حصحص الحق جمعيات، مؤسّسات، فعاليات، تبرعات وَ… بقلم د/ فاطمة بخيت
خفتت الأصواتُ وتلاشت المواقفُ والحملاتُ؛ لأنّ مَن ينطلقُ في سبيل الله ولنصرة دينه والمستضعفين من خلقه، ليس كمن يتحَــرّكُ بناءً على إملاءات خارجيةٍ لهدف ما، أَو مصلحةٍ ما؛ لقلب الحقائق، وتغطيةِ الباطن القبيح بظاهرٍ جميلٍ وجذاب، إلا أنّ هذا الباطنَ المشوَّهَ ما لبث أن انكشف وسقطت معه كُلُّ الأقنعة.
والسؤال الذي كان يطرحُ نفسَه: لماذا تلاشت المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية من قبل الوهابيين وتبخرت؟! أصبحت الإجابة عليه واضحة وجلية (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
فمن كان يدعم تلك الجمعيات التي هي في الظاهر مؤيدة للقضية الفلسطينية، أصبحوا اليوم من المطبِّعين مع العدوّ الإسرائيلي في العلَن وأمام الأشهاد، وقد فضح شعارُ البراءة من أعداء الإسْــلَام منذُ انطلاقته الأولى زيفَ تلك الادّعاءات، وذلك من خلال معادَاة من يحملُه أَو يهتفُ به، وشطبه ومسحه من الجدران، وقد أشار الشهيدُ القائد سلامُ الله عليه في محاضرة “الشعار سلاح وموقف” إلى مدى تأثيره عليهم بقوله: (لا ندري ما الذي حصل حتى أصبحوا هكذا نافرين منه؟! ألم يكن المحتمل أن يتقبلوا ويرفعوا هذا الشعار؟ وأيضاً ليس محسوباً عليهم وهو ظهر عند ناس آخرين، لماذا نفروا منه؟! لماذا حاولوا ألا يرفعوه؟! حتى لماذا يحاربونه؟! يحاربونه حرباً، لا أدري ماذا لديهم من أهداف في هذه.
هو يشهد بأنّ ما كان يُعرف عنهم أنّهم باسم دُعاة للإسْــلَام، وأنّهم أعداءُ لأعداء الله، وأشياءُ من هذه، أنّها عبارة عن كلام؛ لأنّهم لو كانوا أعداء حقيقيين لأمريكا، أعداء لإسرائيل، وأعداء لليهود والنصارى لكان لهم من المواقف أعظم مما لنا…).
أما الآن فقد أصبح الوضعُ أسوأَ بكثير مما كان عليه في السابق، وخَاصَّــةً بعد تبادُلِ الزيارات وإقامةِ المؤتمرات واحداً تلو الآخر مع العدوّ الإسرائيلي بدون خوفٍ أَو حياءٍ من الله أَو من خلقه، من أجل إبرامِ الصفقة الملعونة التي لا تسعى لبيع فلسطين وحسب، بل لمعاداةِ مَن يعادي إسرائيلَ وتدمير الإسْــلَام والمسلمين.
ولا غرابةَ أيضاً أن ينهجَ أتباعُ الوهابية في مختلف البلدان نهجَ أسيادهم في بيع القضية الفلسطينية وبيع الإسْــلَام؛ لأَنَّ ما كان لهم أن يخالفوهم في ذلك، أَو يجرؤ أحدهم أن يتخذ أي موقف يتعارضُ مع مواقفِ أسياده حتى وإن كان ذلك الموقفُ ضد أعداء الإسْــلَام والمسلمين، أَو لصالح الأمة الإسْــلَامية.
عدا نشر الوهابية لثقافة التكفير والتفجير وزرع العداوة بين المسلمين؛ لضرب بعضهم ببعض وصرف أنظارهم عن العدوّ الحقيقي للأمة، أمريكا وإسرائيل.
كما أنّ ما نراه من انتشار الفسق والمراقص ودُور السينما في بلاد الحرمين وسكوتِ الوهابية عن ذلك، ما هو إلا مؤامرة أُخْرَى وخدمة يقدمها هؤلاء لأسيادهم من الصهاينة والأمريكان، وما أولئك الشباب الذين يغرقون في وحل الرذيلة ما هم إلا قرابين يتقربون بهم لأسيادهم.
فمن مصلحةِ مَن انتشارُ كُلِّ ذلك وفي أطهر بقعة من بقاع الأرض؟! سوى أنه يصُبُّ في مصلحة أعداء الإسْــلَام؛ لتصبح ساحتُنا فارغةً من كُـــلّ القيم والمبادئ، وتصبح مجتمعاتُنا خاليةً من كُـــلّ ما من شأنه أن يكونَ سبباً في تقدمنا وعزتنا وكرامتنا؛ ليسهل عليهم ضربُنا والسيطرة علينا. ولا زالت الأيام بالطبع تحملُ لنا الكثيرَ من الأحداث والمفاجآت، وهذا يدُلُّ على أننا ربما أصبحنا -وكما ذكر الشهيد القائد- في زمن إما مؤمنون صريحون أَو منافقون صريحون.
فإما مؤمنٌ صريحٌ يقفُ مع الحق ويتخذُ مواقفَ حَقٍّ، وإما منافقٌ صريحٌ يقفُ مواقفَ مؤيدةً للباطل ومَن هم على طريق الباطل. وعلى كُـــلّ أن يقف الموقف الذي يلائمه.