الصيفية للعلوم الشرعية إما عن طريق الهجرة بهم إلى أي هجرة من هجر العلم المعدة لإيواء المهاجرين لطلب العلم أو تسجيلهم في أقرب مركز صيفي إن لم تكن المراكز الصيفية لهذا العام قد توزعت على مختلف القرى المأهولة أَو الأحياء السكنية.
بالعلم سنتكمن من بناء الحضارة وصناعة النهضة وقهر الأَعداء وقد قسم أمير المؤمنين علي -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- الناس إلى ثلاثة أصناف كما ورد ذلك في كلام له -عَلَيْهِ السَّــلَامُ- لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (-عَلَيْهِ السَّــلَامُ-) فَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ:
يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ..
النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيق… إلخ فانظر أخي القارئ ٍمن أي أصناف الناس الثلاثة أنت؟.
إني نظرت إلى الشعوب فلم أجد
كالجهل داء للشعوب مبيدا
فالجهل لا يلد الحياة مواته
إلا كما تلد الرمام الدودا
ولنختم مقالنا بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد روي عنه أنه كان يقول: (اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وحلني بالعافية..
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما إلى علمنا).