السيد عبدالملك الحوثي في خطاب الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأَخَــوَاتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
في آخرِ خميسٍ من شهر شوال الموافق لـ 17 من شهر يناير 2002م أعلن السيدُ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” في محاضرتِه الشهيرةِ الصرخة في وجه المستكبرين شعارَ البراءة وهُتاف الحرية المعروف:
اللهُ أَكْبَــــر..
الموتُ لأمريكـــا..
الموتُ لإسرائيل..
اللعنةُ على اليهود..
النصــرُ للإسْــلَام..
ليكونَ بدايةً لانطلاقة مشروعٍ قرآنيٍّ تنويريٍ نهضويٍ شاملٍ ابتدأه بهذه الخطوةِ العملية المهمة، والظروف التي أعلن فيها هذا الموقف، وانطلق فيها هذا المشروعُ القُـــرْآني الذي يشمل رؤيةً كاملةً تعتمد على القُـــرْآن الكريم كمصدرٍ للهداية والنور، الظروف معروفة- آنذاك- ما بعد أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر، وفي ظل الهجمة الأمريكية الشاملة على أمتنا الإسْــلَامية، وفي الذروة من الاعتداءاتِ الإسرائيليةِ على الشعب الفلسطيني، والاعتداءات التي تأتي أيضًا على مناطق أُخْــرَى من شعوب هذه المنطقة، وبالذات البلدان المحاذية -وبالدرجة الأولى لبنان- المحاذية لفلسطين، في تلك المرحلة كان الجو العام هو جوًا أطبقت فيه حالةُ الصمت على كثيرٍ من أَبْنَــاء الأُمَّـــة، واتّجهت فيه معظمُ الأنظمة الرسمية في بلداننا العربية والإسْــلَامية للتحالف الصريح والمعلن تحت قيادة أمريكا، والأمريكي كان متَّجِهًا لأَنْ يوظِّفَ أحداثَ الحادي عشر إلى أبعدِ مدى؛ بهَـدفِ السيطرة على هذه الأُمَّـــة، سيطرةً مباشرةً شاملة، ويتحَــرّك الأمريكي والإسرائيلي- وكلاهما وجهانِ لعُملةٍ واحدة- بمُخَطّطات تدميرية رهيبة تستهدفنا كأمةٍ إسْــلَامية، في ظل هذه الظروف أتت هذه الانطلاقة، وأعلن هذا المشروع، وأتت هذه الصرخةُ التي هي كاسمِها صرخةٌ في وجه المستكبرين، فهي صرخةٌ بالفعل في وجه المستكبرين؛ وانطلاقًا من وجود تهديدٍ وخطرٍ محقّقٍ وأكيد علينا كأُمّةٍ إسْــلَامية، وخطرٌ شاملٌ وكبير تأتي فيه أمريكا بكل ثقلها وطاقاتها وإمْــكَاناتها، ومن حولها الغرب، وتأتي معها إسرائيل أيضًا، والصهيونية العالمية تشتغلُ في هذا المُخَطّط بكل الأساليب والوسائل، ونحن في الواقعِ كأمةٍ إسْــلَامية معظمُ أبنائها لا يمتلكون المنعةَ والحصانةَ في وجه هذه الهجمة، أُمَّـــة تعاني من وضعٍ داخليٍّ كارثي بما تعنيه الكلمة، والظروفُ التي تعيشُها على كُـــلّ المستويات هي ظروف تُطمِّعُ أَعْـــدَاءَها فيها، وتُشجِّعُ أَعْـــدَاءَها للإقدام على خطوات خطيرة للغاية في استهدافِ هذه الأُمَّـــة، وفي الطمع بالسيطرة التامة الشاملة على هذه الأُمَّـــة: كبشرٍ، كموقع جغرافي.. السيطرة على كُـــلّ المجالات: على المستوى السياسيّ، والاقتصادي، والثقافي، والفكري، ومسخ هُوِيَّة هذه الأُمَّـــة، وتدمير هذه الأُمَّـــة وتفكيكها وبعثرتها، حتى تصلَ إلى مستوى الانهيار التام؛ لضمان أن تفقد كُـــلَّ عناصر القوة والمنعة التي يمكنُ أن تعملَ بها أَو تستفيدَ منها في حماية نفسها، وفي العودة إلى حالة الاستقلال، أَو كسب الحرية.
فهناك بالفعل هذا الخطرُ الكبيرُ والشاملُ، وهذه الوضعيةُ الداخليةُ المأساويةُ والكارثيةُ، التي يرى فيها العدوّ فرصةً يحرصُ على أن يستغلَّها، وأيضًا انطلاقًا من مسؤوليتنا كأمةٍ مسلمة في التصدي لهذا الخطر ومواجهة هذا التهديد؛ باعتبارِ أن علينا مسؤولية: مسؤولية إنْسَــانية وفطرية، وهي أيضًا مسؤوليةٌ دينيةٌ؛ بحكم انتمائنا للإسْــلَام؛ بحكم هُوِيَّتنا الإسْــلَامية أن نتحَــرّك انطلاقًا من مبادئ هذا الإسْــلَام العظيم، الذي يفرض علينا أن نكفُرَ بالطاغوت، وأن نتحرَّرَ من سيطرته، وأن لا نقبَلَ من أحدٍ أن يستعبدَنا من دون الله، وأَنْ نَكُـــوْنَ أحرارًا، وتلك القيمُ العظيمة في هذا الدين، وتلك التشريعاتُ والتوجيهاتُ الإلهية التي تحفَظُ لنا استقلالنا وتبنينا كأمةٍ مستقلةٍ وعظيمةٍ وقويةٍ ذات منعة، منعة كاملة: منعة أخلاقية، منعة مبدئية، منعة فكرية وثقافية، أُمَّـــة عزيزة بعزة الإيْمَـــان، أُمَّـــة محصنة من كُـــلِّ حالات وأساليب الاختراق.
انطلاقًا من هذه المسؤولية، وانطلاقًا من هذا الواقع الواضح والمؤكّـــد والذي لا التباس فيه، كان هذا الموقف وأتى هذا المشروع، ومنذ ذلك اليوم وإلى اليوم، وبالرغم من كُـــلّ الجهود الهائلة المتمثلة بكل أشكال الحروب والاستهداف لإسكات هذا الصوت، والقضاء على هذا المشروع ووأده منذ البداية، إلا أن هذا المشروعَ نما وتعاظَمَ وقَوِيَ وتجذّر؛ لأَنَّه منطلقٌ بالاستناد إلى واقعٍ حقيقي، وبالاستناد أيضًا إلى القُـــرْآنِ الكريم، إلى الحَــقّ الذي لا ريب فيه، ثم أتت -منذ ذلك اليوم وإلى اليوم- كُـــلُّ الشواهد التي تشهدُ لهذا العمل أنه عملٌ صحيحٌ، وأنه توجُّــهٌ صائبٌ، وأنه موقفٌ حَــقٌّ، وأنه موقفٌ ضروريٌّ تفرضُه المسؤوليةُ، ويتطلبُه الواقعُ، وتفرِضُه الظروفُ، وأن الأُمَّـــةَ: إما أَنْ تَكُـــوْنَ في حالة الموقف، وإما أَنْ تَكُـــوْنَ في حالة اللا موقف، حالة اللا موقف يعني الاستسلام، يعني الخضوع للعدوّ، يعني أن تُمَكِّنَ الأُمَّـــةَ هي عدوها من نفسها، وهذا هو خلافُ الحكمة، خلافُ الحَــقّ، وخلافُ المسؤولية، خلافُ الفِطرة الإنْسَــانية، سيكونُ موقفًا خاطئًا، وباطلًا، وسيئًا، وممقوتًا عند الله، ويجر على الأُمَّـــةِ الوبالَ والنكالَ والخَسَارَةَ الرهيبة التي لا يمكن تفاديها.
طبيعةُ الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي لأمتنا، ومعه تحالُفُه الواسع، معه كُـــلُّ تلك القوى التي تتبعُه، تتآمَرُ معه، تشتركُ معه، تشتغلُ معه في مؤامراته على هذه الأُمَّـــةِ والاستهداف لهذه الأُمَّـــة، طبيعةُ هذا الخطر والتهديد، وهو شاملٌ يشتغلُ في كُـــلّ المجالات: يشتغلُ في المجال السياسيّ وبشكلٍ واضحٍ ومكشوفٍ وصريح وعلني، بل تروّضت هذه الأُمَّـــةُ إلى أن تتقبلَ هذا التدخلَ في شؤونها السياسيّة، وكأن الأمريكي، وكأن الإسرائيلي، وكأن الغربي جزءٌ لا يتجزأ ومعنيٌّ أَسَــاسيٌّ بقضاياها بأَكْثَــرَ مما هي معنيه، بمشاكلها بأَكْثَــرَ مما هي معنية، بوضعها وواقعها الداخلي بأَكْثَــرَ مما هي معنية؛ حتى بات البعضُ من أَبْنَــاء الأُمَّـــة قد يتقبل بالأمريكي أن يتدخل في موضوعٍ معين أَو قضية معينة، ولا يتقبل بأخيه المسلم، ولا يتقبل بابن جلدته ووطنه، ويقبل من الآخر-وبكل رحابة صدر- أن يأتيَ، وأن يفرِضَ آراءَه، وأن يتدخَّلَ بكل أشكال التدخل.
مستوى هذه الهجمة التي أتت لتشملَ كُـــلَّ المجالات: على المستوى السياسيّ، على المستوى الثقافي والفكري، وتسعى أيضًا على المستوى العسكريّ بفرض قواعدَ عسكريّة ووجود عسكريّ وتدخلات عسكريّة بالقتل والتدمير والاحتلال في مناطق هنا وهناك من ساحتنا العربية، من ساحتنا الإسْــلَامية، التدخل على مستوى العقوبات الاقتصادية.. التدخل بكل أشكاله، مستوى هذه الهجمة الشاملة والكبيرة والهائلة لا بدَّ في مواجهة هذا التهديد وهذا المستوى من الخطر من مشروعٍ نهضويٍ تعبويٍّ شاملٍ وواسع، لا يتجهُ فقط إلى النخبة لا يقتصرُ فقط على المساحة السياسيّة؛ لأَنَّ الهجمةَ من الأَعْـــدَاءِ هجمةٌ شاملةٌ، وتستهدفُنا في كُـــلِّ شيء، وأتت إلى كُـــلّ مجالات الحياة وميادين الحياة، فنحن بحاجة إلى أن يُقابَلَ هذا العدوان وهذا المشروع المعادي بمشروعٍ واسع، وبحالة استنهاض شاملة، وبحالة تعبئة شاملة تأتي إلى كُـــلِّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة؛ لأَنَّ العدوّ يستهدفُ كُـــلَّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة، يسعى للتأثير على كُـــلِّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة، يسعى للسيطرة على كُـــلّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة، له برامجُه وأنشطُته واهتماماتُه التي تستهدفُ كُـــلّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة: رجالًا، ونساءً، وأطفالًا، كبارًا وصغارًا، من كُـــلّ الفئات وعلى كُـــلّ المستويات، ويشتغلُ ويتحَــرّكُ ويتسلّلُ من كُـــلّ النوافذ والأبواب لاختراق كيان هذه الأُمَّـــة، والتغلغُلِ إلى ساحتها الداخلية، والتأثير في واقعها الداخلي.
ففي مواجهة هذا المستوى من الاستهداف لا بدَّ أَنْ يَكُـــوْنَ هناك مشروعٌ شاملٌ، مشروعٌ استنهاضيٌ، ولا بدَّ أن يلحظَ هذا المشروع كمشروعٍ شامل لا يتجهُ فقط إلى النخبة، وإنما يتجهُ إلى جماهيرِ الأُمَّـــة وأَبْنَــاء الأُمَّـــة بكلها، أن يلحظَ التعبئةَ والتحسيسَ بالمسؤولية، وأن يلحظَ رفعَ مستوى الوعي لدى أَبْنَــاء الأُمَّـــة، الوعيَ بالعدوّ، المعرفةَ بالعدوّ، المعرفة بمُخَطّطات هذا العدوّ، بأساليبِ هذا العدوّ، والمعرفة أيضًا بالأساليب والوسائل الصحيحة للتصدي لمؤامرات هذا العدوّ في كُـــلّ المجالات، وإبطال وإفشال كُـــلّ مُخَطّطاته ومؤامراته في كُـــلّ المجالات أيضًا.
هذه الرؤيةُ من أين تتوفر؟ من أين تتوفر رؤيةً شاملةً، رؤيةً واسعةً، مفاهيمَ صحيحةً، برنامجَ عمل يؤتي ثماره المطلوبة في تعبئة الأُمَّـــة، في إكسابها وفي تعبئتها بالطاقة اللازمة لمواجهة هذا المستوى الكبير من التهديد والخطر، ولتزويدها بالرؤية النقية والصحيحة والسليمة تجاه هذا العدوّ وتجاه مخاطره؟ لا شيء يرقى إلى مستوى القُـــرْآن الكريم يحقّقُ للأُمَّـــة كُـــلّ هذا: رؤيةً متكاملةً صحيحةً واقعية، وكذلك أيضًا طاقةً معنويةً هائلة ترتقي بالأمة لمستوى مواجهة هذه التحديات وهذه الأخطار، وهكذا كان المشروعُ القُـــرْآني الذي تحَــرّكَ به السيدُ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، وشعاره المعروف، وخطوته المشهورة والمعروفة بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ثم ما يدخلُ ضمن هذا المشروع من خطوات عملية في كُـــلّ المجالات، وما يقدِّمُه للأُمَّـــة لتحصين ساحتها الداخلية من كُـــلّ حالات الاختراق والاستهداف.
منذ اليوم الأول كان من الواضح أن الأَعْـــدَاء سيبذلون جهدًا كبيرًا لاختراق كيان الأُمَّـــة، والتأثير على ساحتها الداخلية، وأن نشاطًا واسعًا بالنسبة لهم يتجه إلى التأثير الفكري والسياسيّ، والتأثير فيما يتعلق بالولاء في داخل هذه الأُمَّـــة، وعندما نعودُ إلى القُـــرْآن الكريم فهو سواءً في سورة البقرة، أَو في سورة آل عمران، أَو في سورة المائدة، أَو في سورة النساء.. في كثيرٍ من سوره المباركة، يركز عندما يتحدثُ عن هذا الخطر الذي يمثله أَعْـــدَاء الأُمَّـــة عليها يركّزُ في مساحةٍ واسعةٍ منه على واقع الأُمَّـــة من الداخل، وعلى أن أَكْبَــــر ما يشكل خطورةً على هذه الأُمَّـــة من أُولَئك الأَعْـــدَاء هو التأثير على أَبْنَــائها في مسألة الولاء والتبعية والتطويع، وأنهم- أَي أَعْـــدَاء هذه الأُمَّـــة أُولَئك- يسعَون إلى السيطرة على هذه الأُمَّـــة بهذه الطريقة بشكلٍ كبير، عندما يسعَون إلى فرض حالة التبعية لهم، والتطويع لأَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة؛ كي يكونوا مُطِيعين لهم، والتأثير على أَبْنَــاءِ هذه الأُمَّـــة؛ حتى يتمكّـنوا من السيطرة على الإنْسَــان، بعد أن يسيطروا على فكره، على ثقافته، على توجّــهاته، بعدَ أَنْ يَكُـــوْنُوا هم مَن يصنعون رأيَه، من يتحكمون في ولاءاتِه وعداواتِه وتوجُّــهاتِه ومواقفه، وهذا هو أخطر مستوى من التأثير والسيطرة، هو الأسلوبُ الشيطاني الذي سلكه إبليس، سلكه الشيطانُ -لعنه الله- منذ البداية في صراعه مع بني آدمَ وفي عدائه لبني آدم، وأُولَئك الأَعْـــدَاءُ هم يسلكون هذا السلوكَ، مع أنهم لا يألون جُهدًا في تدمير هذه الأُمَّـــة حتى على المستوى العسكريّ، مع أن العداءَ من جانبهم لهذه الأُمَّـــة واضحٌ ومعروفٌ، مع أن أسلوبَهم في التعامل حتى مع مَن يواليهم من أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة واضحٌ ومعروف بالاحتقار والسخرية والاستهتار والاستخفاف، والتعبير بما يكشف عن أنهم لا يرون فيهم إلا أدوات يستغلونها، أَو بقرةً حلوبةً يحلبونها، يحلبون دَرَّها، يستغلون إمْــكَاناتها الماديَّة وثرواتها، هم واضحون في ذلك، والأمورُ واضحةٌ ومكشوفة، ومع ذلك يسارعُ الكثيرُ من أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة والبعضُ من أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة في خطواتٍ واضحة ومكشوفة لتولِّيهم، ومناصَرَتِهم، والتطبيع معهم، والتحالف معهم، والعداء للأحرار من أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة، الذين يصرُّون على الاستقلالِ والحرية والكرامة، يتمسَّكون باستقلال أمتهم واستقلالهم، ويمتنعون عن التبعية لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة.
وهذا الذي يظهَرُ اليومَ وبشكلٍ كبيرٍ وبشكلٍ واضح أنه لا بُــدَّ من عمل يبني الأُمَّـــة لتكونَ بمستوى مواجهة هذه التحديات والأخطار على كُـــلّ المستويات، ولا بدَّ من عملٍ يحصِّنُ الأُمَّـــة من الداخل من هذا الاختراق الذي يهدفُ إلى تطويعِ أَبْنَــاء الأُمَّـــة، واستغلالهم، والتحكم في ولاءاتهم، وتوجيههم للعداء لمن يعادي أمريكا وإسرائيل، لمن يناهضَ الهيمنة الأمريكية والسيطرة الأمريكية، والسياسة الأمريكية التدميرية والعدائية، وله موقفٌ مبدأيٌّ وحاسمُ ضد الكيان والعدوّ الإسرائيلي، هذه مسألةٌ أثبتت الأحداثُ والوقائعُ أنها ضروريةٌ لا بُــدَّ منها، آنذاك كان البعضُ يناقشُ ويجادل.
آنذاك كان البعضُ يناقشُ ويجادلُ ويقولُ: [كُلُّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة يكرهون إسرائيل، وكُلُّ أَبْنَــاء الأُمَّـــة لهم موقفٌ من إسرائيل]، مع أن المسألةَ كانت حتى آنذاك واضحةً، لكن يومًا بعدَ يوم اتضح الواقعُ، وتجلّى كيف أن البعضَ من أَبْنَــاء الأُمَّـــة يسعَون إلى فرضِ حالة الولاء والتبعية لأمريكا، وحالةِ الولاء والتطبيع مع إسرائيل، حتى على أَبْنَــاءِ الأُمَّـــة بشكلٍ عام، اليوم لا يكتفي النظامُ السعوديُّ، ولا النظامُ الإماراتي، ولا أتباعُهم: آل خليفة في البحرين.. أَو غيرهم هنا أَو هناك في هذا القطر العربي أَو ذاك، لا يكتفون بأنهم هم في موقع الخيانة وفي مسار الولاء والتبعية لأمريكا وإسرائيل، وفي هذا التوجّــُهِ المنحرف والخاطئ، لا يكتفون بذلك، إنما يحاولون أن يفرضوا هذه الحالةَ من التطبيع والولاء والتبعية لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة أن يفرضوه على بقيةِ أَبْنَــاء الأُمَّـــة، ويسعَون إلى أن يخضعوا كُـــلّ الأُمَّـــة لأعدائها معهم، هم أخضعوا أنفسهم، واتّجهوا هذا التوجّــهَ الخاطئَ والمنحرفَ، لكنهم لم يكتفوا بذلك، ويحاولون أن يفرضوا ذلك بكل الوسائل والأساليب: بأساليبِ الترغيب لمن يتمكّـنون من شرائه بالثمن البخسِ والتافه، مقابلَ الخيانة، والبيع للمبادئ والقيم، والتنصل والتفريط في قضايا الأُمَّـــة الكبرى. أَو على مستوى الترهيب ومعاداة مَن يعادي إسرائيل، من يناهِضُ أمريكا، معاداته بكل وضوح، وتكونُ هي المشكلةُ الرئيسيةُ والجوهرية لهم مع غيرهم من أَبْنَــاء الأُمَّـــة، مثل ما هو الحال في عدوانهم على بلدنا، على شعبنا اليمني المسلم العزيز، والذي تعتبر المشكلة الرئيسية لهم مع هذا الشعب هو: أن هذا الشعبَ اختار الموقفَ المبدئي الذي يفرضُه عليه إيْمَـــانُه، هُوِيَّتُه الدينيةُ والإيْمَـــانية، انتماؤه للإسْــلَام، فِطرتُه، حريتُه، كرامتُه، فَأَرَادَ أَنْ يَكُـــوْنَ شعبًا مستقلًا حُــرًّا متمسِّكًا بقضايا أمته الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومقدَّسات الأُمَّـــة في فلسطين، ومناصرة الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من هذه الأُمَّـــة، ورفض هذه التبعية وهذا الولاء لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة، هذا الولاء المحرم شرعًا، هذا الولاء الذي يقولُ الله عنه في القُـــرْآنِ الكريم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، وبالتالي أصبحت هذه مشكلةً رئيسيةً لهم مع هذا الشعب؛ لأَنَّ المطلوبَ من الجميع هو ماذا؟ الخضوعُ والخنوعُ والتبعية والاستسلامُ والطاعة، الطاعةُ لأمريكا، الطاعة لإسرائيل، الطاعة لمن يُطَبِّعُ مع أمريكا ويُطَبِّعُ مع إسرائيل.
وأتت الورشةُ التي أقامها آلُ خليفة في البحرين قبل أيامٍ قلائلَ أقاموها كخطوة من خطوات الخيانة الكبرى لهذه الأُمَّـــة، وهي خطوةٌ -إن شاء الله- فاشلةٌ بإذن الله، ولكنها فاضحة وكاشفة، حصحص الحَــقُّ وتجلت الحقائقُ بأَكْثَــرَ من أَي زمنٍ مضى، يفترضُ للبعض من الناس الذين يعيشون الحالةَ البقرية: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}[البقرة: من الآية70]، حالة التلبيس على أنفسهم، يفترض بهم اليوم -وأَكْثَــرَ من أَي زمنٍ مضى- أن يبصروا هذه الحقائق الواضحة، الجليّة جدًا، وأُولَئك يجتمعون عند أُستاذهم (كوشنير) وهو يقدم لهم ويرسُمُ لهم الخطواتِ، ذلك الصهيوني اليهودي (كوشنير) يرسُمُ لهم معالمَ صفقة الخيانة والعار التي بدأوا هم يعملون على تمريرها، يسعَون لذلك خدمةً لمن؟ خدمةً لأمريكا، خدمةً لإسرائيل، وخيانةً لأمتهم، وخيانةً للشعب الفلسطيني، وخيانةً للمقدَّسات، خيانةً للأُمَّـــة بكلها، خيانةً للمبادئ العظيمة لهذا الإسْــلَام العظيم، بدون حياءٍ، بدون تحرُّجٍ يجتمعون ويتوجّــهون في هذه الخطوات، وهذا كُلُّه يُثبِتُ أنه لا بُــدَّ من عمل في داخل الأُمَّـــة، عمل يُحَصِّنُهَا من الولاء لأمريكا، يُحَصِّنُهَا من الولاء لإسرائيل؛ لأَنَّ هناك من يشتغلُ باستمرار في داخل الأُمَّـــة، لماذا؟ ليصنعَ في هذه الأُمَّـــةِ هذا الولاءَ، هذا الولاء لأمريكا وهذه التبعيةَ لأمريكا، هذا الولاءَ لإسرائيلَ وهذا التطبيعَ مع إسرائيل، لدرجة أن تقدمَ مُقَــدَّسات الأُمَّـــة، ويضحّي بشعوب الأُمَّـــة، وتقدم أراضي هذه الأُمَّـــة وبلدان ومناطق هذه الأُمَّـــة هديةً لأعدائها، في مقابل الاسترضاءِ لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة والتودد إلى أَعْـــدَاء الأُمَّـــة، وأن يُقَدَّمَ أَعْـــدَاءُ الأُمَّـــة على أنهم هم الأصدقاء والأحباء، وأَنْ تَكُـــوْنَ عمليةُ التعاون معهم وهي الخيانة بذاتها، والتحالف معهم وهو الغدر للأُمَّـــة والانقلاب على الأُمَّـــة بعينه، أن تُقدَّمَ على أنها هي الموقف الصحيح، والاتّجاه الصحيح الذي يدفع إليه الناس دفعًا إن بالمال وإلا بالعصا.
في ظِلِّ واقعٍ كهذا أَوَّلًا يظهرُ جليًا الأهميَّة القصوى لعمل في داخل الأُمَّـــة نفسها، لتحصينِها من هذا الولاء، لتحصينها من هذه التبعية؟ بلى.
ولذلك عندما أتى هذا المشروعُ القُـــرْآني واتّجه بشكلٍ رئيسي لتحصينِ الأُمَّـــةِ من الداخل؛ لأَنَّه انطلق على أَسَــاسِ الاهتداء بالقُـــرْآن الكريم، القُـــرْآنُ الذي كلَّما حدثنا عن أُولَئك الأَعْـــدَاء رسم لنا خطواتٍ لتحصيننا من الداخل؛ لسدِّ الثغرات في الداخل، قدّم خطواتٍ تعبويةً استنهاضية، يعرفنا أن أُولَئكَ أَعْـــدَاءَ، وأن علينا أن نبنيَ أنفسَنا لمواجهتهم في كُـــلّ مجالات الحياة وميادين الحياة، وأن المعركةَ معهم هي ليست فقط في الميدان العسكريّ، والميدان العسكريّ جزءٌ أَسَــاسيٌّ فيها، ولكنها تمتد إلى كُـــلّ المجالات.
أُولَئك يغزونك اليوم، يغزون أمتِنا إلى كُـــلِّ منزل، وليس فقط إلى كُـــلِّ دولة أَو إلى كُـــلِّ قُطر، عبرَ التأثير الإعلامي، الهجمةُ الإعلاميةُ التضليلية التي يشغلُ فيها الكثيرُ من الأبواق، من أبواقهم في هذه الأُمَّـــة من المنافقين، والمخادعين، والمضلين، الذين يعملون لمصلحتهم تحتَ كُـــلّ العناوين، الأمريكي والإسرائيلي كلاهما يفعِّلُ في هذه الأُمَّـــة الخطابَ الديني حتى، فيأتي الموعِظُ ويأتي الخطيبُ من على منبر المسجد، ويأتي الآخرُ باسم أنه مُفتٍ، والآخرُ تحت أَي عنوان: لجنة علمائية، هيئة كبار العلماء.. تحتَ كُـــلّ المسميات وعلى كُـــلّ المستويات، ويأتي الآخرون في الحقل السياسيّ، ويأتي الآخرون من البوابة الاقتصادية، لا يَدَعُ عنوانًا إلا وتحَــرّك من خلاله، ولا يَدَعُ نافذةً إلا وحاول أن يتسلّلَ من خلالها؛ ولذلك لا بُــدَّ أَنْ تَكُـــوْنَ عمليةُ التحصين لهذه الأُمَّـــة من الداخل عمليةً رئيسيةً في التصدي لهذه الهجمة الهائلة، التحصين للمناهج الدراسية، التحصين للخطاب الديني، العمل على المستوى الاقتصادي بما يحصِّن وضعنا الاقتصادي من التأثيرات والاختراقات والسياسات التدميرية المضرة بهذه الأُمَّـــة، المحطمة لهذه الأُمَّـــة، وعلى المستوى السياسيّ، على كُـــلّ المستويات والمجالات.
ولهذا قدَّمَ السيدُ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” أَكْثَــرَ من مائة محاضرة ودرس، كُـــلُّ مضمونِها ومحتواها يتَّجِهُ إلى كُـــلّ المجالات التي يركِّزُ عليها القُـــرْآنِ الكريم، ويرسُمُ من خلالها منهجًا متكاملًا ورؤيةً شاملةً للتصدي لهذا الخطر الذي يمثلُه علينا أُولَئك الأَعْـــدَاءُ في استهدافهم لأمتنا.
كان البعضُ يقول: [ما قيمة أن تنشروا في أوساط الناس هذه الحالةَ من التعبئة ضد الخطر الأمريكي والإسرائيلي؟ ليسكت الناس، ليجمدوا، ليقعدوا]، النظرةُ الخاطئةُ لدى البعض: أن نتعامَلَ تجاهَ هذه الهجمة التي أتت على كُـــلّ المستويات، وفي كُـــلّ المجالات، وبكل الوسائل والأساليب، أن نتعاملَ معها بالصمت، وأَنْ يَكُـــوْنَ موقفُنا تجاهَها الجمودَ، أَنْ نَكُـــوْنَ كالأموات، يعني: أن نتركَ الفرصة للعدوّ ليعمل كُـــلّ ما يشاءُه بنا، دون أَنْ تَكُـــوْنَ أمامه أَيةُ عوائق، لا ثقافية، ولا فكرية، ولا نفسية، ولا عملية.. ولا بأي شكلٍ من الأشكال، يعني: افتحوا الأبواب والنوافذ، وتكتفوا بأيديكم حتى لا تتحَــرَّكَ، واخرصوا وابصموا واسكتوا واجمدوا، ودعوه يفعلْ ما يشاءُ ويريدُ، هل هذا هو منطقُ الفطرة؟ هل هذا هو منطقُ الإسْــلَام؟ هل هذه رؤيةٌ حكيمة صحيحة؟ بأيِّ تصنيف من مستويات التصنيف لدى البشرية، بالميزان الفِطري أَو بميزان الدين. لا، لا ذا ولا ذاك، رؤية الجبناء أَو الجهلة الغافلين، أَو رؤية من هم عُمَــلَاءُ وهم يريدون أن تجمُدَ هذه الأُمَّـــة وأن تسكُتَ، لماذا؟ لتُمَكِّنَ عدوها؛ لأَنَّهم يريدون لعدوِّها أن يتمكّـنَ منها، أَو رؤية غير حكيمة لدى البعض الآخر: رؤية لا تدركُ طبيعةَ هذا الصراع، مستوى هذه الهجمة، الوسائل والأساليب التي تشتغل عليها، إِذَا كانت سياسة التطويع وسيلة، إِذَا كانت حالةُ فرض الولاء والتأثير بالولاء لليهود والنصارى وسيلة للعمل عليها في داخل هذه الأُمَّـــة، ألا يستدعي ذلك نشاطًا بين أَبْنَــاءِ هذه الأُمَّـــة أنفسهم لتحصينهم من هذا التولي، من هذا الولاء، من هذه التبعية، من هذه الميول، من هذا التأثر بهذا العدوّ وأعوانه من أَبْنَــاء الأُمَّـــة؟ بلى، كُـــلّ الشواهد واضحة؟.
لا شَكَّ أننا نحتاجُ كأُمَّةٍ مسلمةٍ في مواجهة هذه الهجمة إلى الوعي الكبير، الذي يُفترَضُ أَنْ يَكُـــوْنَ مدعومًا في العملية التثقيفية، أَنْ يَكُـــوْنَ عنوانًا رئيسيًا في الأنشطة التعليمية، في الأنشطة الإعلامية التي تسعى إلى فضحِ الأَعْـــدَاء في كُـــلّ مؤامراتهم ومُخَطّطاتهم، وفي كُـــلّ أنشطتهم التي يتحَــرّكون من خلالها للتأثير على أَبْنَــاء الأُمَّـــة، ألم يتحَــرّكوا في مؤتمر البحرين -مؤتمر آل خليفة في البحرين- تحت العنوان الاقتصادي؟ ألم يجعلوا من الجانبِ الاقتصادي عنوانًا؟ أَوَليسوا يتحَــرّكون تحت كُـــلّ العناوين؟ أَوَليسوا يستغلون حتى المجال الرياضي للتطبيع مع إسرائيل، ويستقدمون فِرَقًا رياضيةً صهيونيةً للمشاركة معهم في هذا البلد أَو ذاك من بلداننا العربية والإسْــلَامية؟ يعني: أنت أمامِ عَـدُوٍّ يركزُ على كُـــلّ المجالات، وأنت تجاه هذه الهجمة بحاجة أن تحضرَ بقوة في كُـــلّ المجالات حضور الوعي، حضور المواجهة، الحضور الذي تتصدى فيه في كُـــلّ ميدان، في كُـــلّ مجال؛ لهذا العدوّ الذي يحاول أن ينفَــذ، أن يتسلّلَ من هنا أَو هناك، حتى من النافذة الرياضية يحاول أن يتسلّلَ، يسعى إلى أن يؤثرَ حتى على الأطفال في هذه الأُمَّـــة عبر برامجَ تلفزيونيةٍ هادفة، لها أَهْــدَافٌ معينةٌ؛ لتحدثَ تأثيراتٍ معينةً، لترسخَ مفاهيمَ معينةً، لتترك تأثيرات معينة حتى في نفوس الأطفال، يستهدف النساء للتأثير عليهن في أشياء كثيرة: لنشر الفساد، لضرب الأسرة المسلمة.. يستهدف الشبابَ بوسائلَ كثيرةٍ، يشتغلُ تحت عناوينَ واسعةٍ، عَـدُوٌّ يتحَــرّكُ بكل طاقاته، بكل إمْــكَاناته، بكل قدراته، وعدوٌّ يمتلكُ الإمْــكَانات، يمتلكُ الخِبرةَ، يمتلكُ القدرةَ على التخطيط، على ابتكارِ الكثيرِ من الأساليب، الخطر على هذه الأُمَّـــة هو في التنصُّل عن المسؤولية، في التفريط، في التجاهل لما يعمله الأَعْـــدَاء، أما اليقظةُ، أما الوعيُ، أما التحمُّلُ للمسؤولية، أما التحَــرُّكُ الجادُّ الذي يعتمدُ على الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، والذي يستندُ إلى الحَــقِّ فهو لخير الأُمَّـــة، لمصلحة الأُمَّـــة، لعزة الأُمَّـــة، لكرامة الأُمَّـــة.
اليومَ هناك انقسامٌ كبيرٌ في واقع الأُمَّـــة بين معسكرَين واضحين: أحدهما يتجهُ للولاء والتبعية لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة، ويفتضح أَكْثَــرَ فأَكْثَــرَ يومًا بعد يوم، وأحدُهما يتبنى المواقفَ الصحيحة السليمة المبدئية، التي يفترضُ أن تتبناها كُـــلُّ الأُمَّـــة، وهي: الاستقلالُ، الحرية، الكرامة، التمسُّك بحقوق هذه الأُمَّـــة الإسْــلَامية، بحقوق كُـــلّ شعوبها، بمُقَــدَّساتها، باستقلالها بكرامتها، بحريتها، بدفع الظلم عنها، ويأتي البعضُ ليصنفَ هذا التوجّــه وكأنه هو التوجُّــهُ الخاطئ والتوجّـُـهُ الشاذُّ والتوجُّــهُ الغريب، ثم يأتي الطرفُ الذي يتجه اتّجاهَ الولاء والتبعية لأمريكا وإسرائيل فيحاول أن يقدمَ توصيفاتٍ لنفسه وكأنه الذي يرفعُ لواءَ العُرُوبة، وكأنَّه الذي يحملُ راية الإسْــلَام، وكأنه المعنيُّ حصريًا بالتبني لقضايا الأُمَّـــة، وكأن الذي يخالفُه في توجُّــهه، ولا يسيرُ معه ولا يتبعُه في هذا التوجّــه، هو المتمردُ والشاذُّ عن ما ينبغي أَنْ تَكُـــوْنَ عليه الأُمَّـــةُ.
كُلُّ هذه الأحداثِ خلال كُـــلّ هذه المراحل وما هو قائمٌ اليوم يوضحُ للجميع أهميَّةَ التعامل الجادِّ والتحمل للمسؤولية، وأَنْ تَكُـــوْنَ المواقفُ محسوبةً بحسابِ المسؤولية أمام الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-.
عندما انطلق السيدُ حسين بدر الدين الحوثي “رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” ليتحَــرَّكَ على أَسَــاسِ القُـــرْآنِ الكريمِ كمصدرِ هداية، وعلى أَسَــاسِ أن تضبطَ المواقفَ بضابطِ المبادئ، بضابط المسؤولية الإيْمَـــانية، بضابط الهُوِيَّة الإسْــلَامية؛ لأَنَّه يدرك أننا في مرحلةٍ من أخطر المراحل، وأن هناك مَن سيروّجُ لحالة التبعية والولاء لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة، والتفريط بقضايا الأُمَّـــة، والتآمر على أَبْنَــاء الأُمَّـــة، وَإِذَا لم تبقَ المواقفُ مضبوطةً بضابط المبادئ والأخلاق، بضابط القُـــرْآن الكريم، بضابط الحَــقّ، بضابط الفطرة، فهناك مَن سيسهُلُ عليه أن يفرِّطَ مع نقص الوعي، مع ضعف الإيْمَـــان، مع حجم الإغراءات، مع حجم الهجمة التضليلية تحت عناوين تشوش على الكثير.
عندما حرّكوا العنوانَ الطائفي من خلال الأدوات التكفيرية، عملوا منه عمليةَ تشويش على البعض، الأمريكي يهُمُّه أن يستغلَّك تحت أَيِّ عنوان، لا يهُمُّه أَنْ يَكُـــوْنَ العنوانُ عنوانًا طائفيًا، عنوانًا أَو لَقَبًا محسوبًا في الساحة الإسْــلَامية، أَو مفردةً من المفردات التي يتداولها المسلمون ما دامت في خدمتِه وفي سبيله، ما دامت لتحقيقِ أَهْــدَافه، ولكن الأمورَ جليةٌ مهما رفعت من عناوينَ، الأمورُ جليةٌ، الارتباطاتُ واضحةٌ.
يوم رفعتِ الأدواتُ التكفيرية في سوريا عنوانَ الجهاد، وهي ترتبطُ بكل وضوح بأدوات أمريكا وعُمَــلَاء أمريكا، ثم يتضحُ ارتباطُها حتى بإسرائيل، ثم تظهرُ مشاهدُ الفيديو ونتنياهوا يزورُ جرحاهم ويتفقدُهم في المستشفيات الإسرائيلية، هذه الارتباطاتُ الواضحةُ هي تكشفُ زيفَ كُـــلّ تلك العناوين التي يرفعُها هذا الطرف أَو ذاك الطرف.
عندما رفع النظامُ السعوديُّ عنوانَ العروبة في حربه على شعبنا اليمني المسلم العزيز، الأصيل في هُوِيَّته وانتمائه، والأصيل في مواقفه المبدئية والأخلاقية، فأتى ليرفعَ عنوانَ العروبة، وأنه يريدُ أن يعيدَ شعبَنا إلى حضن العروبة، وأتى أحيانًا ليرفعَ عنوانًا طائفيًا ويصفَ شعبَنا بالمجوسي، ثم يأتي كُـــلَّ وقتٍ بعنوان، وفي كُـــلّ مرحلة يرفع عنوانًا معينًا، تتضحُ الأحداث، تتكشّفُ الأحداثُ وتتجلى الحقائق أنها مُـجَـرّدُ عناوينَ للاستهلاك الإعلامي؛ للتغطية على الأسباب الحقيقية، وأنها أيضًا لخداع البعض من السذج والمغفلين والحمقاء، وأنها أيضًا للتبرير لمن يرغبُ بأَنْ يَكُـــوْنَ له عنوانٌ تبريري، حتى لو عرف أنه مُـجَـرّدُ عنوان تبريري زائف لا يستند إلى الحقيقة، ليس هذا هو المهم، المهم أن تغطى الخيانة والعمالة والتبعية لأَعْـــدَاء الأُمَّـــة، وما يترتب عليها من جرائم رهيبة، من مؤامراتٍ فظيعةً، من جرائمَ شنيعةٍ بحق الأُمَّـــة، أن تغطى بأسماءٍ وعناوينَ للاستهلاك الإعلامي، عسى أن تغطّي شيئًا من السوءة، من القبح، من الشناعة، الخيانة والعمالة.
عندما يجتمعُ أُولَئك ليتآمروا على الشعب الفلسطيني، وهو الشعبُ العزيزُ المظلوم لعقودٍ من الزمن، والذي يعاني من مظلوميةٍ واضحة وكبيرة، وقضيتُه عادلةٌ لا لبسَ فيها، باتوا اليوم حتى يشكّكون في عادلة قضية الشعب الفلسطيني وهي قضية الأُمَّـــة بكلها، بات إعلاميوهم يتحدثون عن إسرائيل وعن العدوّ الإسرائيلي بحديثٍ آخرَ، بخطابٍ آخرَ، بمديح وثناء، وإشادة وتقدير، ويتحدثون حديثًا سيئًا، ويجهرون بالسوء من القول ضد المجاهدين في فلسطين والشعب الفلسطيني، ضد حركات المقاومة، ويجهرون بالسوء من القول ضد حزب الله الذي وقف أشرفَ المواقف في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، ورفع رأسَ الأُمَّـــة عاليًا بتحقيقِه الانتصارَ الإلهي التأريخي الكبير في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، باتوا واضحين في عمالتهم وخيانتهم، ومع ذلك يحاولون أن يوسّعوا دائرةَ الاستقطاب في داخل الأُمَّـــة، ويشتغلون في سبيل ذلك، ينفقون الأموالَ الكثيرة، يحرّكون كُـــلَّ وسائلهم وكُلَّ إمْــكَاناتهم، بما في ذلك وسائلُهم الإعلامية لخدمة إسرائيل.
ولذلك علينا أن ندركَ جيدًا قيمةَ الموقف الحَــقِّ الذي نحن فيه، وأنه يستحقُّ منا أن نضحِّيَ، ويستحقُّ منا أن نبذُلَ الجهدَ؛ لأَنَّنا في الموقف الصحيح والسليم والطبيعي، الموقف الطبيعي بمقتضى الفطرة الإنْسَــانية لدى كُـــلّ أمم الأرض قاطبة، موقف الاستقلال والحرية والكرامة، موقف التمسُّك بالحق الثابت والحقوق الثابتة، أما أُولَئك فهُمْ في الموقفِ الخاطئ والغبي، وكما قلنا: لا يُقَدِّرُ لهم أَعْـــدَاءُ الأُمَّـــة ما هم فيه من ولاءٍ وتبعية، هم يسخرون منهم، ترامب بنفسه يتحدثُ عنهم بالسخرية والاستهزاء، ويصرّحُ بأنهم البقرة الحلوب، ويعبِّرُ عنهم كأدواتٍ للاستغلال، مع الاستخفاف بهم والاحتقار لهم، وهذا يكشف ويثبت أن الحب من طرف واحد، كما قال الله في القُـــرْآن الكريم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، في الوقت الذي يتوجّــهون فيه كُـــلَّ هذا التوجّــه كعُمَــلَاء وخونةٍ للتطبيع مع إسرائيل، للتبعية لأمريكا، لا الأمريكي يقدر لهم ذلك، ولا الإسرائيلي يقدر لهم ذلك، والكل يرى فيهم العُمَــلَاء والأدوات الرخيصة، الأدوات التافهة، الأدوات التي لا قيمة لها، لكنه يراها أدوات مفيدة يستغلها، وهكذا قدّم لهم ذلك الذي يتولونه ويتجهون معه، ويعادون أَبْنَــاءَ الأُمَّـــة من أجله وبولائهم له، يعتبرهم البقرةَ الحلوب، هذا كلما حصلوا عليه، ليسوا أَكْثَــرَ من أدوات تستغل، وفي نهاية المطاف تخسر: تخسر في الدنيا، وتخسر في الآخرة، إنه وعيدُ الله، وإنها الحقائقُ التي لن تتخلَّفَ أبدًا، مصيرُ الذين في قلوبهم مرض: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، مصيرهم المؤكّـــد بتأكيدٍ من الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- الخُسرانُ والندمُ، أن يخسروا وأن يندموا، أما مصيرُ الثبات على الحَــقّ، الموقفُ الحَــقُّ، الموقفُ الصحيح، الموقفُ السليم، الموقفُ الذي يستندُ إلى توجيهات الله، إلى ما يفرضُه انتماؤنا الديني، انتماؤنا للإسْــلَام، هُوِيَّتُنا الإيْمَـــانية فهو الموقفُ الحَــقُّ الذي عاقبته النصرُ بوعد الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- الذي لا يتخلف.
علينا أن ندركَ جيدًا قيمةَ الموقف الذي نحن فيه، أن نتمسّكَ به أَكْثَــرَ فأَكْثَــرَ، أن نعززَ ارتباطَنا بالموقف الحَــقّ، وأن نعتمدَ على الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، أن نواصلَ جهودنا في كُـــلِّ المجالات للتصدي لهذه الهجمة التي تسعى إلى الاختراق للداخل في الأُمَّـــة، وأن نسعى لبناء أنفسنا في كُـــلّ المجالات في هذا الصراع الذي واحدٌ من أَهَــمِّ الوسائل الأَسَــاسية فيه هو البناءُ للأُمَّـــة في كُـــلّ مجالات الحياة، من ضمن ذلك الجانب الاقتصادي، وأن نربّي أَبْنَــاءَنا وشبابَنا وأمتنا بشكلٍ عام تربية القُـــرْآن الكريم على العزة، على الإيْمَـــان، على الكرامة، على الحرية، على التحمل للمسؤولية، على حمل الروحية الجهادية بمفهومها القُـــرْآني التحرّري العظيم، الذي يحرّرُ الأُمَّـــةَ من الطاغوت والاستكبار، أن نربِّي أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة على أن يعيشوا حالة الحرية والكرامة وجدانًا ومشاعر، وفهمًا للمبادئ والقيم، وتمسُّكًا بها، وثباتًا عليها.
نحنُ كشعبٍ يمنيٍ مسلمٍ بحمد الله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- وبتوفيقه نتحَــرّكُ في هذا المسار، في هذا الاتّجاه التحرّري، لا نبالي بالآخرين مهما وصّفوا هذا الموقف الذي نحن عليه كموقفٍ مبدئي؛ لأَنَّه موقفُ الحَــقِّ، ولا نتحرّجُ من علاقتنا بأَبْنَــاء أمتنا المسلمين، أَنْ يَكُـــوْنَ لنا علاقةٌ إيجابيةٌ مع الشعب الفلسطيني، مع مقاومته، مع مجاهديه، أَنْ تَكُـــوْنَ لنا علاقةٌ أُخويةٌ إيْمَـــانيةٌ إسْــلَامية مع من تربط ما بيننا وبينهم رابطة الإسْــلَام من أَبْنَــاء هذه الأُمَّـــة في أَيِّ قُطرٍ أَو في أَي بلد، مع من يثبتون على هذا الموقف المبدئي، هذا الموقفُ الصحيحُ في إيران، أَو في لبنان، أَو في العراق، أَو في سوريا.. أَو في أَي بلدٍ وقطر من أَبْنَــاء الأُمَّـــة، لا نتحرج من ذلك، أُولَئك يحاولون أن يجعلوا من علاقةِ المسلم بأخيه المسلم ذنبًا ووصمةَ عار، أما علاقتُهم بأَعْـــدَاءِ الأُمَّـــة، وخيانتُهم لأَبْنَــاء الأُمَّـــة، وتآمُرُهم على أَبْنَــاء الأُمَّـــة، فيقدمونه على أنه هو الذي يمثل العروبةَ ويمثلُ الإسْــلَام، وأنه الموقفُ الصحيح.
لسنا ممن تلتبِسُ عليهم مثلُ هذه الحقائق وهذه الأمور كشعبٍ يمني، أَبْنَــاء الأُمَّـــة -بشكلٍ عام- يدركون هذه المسألة جيدًا، الأُمَّـــة الإسْــلَامية معنية بالحذر من البقاء أَو التأثر بكل مساعي التدجين لأَبْنَــاء الأُمَّـــة؛ لأَنَّ هناك مسارين يعملان لصالح العدوّ في داخل الأُمَّـــة: المسار الأول: مسار استقطابي للعمالة الواضحة والخيانة المكشوفة، والمسارُ الآخر: مسار تدجين وتجميد لأَبْنَــاء الأُمَّـــة، وكلاهما يعملان لخدمة العدوّ، وفي كُلٍّ من المسارين خدمة واضحة محقّقة للعدوّ.
علينا أن نعملَ في الاتّجاه الصحيح، علينا أن نستجيبَ لله -سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- في نداءاتِه وتوجيهاته الكثيرة في القُـــرْآن الكريم، علينا أن نحمِلَ الوعيَ القُـــرْآنيَّ تجاهَ أعدائنا، الوعيَ الذي نتسلَّحُ به فنحصِّنُ ساحتَنا الداخلية من كُـــلّ أشكال الاختراق والتأثير في كُـــلِّ مجال من مجالات الحياة، علينا أن نكثّــفَ حالةَ التوعية في أَبْنَــاء الأُمَّـــة التي يترافقَ معه تحَــرُّكٌ عمليٌّ في كُـــلّ المجالات.
نكتفي بهذا المقدار، ونؤكّـــدُ من جديدٍ وقفتَنا المبدئيةَ والإيْمَـــانيةَ والثابتةَ مع إخوتنا الفلسطينيين، مع شعب فلسطين، تمسّكنا بهذه القضية مع الشعب الفلسطيني، بالمُقَــدَّسات، بأرض فلسطين، إدانتنا ورفضنا لكل أشكال الخيانة والتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، وكل أشكال التبعية والولاء لأمريكا وإسرائيل، ونقول من جديد ونهتف من جديد:
اللهُ أَكْبَــــر.
الموتُ لأمريكـــا.
الموتُ لإسرائيل.
اللعنةُ على اليهود.
النصــرُ للإسْــلَام.
سيظلُّ هذا الشعارُ عنوانًا رئيسيًّا لموقفِنا الثابتِ والمبدئي.
أَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..