حول مقترحِ صنعاءَ لنصرة فلسطين .. بقلم/ أنس القاضي
ما أصدره المجلسُ السياسيُّ الأعلى الحاكِمُ في اليمن، من بيانٍ تضامنيٍّ مع القضية الفلسطينية في مواجهة المساعي التصفوية للقضية، وما أورده من بنودٍ عمليةٍ متعلقةٍ بذلك ليسَ “خطة عملية لتحرير فلسطين” كما جاء في عنوان غلاف صحيفة المسيرة (عدد الثلاثاء، 25-6-2019م) بما تعنيه الخطةُ العمليةُ من إجراءات تنفيذية محددة ومزمنة وموزعة المهام، فما أصدرته صنعاء هي دعوةٌ ومقترحٌ لتوحيدِ الجهود العربية نصرة لقضية الفلسطينية في وضع تأريخي يَشهد مساعيَ صهيونيةً وإمبرياليةً محمومةً لتصفية القضية في “صفقة القرن”، وهي دعوةٌ هامةٌ ومسؤولةٌ، قابلةٌ للتحقق وتحيط بها معوقاتٌ في الواقع يُمكن التغلُّبُ عليها إذَا ما وُجِدَتِ الإرادةُ السياسية العربية الموحدة.
الفكرةُ التي طرحتها صنعاء، ليست الأولى من نوعها، بل هي بناءً على أفكار طرحت في ستينيات وسبيعنيات القرن الماضي في زمن صعود حركات التحرّر الوطنية (القومية والاشتراكية)، وما يميّز دعوة اليمن هو أنها صدرت في الوضع الراهن الوضع الذي يتميز بالميل إلى المهادنة والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وخسارة الشعوب والدول العربية لكثير من مكتسبات حقبة التحرّر الوطنية، لتؤكّـــد هذه الدعوة بأن القضية الفلسطينية كواقعٍ موضوعي لا يُمكن تجاوُزُها فإذا ما خفت الأصواتُ لنصرتها من هذه الدول والقوى في فترة معينة اتَّقدت الدعوةُ من جديد من قبل قوىً ودولٍ أخرى، فنصرةُ القضية الفلسطينية حاجةٌ وضرورةٌ للتقدم والتطور العربي ككل، حيث أن الوجودَ الصهيونيَّ لا يؤثر سلباً على دول الطوق المحاددة لفلسطين، بل يمُسُّ ضرُّه كُـــلّ الأقطار العربية خاصةً وأن الكيانَ الصهيوني يُعد قاعدةً وركيزةً للقوى الامبريالية لتخريب الأوضاع في دول المنطقة واستغلال مواردها، بل وعلاوة على ذلك في استخدام الشَعوب العربية كجنودٍ للحروب الامبريالية ضد القوى التي لها موقفٌ من الاستعمار والصهيونية وللتخريب في الدول التي هي مطبِّعةٌ مع العدو وما زالت تحتفظُ بقدرٍ ولو بسيطاً من مكتسبات حقبة التحرّر الوطني، كوجودِ مؤسّساتٍ عسكرية وطنية ومؤسّسات اقتصادية إنتاجية محلية، كمصر، والاستهداف الخاص للجمهوريات القومية والتي تُحترق بنيران عربية إسْــلَامية مثل (سوريا، العراق، مصر، ليبيا، اليمن، الجزائر، لبنان) ودول صديقة كإيران الثورة الإسْــلَامية الداعمة للقضية العربية.
على الرغم مِن أن الوحدةَ العربيةَ متعذِّرُ الوصول إليها في هذه الظروف من حيث العاملِ الذاتي، أي عدم وحدة السياسات الحاكمة في الأقطار العربية وميول معظمها لمهادنة للكيان الصهيوني، إن لم يكن التطبيع، وكذلك تناقض الوحدة مع مصالح البرجوازيات العربية الطفيلية التي تحتكرُ أسواقَ بلدانها، إلا أن الدعوةَ تستند على إمكانيات موضوعية متوفرة في العالم العربي تمكن الدول العربية من نُصرة القضية الفلسطينية إذَا ما تم استيعابُها وتوحيدُها وتوجيهُها في خدمة القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة التي وردت في مقترحِ صنعاء عسكرياً وسياسياً وفكرياً واقتصادياً ومالياً، -في ظل إخماد الدعوات الطائفية والعصبوية التي تفكك المجتمع العربي- وهي ممكناتٌ قادرةٌ ليست فقط على نُصرةِ القضية الفلسطينية، بل وعلى إعادة الاعتبارِ للشعوب العربية المضطهدة وتقويةِ الدول العربية صوبَ السلام والتعايش والتنمية والتطور والتقدم الاجتماعي، ومعالجة قضايا الأقليات العرقية في وضع الرفاه الأكيد على أُسُسِ العدالة والديمقراطية والأخوّة العربية الكُردية الأمازيغية؛ لتسهم “الأُمَّةُ العربية” في إغناء الحضارة الإنْسَــانية مع كُـــلّ أمم وشعوب الأرض وتسندُها في قضاياها العادلة في مواجهة الامبريالية الغربية.