بن سلمان: من التطبيع مع الصهاينة إلى “الانتماء” إليهم
المسيرة | متابعات
لم يتركْ وليُّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، فرصةً للكشف عن ولائه غيرِ المحدود للكيان الصهيوني، إلّا وانتهزها، سواءٌ أكانت هذه الفرص على شكل قرارات وتحركات سياسية واقتصادية لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب بوضوح، أَو على شكل تصريحات داعمة للصهاينة وصلت إلى حَـدّ إعلان “انتمائه” الشخصي إليهم، ليضع بذلك صورة واضحة لوجه النظام السعودي القائم الذي يحاول اقتياد المنطقة برمتها إلى مربع الانسلاخ من الهُوية والثوابت وبيع القضايا المركزية.
في فضيحة جديدة جاءت قبل أيّام قليلة من “ورشة” التطبيع البحرينية التي يعد النظام السعودي من كبار مموليها والراعين لها، كشف مؤسّسُ مركز التراث الصهيوني، مايك إيفانز، أن ولي العهد السعودي أخبره خلال لقاء سابق جمعهما، بأنه يحب اليهود، وعندما سأله إيفانز “لماذا؟” أجاب بن سلمان “لأن أمي كانت يهودية” قبل أن يوضح أن هذه الأم هي “مربيته” التي كانت “هودية متطرفة “انجيلية” من أصل اثيوبي”.
تصريحٌ كشف أن الأميرَ السعودي الذي يتبنى تسريعَ عجلة التطبيع مع “إسرائيل” منذ صعوده إلى رأس النظام، لا يفعل ذلك بدافع “الارتهان” وحسب بل بدافع “الانتماء” الذي غذته إياه المخابرات الغربية منذ نعومة أظفاره، والذي يحاول الآن بكل شغف أن يظهره ليثبت أن مسألة خدمة الكيان الصهيوني هي إحدى “ثوابته” وَ”مبادئه” التي لا تتزعزع، كما أن هذا التصريحَ يوضح مدى تغلل النفوذ الصهيوني داخل الأسرة السعودية الحاكمة.
ويتابع إيفانز، ضمن كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي الثامن لصحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية في نيويورك قَائلاً: إن “بن سلمان وبن زايد يدعمان إسرائيل أكثر من اليهود أنفسهم”.
وأضاف “خلال ساعتين ونصف ساعة كان ما سمعته من ولي العهد السعودي حول إسرائيل مدهشاً”، وهو ما يتطلب العودة إلى تصريحات ألقاها بن سلمان خلال عدة مناسبات ولقاءات سابقة، يمكن أن تفسر لنا طبيعة هذه “الدهشة”.
ففي مقابلة أجراها مع مجلة “ذا انتلانتك” الأمريكية، العام الماضي، قال ولي العهد السعودي بكل صراحة: إن “للشعب اليهودي كُـــلّ الحق في العيش على أرضهم (يقصد فلسطين)” وإنه “ليس هناك أي اعتراض ديني على وجود دولة إسرائيل”، ولا خلاف على أن مثل هذا التصريح كفيل بإثارة دهشة كُـــلّ “إسرائيلي”؛ لأَنَّه يمثل بالضبط ما يريده الكيان الصهيوني منذ أن احتل فلسطين.
وبالحديث عن علاقته الشخصية باليهود، فقد حاول بن سلمان خلال تلك المقابلة أن يبرّر موقفه من “إسرائيل” بما يشبه تصريحه حول “مربيته اليهودية”، حَيْــثُ أكّـــد أن “النبي محمداً تزوج يهودية”، وهو تطاولٌ صريحٌ على شخص النبي الأعظم، ومغالطة واضحة، بقدر ما كشفت غباء ولي العهد السعودي وانعدام فهمه للإسْــلَام وتأريخه، بقدر ما كشفت مدى حرصه على شرعنه التطبيع والارتهان للكيان الصهيوني ولو على حساب أكبر المقدسات.
ولا يمكن تجاهل حقيقة أن المملكة السعودية قد شهدت منذ صعود ولي العهد “الشغوف” باليهود، ما لم تشهده قبله من مظاهر التطبيع العلني مع إسرائيل، إذ صار الحديث عن “ضرورة المصالحة” مع تل أبيب أمرا طبيعيا في الصحف الرسمية كصحيفة “الرياض”، فيما تكتظ اليوم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الصهيونية بالعشرات من الناشطين والباحثين السعوديين الذين يؤكّـــدون ليلَ نهارَ على ضرورة تعزيز أواصر الصداقة بين “إسرائيل” والعرب.. وصولاً إلى ورشة المنامة التي اعتبرها النظام السعودي “خطوة لتحسين وضع الفلسطينيين” وحضرها إلى جانب الممثلين الإسرائيليين فيما قاطعتها السلطة.
القضية الفلسطينية والمقاومة واعتبرتها مؤامرة واضحة.
ومن المفارقات أن حديثَ بن سلمان عن “مربيتة اليهودية” التي يسميها “أمه” ويحاول تقديمها كدلالة لا تقبل الجدال على ضرورة التطبيع مع إسرائيل، يأتي في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير أمريكية عن أن ولي العهد نفسه يحتجزه والدته الحقيقية تحت الإقامة الجبرية، حَيْــثُ جمعت شبكة “إن بي سي” الأمريكية العام الماضي، تصريحات لـ14 مسؤولاً أمريكياً، أجمعوا على أن المخابرات الأمريكية لديها معلومات أكيدة بأن بن سلمان يحتجز والدته قسراً؛ لأَنَّها تعارض سياساته.
مفارقة تطرح تساؤلاً ساخراً، ولكن ملحاً، عن سبب ميل ولي العهد السعودي لاعتبار “تربيته” اليهودية كمرجعية سياسية، عوضاً عن “ميلاده”، كما أنها تمثل إشارة رمزية بليغة لحالة تنكر بن سلمان للثوابت الرئيسية لشعوب وجماهير المنطقة، والتي يأتي على رأسها القضية الفلسطينية.