قراءةٌ أوليةٌ في مدلولات الشعار .. بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني
طالما حملت الصرخةُ والصراخُ مدلولاتٍ نفسيةً انعكست بطبيعةِ الحالِ إلى تصرُّفٍ فعلي وترجمةٍ عمليةٍ سلوكيةٍ، ونتج عنها ومنها تصور فكري وموقف، يؤكّـــدُ في أقربِ وأبسطِ معانيه، حالةً من الرفض لذلك الوضع والموقف السائد، ومن هنا يمكن القول إن الصرخةَ جاءت كتعبيرٍ عن حالة الرفض المطلق للهيمنة الامبريالية، والاستيطان الصهيوني الغاصب، ومخطّطاته ومشاريعه التدميرية على مختلف المستويات والأصعدة الحياتية.
كان الشعار -عند البعض- مثار سخط ورفض وقلق واحتجاج؛ لأَنَّه – كما زعموا – يجلب لنا المتاعب ويجعلنا غرضا لاستهداف الآخرين، ويظهرنا بمظهر العدواني المتوحش الذي لا يقبل بالآخر ولا يبدي أي استعداد للتعايش الإنساني والسلام والمحبة، وباختصار فقد جعلوا منا أعداءً للإنسانية وأمثلة حية للتوحش والهمجية والعنف، كُــــلّ ذلك لأَنَّنا اتخذنا موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه مبدأً، وجعلنا من الشعار والصرخة منهجاً عملياً في واقعنا وحياتنا، وليس ذلك نابعاً من توحُّشٍ كامن في أنفسنا، أَو حقد مبيّت ضد فئة من الناس، وإنما كان ذلك امتثالاً لأوامر الله تعالى ونواهيه، التي حفظها ونقلها إلينا القُــرْآن الكريم في آيات متعددة ومواقفَ مختلفةٍ، كلها تنُصُّ على ضرورة البراءة من اليهود والنصارى بوصفهم أعداءَ الله وأولياءً للشيطان، قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ”.
وفي قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿55﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) صدق الله العلي العظيم.
لا أظن أن هناك أي تفسير أَو مجال لتأويل النص القُــرْآني أكثرَ مما يفصح عنه معناه ويدل عليه مضمونه، حيثُ يتمحور في محورين هما: الولاء والبراء، ولا يوجد حياد أَو منطقة وسطى بينهما، فإما أن تواليَ الله ورسوله والذين آمنوا، وإما أن تواليَ الشيطان وحزبه والذين كفروا، وتبقى مسألة الحياد أمرا مستحيلا بينهما.
من خلال المنطلق السابق جاءت الصرخة أَو الشعار كتجسيد لهذا المبدأ وتأسيس لذلك الاعتقاد، فبدأت بتكبير الله الكبير المتعال العلي العظيم، ثم إعلان البراءة من أعدائه من اليهود والنصارى، في تمثلهم الحالي بأمريكا وإسرائيل، ثم تذكير اليهود بحقيقتهم؛ كونهم ملعونين أينما ثُقفوا أُخذوا وقُتِّلوا تقتيلا، وبعد ذلك يأتي النصرُ للإسلام كخاتمة طبيعية لهذا السلوك والاعتقاد، والله يؤيد بنصره من يشاء، وليس هذا إلا التجسيد الفعلي للنص القُــرْآني المقدس، غير أن هناك ممَّن باعوا ضمائرهم وهانت عليهم أوطانهم، واتخذهم اليهود والنصارى عبيداً، ممن يعيبون علينا ذلك الشعار، ويزعمون أننا مشاريع موت وهدم وعنف وتوحش، غير مدركين أن احتجاجهم ذاك في غير محله، وأن اعتراضهم ليس علينا نحن وإنما على القُــرْآن الكريم وعلى الله ذاته جل وعلا؛ لأَنَّ ما نقوم به نابع من صميم الأوامر الإلهية ومنطلِقٌ منها ومتكئٌ عليها.
لم تكن الصرخة ولن تكونَ يوماً ما دليلاً على العداء المسبق، أَو الرفض غير المبرّر للآخر، وإنما هي الحل الوحيد لمواجهة الغطرسة اليهودية الصهيونية والأمريكية النصرانية وأدواتهما، التي عاثت في العالم العربي والإسلامي فساداً، ودمّرت الشعوبَ وسرقت الثرواتِ وقتلت الإنسان واغتالت عقولَ الأجيال؛ لتمهد لهذا اليوم الأسود، الذي تعلن فيه القدس عاصمةً رسميةً للكيان الصهيوني، وتضغط بكل قوة لتنفيذ ذلك على أرض الواقع، بينما تبقى مواقف أولئك الأعراب الذين عابوا علينا صرختنا واتهمونا في شعارنا، مقتصرةً على الشجب والتنديد والاستنكار والتحذير من العواقب الوخيمة، ثم يعودون بعدها إلى عمالتهم وارتهانهم وقتل ما تبقى من حمية وإسلام وعروبة لدى شعوبهم، جاعلين من أنفسهم الدروعَ الحصينةَ التي تحول بيننا وبين غطرسة النصارى وتوحش وإجرام اليهود؛ ذلك لأَنَّهم طبّعوا أنفسَهم على هذا الدور وتكفّلوا بتمثيله على أرض الواقع إلى آخر لحظة، ضاربين أبشعَ وأحقرَ نماذج الانحطاط والتردي القيمي والأَخْــلَاقي والإنساني.
لم يعد هناك من يمكنه الوقوفُ في وجه هذا الاستكبار العالمي والغطرسة والتواطؤ، غير محور المقاومة الذي عَرَفَ ما معنى الولاء والبراء، وانطلق في فهم النص الديني وتجسيده، من منطلق الالتزام والاتباع وتعبيد النفس لله تعالى لا سواه ولا شريك له، ومن هذا المحور المقاوم جاءت وتجيئ المواقفُ المشرفة والأصوات التي ترعب العدو الصهيوني الغاصب، الذي لم يكن ليقدم على هذه الخطوة لولا تواطؤُ الحكام العرب وتمهيد حكام آل سعود لإنجاح وتقبل هذه الخطوة، على المستوى الرسمي.
وفي حين تخلى الجميع عن القدس كقضية ومبدأ، تبنَّاها السيدُ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، بالإضَافَــة إلى حضورها الدائم في وجدان أبناء محور المقاومة الأحرار.
لهذا ستظل الصرخة هي نهجَنا واعتقادنا ومبدأنا، وسيردِفُها العملُ والسعيُ نحو تحرير المقدسات الإسلامية من رجس اليهود الغاصبين ودنس آل سعود المعتدين، وستهزُّ صرختُنا عروشَهم وتقتلع قلوبهم هلعاً ورعباً مهما استهزأ بنا المستهزئون وسخر منا الساخرون، من عملائهم وأزلامهم الذين في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً، وستصم صرختُنا أسماعَهم جَميعاً ونحن نردّد في طريقنا إلى القدس، وتردّدُ معنا الجبالُ والبحارُ والأرضُ والسماء.
اللهُ أكبر.
الموتُ لأمريكا.
الموتُ لإسرائيل.
اللعنةُ على اليهود.
النصرُ للإسلام.