صفقةُ القرن.. ما بين الرشد والغي .. بقلم/ حسن أحمد شرف الدين
إن القيامَ بالمسؤولية الدينية والوطنية والقومية، وأداءَ واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدمَ القبول بالاستضعاف، ومقاومةَ الظلم والمستكبرين، هي أمورٌ لا تسقُطُ عن الدول والحكومات والقيادات العربية والإسْــلَامية، كما لا تسقُطُ عن شعوبِ هذه الدول تحت أَي ظرف من الظروف، وإن بلغت حَــدَّ مواجهة عدوان عالمي وحصار جائر، كما يحدث منذ أربع سنوات ونيف مع بلدنا وشعبنا العزيز الذي لم يثنِه ما يواجهُه من ظلمٍ وعدوانٍ عن القيام بمسؤوليته وواجبه – قيادة وشعباً – في نصرة ودعم القضية الفلسطينية في كُـــلِّ موقف، ولا غروَ في ذلك فالإيْمَـــان يمانٍ كما قال رسول الله محمد عليه وعلى آله أزكى صلاة، فعلى المستوى الشعبي يحرصُ الكثيرُ من أَبْنَــاء الشعب على نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته في كُـــلّ مناسبة سيما مناسبة يوم القدس العالمي، حَـيْــثُ يحيونها في غير محافظة بالرغم مما يعانونه من ضائقة مالية وعدوان وأخطار؛ لأَنَّهم يدركون بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب والمسلمين وإن حاول بعضُ الحكام حرفَ البوصلة إلى قضايا أُخْــرَى، وعلى مستوى القيادة فمواقفُ وأفعال السيّد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظُه اللهُ- الداعمةُ للقضية الفلسطينية يشهدُ بها الماضي والحاضرُ والمستقبل، ومواقفُ القيادة السياسيّة أثناء عهد اللجنة الثورية العليا وحالياً في عهد المجلس السياسيّ الأعلى -بما يشكِّلُه من تنوُّعٍ سياسيّ وفكري- هي مواقفُ تؤكّـــدُ على نصرة الجمهورية اليمنية للشعب الفلسطيني والدعم الرسمي للقضية الفلسطينية، آيةُ ذلك الخطاباتُ الرسمية للقيادات السياسيّة في كُـــلّ مناسبة، والبيان الذي صدر مؤخّراً عن المجلس السياسيّ الأعلى الموجه إلى بعض حكومات الدول العربية والإسْــلَامية وتضمن مشروعاً أولياً لدعم القضية الفلسطينية في ظل ما نشهده من مؤامرة عليها وعلى الشعب الفلسطيني من قبل أمريكا وإسرائيل والعُمَــلَاء والمنبطحين من حكام الدول العربية والإسْــلَامية، تلك المؤامرة المعلنة التي تُعرف بصفقة ترامب والتي دشّنت أولى خطواتها بانعقاد ما سمي بورشة المنامة سيئة الصيت يومي ٢٥ وَ٢٦ من شهرنا الجاري يونيو ٢٠١٩م، حَـيْــثُ لم يثنِ سهر القيادة السياسيّة على إدارة عمليات مواجهة العدوان والحصار على مختلف الأصعدة عن القيام بالمسؤولية الدينية والوطنية والعربية اتّجاه ما تتعرض له القضية الفلسطينية فكان البيان الموفق بما تضمنه من مشروع عملي لدعم القضية الفلسطينية الذي يفترض أن يستقبل من الحكومات فضلا عن الشعوب بالترحيب والتأييد والدراسة والتطوير، غير إن البعض من أَبْنَــاء الأُمَّـــة العربية والإسْــلَامية رأوا خلاف ذلك، ومنهم أحد الإخوة الأعزاء من أَبْنَــاء الشعب اليمني، الذي كتب منشوراً في الفيس بوك يسخرُ فيه من مشروعِ المجلس السياسيّ الأعلى بشأن دعم القضية الفلسطينية، ويطالبُ فيه المجلسَ بعددٍ من المطالب التي يعتقد أن الأولى به تنفيذُها وليس التقدم بمشروع لدعم القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، وتتَـمَـثِّـلُ مطالباته تلك في:
– وضع خطة تحافظ على الرُّبع الباقي من أراضي الجمهورية بعد احتلال الإماراتيين والسعوديّين ثلاث أرباعها.
– وضع خطة لتحرير ميناء الحديدة.
– بوضع خطة لصرف مرتبات الموظفين المقطوعة من سنتين.
– وضع خطة لتوفير وجبة واحدة لأطفال اليمن الذين ينام جوعا منهم سبعة ملايين، بحسب تقارير الأُمَــم المتحدة والعمل على إنقاذهم من الموت جوعاً.
ومن منطلق القيام بالمسؤولية فقد اقتضى الواجبُ الردَّ على مطالباته تلك احقاقاً للحق وإبطالاً للباطل.
فَأَمَّا المُطَالَبةُ “بوضع خطة تحافظ على الربع الباقي من أراضي الجمهورية بعد احتلال الإماراتيين والسعوديّين ثلاث أرباعها”، فأقول: قد سمع ويسمعُ القاصي والداني ما سطّره ويسطّرُه أبطالُ الجيش واللجان الشعبيَّة من بطولات وملاحم تشرّفُ كُـــلّ يمني حيث الصمود في وجه أعتى عدوان عرفه التأريخ، ويشاهد العالم التطورات النوعية المتلاحقة للقوات المسلحة التي أربكت تحالفَ العدوان وتذله يومياً في سبيل تحرير أرض وبحر وسماء اليمن من كُـــلّ غازٍ ومحتلّ، وقبل ذلك الحفاظ على أعراض اليمنيين (كل اليمنيين)، وقد قدم أَبْنَــاءُ الجيش واللجان الشعبيَّة الآلافَ من الشهداء العظماء في سبيل ذلك، بالتوكل على الله العزيز الجبار والثقة في نصره، وبالاستناد على عدالة القضية ومظلومية الشعب اليمني، ويقف من وراء هؤلاء الأبطال قيادة شريفة وشعب صامد يستحيل كسره؛ لذا فالمطالبة هذه تعد سخريةً بتلك التضحيات الكبيرة.
وَأَمَّا المُطَالَبةُ “بوضع خطة لتحرير ميناء الحديدة”، فالجميعُ يعرفُ أن الميناءَ غير محتلّ، وأن الجيشَ واللجان الشعبيَّة لم ولن يقصّروا في الذود عنه، وأن السفنَ الواصلةَ إليه والمغادرة منه تخضعُ لتفتيش دولي منذ بدء العدوان، وبالتالي فالمطالبة بهكذا أمر تعد لغواً ليس إلّا.
وَأَمَّا المُطَالَبةُ “بوضع خطة لصرف مرتبات الموظفين المقطوعة من سنتين”، فيعلم العالمُ أجمعُ أن اتّفاقَ ستوكهولم قد أتى بناءً على مبادرة حكيمة (خطة) من القيادة الثورية والسياسيّة تؤسس لتفاهمات اقتصادية تتضمن استمرارَ إدارة موانئ الحديدة من قبل الموظفين القائمين عليها مع إشراف أُمَــمي ورقابة على جميع موارد موانئ ومنافذ الجمهورية اليمنية للعمل على تحييد الاقتصاد، تلك المبادرة (الخطة) التي قدمتها القيادة؛ حرصاً منها على صرف المرتبات لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة؛ باعتبارِها من حقوقهم التي يكفلها الدستور والقانون، وفي سبيل تمكينهم من مواجهة ظروف العدوان والحصار والتضييق في العيش الذي يفرضه عليهم تحالف العدوان ومرتزقته.
ولم يقتصر ما قامت به القيادةُ على تقديم المبادرة وتوقيع الاتّفاق فحسب، بل إنها نفّـــذت الاتّفاقَ من جانب واحد بعد تعنُّت التحالف والمرتزقة؛ وذلك حرصاً منها على المضي نحو تمكين الموظفين من رواتبهم، تلك الرواتب التي صرفت لجميع الموظفين في الجمهورية خلال أَكْثَــرَ من ثمانية عشر شهراً من بدء العدوان شهدت حيادية للبنك المركزي اليمني أقر بها العالم، أما من أوقف الرواتب فيعلم الجميع في الداخل والخارج أنهم حكومة الخونة المرتزقة بأمر من السفير الأمريكي في 18 سبتمبر من العام 2016م حين صدر “قرار” الخائن هادي بإقالة مجلس إدارة البنك المركزي اليمني ونقله من العاصمة اليمنية صنعاءَ إلى عدن، فتعرض مليونٌ ومائتا ألف موظف يمني معظمُهم في المحافظات الشمالية (ثمانمائة وخمسون ألف موظف) للحرمان من مرتباتهم ومصدر عيشهم على الرغم من تعهدات حكومة الخونة المرتزقة للأُمَــم المتحدة والمؤسّسات النقدية الدولية بصرف المرتبات، وبالتالي فمطالبة المجلس السياسيّ الأعلى وحكومة الإنقاذ بوضع خطة لصرف المرتبات وتحميلهما مسؤولية عدم صرفها تعد مطالبةً مجانبةً للصواب والإنصاف وظلماً لا يليق بكاتب المنشور وهو الخبير القانوني.
وَأَمَّا المُطَالَبةُ “بوضع خطة لتوفير وجبة واحدة لأطفال اليمن الذين ينام جوعاً منهم سبعة ملايين -بحسب تقارير الأُمَــم المتحدة- والعمل لإنقاذهم من الموت جوعاً”، فأقول: يعلم الجميعُ أن حكومة الإنقاذ -وَفْــقاً للظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعترض عملها جراء مواجهة العدوان والحصار- قد قامت بصرف نصف راتب لجميع موظفي الجهاز الإداري للدولة غير مرة، وقدمت كُـــلّ التنازلات في سبيل صرف المرتبات وتحييد البنك المركَزي عن الحرب ووقف ممارسات العقاب الجماعي بحق اليمنيين، كان آخرها توقيع اتّفاق السويد الذي تنصل المجتمع الدولي ممثلاً بالأُمَــم المتحدة عن تنفيذه في صورة تكشفُ بجلاءٍ حجم العدوان الدولي على اليمن واليمنيين، ومحاولة تحالف العدوان إذلال وتركيع الشعب اليمني، ومعلوم للجميع أَيْــضاً ما قامت وتقوم به حكومة الخونة المرتزقة من سياسات عبثية مؤدية لانهيار الاقتصاد اليمني الضعيف أصلاً، ومن ذلك سحبُ ما تبقى من سيولة مالية، والتحكم في موارد النفط والغاز، فضلاً عن الطباعة الجديدة للعُملة بالمليارات، غيرَ عابئةٍ بمؤشرات المجاعة وسوء التغذية التي تفتك بأَبْنَــاء الشعب اليمني في بعض المناطق الساحلية الغربية، وتفشي الأوبئة في غير محافظة، وحرمان الكثير من اليمنيين من حَــقّ الحصول على الدواء والرعاية الصحية، في عملية قتل جماعي لا تقلُّ بشاعةً عن جرائم القتل الجماعي للأطفال والنساء والمسنين والعجزة مع سبق الإصرار والترصد؛ لذا فما طالب به كاتب المنشور يعد ظلما ويدخل ضمن المزايدات على أقل تقدير.
وقد اختتم الأخُ العزيز منشورَه بالاستهجان مما تضمَّنته إحدى نقاط مشروع المجلس السياسيّ الأعلى من اقتطاع ما نسبته خمسة في المائة من إنفاق كُـــلّ دولة عربية وإسْــلَامية لدعم تحرير فلسطين، في الوقت الذي تستلم فيه السلطة الفلسطينية -بحسب كلامه- كُـــلّ شهر دعماً خارجياً يبلغ مائة مليون دولار، وَأَضَافَ أن المجلسَ يقومُ “بجمع تبرعات للمجهود الحربي كُـــلّ شهر من اليمنيين المساكين الذين يبحثون عن المرتبات”، فيكفي أن أقولَ بأن الشرفاءَ من أَبْنَــاء الشعب اليمني ينفقون ما يستطيعون من أموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ دِفاعاً عن اليمن واليمنيين (كل اليمنيين) ولا يوجد في ثقافتهم الدينية مصطلح “تبرع” وإنما مصطلح “إنفاق” بحسب توجيهات الله سَبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى، ينفقون أموالهم وأنفسهم بكامل إرادتهم في العسر واليسر ابتغاء مرضاة الله وثقة فيه وفي أنه سيخلفها عليهم أضعافاً مضاغفة، لا يكرههم ولا يجبرهم أحد على ذلك، وكما ينفقون أموالهم وأنفسهم في سبيل الله لاستمرار الصمود في وجه العدوان بالرغم من العسرة التي يعانون منها، فإنهم أَيْــضاً لن يبخلوا بالإنفاق في سبيل الله؛ دعماً ونصرة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وحماية للمُقَــدَّسات الدينية المتَـمَـثِّـلَة في المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، لا يثنيهم عن ذلك ما تستلمه السلطة الفلسطينية من دعم مالي خارجي مهما بلغ، ولا يثنيهم تقاعُسُ ولا مبالاة البعض من أَبْنَــاء الأُمَّـــة الإسْــلَامية، سواء بقصد أَو نتيجة تأثرهم بالسياسات والحروب السياسيّة والعسكريّة والاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والأَخْــلَاقية التي يشنها على الأُمَّـــة الطاغوت الأَكْبَــــر المتَـمَـثِّـلِ في أمريكا وإسرائيل وأدواته من حكام الدول العربية والإسْــلَامية.
ختاماً..
إنَّ منشورَ الأخ العزيز يكشف بجلاء ما تعانيه الأُمَّـــة من أزمة في الوعي جراء انحرافها عن هدى الله وتعاليمه وأوامره، وما تعرضت له من حملاتٍ خارجية ممنهجة استهدفت دينَها وثقافتها وقيمها ومبادئها وأَخْــلَاقها، لكن مع انطلاقة مشروع المسيرة القُـــرْآنية، وتعاظمه، وما يمثله من مشروع تنويري يسعى إلى اتّباع هدى الله المنزل في القُـــرْآن الكريم وتنفيذ أوامره فيما يتعلق بكيفية التعامل مع أَعْـــدَاءه وأَعْـــدَاء الأُمَّـــة، هذا المشروعُ الذي يمثل بارقة الأمل للتغلب على ما تعانيه الأُمَّـــة، والطريق السوي نحو بناء الأُمَّـــة التي تقيم القسط بين الناس وترتقي بالإنْسَــان في مختلف مجالات الحياة؛ ولهذا يسعى الطاغوتُ إلى محاربته لإبقاء أزمتنا مستمرة، وأنَّى له ذلك.
يقولُ اللهُ تعالى:
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) صدق الله العظيم.
وإني لَأدعو كاتبَ المنشور -ونحن نعيش إحْيَــاء أسبوع الصرخة في وجه المستكبرين- أن يطّلعَ على بعض محاضرات السيد حسين بدر الدين الحوثي مؤسّس هذا المشروع التنويري العظيم، ففيها ما يبدِّدُ الكثيرَ من العتمة التي كنا وكان ولا يزال يعيشُ فيها الكثير، وأسألُ اللهَ تعالى له ولهم ولنا الهداية والتوفيق..
واللهُ من وراءِ القصد..