جولةُ غريفيث الجديدة.. فرصُ السلام والحرب .. بقلم/ علي الدرواني
يبدأُ المبعوثُ الدولي، مارتن غريفيث، جولة جديدةً تشمَلُ الرياضَ وسلطنةَ عُمان والإمارات وروسيا، في إطار مساعيه لتحريكِ عجلة السلام الأممية في اليمن، بعد فترة جمود فرضها تعنُّتُ وتمنُّعُ قوى العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقتها فيما يُعرف الشرعية المزعومة، بذرائعَ واهيةٍ تتعلقُ بحياد المبعوث الأممي؛ بهَدفِ النكوص عن واجباتهم، وبالتحديد في تنفيذ التزاماتهم وفقاً لاتّفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، ورغم انطلاق المرحلة الأولى من إعادة الانتشار من طرف واحد، واستمرار خطواتها برعاية المنسق الأممي الجنرال لوليسغارد، وترحيب مجلس الأمن بالخطوة والثناء عليها.
لقد كان من الواضح أن قوى العدوان غيرُ جادة في الذهاب إلى حلول سياسية دون الحصول على مكاسبَ خاصةٍ في إطار أهدافها الحقيقية من عدوانها على اليمن، على غرار السيطرة واحتلال مدن الجنوب والجزر والمرافئ الساحلية، وعلى رأسها الحديدة، لتكونَ تحت إدارتها المباشرة، أَو تسليمها لأدواتها المرتزقة الذين لا يخالفون لها أمراً، والغرضُ الاستراتيجي هو خنقُ اليمن وعدمُ السماح له بالتطور والنهوض إلّا بالقدر الذي تقبل به دولُ الاحتلال الجديد.
هذه الأهدافُ بطبيعة الحال ليست خاصةً بالسعودية أَو الإمارات، بل هي الأهدافُ المشتركة بينهما من جهة وبين بريطانيا والولايات المتحدة أيضاً، وهذه الأربع منضوية تحت رباعية الشر الخاصة باليمن.
ورغم أن الموقفَ المتشددَ من قبل هادي وحكومته من المبعوث الدولي وإرسال برقية إلى أمين عام الأمم المتحدة للشكوى من غريفيث، لم يكن إلّا تعبيراً عن امتعاض أبو ظبي والرياض من خطوة إعادة الانتشار المشار إليها، ووصلت حَــدّ التهديد بنقض اتّفاق ستوكهولم، إلّا أنهم قبلوا أخيراً بالجلوس معه تحت الضغط الناتج عن اشتعال الميدان العسكري بالصواريخ المجنَّحة والطائرات المسيّرة التي تناوبت في الأَيَّام الأخيرة على زيارات شبه يومية إلى المطارات السعودية في نجران وجيزان وعسير، بالإضَافَــة إلى محطة الكهرباء والتحلية في عسير، وهو ما دعا مجلسَ الأمن لدعم المبعوث الدولي لإكمال مهمته، وكذلك الرباعية الدولية التي أكّـــدت في بيانها الأخير على ذلك.
ومع أن هذه العمليات قد مهّدت الطريقَ للمبعوث الدولي للعودة إلى المسار السياسي إلّا أن هذا المسار لا يبدو مساراً جدياً على الأقل حتى اللحظة الراهنة، بالضبط كما كان في السنوات الماضية، وإنما الغرض منه تهدئة وكبح جماح القوات المسلحة اليمنية عن الرد، وإيقاف سلسلة الأهداف المحدّدة بـ300 هدف عسكري وحيوي في المملكة السعودية.
بالإضَافَــة إلى ذلك فإنَّ الوضعَ في الميدان يشي بتحَــرّكات عسكرية ومحاولات هجومٍ في الحديدة وإرسال تعزيزات من قبل دولة الاحتلال الإماراتي عبر ميناء المخاء، وكلها تهدّدُ مسارَ ستوكهولم الذي تقدمُه الأممُ المتحدة ومجلسُ الأمن وحتى الرباعية المشؤومة كمقدمة لحلٍّ سياسي شامل.
صحيحٌ أن وسائلَ الإعلام تتناقلُ فرضياتٍ عن انسحاب الإمارات ببعض قواتها من اليمن، بدواعي الاستعداد لأي طارئ في الخليج بعد التوتر الأخير بين واشنطن وطهران، لكن هذه الأخبارَ يعتريها كثيرٌ من الشكوك، والحديث عن سحب بعض الدبابات في عدن ربما هدفُه إعادةُ انتشار وليس انسحاباً، وقد يكون صحيحاً أيضاً أن مسؤولين إماراتيين قد أكّـــدوا مثلَ هذه الفرضيات، لكن الأمر لا يعدو عن كونه دعايةً مضللةً؛ لأَنَّ الأخبارَ الموثوقة من الساحل الغربي تؤكّـــد إرسال مزيد من التعزيزات والآليات العسكرية والمدرعات والدبابات للمرتزقة هناك.
وهذا يستبعدُ أيضاً فرضياتِ توجّه أبوظبي نحو إنهاء الحرب في اليمن، حسب ما ردده وزيرُ خارجيتها في موسكو، وإن كان المبعوث الدولي قد اختارها واحدة من محطاته في جولته الحالية.
إن النهجَ المتشككَ في رغبة قوى العدوان للجنوح للسلام هو الأسلمُ بالنسبة لليمنيين، لا سيما بعد تجربة ممتدة على مدى خمسة أعوام، استخدمت فيها قوى العدوان كُــــلّ الأساليب لإخضاع اليمن، وعلى رأسها جرائم القتل والحصار.
وبناءً على ما تقدم فإنَّ أمام مارتن غريفيث مرحلةً شاقةً يجبُ أن تبدأً بالضغط على دول العدوان ومرتزقتها بتنفيذ التزامها باتّفاق السويد أولاً، وإعادة الانتشار والانسحاب من أطراف الحديدة، والالتزام بوقف إطلاق النار، والكف عن إرسال التعزيزات العسكرية.