السيد عبدالملك الحوثي في خطاب للمشاركين في إقامة المراكز الصيفية:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.
وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.
أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ الأَعِــزَاءُ..
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
نُبَارِكُ لكم بهذه المناسبة، المناسبة العزيزة: مناسبة افتتاح الدورات الصيفية، والتي نأملُ من الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- أن يكتُبَ بها الأثرَ الجيدَ والأثرَ المباركَ -إن شاء الله- في الاهتمامِ بالجِيل الناشئ، وبالطلاب بمختلف الفئات العُمرية.
ونحنُ -في البداية- نتوجَّــهُ بالشكر والتقديرِ لكل المستجيبين للمساهمةِ في الاهتمام بهذه الدورات، الذين أسهموا بالمشاركة في عملية التعليم كمعلمين، والذين أسهموا أَيْــضاً بالاهتمام بهذه الدورات من خلال التشجيع والحث للطلاب للتوافُدِ إلى هذه الدورات والمشاركة فيها، والمساهمين على مستوى الدعم المادي، والمساعدة للطلاب وللمعلمين؛ ولما من شأنه التمكُّنُ من إحياء وتفعيل هذه الدورات المهمة، والتي من خلالها تتم عمليةُ الاستثمار لفترةِ العُطلةِ الصيفيةِ بشكلٍ جَيِّدٍ؛ للعناية بأبنائنا من الجيل الناشئ، الذين هم في أمسِّ الحاجة في هذه المرحلة وفي هذا العصر للعناية القُصوى بهم فيما يتعلّقُ بالتثقيف والتعليم والمعرفة.
الجيلُ الناشئُ هو يعيشُ مرحلةً من أَهَــمِّ المراحل على الإطلاق، مرحلةً مهمةً جداً على مستوى الواقع العام، واقع البشرية بكلها، أَو على مستوى واقع أمتنا الإسْــلَامية، مرحلة امتلكت فيها قوى الضلال من الإمْكَانيات، والوسائل، والقدرات، والأنشطة التضليلية التي تركِّز على الاستهداف للإنْسَــان في فكره وثقافته ووعيه، ما لم تمتلكه فئات الضلال – لربما- على مرِّ التأريخ، في هذا العصر الذي انتشرت فيه وسائلُ مؤثرةٌ وفعَّالة، وتصل إلى أَي مكان، إلى كُـــلّ منزل، مثل: الشبكة العنكبوتية بكل ما فيها من نوافذ للمخاطبة للإنْسَــان والتأثير على الإنْسَــان، أَو القنوات الفضائية، أَو المناهج المدرسية بمختلف أنواعها، بحسب جهات الضلال التي فتحت فيها مسارات متعددة ومتنوعة، أَو أنشطة القنوات الفضائية… أَو غير ذلك، كم عدد الوسائل والأساليب والإمْكَانات التي توظَّف بشكلٍ كبير للتأثير على الإنْسَــان، وتتوجّــه للتأثير على فكر هذا الإنْسَــان، على نظرته؛ وبالتالي على نفسيته، على مواقفه، على مسيرة حياته.
في هذه الظروف وفي هذه المرحلة التي تواجه فيها أمتُنا أيضاً تحدياتٍ غيرَ مسبوقة على كُـــلّ المستويات، والأعداء يسعون بكل جهد إلى السيطرة التامة عليها: إنْسَــاناً، وأرضاً، وثروات، في هذه المرحلة التي يُستهدف فيها أبناء أمتنا بكل الوسائل القاتلة والمدمِّرة، وكذلك بكل وسائل السيطرة التي تهدف -في الأخير- إلى إحكام السيطرة علينا كأمةٍ مسلمة، لا بدَّ أن يتسلح هذا الجيل الناشئ بالوعي، بالمعرفة الصحيحة، بالمفاهيم النيِّرة؛ حتى يتحَــرّكَ في هذه الحياة في شتى مجالات هذه الحياة، وأيضاً في تحمُّلِ المسؤولية بوعي، بفهم، بمعرفة صحيحة، بخطوات موثوقة، ببصيرة، ولا يكون فاقداً للمنعة الثقافية، والمعرفة الفكرية الصحيحة، فيكون قابلاً لما يأتي من هنا وهناك من أفكار ظلامية، ومن مفاهيم مغلوطة، ومن ثقافات خاطئة، تهدف إلى الانحراف به، والسيطرة عليه.
هذه المرحلةُ التي يواجهُ فيها شعبُنا اليمني المسلم العزيز أيضاً العدوانَ الأمريكي السعودي الظالم، والذي هدف أيضاً إلى تدمير كُـــلّ ما من شأنه أن يساعدَ على التعليم: المدارس، التجمعات التعليمية في كثيرٍ من المناطق، المساجد، سعى كذلك إلى التأثير بأنشطة تضليلية يحركها في الساحة بشكلٍ أَو بِآخر، بعنوانٍ أَو بعنوانٍ آخر، كذلك ونحن نواجه هذا التحدي من جانب، ونحن نعيشُ في ظل نعمة الحرية والاستقلال والكرامة، التي يتهيأ لنا فيها: التحرّر الفكري، والتحرّر الثقافي، والانعتاق من رِبَقْ العبودية الثقافية، والأغلال التضليلية الفكرية الهدّامة، أيضاً هناك فرصةٌ حقيقية وفرصةٌ مهمة لنشاط ثقافي، وعمليةٌ تعليمية نسعى فيها أَنْ تَكُــوْنَ مبنيةً على أسسٍ صحيحةٍ، وعلى أسسٍ سليمة، وعلى توجّــهاتٍ وبأَهْدَافٍ سليمةٍ وصحيحةٍ أيضاً.
في ظل كُـــلِّ هذه الظروف، وفي ضوءِ كُـــلِّ هذه الاعتبارات نجدُ أنفسَنا أيضاً في موقعِ المسؤولية أيضاً تجاه أبنائنا ألَّا نهملَهم، ألَّا نضيعهم، ألَّا نتركهم من الاهتمام في هذا الاتّجاه المهم جداً، هذا الاتّجاه الذي هو رئيسيٌ في حياة الإنْسَــان، حياة الإنْسَــان في شتى مجالاتها تعتمد على العلم، على المعرفة، على التعليم، على التثقيف، وبالذات إِذَا كان تعليماً صحيحاً، إِذَا كان ما يقدَّم لهذا الجيل المفاهيم الصحيحة، الأفكار النيِّرة التي تبنيهم جيلاً حراً، واعياً، مسؤولاً، يتخلق بمكارم الأَخْــلَاق، كذلك ناهضاً بالمسؤولية، متحلياً بالمسؤولية، مستشعراً للمسؤولية، يعي واقعَه، ويعي مسؤوليتَه، ويعي واقعَ العالم من حوله، ويتحَــرّك على ضوء هذه المعرفة الصحيحة وهذه المفاهيم الصحيحة، فهي مسؤولية تقتضيها أيضاً مسؤوليتنا الدينية، وتقتضيها الظروف والتحديات التي نعيشُها.
ما من شَكٍّ في أنَّ الواقع البشري -منذ البداية- يرتبطُ بالتعليم كشيءٍ أساسيٍ في مسيرة الحياة، والله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- قال في كتابه الكريم عن بينا آدم “عليه السلام”، الذي هو الإنْسَــان الأول الذي خلقه الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- على كوكب الأرض، بعدما أراد الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- أن يستخلف الإنْسَــان على هذه الأرض، فقال -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 31-32]، فآدم “عليه السلام” الذي هو الإنْسَــان الأول، وخلقه الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- ليكون هو بدايةً للوجود البشري على كوكب الأرض، للاستخلاف لمهمةٍ كبيرةٍ ومسؤولية عظيمة عنوانها الاستخلاف في الأرض، آدم تسلَّح بالعلم، العلم الذي كان مصدره مَنْ؟ الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، الله هو الذي علَّم آدم الأسماء كلها، حتى لم تكن هذه المسألة عبر الملائكة، هو هذا يقول للملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فكانوا يجهلون بتلك الأسماء لتلك المسميات المعينة التي عُرضت عليهم، فأمر الله آدم أن ينبئهم بأسمائهم، فأنبئهم بأسمائهم.
وهكذا ترافقت العمليةُ التعليمية في وجود الإنْسَــان، الإنْسَــان منذ أن يخلقه الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- يزوِّده أيضاً بوسائل المعرفة، الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ- قال في كتابه الكريم: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}، أول ما يخرج الإنْسَــان من بطن أمه – بعد أن ينفخ الله فيه الروح ويوجده في هذه الحياة، ويخرجه إلى هذه الحياة من بطن أُمَّــة- يكون جاهلاً بكل شيء، ويتعامل مع بعضٍ من متطلبات حياته كالرضاعة من خلال الإلهام الإلهي، ثم تأتي عملية التعرف مترافقةً مع مسيرة الحياة، ومتزامنةً مع مراحل الحياة مرحلةً مرحلة، ومتصلةً بطبيعة احتياجات الإنْسَــان في هذه الحياة، ولهذا يقول الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- في نفس الآية المباركة: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: من الآية78]، لتكون هذه وسائل رئيسية ومهمة جداً لاكتساب المعرفة، ولتحصيل العلم، وتكون وسائل للإدراك، ومن ثم للمعارف، السمع وسيلة مهمة ونعمة عظيمة، الأبصار، الأفئدة.
ثم في واقع البشرية أنعم اللهُ على الإنْسَــان بنعمةٍ عظيمة وعجيبة ومميزة، ولا نراها في حياةِ بقية المخلوقات على الأرض من بقية الحيوانات، نعمة خَاصَّــة بهذا الإنْسَــان، هي نعمة القلم والكتابة، ولهذا ورد بشأنها في القُــرْآن الكريم آيات متعددة، منها قول الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم: الآية1]، هنا يقسمُ اللهُ -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- بالقلم؛ باعتباره نعمةً عظيمة أنعم اللهُ بها على الإنْسَــان، كما في آيةٍ أُخْـــرَى في قول الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: 4-5]، فالقلم والكتابة نعمة عظيمة استفادة منها البشرية في مسألة المعرفة، وفي مسألة الحياة، في جوانب الحياة المختلفة، في شتى مجالات الحياة؛ لأَنَّ العلم الصحيح، العلم النافع هو الذي يرتبط بالحياة، وتنتفع به البشرية في واقع حياتها.
فأتت المسألةُ هذه: مسألةُ الوسائل المساعدة على العلم والمعرفة لتكونَ عاملاً مساعداً للإنْسَــان لاكتساب المعرفة، وفي النهاية ليست المعرفة ولا العلم غاية، وإنما هي وسيلة، وهذه مسألة مهمة جداً، العلم والمعرفة هي وسيلة، وهي مرتبطة بثمرتها المهمة جداً في واقع حياة الإنْسَــان، وهي: العمل، وعندما نأتي إلى واقع البشرية نجد أن البشرَ بمختلف أديانهم وأممهم وتوجُّــهاتهم في هذه الحياة لديهم اهتماماتٌ واسعة فيما يتعلق بالمجال العلمي، وفي مسألة التعليم، اهتمامات واسعة، وتطوَّرت يوماً بعد يوم، وتطوَّرت الوسائل والإمْكَانات التي تساعد على ذلك، وهي في هذا الزمن في الذروة من تطورها، وتتجه اهتمامات البشر في مجال التعليم -كما قلنا وكرّرنا- في شتى مجالات الحياة، نجد الاهتمام الواسع فيما يطلق عليه بالعلوم الطبيعية، سواءً فيما يتعلق بالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والطب.. وما شاكل ذلك، وعلم الأحياء، وغيرها من العلوم، وكذلك في شتى مجالات حياة هذا الإنْسَــان، كُـــلّ مجال من مجالات هذه الحياة اتصل به علم، أصبح له علم يدرَّس، وأصبح يرتبط بكثيرٍ من المعارف التي تتضمن خلاصة التجربة البشرية، وكذلك ما اكتسبه الإنْسَــان على مرِّ التأريخ، أَو في مراحل معينة من العلوم والمعارف ذات الصلة بذلك المجال أَو ذاك المجال: الجانب العسكري، الجانب الأمني، الجانب الاقتصادي.. في كُـــلّ مجال من مجالات الحياة أصبحت هناك كتب، ودراسات، ودروس، وجامعات في هذا العصر كليات.. مسميات كثيرة لكل أماكن المعرفة ولكل وسائل التعليم، ثم يدخل الجانب الديني أيضاً كجانبٍ رئيسي في مجال العلوم والدراسة، ونحن في واقعنا الإسْــلَامي كمسلمين لدينا اهتمام أيضاً رئيسي وواسع فيما يتعلق بالمعارف الدينية.
في ظل هذا الاهتمام العام يأتي أيضاً نشاط تضليلي، يعني: هناك في المساحة التعليمية في ظل الأنشطة التعليمية ما هو نافعٌ ومفيد، يخدم البشرية في شتى شؤون حياتها، وفي شتى مجالات حياتها وشؤونها، ومنه ما هو ضار، ومنه ما هو هدَّام، ومنه ما يهدف إلى التضليل لهذا الإنْسَــان، إلى الإغواء لهذا الإنْسَــان، منه ما يعتبر أفكاراً ظلامية، هي ظلمات تخدع هذا الإنْسَــان، وتنحرفُ به عن الحقائق، وبأَهْدَاف معينة، بأَهْدَاف نهايتها السيطرة على هذا الإنْسَــان، والتحكم به في الواقع العملي وفي شؤون حياته.
ولذلك نحتاج إلى أن نعرف كأمةٍ مسلمة أنَّ نعرف على نحوٍ إجماليٍ ما يتعلق بالعلم في أَهْدَافه، في غاياته، في ارتباطه بالحياة، في آثاره المفترضة، في مصادره الموثوقة، نحن أُمَّــةٌ أنعم الله علينا بأعظم مصدرٍ للمعرفة والهداية والنور، وهو: القُــرْآن الكريم.
القُــرْآنُ الكريم هو هبةٌ وهديةٌ عظيمةٌ من الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، وهو مصدرٌ عظيمٌ لا مثيل له فيما يشتمل عليه من العلوم والمعارف والهداية، وفي القُــرْآن نفسه آياتٌ مباركة تبين لنا سعةَ هذا الكتاب فيما اشتمل عليه من المعارف والعلوم التي الإنْسَــان بحاجةٍ إليها في شؤون حياته وفي مسيرة حياته؛ ولهذا يقول الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- في كتابه المبارك: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف: 109]، لو كان البحر بكله مداداً تكتب به المعارف والعلوم التي تضمنها القُــرْآن الكريم، تضمنتها الآياتُ المباركة، تضمنتها كلمات الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، فكتب بذلك المداد على أساس الاستفادة من تلك المعارف وتوثيقها لنفد بالبحر بكله كمداد {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}، بل أَكْــثَــر من ذلك: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، لو أضيف بحرٌ آخرُ من المداد لتكتب به المعارف الواسعة، وكذلك العلوم العظيمة والمهمة التي تضمنتها كلمات الله، لنفد أيضاً قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي، بل هناك آية عجيبة جداً في القُــرْآن الكريم، وينبهر الإنْسَــان حينما يتأمل فيها، عن سعة كلمات الله في القُــرْآن الكريم، وما اشتملت عليه من المعارف والعلوم والهداية الواسعة، الواسعة العجيبة، التي يمكن أن تغطي واقع الحياة وأَكْبَــرَ من واقع الحياة، يقول اللهُ -جَلَّ شأنُه- في كتابه المبارك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} فكِّر، تأمل، (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ): كلما في الأرض، كلما على وجه الأرض من الأشجار في الغابات، والمزارع، والسهول، والجبال، والوديان، والصحاري، كلما على كوكب الأرض من أشجار، لو أنه يقطَّع ليكون أقلاماً، ويجهَّز ليكون أقلاماً، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ}، يعني: ويكون البحر هو المداد الذي تعبأ به تلك الأقلام للكتابة، والذي تكتب به تلك الأقلام، {مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: من الآية27]، هداية واسعة، معارف عظيمة تجعل من هذه الأُمَّــة أُمَّــةً واعية، أُمَّــةً فاهمة، أُمَّــةً مستنيرةً ومستبصرة، أُمَّــةً تتسع معارفها، وترتقي ثقافتها، وتمتلك المفاهيم الصحيحة والنظرة الصحيحة، وتستنير بنور الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، وهذه نعمة عظيمة جداً.
القُــرْآنُ الكريمُ الذي هو كتابٌ للحياة، يتصل بكل شؤون حياة الإنْسَــان، ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، فهو نورٌ يهتدي به الإنْسَــان في مسيرة حياته، ليس فيه أَي ضلال، ولا أَي أفكار خاطئة، ولا أَية مفاهيم مغلوطة أبداً، تقدم إلى الإنْسَــان ليتمسك بها الإنْسَــان، قد يعرض ما عليه الآخرون من ضلال ثم يفنِّده، ثم يزهقه، ثم يبطله، لكنه يقدِّم للناس النور والهداية الواسعة التي تمتد إلى مختلف شؤون الحياة، وتواكب كُـــلّ زمن، وتلامس كُـــلّ مرحلة، وتأتي إلى كُـــلّ ظرفٍ يعيشه الإنْسَــان، فيبقى القُــرْآن الكريم الكتاب الذي لا يماثله كتاب، ولا يرقى إلى مستواه كتاب، وليس هناك من مصدرٍ مثيلٍ له في المعرفة، والعلم، والنور، والبصائر، والهداية الواسعة الواسعة الواسعة.
ولكن منذ ذلك الزمن وإلى اليوم لم تستفد أمتنا الإسْــلَامية من القُــرْآن كما ينبغي، لم تلتفت إلى هذا القُــرْآن وهي تحمُّلُ الوعي عن هذا القُــرْآن نفسه، عن عظمة هذا الكتاب كمصدرٍ للعلم، مصدرٍ للثقافة، مصدرٍ للمعرفة حتى في التعليم الديني، أتى من يبتعد عن القُــرْآن الكريم ويقدِّم البدائل والبدائل في مجالات رئيسية وأساسية من العلوم الدينية، بما فيها مجال معرفة الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، ومجالات أُخْـــرَى جرى الغرق فيها والتوسع فيها بعيداً عن القُــرْآن الكريم، وتصل بعض الحالات إلى حالة الإعراض عن القُــرْآن الكريم.
أمتُنا الإسْــلَامية عاشت مشاكلَ كبيرةً جداً، وانعكست آثارُ وتبعاتُ الابتعاد عن القُــرْآن الكريم وعدم التعامل معه كمصدرٍ أساسيٍّ ورئيسيٍّ للمعرفة وللعلوم وللثقافة بشكل شقاءٍ تعيشه في واقع حياتها، وانتكاسة كبيرة جداً على مستوى المفاهيم الصحيحة، على مستوى المعرفة الحقيقية، وانتشرت الكثير من المعارف الهامشية، والمصطلحات البعيدة عن واقع الحياة، وكثيرٍ من الاهتمامات التي تبعد الإنْسَــان عن مهامه الرئيسية في هذه الحياة، وتغرقه في تفاصيل شكلية هنا أَو هناك، ثم فُتِحَت الأبواب والنوافذ لكل فئات الضلال؛ لتستهدف أبناء هذه الأُمَّــة، وتقدِّم تحت عنوان العلوم الشرعية والدينية، وتحت عناوينَ هنا أَو هناك، تقدم إلى الناس الكثير والكثير من الظلمات، ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض، عززت الأمِّيَّة من نوعٍ جديد في واقع الأُمَّــة، الأمِّيَّة التي لا تتجه إلى مسألة الكتابة والقراءة، وإنما الأمِّيَّة في المفاهيم، الأُمِّيَّة تجاه الوعي، الأمِّيَّة في النظرة، الأفكار الكثيرة المغلوطة، والثقافات الخاطئة، والرؤى الخاطئة التي تجعل الناس يتخبطون في شؤون حياتهم، أثَّر هذا سلباً على الأُمَّــة في واقع حياتها، زادت فيها حالة الفرقة والشتات والاختلاف والتباين والتنازع، ثم أثَّرت عليها -أيضاً- في شتى مجالات الحياة، حتى تفوَّقت عليها الكثير من الأمم في كثيرٍ من شؤون الحياة.
الأمة التي ورد في كتابها (القُــرْآن الكريم) الحديث الواسع الذي يحثنا على أن نعيَ مسؤوليتَنا في هذه الحياة كبشر استخلفنا الله في الأرض، وأن نعي معنى التسخير، أنَّ الله سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، وماذا يعنيه هذا المفهوم (التسخير)، كانت هي الأُمَّــة التي ابتعدت عن هذا المجال بأَكْــثَــر من غيرها من الأمم، واتجهت الأمم الأُخْـــرَى بأَكْــثَــرَ منها لدراسة ظواهر هذه الحياة، والتأمل فيما أودع الله فيها، والتأمل في السنن والقوانين التي بنى الله بها هذه الحياة، وما أودع فيها من خصائصَ، وما أودع فيها من نعم مهيأة للإنْسَــان للاستفادة منها بأشكال متعددة وتلامس شؤون حياته.. وهكذا ما من مجال في مجالات الحياة إلَّا ونرى الأُمَّــة خسرت، خسرت، لماذا؟ لارتباطها ببدائل عن القُــرْآن بأَكْــثَــر من ارتباطها بالقُــرْآن الكريم، ثم نرى ثمرةَ الارتباط بالقُــرْآن الكريم؛ لأَنَّ القُــرْآن الكريم هو نور يقدِّم المعارف الصحيحة، الأشياء المهمة، العلم النافع، الهداية الحقيقية، الحلول الصحيحة التي تترك أثراً طيباً في واقع حياة الإنْسَــان، ثم هو صلةٌ بيننا وبين الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-، إِذَا اهتدينا به؛ نكسب من الله معونته، رعايته… تدخُّله بأشكالٍ كثيرة من أشكال الرعاية التي يرعانا بها حسب وعده في القُــرْآن الكريم، ثم يتحقّــقُ للأُمَّــة الكثيرُ من النتائج في واقع الحياة.
المرحلةُ هذه هي من أَهَــمَّ المراحل التي يتم التركيزُ فيها على الارتباط الوثيق بالقُــرْآن الكريم كمصدرٍ أساسيٍّ ورئيسيٍّ للمعرفة والوعي والفهم، كمصدرٍ للنور والهداية، وهي مرحلة أساسية ومهمة للتحرّر من كُـــلّ تبعيةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ، ومن المهم أن ينتشر وأن يسود في أوساط شبابنا وأبنائنا، في أوساط أمتنا مبدأ التحرّر الفكري والثقافي، والخَلاص من كُـــلّ أشكال التبعية لأعدائنا في هذا المجال؛ لأَنَّ أعداءنا ما يقدموه لنا هو في سياق الاستهداف لنا، في حربهم التضليلية الرامية إلى خداعنا وتضليلنا وإفسادنا، والرامية إلى السيطرة علينا والتحكم بنا، إِذَا امتلك شبابُنا هذا الوعي، وترسَّخ لديهم هذا المبدأ، سَتُقفَل في قلوبهم، وفي وجدانهم، وفي مداركهم كُـــلّ نوافذ التأثير والتأثر بأعدائنا، سواءً في مواقع التواصل الاجتماعي، أَو في كُـــلّ مجال من المجالات، وفي كُـــلّ حقلٍ من الحقول المعرفية، فلا يتأثرون بباطل، ولا ينخدعون بكل تلك الأفكار الظلامية، ولا يتأثرون بكل تلك المفاهيم المغلوطة والخاطئة التي تستهدفهم.
ونحن نأمل -إن شاء الله- في هذه الدورات الصيفية أَنْ يَكُــوْنَ هناك نشاطٌ واسعٌ، وتركيزٌ كبيرٌ على القُــرْآن الكريم، وعلى علومه ومعارفه وما يتصل به، وما يرتبط به من المعارف والعلوم النافعة والمفيدة التي ترتقي بوعي الإنْسَــان، حتى يكون إنْسَــاناً مستنيراً حياً، الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- يقولُ في القُــرْآن الكريم: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[الأنعام: من الآية 122]، هذا النوع وهذا النموذج هو نموذج القُــرْآن الكريم الذي يَحيَى بالقُــرْآن، ويستنير بالقُــرْآن، يَحيَى بالقُــرْآن في أثر القُــرْآن في نفسيته، في اهتماماته، في تحمله للمسؤولية، في انطلاقته الفاعلة والقوية والإيجابية في هذه الحياة، ثم هو المستنير في رؤيته، وفي فكره، وفي ثقافته؛ بما لذلك من أثر على سلوكه، على عمله، على التزاماته، على عطائه، على مواقفه، على تصرفاته بكلها، فهو لا ينطلق من خلال مزاج، ولا ينطلق من خلال مفاهيم خاطئة وضلالات أعمته. لا، إنما ينطلق على أساسٍ من تلك التعاليم التي يصفها الله بالنور، تلك التوجيهات، تلك المفاهيم الصحيحة، الحكيمة، الموثوقة، النافعة، الهادية، والتي يصفها الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- بالنور.
ربما من أَكْبَــرِ المآسي في واقع أمتنا الإسْــلَامية سواءً في هذا العصر على المستوى الرسمي لدى الحكومات والأنظمة، وفيما عندهم من وزرات تربية، تعليم عالٍ، مدارس، جامعات.. أَو على مرِّ التأريخ في كثيرٍ من المدارس، القصور الكبير جداً، والخلل الكبير جداً على المستوى الثقافي والمعرفي، فكانت نتيجته ما وصلت إليه الأُمَّــة من حالةٍ سيئة في مختلف مجالات حياتها، كان لما يقدَّم من مفاهيم خاطئة أثر ضارٌّ جداً، المسألة هذه من أَهَــمِّ المسائل، الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- يربطنا بمصادر الهداية، وبالذات في المعارف الأساسية والدينية، وما نحتاج فيه إلى الهداية كأسس نبني عليها مسيرة الحياة في شتى مجالات الحياة، نحتاج إلى أن ننطلق على أسس صحيحة، نرتبط بمصادر الهداية؛ لأَنَّ الضلال يؤثر على الإنْسَــان، الإنْسَــان هو ضحية للضلال، يضيع في هذه الحياة، يضيع في أَي مجال، يضل فيه، لا يصل إلى الحقيقة.
فنحنُ نأملُ -إن شاء الله- في هذه الدورات الصيفية أن تُسهِمَ إسهاماً كبيراً في تنوير هذا الجيل بمختلف الفئات العمرية، ونأمل -إن شاء الله- الدفع بالطلاب للمشاركة الفاعلة في هذه الدورات الصيفية، ونأمل -إن شاء الله- من الذين يشاركون في العملية التعليمية في هذه الدورات الصيفية أن يمثِّلوا القدوة الصالحة للطلاب سواءً في اهتمامهم، سواءً في أَخْــلَاقهم وسلوكياتهم، وأن يحملوا أثر القُــرْآن المبارك في الحرص الكبير على هداية هذا الجيل، على تربية هذا الجيل التربية العظيمة، التربية القُــرْآنية، التربية الإسْــلَامية الحقيقية، التي تبنيه جيلاً حراً واعياً مسؤولاً، وتبنيه حراً متمسِّكاً بأَخْــلَاق القُــرْآن، متمسِّكاً وثابتاً على تلك المبادئ الإلهية العظيمة والمهمة، ومن خلال المضامين المفيدة للمناهج المعتمدة في هذه الدورات، ومن خلال ما يقدِّمه المعلمون، نأمل -إن شاء الله- أن يوفِّق الله للاستفادة والأثر الطيب.
كما نحُثُّ أيضاً الكثيرَ ممن يمتلكون قدرات ثقافية، وخلفية علمية ومعرفية أن يساهموا في هذه الدورات، هناك الكثيرُ من المناطق التي تحتاجُ إلى الاهتمام والجد في هذا المجال، وإلى المشاركة الفاعلة، وإلى الإسهام الطيب، هذا جانب مهم، وهذه مسؤولية في نفس الوقت.
نحن نمُرُّ بهذا العدوان أثَّر في كثيرٍ من المراحل، وأثَّر في كثيرٍ من المناطق على الاهتمام بهذا الجانب، التفريط والتقصير في هذا الجانب يتيح المجال للبعض ممن لهم اتّجاهات أُخْـــرَى، اتّجاهات: إما استقطابية لصالح قوى العدوان بشكلٍ مباشر، وإما استقطابية بشكلٍ غير مباشر من خلال التدجين والتثبيط، ومن خلال البناء غير السليم غير الواعي للجيل، إما بناءً ينحرف ُبه في اتّجاهات أُخْـــرَى خاطئة وضالة، وإما من خلال التدجين وإماتة الروح المعنوية، الروح الإيْمَــانية، استشعار المسؤولية.. كُـــلُّ تلك العناوين المهمة التي تحتاجُ إليها أمتنا في هذا العصر بشكلٍ غير مسبوق، وأَكْــثَــر من أَي وقتٍ مضى.
البعضُ يميتون هذه الروحية، ويعملون على التثقيفِ بطريقة تدجينية، وتُبعِدُ الإنْسَــانَ حتى عن واقع الحياة، وتعطيه نظرةً مغلوطةً إلى هذه الحياة وإلى ما فيها، عندما ندرك أن هناك فئات البعض منها يتجه هذا الاتّجاه الخاطئ، والذي قدَّم له القُــرْآن الكريم المَثَل المعبِّر عنه، وهو قول الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة: من الآية 5]، هذا هو مَثَل من لم يتحملوا المسؤولية، من شطبوا جانب المسؤولية، من لم يتعاملوا مع هدى الله مع معارف الدين بالالتزام، والعمل، والتحمل للمسؤولية، والتحَــرُّك بمقتضى ذلك الهدى؛ فقدِّم لهم هذا المَثَل.
نحن لا نريد أَنْ يَكُــوْنَ النتاجُ للعملية التعليمية صنعَ المزيد والمزيد من الحمير والاستحمام، هذه الحالة من الاستحمام نحن في غنىً عنها في ساحتنا، هذه الساحة الإسْــلَامية، هذه الساحة التي تنتمي للقُــرْآن، وللإسْــلَام، وللاقتداء برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أَو تلك النماذج المحرِّفة الضالة التي توظِّف العنوان الديني والعناوين العلمية الدينية في خدمةِ أعداء الأُمَّــة، في خدمة المصالح والأطماع والأهواء، والتي قدَّم لها القُــرْآن الكريم مَثَلَها المعبِّر عنها فقال الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الأعراف: الآية175]، هذا النموذج ماذا عبَّر عنه القُــرْآن الكريم وماذا قدَّم له من مَثَل؟ يقول الله: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}[الأعراف: من الآية 176]، أيُّ مَثَلٍ هذا! من أسوأ الأمثلة، الحالة الخاطئة التي تنتج نماذج منحرفة، نماذج ضالة، نماذج توظِّف العناوين العلمية في العلوم الدينية توظِّفها لخدمة أعداء الأُمَّــة، توظِّفها للأهواء والأطماع، توظِّفها لخدمة أولئك الضالين، لها هذا المثل.
أمَّا النموذجُ الراقي العزيزُ يعبِّر عنه القُــرْآنُ الكريم ويؤكِّدُ على عظيم منزلته ورفعة مكانته، فيقول الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: من الآية 11]، هذا العلم النافع، النبي كان يتعوّذُ بالله ويستعيذُ به (من علمٍ لا ينفع): من علمٍ لا ينتفع به، الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- مما ذمَّ به بني إسرائيلَ في العصور الماضية، فقال عنهم: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}[البقرة: من الآية 102].
النبيُّ “صلَّى اللهُ عليه وآلَه وسلَّمَ” قال عن المعارف الدينية: (إنَّ هذا العلمَ دينٌ، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم)، يجبُ أن نحرصَ على سلامة أبنائنا وشبابنا من المفاهيم الخاطئة، من الأفكار الظلامية، وأن ندرك خطورتها عليهم، خطورتها علينا جميعاً، حاجتنا جميعاً إلى الهداية، إلى النور، إلى المعرفة الصحيحة، إلى المفاهيم الصحيحة التي نستفيد بمعرفتها في واقعنا العملي، نبني عليها انطلاقتنا في هذه الحياة بهدف الوصول إلى ما يُرضي الله -سُبْحَــانَــهُ وَتَعَالَى- عنا، إلى أن نرتبط بها في الواقع العملي فنربط بين العلم النافع والمعارف الصحيحة وبين العمل، وبين المعرفة الصحيحة وتحمل المسؤولية، اقتداءً برسول الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله” وبطريقته المعروفة، حيث كان يقدِّم معارف الإسْــلَام مرتبطةً بواقع العمل، ومرتبطةً بمسار المسؤولية، فكان العمل والتطبيق ملازماً للتعليم، ولم يكنْ مرحلةً مؤجَّلة إلى ما بعد نهاية العمر، البعض يقولون: [يتعلم الإنْسَــان أولاً حتى يكون عالماً، ثم يدخل مرحلة العمل وتحمل المسؤولية]، وعندما يصلُ إلى أَنْ يَكُــوْنَ -بحسب تصنيفهم- عالماً يكون عمره -آنذاك- في التسعين من عمره، أَو الثمانين من عمره، يؤدي هذا إلى أن نلغيَ ونشطُبَ المسؤوليةَ والعملَ عن مرحلة الشباب كلياً، المرحلة التي يمتلك الإنْسَــان فيها نشاطه وطاقته وقدرته… إلخ.
رسولُ الله “صلواتُ الله عليه وعلى آله” هو القدوةُ والأُسوةُ، طريقتُه في التعليم هي الطريقةُ الصحيحة، والتي كانت مرتبطةً بالعمل وبتحمُّلٍ للمسؤولية، وَتَــبَــنٍّ للمسؤولية، وَتَــبَــنٍّ للمواقف، وَتَــبَــنٍّ للحياة وللتحَــرّك في شتى مجالات الحياة.
نحن نكرّرُ الحثَّ على الاهتمام بهذه الدورات الصيفية إسهاماً ومشاركةً في العملية التعليمية فيها، دعماً مادياً ومساندةً لها، حضوراً ومشاركةً من جانب الطلاب، ونحُثُّ الأهالي إلى الدفع بالطلاب إلى المشاركة في هذه الدروات والاستفادة منها.
نأملُ من اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يوفِّقَنا وإيَّاكُم لما يُرضيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنَصْرِهِ، وأن يهديَنا بنوْرِه.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.