مبادرة “الرواتب” الأُحادية: اختبار آخر يكشف هوية تجّار الحرب والمجاعة
المسيرة | خاص
في ظل غياب تام للدور الأُمَــمي الذي يُفترَضُ به أن يُلزِمَ طرفَ العدوان بالتنفيذ، وفيما يستمرُّ هذا الأخيرُ بتجاوز كُـــلّ بنود الاتّفاق بشكل علني، تحول اتّفاق السويد إلى سلسلة من المبادرات والخطوات الأُحاديَّة المقدمة من الطرف الوطني وسلطة المجلس السياسي الأعلى في محاولات للمضي قدماً بالاتّفاق المجمد عمداً من قبل الطرف الآخر والطرف الراعي.. مبادرات تعكس حرصا جادا من القيادة السياسية في صنعاء على اتخاذ مسار السلام وتخفيف المعاناة عن المواطنين، لكنها تكشف من الجهة الأخرى عن مدى حرص تحالف العدوان ومرتزقته على إطالة أمد الحرب ومضاعفة المأساة الإنْسَــانية، كما تكشف حقيقة تضليلاتهم بخصوص مسألة “الرواتب” على وجه الخصوص.
المجلسُ السياسي الأعلى، أعلن مساءَ أمس الأول، عن مبادرة أُحاديَّة جديدةٍ تتضمن أن يتم توريد عائدات موانئ الحديدة الثلاثة إلى حساب خاص في فرع البنك المركزي في الحديدة، على أن يتم تخصيص هذه العائدات لمرتبات كُـــلّ الموظفين اليمنيين بدون تمييز، “من أجل إزالة كُـــلّ الادّعاءات والمبررات التي تسهم في استمرار معاناة الشعب اليمني، وتحييدا للاقتصاد وكل ما يمس حياة المواطنين ويفاقم المعاناة الإنْسَــانية، وإقامة للحجة” بحسب نص المبادرة.
وأوضح عضو اللجنة الاقتصادية الوطنية أحمد الشامي، أن هذه المبادرة قُدمت بعد أن رفض الطرف الآخر التعاطيَ الإيجابيَّ مع الحلول المتعلقة بالمِـلَــفّ الاقتصادي وفقَ اتّفاق السويد.
وأضاف أنه يفترض بالطرف الآخر أن يقوم أيضاً بتسليم الإيرادات التي يتحصلها بما في ذلك إيرادات النفط والغاز، ويضيفها إلى إيرادات موانئ الحديدة لتغطية كامل المرتبات.
المبادرةُ تستندُ إلى معطيات اتّفاق السويد بشكل واضح، كما تعتبر امتداداً لمبادرة مماثلة قدمها قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، خلال فترة عمل المبعوث الأُمَــمي السابق، إسماعيل ولد الشيخ، والتي رفضها المرتزقة آنذاك.
لكن أُحاديَّة المبادرة، على الرغم من مرجعيتها الملزمة للطرفين والممثلة باتّفاق السويد، ثبت مجدداً أن طرفَ العدوان يعتبر المعاناة الاقتصادية أحد “إنجازاته” التي يتمسك بها بشدة؛ لأَنَّه مهندسها والمسبِّبُ الرئيسي لها والمستفيدُ الوحيدُ منها، وَأن كُـــلَّ ما طرحه خلال السنوات الماضية من تضليلات حول مسألة “الرواتب” بالذات، والتي حاول أن يجعلها عنواناً لتبرير حملاته العدوانية على محافظة الحديدة، ليست سوى أكاذيب أراد من خلالها أن يصرفَ الأنظارَ عن ما يقوم به من تدمير للاقتصاد، بدءاً بالحصار ومروراً بنقل البنك المركزي وضرب العملة المحلية، وصولاً إلى نهب إيرادات المنشآت الواقعة تحت سيطرته في المناطق المحتلة.
وليست هذه المرة الأولى التي تنكشف هذه الحقائق؛ لأَنَّها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها العدوان التعاطيَ مع أية حلول لتخفيف المعاناة الاقتصادية، وليس ببعيد عنا لقاء عمّان الاقتصادي الذي عُقد بدعوة من الأُمَــم المتحدة في مايو الماضي؛ لمناقشة مسألة الرواتب، وتمسُّكُ طرف المرتزقة خلال اللقاء بالرفض التام للتجاوب مع أية معالجات.
مبادرةُ المجلس السياسي تكشفُ أيضاً أبعاداً أخرى خَاصَّــةً بمسار تنفيذ اتّفاق السويد والمعرقِل الحقيقي له، خَاصَّــةً وأنها تأتي بعد أقلَّ من شهرين من مبادرة “إعادة الانتشار الأُحاديَّة” التي نفّــذتها قوات الجيش واللجان من موانئ الحديدة الثلاثة، في مايو، والتي شهدت الأُمَــم المتحدة نفسها بسلامة تطبيقها لكنها لم تنجح في إلزام طرفِ المرتزقة بتنفيذ خطوة مقابلة، وهو ما يقودنا إلى دور الأُمَــم المتحدة الذي بات يمثل حفرةً في طريق تنفيذ الاتّفاق؛ لأَنَّها حتى الآن لم تفلح في دفع طرف العدوان لتنفيذ أيٍّ من التزاماته، بل إنها وصلت إلى حَــدِّ التواطؤ الواضح مع العدوان من خلال صمتِها على خروقاته وتصعيدِه العسكريّ والإجرامي الذي طال حتى مقرَّ الأُمَــم المتحدة نفسِها داخل محافظة الحديدة.