الجنوبُ المحتل.. انتفاضةٌ قادمة .. بقلم/ حلمي الكمالي
منذُ اللحظة الأولى للغزو الأمريكي السعوإماراتي للمحافظات الجنوبية خلقت قوى العدوان تناقضات واسعة في لُحمة المجتمع الجنوبي ووزعت عملاءها إلى جماعات مشتّتة، وأغرقتها بالنعرات المناطقية والطائفية؛ ليسهُلَ التحكُّمُ والضربُ بها، ما ولّد صراعاتٍ فتاكةً واقتتالاً دائماً بين جماعات الارتزاق خلال الفترة الماضية.
وبالرغم أن هذه الصراعاتِ البينيةَ هي صناعةُ المشاريع الضيقة للاستعمار لتركيع المجتمعات الحرة إلا أنها قد تُحدِثُ مع مرور الوقت فجوةً عميقةً بين المحتلّ وأبناء الأرض.
وعلى هذه القاعدة يمكنُ التعاطي مع حالةِ الغضب الشعبيَّة التي تجسّدُها حركةُ المواطنين في شبوة والمهرة وسقطرى ضد التواجد الإماراتي السعودي في اتجاهٍ مغايرٍ للصراعات القائمة -على الرغم من محاولات أذرع العدوّ توظيفَها داخل حلبة العدوان، فهم خبراءُ جيدون في إدارة الأزمات الشعبيَّة الحقيقية وتغيير مسارها ضد الوطن، لكنهم أغبياءٌ حتماً في إخفاء إخفاقاتهم- على أن الوعي المجتمعي بخطورة العدوّ الذي يستهدفُ اليمنيين شمالاً وجنوباً بدأ يتشكّلُ بصورة واسعة في المحافظات الجنوبية.
لسنوات سابقة لم يمثل الخللُ القائمُ في مجتمعنا الجنوبي في سلوكيات الفرد وإنما في سلوكياتِ بعض قياداته التي هيمنة على قراره واستثمرت قضيته تحت شعارات مزيّفة منذ ثورة 14 أكتوبر 1960 وحتى اليوم.
ولا تكمُنُ المشكلةُ في كون المتآمِرِ على اليمن “جنوبياً” أَو “شمالياً” بحسب توصيف الغرف السرية للمؤامرات، فالخيانةُ لا دينَ ولا أرضَ لها، وقد ينطبق الأمرُ على العميل هادي الذي باع الجنوبَ في 86 وَ94 ومن ثَم فلما لم يبِعِ اليمنَ شمالاً وجنوباً في 2015م؟!
فتلك مفاهيمُ سعت قوى الوصاية لغرسها في الذاكرة الشعبيَّة لمدة طويلة.
بشكلٍ أَو بآخرَ يجبُ التعامُلُ مع حالة السخط الشعبي التي تنزلقُ من صلب اقتتال “النفايات الغربية ” في المحافظات الجنوبية على أنها حالةٌ صحيةٌ كجرس إنذار أخير قد تولّدُ ثورةً كبرى تقلبُ جميعَ التوقعات، وبإمكانِ التحديق في قسمات وجوه المسحوقين المصفوفة بالقهر وواقع “المواطنين الرهائن” الذين إذا ما أرادوا التجول من حيٍّ إلى آخرَ في عدن المحتلّة فَإنَّ عليهم أن يعبروا حدودَ دول ومنها إلى دولٍ أخرى بمليشياتها وعصاباتها وأسلاكِها الشائكة، وتلك مسافاتٌ شائعةٌ يسعى المستعمر لوضعِها في كل اليمن.
تبعد عدن عن أبنائها ألف سنة ضوئية؛ بفعل ممارسات العدوّ ومرتزقته ولصوص هادي الذين حوّلوا المدينة إلى “اللادولة”، ويبدو أنه قد حان الوقتُ للنفاذ من لُعبة التأرجح بين فصول التأريخ والجغرافيا، فلا يمكنُ لعصابات لا تؤمنُ بالوطن الواحد أن تبنيَ دولةً للجميع.
أساليبُ القمع والقهر التي تمارسُها قوى العدوان بحق أبناء المحافظات الجنوبية، تشكل الحلقةَ الأهمَّ في إعادة تنويرِ العقول المغيبة وإعادة تدوير مخلفات العدوان في الاتجاه الصحيح.
في الضفة المقابلة، يمكن التعامُلُ مع انسحاب القوات الإماراتية من عدن وبعض المحافظات الجنوبية الأخرى وكذا انسحابها مؤخّراً من مأرب، كمؤشِّرِ عجز وفشل ذريع لمشاريع العدوان، بعيداً عن كون عملية الانسحاب هي عمليةً فاضحةً لتسليم المحافظات الجنوبية للجماعات الإرهابية، إلا أن هذه العملية تعكسُ هشاشةَ الوضع الداخلي للعدوّ الذي يعيشُ أزمةً خانقةً على مستوى القرار بعد نفاد جميع أوراقه، كما أن ورقةَ الإرهاب لم تعد رابحة خُصُوصاً مع فشلها الذريع في سوريا والعراق مؤخّراً.
كل الخيارات التي قد يخوضُها العدوّ حَالياً في المحافظات المحتلّة هي خياراتٌ غيرُ متاحة ومحاولاتٌ غيرُ مُجدية لإنقاذ تواجُدِه وحسب.
وعليه فَإنَّ تخبُّطَ قوى العدوان على الساحة الجنوبية في الوقت الراهن “خيبة أمل” بفشلِ آخر رهاناته المتمثلة باحتلال الحديدة والسيطرة على طول الساحل الغربي للبلاد، وانعكاسها سلبياً على أجنداته؛ بفعل انسحابات بالجُملة في صفوف مرتزقته “الجنوبيين”، ما يعني أن بندقيةَ الجيش واللجان أيقظت صحوةً نسبيةً لدى بعض القبائل والأسر جنوبي البلاد والتي تدفع ثمناً باهظاً من دماء شبابها في معارك خاسرة لحساب مصالحَ أممية وغربية، وهذه نقطةٌ مهمةٌ لها تأثيرُها الأيديولوجي والفسيولوجي على هيكلِ العدوان.
استناداً على ما سبق يمكن القول بأن هناك وضعاً جديداً سيطرأ على المشهد الساخن في الساحة الجنوبية، وعلى الرغم من حجم المؤامرات الجسيمة التي استطاع العدوّ غلغلتَها في النسيج الاجتماعي، يبقى الرهان اليومَ على “الجنوبي” الأصيل صانع مجدِ أكتوبر ونوفمبر، الذي عليه أن يقشعَ الغبارَ واليأسَ من كتفَيه والنهوض من مستنقع العمالة فالحر يبقى ضحية تحت سوط الجلاد حتى يمزقه.
أمام أبناء المحافظات الجنوبية فرصة ذهبية لإثباتِ وطنيتِهم وتعزيز انتمائهم لهذا البلد، بيدهم اليوم صناعة المجد في منعطف تأريخي سيساعد في إشراقة أكثرَ من 25 مليون يمني يقطنون هذه الأرض المباركة من المهرة إلى صعدة، فلا بد للسور اليماني العظيم أن يكتمل.