نص خطاب قائد الثورة بمناسبة الذكرى 52 لثورة 14 اكتوبر والهجرة النبوية
صدى المسيرة:خاص
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ..
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ..
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهَدُ أن سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، خاتمُ النبيين، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين.
شعبَنا الـيَـمَـني العزيز، أيها الإخوة والأخوات: والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.
بعدَ أكثر من مئتي يوم من العدوان الإجرامي الهمجي الوحشي على شعبنا المسلم اليمني العزيز تقدم علينا مناسبتان مهمتان، كُلٌّ منهما تمثل محطة تَـأريخية غنية بالدروس والعبر التي يحتاج إليها شعبنا اليمني، يحتاجها ويستفيد منها في مواجهته ودفاعه وتصديه للمعتدين الغزاة المحتلين، وقد تزامنتا هذا العام: وهما ذكرى الهجرة مع قدوم عام هجري جديد وذكرى الرابع عشر من أكتوبر، ذكرى الهجرة النبوية هجرة النبي صلوات الله عليه وآله من مكة إلى المدينة وحديثنا عن الهجرة هو حديث عن الرسالة وعن الرسول وعن الأنبياء وعن منهج الله بما فيه من القيم والتعاليم والأخلاق والمبادئ العظيمة التي بها سعادة البشرية وبها حلُّ مشاكل البشرية.
ما قبل الهجرة
وحديثنا عن الهجرة النبوية يبدأُ بحديثنا عما قبلها، فالله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى عندما بعث نبيه محمداً خاتم الأنبياء والمرسلين بعثه صلوات الله عليه وعلى آله برسالة الخاتمة بعثه بالإسْـلَام دينا عظيماً هذا الدين القويم هو إرث الأنبياء هو خلاصة رسالتهم، القرآن الكريم هو يمثل الوثيقة الإلهية التي تضمنت محتوى كتب الله السابقة، بعث الله نبيه محمداً على فترة من الرسل في ظل جاهلية جهلا أطبقت ظلماتها على الأرض فعم في هذه الدنيا الجهل والظلم والشر والفساد والطغيان، تنكرت البشرية لتعاليم الله التي أتتها في السابق عن طريق أنبيائه ورسله وكتبه وأصبح واقع البشرية سيئاً جداً انحط الإنسان فيه عن إنسانيته كثيراً وكثيراً وكثيراً، فبعث الله نبيه محمداً صلوات الله عليه وعلى آله رحمة للعالمين بعثه بالنور والهدى ليعيد للإنسانية إنسانيتها ليعيد لها كرامتها واعتبارها، ليعيد لهذا الإنسان ويضيئ له الطريق ليؤدي دوره في هذه الحياة كخليفة لله في أرضه بما ينبغي أن يكون عليه هذا الإنسان سمواً وأخلاقاً وكرامةً وقيماً ومبادئ؛ ليعمر هذه الحياة وهو يحمل تلك القيم والمبادئ ويكون وجوده في هذه الحياة يحقق له ما أراده الله له من الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، النبي صلوات الله عليه وعلى آله بُعث في بيئة ومحيط شأنها شأن بقية العالم غارقة في الشرك والظلم والكفر والفساد ومفاسد الجاهلية بكل أشكالها وعاداتها السيئة في مكة، بالرغم من قداسة مكة بالرغم من وجود بيت الله الحرام فيها لكن مع كُلّ ذلك كان المجتمع في مكة شأنه إلى حد كبير شأن سائر المجتمعات البشرية في بقية أنحاء المعمورة آنذاك، لديه كُلّ الأمراض كُلّ المثالب كُلّ المساوئ والكل في كُلّ بقاع الأرض كانوا بحاجة ماسة وملحة إلى رحمة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى وهدايته ونوره، تمثلت الرسالة الإلهية على يد خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وعلى آله رحمةً وخيراً وشرفاً للعرب جمعاء وللعالمين أجمع، وعندما تحرك النبي صلوات الله عليه وآله برسالة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى صادعاً بأمر الله يحمل للبشر جميعاً ما يحمله الأنبياء من الخير وإرادة الهداية والحرص على هداية الناس والعناية والاهتمام البالغ بأمر الناس وسعادة الناس والسعي الدؤوب لتغيير واقعهم إلى الأفضل وإعادتهم إلى الصراط المستقيم والمنهج القويم، ووجه النبي صلوات الله عليه وعلى آله بشل كبير من بيئته ذاتها من محيطه نفسه من ذلك المجتمع الذي هو مجتمعه الذي وولد فيه وتربى فيه ونشأ فيه وعاش فيه ويعرفه جيداً مجتمع قريش الذي كان يعيش وضعاً مريحاً ومختلفاً من بعض النواحي عن مختلف المجتمعات في المنطقة العربية وغيرها بفضل شرَف البيت الحرام ومكانة البيت الحرام الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى قال في كتابه الكريم {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، مجتمع قريش كان يحظى باستقرار أمني أكثر من غيره من المجتمعات، المجتمعات تحترم هذا المجتمع لوجود بيت الله الحرام هناك في مكة ويحظى أَيْـضاً باستقرار اقتصادي الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى استجاب لدعوة نبيه إبراهيم وبحكمته أَيْـضاً سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى أراد لمكة أن يكون فيها الخيرُ ورغَدُ العيش وسعة المعيشة حتى يساعد ذلك على استقرار هناك لصالح الحجاج الذين يأمّون البيت الحرم وعمارة هذا البيت الحرام بالطاعة والعبادة والذكر لله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى في أجواء آمنة ومستقرة على المستوى الأمني والمستوى الاقتصادي والمعيشي.
إستغلال البيت الحرام.. قديماً وحديثاً
وكما هي العادة وكما نشاهد اليوم كان البعض من أولئك من كفار مكة ومن مشركي مكة كانوا يعتبرون لأنفسهم الفضل هم وليس لله ولبيته الحرام ولوجود بيته الحرام الفضل عليهم، اليوم وكما نشاهد النظام السعودي الذي يستغل البيت الحرام ويستغل الحج ويستغل العمرة أَيْـضاً في الحصول على أموال هائلة جداً باعتبارها أكبر معلم سياحي ديني في العالم ولا يماثله معلم آخر ربما في التوافد إليه في الحرص على الوصول إليه في زيارته في الحج إليه.
يستفيد منه الأموال الكبيرة يستفيد منه على مستويات أخرى، يحاول أن يستغل سيطرته وهيمنته عليه حتى على المستوى السياسي وعلى سائر المستويات، مع كُلّ ذلك يتمنن، وكأنه هو من له المنة في وجود البيت الحرام في مكة وكأنه هو الذي يخدم هذا البيت وليس يستغله ويكسب منه والذي يعطيه لا يساوي شيئاً أبداً بقدر ما يكسبه ويأخذه ويستفيده، وهذا معلوم، على كُلّ ذلك المجتمع وتلك البيئة القليل منها هم الذين أسلموا، هم الذين استجابوا لرسالة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى، هم الذين انفتحوا على دين الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى ومبادئه وقيمه، أما الآخرون، فقد قال الله عنهم، (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، لم يؤمن منهم إلا القليل، الأكثر لم يؤمنوا حتى فيما بعدُ، لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم، النبي صلوات الله عليه وعلى آله بالرغم من طيلة المُدة التي قضاها في مكة ثلاثة عشر عاماً كما في بعض الأخبار والروايات لم يؤمن إلا دون الألف مع جهد كبير جداً بذله هناك، ولكنه لم يفشل فقد حقق نتائج مهمة جداً في مكة، أول نتيجة وهي نتيجة مهمة للغاية أنه أوصل صوته وأوصل صدى هذا الدين الجديد هذا الإسْـلَام المستجد في تلك البيئة وإلا فالإسْـلَام هو رسالة الله ودينه لأنبيائه جميعاً، أوصل صدى وصوت هذا الدين إلى كُلّ أنحاء الجزيرة إلى التي كانت تتوافدُ منها الوفود بالحج إلى بيت الله الحرام؛ لأن الحج كان باقياً منذ نبي الله إبراهيم في الوسَط العربي، كان العرب لا يزال يحجون حتى في عصر الجاهلية، وبالتالي كانت الوفود القادمة إلى مكة للحج وللتجارة كانت تسمع بهذا الدين تعرفُ مبادئه يلتقي بها النبي صلوات الله عليه وعلى آله يعرفُها بالإسْـلَام يدعوها إلى الله إلى دينه المجيد، هذا كان له أهمية كبيرة فيما بعد؛ لأن وصول هذا الصوت إلى الآخرين مهم جداً يهيئهم فيما بعد للاستجابة عن معرفة، الكثير قد تحول بينهم وبين الاستجابة عوائق معينة لكنهم حينما يكونون قد عرفوا وتزول تلك العوائق يكونون جاهزين للدخول في الإسْـلَام، وهذا ما حدث فيما بعد عندما دخلوا في دين الله أفواجاً بعد زوال بعض العوائق التي تؤثّر على البعض على كُلّ حال، قريش بأكثرها إلا القليل واجهت الرسول ورسالته بالتكذيب والصد والافتراء والاستهداف على كُلّ المستويات والدعايات المتنوعة وكل أشكال الصد والتكذيب وقالوا عنه إنه كذاب وقالوا إنه ساحر، قالوا إنه افترى على الله، قالوا عنه إنه مجنون، كثير من الدعايات والاتهامات التي استهدفوا بها شخصية النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهم يعرفونه، هم كانوا يسمونه بالصادق الأمين، إضافة إلى ذلك هم واجهوا كثيراً من مبادئ الرسالة ومن ضمنها مبدأ المعاد، مبدأ التوحيد، جملة من المبادئ المهمة والأَسَــاسية في الرسالة واجهوها أَيْـضاً بالتكذيب وبالجدل وبالخصام إلى غير ذلك، ولكن مع كُلّ ذلك كانوا يلحظون هم أن بنيان هذا الدين يزداد صلابة وقوة واتساعاً، فزاد قلقهم وبذلك انتقلوا في مؤامراتهم إلى محطة أخرى سيما بعد رحيل من كان لهم دور أَسَــاسي في حماية النبي صلوات الله عليه وعلى آله، أمثال أبي طالب، اتجهوا إلى التآمر المباشر على شخصية النبي صلوات الله عليه وعلى آله، في مرحلة كان الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى قد هيّأ فيها لهذا النبي مرحلة جديدة في تَـأريخ الإسْـلَام ومرحلة مهمة بعد اكتمال أَوْ إشراف المرحلة الأولى على الاكتمال، المرحلة التي تسمى بالمرحلة المكية كان فيها ثلاثة أشياء مهمة جداً قد تحققت، المسألة الأولى هي أن مكة كمركز مهم للتوافد إليه من شتى أنحاء الجزيرة قد قدمت خدمة كبيرة، فذاع فيها صيت الإسْـلَام ووصل فيها صوت الرسول أصبح معروفاً بالشكل المهم والمطلوب واللازم، في الجزيرة العربية بشكل عام، إضافة إلى بناء اللبنة الأولى من الجماعة المسلمة التي سيكون لها دور أَسَــاس، من المهاجرين الذين هاجروا مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله إلى المدينة، إضافة إلى ذلك تهيئت بيئة جديدة قابلة وحاضنة للإسْـلَام هم الأنصار الأوس والخزرج، الذين من خلال توافدهم إلى مكة للحج عرفوا بالرسالة وسمعوا من النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وبينهم روابط عشائرية مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله وهم أخوال والده، وبالتالي كانت البيئة الجديدة التي قد عمل عليها النبي صلوات الله عليه وعلى آله على تهيئتها وأرسل إليها بعض المهاجرين ليهيئوها أكثر وينشروا الإسْـلَام فيها ويعملوا على تهيئتها بشكل ملائم لاستقبال الرسول واستقبال هذا الدين ونصرته، الأنصار هؤلاء الأوس والخزرج القبيلتان اليمانيتان نالوا هم الشرَف العظيم الذي خسره مجتمع قريش بأكثره، مجتمع قريش بأكثره الذي واجه الرسالة والرسول بالخصام الألد بالنكران والتكذيب بالكفر والعناد بالبغضاء والأحقاد بالتصلب، كان هناك مجتمع بديل وكما قال الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)، وهنا نستذكر هذه المنقبة التي ينبغي أن يتطلعَ إليها شعبنا اليمني العظيم كصفحة بيضاء عظيمة في تَـأريخه، الأنصار الذين هم من أصل يمني من اليمانيين هم حظوا بهذا الشرف، شرف أن يكونوا هم البيئة التي تنصر وتأوي وتؤيد وتحمل لواء الحق والعدالة وتحمل قيم الإسْـلَام وتستقبل الرسول الذي أراد قومه في مكة قتله وتآمروا عليه حتى شخصياً وتنكروا لرسالته العظيمة، هيّأ الله لهؤلاء الأنصار اليمانيين أن يكونوا هم من يؤمنون من ينصرون من يأوون من يتقبل هذه الرسالة بكل رحابة صدر ومحبة وعشق وإخلاص وصدق ومودة، فحظوا بشرف عظيم، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله كما قال الله، في آخر مراحل مكة في المرحلة الأخيرة في مكة : قال الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى وهو يوصف طبيعة المؤامرة القائمة آنذاك “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”.
الهجرة مرحلة فارقة في تأريخ البشرية وليس فقط للمسلمين
فمثّلت الهجرة انتقالاً جديداً ومرحلةً جديدةً فارقة في تَـأريخ البشرية وليس فقط للمسلمين؛ لأن الإسْـلَام هو دين الخلاص للبشرية جمعاء هو إرث الأنبياء كُلّ الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل الأنبياء.. الإسْـلَام هو يمثل المبادئ الإلهية التي هي من الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى وهي توافق الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، هو دين الفطرة هو دين الرحمة هو دين العدالة وهذه أشياء هي من صميم واقع البشرية البشرية بحاجة إليها، لا يمكن أن تتحقق للبشرية سعادة ولا يتحقق للإنسان إنسانية بما تعنيه الكلمة فيما يعنيه مقامه الإنساني ودوره الإنساني وأخلاقه كإنسان إلا بتلك التعاليم التي جاء بها الأنبياء بأممهم وجاء بها خاتم الأنبياء وارثاً لكل الأنبياء ومتمماً لكل الأنبياء وخاتماً لكل الأنبياء بكل ما تعنيه الكلمة.
عبودية للخالق فقط
فإذاً المرحلة كانت انفتاح أفق واسع لصالح البشرية جمعاء، حدث ما حدث في ما بعد حروب وأحداث جسام.. مع تلك القوى الجاهلية التي وقفت ضد هذا الإسْـلَام كدين حرية كدين عزة كدين كرامة كدين قيم كدين أخلاق.. كنظام عدالة يحقق للبشرية العدل الإسْـلَام، للأسف الشديد جنى عليه الكثير من المنتمين إليه فشوهوه تشويها كبيراً حتى لدى بقية أمم الأرص وإلا فالإسْـلَام يمثل حاجة وضرورة لحل مشاكل البشرية، الإسْـلَام هو دين التحرر الذي يحرر العباد من العبودية لبعضهم البعض، الإسْـلَام هو الذي أرسى دعائم الحرية بمعناها الصحيح، الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى في دينه وعلى لسان أنبيائه أراد لكل عباده أن يتحرروا من بعضهم البعض، أن لا يأتي أحد من البشر أياً كان بأية صفة، أيٌّ من الخلائق، ليستعبد الآخرين ويقهر الآخرين ويذل الآخرين ويصادر حرية الآخرين بما يريده هو لرغباته هو لنزواته هو لأطماعه هو.. ولدرجة أن الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى لم يرضى ولم يقبل حتى للأنبياء وحتى للملائكة أن يكونوا أرباباً لعباده وسُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى حيث يقول في القرآن الكريم: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿79﴾ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)، أي حرية أرقى من هذه الحرية لا تكون فيها عبداً لأي أحد إلا لله، حتى لملائكة الله لا عبودية لهم، حتى لأنبيائه لا يمكن أن يكونوا أرباباً من دونه، فقط عبودية للخالق البارئ الفاطر فاطر السماوات والأرض ملك السماوات والأرض رب العالمين سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى، الإسْـلَام دين الله الذي أتى ليعيد الكرامة لهذا الإنسان؛ لأن الله كرّم هذا الإنسان حتى في خلقه وكرمه في دوره في الحياة وكرمه حتى في مستوى المسئولية التي أعطاه في هذه الحياة، كرمه حتى في تدبيره لشئون حياته على مستوى الرزق على مستوى كُلّ شئون الحياة ومختلف شئون الحياة، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ)، الإسْـلَام الذي أرسى في تعاليمه ما يحقق لهذا الإنسان السعادة ما فيه الرحمة بكل معانيها لهذا الإنسان الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى قال لنبيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، الإسْـلَام الذي من أهم دعائمه ومن أهم ما يقدمه للبشرية في مبادئه وفي قيمه وفي أخلاقه وفي تعاليمه وفي نُظُمِهِ العدلُ في الحياة العدل كأَسَــاس لمعاملات وتعاملات البشر لشئونهم لإدارة شئونهم لمختلف شئون حياتهم، (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)، بل إنه أكد أنها دعامة أَسَــاسية في كُلّ رسالاته مع كُلّ رسله ومع كُلّ أنبيائه، فأكد ذلك في القرآن الكريم كثيراً وكثيراً، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)، وكم في القرآن من تركيز على هذه المسألة كونوا قوامين بالقسط ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، أي شقاء شقيت البشرية؟!، أية معاناة عانت البشرية حينما أضاعت هذه القيم قيمة الحرية بمفهومها الصحيح والحقيقي والكامل وقيمة الكرامة وقيمة العزة وقيمة العدالة!!، أي معاناة يعانيه هذا الإنسان الذي يُستهدف اليوم من جاهلية اليوم في كُلّ شيء في كُلّ واقع حياته في كُلّ شئون حياته لا يزال يُستهدف، هذا الإسْـلَام هو ضرورة هو خير هو مشروع خير ورحمة للبشرية جمعاء، وهو مشروع أتى لينتصر.
إن ما واجهه الإسْـلَام من منذ حركته الأولى الذي يتحرك في ذلك الواقع العالمي المطبق بالظلم والظلام فشق طريقه ونهض وانتصر وساد أرجاء المعمورة وغير الواقع بشكل كبير جداً ومثّل فعلاً محطة مهمة في تَـأريخ البشرية عالجت الكثير من المشاكل وطمست الكثير من المساوئ وأنعشت وأحيت الكثير من المبادئ، أعادت للخير وللحق وللعدل حضوراً فاعلاً وكبيراً في واقع البشرية، لو نأتي لنتصور أَوْ نتخيل ماذا لو لم يأتِ خاتم الأنبياء محمد؟!، ماذا لو لم يبعث الله رسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله؟، ماذا لو لم يأتِ هذا الدين العظيم ويحدث في تلك المرحلة ذلك التغيير الكبير؟، ماذا لو امتدت تلك الجاهلية إلى اليوم بكل ما كانت عليه وتطورت نحو الأسوأ؟، كيف من الممكن أن يكون واقع البشرية اليوم على ما هو عليه بعد كُلّ الذي قد حدث واقع البشرية مع كُلّ ما كان في محطاته السابقة في تَـأريخهم من أنبياء ورسل ومصلحين ومغيّرين وهداة ومن بذلوا قصار جهدهم حتى بالتضحية بالنفس والنفيس من أجل إصلاح واقع البشرية، ثم نرى ما هو عليه اليوم لكانت كارثة لا نستطيع أن نتخيل بالفعل مستوى ما كانت ستصل إليه البشرية لولا هذه الرسالة لولا هذا الرسول الخاتم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، الإسْـلَام ورسالة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى قال عنها: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وبالتأكيد هو مشروع لابد منه؛ لأنه يمثل حاجة للبشرية ضرورة للبشرية، سمواً وكرامة للإنسان، ولكن حدث في واقع المسلمين ما حدث بالنسبة لمن كان قبلهم من أهل الكتاب في الجاهلية الأولى لم يكن بقي لدى العرب من آثار نبي الله إبراهيم إلا الحج والختان، أما أهل الكتاب لم يكن بقي لديهم إلا أشياء شكلية من بعد الأنبياء، حالتا التحريف والانحراف كلتاهما أثرت تأثيراً سلبياً وكبيراً في واقع البشرية، اليوم نجد أن واقع المسلمين للأسف الشديد قد شابه الكثير من التحريف على المستوى الثقافي حتى باسم الدين وباسم تعاليم الدين وباسم مبادئ الدين والانحراف حتى فيما هو معروفٌ أنه من الدين عما هو معلوم من الدين وعما هو صحيح من الدين، فكلتا الحالتين التحريف والانحراف يمثلان عامل هدم في داخل الأمم تبعدها عن التمسك الصحيح بمبادئ الأنبياء ورسالة الأنبياء وقيم الأنبياء وتعاليم الأنبياء.
ونجد اليوم أن النظام السعودي والتكفيريين يمثلون ذروة حالة التشويه وحالة الانحراف وحالة التحريف للإسْـلَام وقيمه وتعاليمه، تخيلوا النظام السعودي والغرابة والعجب يقدم نفسه أنه نظام ديني يمثل حقيقة الإسْـلَام ومبادئ الإسْـلَام وجوهر الإسْـلَام وأخلاق الإسْـلَام فيما هو اليد الأقذر والأسوأ والأبطش بيد إسرائيل وبيد أمريكا!!، أي جناية هذه على الإسْـلَام فيما هو يلعب أسوء دور تخريبي في داخل الأمة للقيم وللأخلاق وللمبادئ فيما هو يلعب دوراً أَسَــاسي لمصلحة من؟، لمصلحة أولئك الذين انحرفوا عن رسالة موسى وعن رسالة عيسى، فاليوم تمثل هذه الحالة من التحريف والانحراف عن نهج موسى وعن نهج عيسى وعن نهج محمد الذي هو منهج الله الواحد تمثل هذه الحالة اليوم وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي ومن لف لفهم ودار في فلكهم تمثل اليوم شراً كبيراً في واقع البشرية تجلب اليوم الكثير والكثير من المشاكل والآفات الأخلاقية والاجتماعية إلى واقع البشرية تخلق الكثير والكثير من النكبات والأزمات والفتن في واقع البشرية،هذا كله هو حالة النقيض والتناقض مع مبادئ الأنبياء وتعاليم الأنبياء.
إن العناوين الرئيسية والشاملة لرسالات الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى مع أنبيائه لتلك التعاليم والمبادئ والقيم التي أتى بها الأنبياء عن الله ودعوا إليها وجسّدوها هم في الواقع وكانوا هم القدوة فيها هي الخير والحق والعدل والأخلاق والقيم هي العناوين الشاملة التي تجمع في منظومتها كُلّ التفاصيل الحياتية للإنسان فما الذي يحدث اليوم يحدث اليوم جناية كبيرة جداً هذه الحالة من التحريف والانحراف هذه الحالة من العزلة عن الأنبياء وعن منهجهم وعن تعاليمهم وعن قيمهم وأخلاقهم هي حالة الجاهلية بكل ما تعنيه اليوم الجاهلية الأخرى فيما تعنيه الجاهلية من وحشية من تجرد للقيم والأخلاق من تنكر للتعاليم المقدسة التي تحقق للبشر الكرامة والحرية والعزة، هذه الجاهلية اليوم هي تقود العالم وهي تسيطر كلما سيطرت كلما تغلبت كلما صنعت في واقع البشر الكثير والكثير من المشاكل وكلما ألحقت بالبشر المزيد والمزيد من الأذى والمعاناة، ولذلك فعلاً هم يجسّدون في ممارساتهم وتصرفاتهم وفي ما يفعلون من بطش وجبروت وقتل واحتلال ونهب وفتن وغير ذلك من الأزمات والآفات على كُلّ المستويات هم يقدمون الشواهد على سوء التنكر لرسالة الأنبياء، اليوم يتجلى في واقع العالم وقد وصل ما وصل إليه بفعل جناية أولئك المنحرفين عن منهج الأنبياء وتعاليم الأنبياء والمحرِّفين لها، اليوم ما الذي جلبوه للعالم أمريكا بكل قوتها بكل إمكاناتها بكل سيطرتها في هذا العالم إسرائيل كيد لأمريكا النظام السعودي كيد أخرى لأمريكا بكل إمكاناتهم بكل سيطرتهم بكل هيمنتهم في هذا العالم هل جلبوا لهذا العالم حرية أم أنهم يستعبدون هذا العالم، هؤلاء الناس على أقطار هذه الأرض ما الذي يلحق بالبشرية نتيجة هيمنتهم هل أنهم أتوا بقيم أين هي الحرية أين هي حقوق الإنسان؟، اليوم البشرية تأن أكثر وأكثر معاناة الناس إنما تزداد يوما إثر يوم حالة البطش والجبروت والجشع والطمع والنهب والاحتلال التي يمارسها أولئك هي حالة بلغت مبلغاُ سيئاً جداً عانت منه البشرية الويل.
واقع التكفيريين لا يختلف عن واقع الصهاينة
وبالتالي اليوم فإنه لا مناص ولا خلاص للبشرية في مواجهة هذه الجاهلية بتنكرها لتعاليم الأنبياء بشرها في مقابل خير الأنبياء في دعوتهم وقيمهم بفسادها في مواجهة صلاح الأنبياء بما دعوا إليه من القيم العظيمة والنبيلة والشريفة وبالحق الذي يمتلكه الأنبياء أتى هؤلاء بباطلهم ليتوهوا هذا الإنسان في حياته ويتمكنوا من استعباده اليوم تتطلع البشرية ولا مناص لها ولا خلاص في مواجهة هذه الجاهلية إلا بالعودة إلى رسالة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى ولكن الإسْـلَام بشكله الحقيقي إرث الأنبياء بشكله الحقيقي قيم الأنبياء بشكله الحقيقي وليس كما شُوَّهت وحُرّفت وبُدّلت وغُيّرت حتى صارت لا تختلف عما لديه الحالة لدى الآخرين، هل يختلف واقع التكفيريين عن واقع الصهاينة؟، هل تختلف ممارسات النظام السعودي الذي يقدم نفسه صورة عن الإسْـلَام عن واقع الصهاينة الذين يقدمون أنفسهم صورة عن رسالة موسى؟، كلاهما وجهان لعملة واحدة هي التحريف والانحراف وكلاهما براء من حقيقة قيم وأخلاق ومبادئ الأنبياء ورسالات الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى فلذلك اليوم البشرية بحاجة إلى قيم الأنبياء لأنها قيم الخير لأنها قيم الحق إلى مبادئهم لأنها مبادئ العدالة التي تتحقق بها العدالة والإنسان كإنسان بحاجة إلى رسالة الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى إلى قيم الأنبياء وأخلاقهم ومبادئهم بما تحدثه من أثر عظيم جداً في نفسية هذا الإنسان فتجعل منه إنساناً حقيقياً حراً عزيزاً أبياً إنساناً يحمل القيم يحمل الخير يحمل إرادة الخير، اليوم العالم كله يعاني من أولئك الذين يحملون إرادة الشر ويمارسون الفساد بكل أشكاله وينشرون الأذى بأسوأ حال بالبشرية.
اليوم في ذكرى الهجرة نتطلع إلى موقف الأنصار كشعب يمني، الأنصار ذلك المجتمع المتميز الذي اختلف كثيراً عن مجتمع مكة الأشبه حالياً بالنظام السعودي، من يريد أن يتخيل المجتمع القرشي في مواجهته للإسْـلَام في لده وخصامه وجحوده وكفرانه وطغيانه وهمجيته وكبره وبطره فليتخيل الصورة المرتسمة حالياً للنظام السعودي، المجتمع مجتمع الأنصار هو الذي اختلف كثيراً عن ذلك المجتمع فكان مجتمع الإيواء والنصرة، مجتمع الإيثار والعطاء والصبر، قال عنه الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى في كتابه الكريم: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، هذا هو مجتمع الأنصار الأوس والخزرج، هذا هو المجتمع اليمني في قيمه الإسْـلَامية النبيلة العظيمة، يحمل المحبة وإرادة الخير والإيثار والبذل والعطاء والصبر إلى غير ذلك من القيم الحميدة والعظيمة التي جعلت مجتمعا قابلا للإسْـلَام متفاعلا مع الإسْـلَام منفتحا على الإسْـلَام متعطشا لقيمه ومبادئه، فسرعان ما تقبّلها وناصَرَ وتحقق ما تحقق كما هو واضح.
اليوم يتطلع شعبنا اليمني إلى هذه القيم ليتزود منها في مواجهة المتجمعات التي هي امتداد لمساوئ وطغيان وجبروت ووحشية وأطماع وهمجية للجاهلية الأولى، اليوم مجتمعنا اليمني العزيز وهو يواجه هذه الهجمة الشرسة من الذين هم في ممارساتهم وجبروتهم وطغيانهم امتداد لما كان عليه أبو جهل وأبو سفيان وَغيرهما في المجتمعات العربية الجاهلية من ممارسات ظالمة ومن طغيان وفساد وتعنت وَخصام إلى غير ذلك.
اليوم المنطقة بكلها بحاجة إلى هذه قيم الرسالة والعودة إليها والتشبع بها والتشبث بها والتمسك بها، بقدر ما تتمسك الأمة بهذه القيم بهذه المبادئ بقدر ما تكون قوية في مواجهة هذه التحديات وهي تحديات كثيرة.
دلالات ذكرى 14 أكتوبر
وكما نعيش ذكرى الهجرة فإن هناك ذكرى أخرى مهمة تزامنت هذا العام مع ذكرى الهجرة وهي ذكرى الرابع عشر من أكتوبر، هي أَيْـضاً من ذكريات العز والمجد والحرية لشعبنا العزيز، حينما تحرك الأحرار في هذا البلد في مواجهة المحتل المستعمر البريطاني آنذاك وصولاً إلى طرده من البلاد، ولهذه المناسبة دلالات مهمة، اليوم نحن في أمس الحاجة إليها ونحن نواجه هذا الغزو وهذا العدوان وهذا الاحتلال الهمجي من قوى الشر وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي ومن معهم من أذيالهم وأذنابهم.
من أهم دلالات هذه الذكرى أنه مهما كانت قوة المعتدي وهمجيته وإمكاناته وقدراته ومهما كانت قبضته، مهما كان قد تمكن فإن بالإمكان إلحاق الهزيمة به وطرده، في أي شعب في أي بلد يعاني من الاحتلال طالما هناك أحرار وشرفاء وغيورون يعون مسؤوليتهم ويتحركون بجد وصدق فإن الله نصير لعباده المستضعفين، والسنة الإلهية الكونية في العالم وفي تَـأريخ الشعوب أن العاقبة لصالح الشعوب المستضعفة التي يمكنها الله دَائماً من الحرية والتحرر ومن طرد الغزاة والمحتلين.
المستعمر البريطاني كان قوياً، إمبراطورية آنذاك، إضافة إلى ذلك كانت إمكاناته وقدراته هائلة على كُلّ المستويات في مقدمتها الجانب العسكري، كان لديه أَيْـضاً الكثير من العملاء والمرتزقة الذين اشتراهم في البلد في جنوبه، إضافة إلى ذلك تمكن من احتلال أجزاء واسعة من البلد وتمكن من اللبث فيها لمدة طويلة، مع كُلّ ذلك بكل ما هو عليه من قوة وبكل ما لديه من إمكانات وقدرات وبكل ما معه من عملاء ومرتزقة وخونة، وبقدر ما كان قد تمكن واستقر وسيطر لكن مع كُلّ ذلك كان مهيئاً عندما تحرك شعبنا اليمني العزيز بجد بصدق باهتمام كان النصر حليف هذا الشعب وكان ذلك المستعمر المحتل كان مهيئاً للهزيمة، وبالمناسبة ففي غزوهم لعدن في هذا العدوان كان المخطط لعمليات الجنوب والذي أعد الخطط كاملة للإماراتيين كان هو البريطانيين بحكم تجربته السابقة ولأنه أَيْـضاً جزء من تحالفهم في غزوهم لهذا البلد وعدوانهم القائم حالياً عليه، هذه الدلالة مهمة لماذا؟ لأن الكثير من المرجفين والمهولين والمخيفين والجبناء أَيْـضاً يحاولون أن يرسخوا دَائماً روحية الاستسلام والوهن في أوساط الناس كجزء من الحرب على هذا الشعب، عملية الإرجاف عملية التهويل عملية التخويف محاولة زرع اليأس وترسيخ حالة الفزع والهلع والجبن والاستسلام هذه واحدة من الحرب ومن أساليب الحرب وجانب من جوانب الحرب التي يخوضها الأعداء والتي يمارسونها على هذا الشعب.
في حقيقة الأمر ما هناك أي مجال لليأس نهائياً، إن أية أمة أملها بالله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى قبل كُلّ شيء ولها رصيد كبير من التجربة على مدى التَّـأريخ ولها قيم وفيها إحساس بالعزة والحرية لا يمكن أن تيأس أبداً، اليأس يمكن أن يسيطر على من لا يمتلكون الإيمان لا يمتلكون تجربة تَـأريخية، ولا يمتلكون أَيْـضاً مشاعرَ وإحساساً ووجداناً، تلك القيم تشبع بها شعبنا على مدى تَـأريخه، الغزو البريطاني لم يكن هو الأول على شعبنا اليمني، هذا الشعب وهذا البلد بالتحديد تعرض في كثير من تَـأريخه حتى فيما قبل مبعث نبي الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله، على مدى التَّـأريخ تعرض شعبنا اليمني لكثير من حالات الغزو ولبعض من حالات الاحتلال وقبل الغزو البريطاني وفي حقبة الإسْـلَام وما قبل ذلك كان هناك عمليات غزو ومحاولات احتلال وأحياناً احتلال كامل لكل هذا البلد، وتمكن شعبنا اليمني من التحرر، وبالتأكيد هناك تجربة في كثير من دول العالم لعملية التحرر، الشيء المهم هنا أن الغزو البريطاني والاحتلال البريطاني في نهاية المطاف انهزم وطُرد من البلد وطُرد بالكامل من هذا البلد، وإضافة إلى ذلك لم يكن هو الغزو الأول لهذا البلد واتضح أنه لم يكن الأخير، اليوم هناك غزو لهذا البلد ومحاولة احتلال لهذا البلد، احتلال لأجزاء منه، بالتأكيد المسألة هنا والشيء المهم هنا أن شعبنا اليمني العزيز يجب أن يكون واعياً لهذه الحقيقة، هذا البلد محط أطماع لقوى أخرى في العالم وهي كثيرة، يعني عادة ما كان على مدى التَّـأريخ وحالياً هذا قائم وربما في المستقبل كذلك أن يكون هناك من يتطلع إلى احتلال هذا البلد، من يطمع في احتلال هذا البلد، من يرغب في السيطرة على هذا البلد، وهذا هو حال أَيْـضاً بقية المنطقة، حينما نعود إلى بقية المنطقة نلحظ أن حقبة الاستعمار في القرن الماضي كانت مطبقة وشملت المنطقة بكلها مع ذلك للأسف الشديد لم تحرص هذه الأجيال في هذا القرن والمسافة قريبة ما بين حقبة الاستعمار هي عشرات السنين، ما بين حقبة الاستعمار والآن وحقبة الاحتلال والآن، هذه الأجيال لم تلتفت بما فيه الكفاية كما ينبغي لدراسة تلك المرحلة، كيف ولماذا؟ ما الذي هيئ بلداننا وأوطاننا أن تُستعمر على ذلك النحو لأن يحتلها الآخرون وأن يستغلها الآخرون وأن يلحقوا بشعوبنا وآبائنا وأجيالنا الكثير من الأذى والظلم والاضطهاد وأن يسلبوهم الحرية لماذا؟ ما هي الأسباب؟ كيف هي الأرضية التي تهيئ المجال للمعتدي والمحتل ليطمع وليتقدم وليحتل هذه البلدان؟ أعتقد أن هذا كان أمراً مقصوداً يعني كان هناك تناسٍ لهذه المسألة لماذا؟ لأننا في واقع الحال نعيش اليوم تداعيات وحالة هي امتداد لحالة الاستعمار في المرحلة الماضية، شعوبنا لم تصل بعد إلى حالة من الحرية والاستقلال الحقيقي، منذ تداعيات الاستعمار، الاستعمار ترك في منطقتنا ترك آفات كثيرة ومشاكل كثيرة وفي ذات الوقت بقي له حضوره ونفوذه وتأثيره الكبير وصولاً إلى محاولته أن يعيد الكرة هذه المرة من خلال الأمريكان بدلاً عما كان عليه في الحالة الماضية من خلال البريطانيين أَوْ الفرنسيين أَوْ الإيطاليين أو الألمان أَوْ غيرهم.
على كُلٍّ اليوم نجد أنفسنا نعيش امتداد وتبعات حالة الاستعمار إلى اليوم، من الذي مزّق منطقتنا العربية إلى دويلات؟ هو الاستعمار في المرحلة الماضية، من الذي صنع الكيان الإسرائيلي في المنطقة ليكون شوكة في رقبة هذه الأمة وليمثل فعلاً داءاً سرطانياً عُضالاً في جسد الأمة؟ هو الاستعمار، البريطاني والأمريكي هو من صنع هذا الكيان الإسرائيلي الذي نجده اليوم يعمل ما يشاء ويريد، نجده اليوم يهدّد المقدسات وعلى رأسها الأقصى الشريف، نجده اليوم يحظى باهتمام وتحالف مع بعض دول المنطقة التي هي محسوبة على أنها من العرب والمسلمين، ثم هي جنباً إلى جنب مع الكيان الإسرائيلي، تتحالف وتدخل في علاقات بالرغم من كُلّ ما يعمله بمقدسات وبشعب عربي مسلم عزيز مظلوم ومضطهد ومسلوب الاستقلال، من الذي أنشأ النظام السعودي وجعله كياناً ينشر الكثير من الآفات والفتن والمشاكل في أوساط الأمة ويلعب دوراً تخريبياً في أوساط هذه الأمة؟ هو الاستعمار، الاستعمار البريطاني والأمريكي كلاهما عزّز حضوراً وتواجداً، وساهما في بناء هذين الكيانين المتمثل بالكيان الصهيوني الإسرائيلي والكيان المتمثل بالنظام السعودي، وكل ما نشهده اليوم وتشهده الساحة العربية من آفات وكوارث ومشاكل وفتن لا حصر لها ولا عد، يلعب الدور الرئيسي فيها كلاهما، النظام السعودي والكيان الإسرائيلي، بإشراف وإدارة مباشرة وفعل مباشر من أمريكا ومعها حلفاؤها، فإذن نجد أنفسها هذا اليوم وفي هذه الذكرى التي هي ذكرى التحرك الحر والمشرف في مواجهة الاستعمار على مستوى المنطقة وعلى مستوى بلدنا معنيين أن نعزز دَائماً ونرسخ ثقافة الاستقلال والحرية وأن ندرك ماذا يعنيه الاحتلال، الاحتلال يعني مصادرة الحرية، يعني مصادَرة الوجود المستقل، الاحتلال يعني الاستعباد بكل ما تعنيه الكلمة، الإنسان حينما يقبل باحتلال أرضه واحتلال بلده يعني أن يكون هو ومقدراته وأرضه وممتلكاته مستباحاً ومسخراً في خدمة المحتل وللمحتل ولصالح أطماع المحتل، مصادر الإرادة مصادر القرار، مسلوب الحرية مسلوب الاستقلال.
هذا هو معنى الاحتلال والغزو الأجنبي
واليوم ونحن نجد هذا المسعى في بلدنا ونحن نعيش هذه المأساة، نحن نعيش أَيْـضاً تبعات هذا التغافل وهذا التجاهل للماضي على مستوى المدارس على مستوى الإعلام على مستوى المناهج على كُلّ المستويات لم تحظ حقبة الاستعمار بالدراسة الوافية لأخذ الدروس والعبر والاستفادة منها عملياً في السياسات والمواقف والمناهج وعملية البناء بما يعطي منعة لشعوب المنطقة من عودة الاحتلال والدخول في أتون الهيمنة الخارجية والسيطرة الخارجية على البلاد والعباد.
ما يمارسه المعتدون الغزاة اليوم من جرائم بشعة تعرفنا ماذا يعني الاحتلال، ماذا يعني الغزو الأجنبي؟ الغزو الأجنبي يعني الاستباحة، الاستباحة للناس، اليوم العدوان السعودي الأمريكي ومن معهم من الأعراب وغيرهم ماذا يفعلون بشعبنا؟ هذا المستوى الفظيع من الاستهداف والاستعباد للناس قتلاً جماعياً في الأسواق والمساجد والأعراس والمناسبات والمدن والقرى، هذه المجازر المروعة والوحشية، هذه الفظائع الرهيبة جداً تعني الاستباحة، هذا هو معنى الغزو الأجنبي، هذا هو معنى الاحتلال، يعني الاستباحة لدمك الاستباحة لأرضك الاستباحة لعرضك، يعني سلبك حريتك سلبك قرارك، سلبك مستقبلك سلبك حاضرك، هذا هو معنى الاحتلال، يعني استعبادك وإذلالك وقهرك والتحكم بك، وعليه هل يمكن أن يقبل الإنسان بهذا؟ من بقي لديه بقايا من الإنسانية من الحرية لا يمكن أن يقبل بهذا، فإذن نحن معنيون اليوم بكل الاعتبارات بالمسؤولية الدينية، ديننا يفرض علينا أن نواجه هذا الإجرام البشع من الاستهداف والاستباحة والظلم والإجرام والطغيان أن نواجهه وأن نتصدى له بكل ما نستطيع أن نقاتل هذا الغازي أن نواجهه وأن نتحرك في مواجهته بكل ما نستطيع وبكل الوسائل والأساليب المشروعة، هذا على المستوى الديني يعتبر هذا جهاداً مقدساً، وهذه مسؤولية علينا ما بيننا وبين الله، على المستوى الإنساني من واقعنا بفطرتنا الإنسانية لا يمكن أن نقبل بأن نُستعبد وأن نستباح وأن تصادر إرادتنا وأن تسلب حريتنا وأن تحتل أرضنا بكل ما تعنيه كلمة الاحتلال، على المستوى الأخلاقي لا يمكن لأي إنسان بقي لديه أخلاق وقيم أن يتغاضى أَوْ يتجاهل أَوْ يداهن أَوْ يسكت، يهادن ما يحصل من جرائم بشعة، هؤلاء الغزاة المجرمون اليوم يرتكبون أبشع وأفظع الجرائم بحق الأطفال والنساء هل هذه مسائل يمكن أن نقول عليها كذا أَوْ كذا؟ فيها اجتهادات أَوْ سياسات أَوْ تبريرات؟ كلا.
الخائن خاسر باع غالياً لقاء شيء يسير
اليوم نعتبر الخونة الذين هم دعامة من دعائم الغزو الأجنبي ودَائماً ما كانوا على مدى التَّـأريخ عاملاً مساعداً على غزو بلدانهم هم أَيْـضاً خاسرون، من يعتبر نفسه أنه ربح لأنه باع نفسه وباع حريته وباع شعبه وباع أرضه وباع مقدرات بلده من الخارج لقاء شيء يسير من المال أَوْ لقاء منصب وهمي وعدوه به خاسر خاسر بكل ما تعنيه الكلمة، هو أعطاهم أكثر مما كسب، كسب يسيراً وأعطى كثيراً وعزيزاً، هم خاسرون، إذن المسؤولية اليوم علينا وبالاستفادة من كُلّ هذه القيم والمبادئ والأخلاق التي ننتمي إليها في دنيننا وبالاستفادة من الرصيد التَّـأريخي المهم، لنا كشعب يمني المسؤولية هي الاستعانة بالله هي التوكل على الله، هي الإرادة التي لا تنكسر مهما تمكن العدو بمساعدة الخونة أَوْ بمساعدة العملاء من احتلال اجزاء من البلد سنتمكن من طرده كما تمكن أجدادنا من طرد غيره من المستعمرين والمحتلين، كما تمكنت الشعوب الحرة من طرد الغزاة والمحتلين، كما تمكن الأحرار في لبنان من طرد إسرائيل ومعها دعم عالمي وعربي وكما تمكن الأحرار والشرفاء في العراق من طرد أمريكا بعد أن كانت قد وصلت بغداد، شعبنا قادر بالاستعانة بالله بالتوكل على الله بالإرادة الإيمانية بالاستفادة من تَـأريخه العظيم قادر على كسر الغزاة والمحتلين وعلى طردهم من كُلّ شبر من البلاد، المهم هو العمل هو التحرك التصدي لكل محاولات الأعداء، المهم أن تبقى إرادتنا لا تنكسر مهما كان أبداً، المهم أن يتحرك القادرون من الشباب في هذا البلد إلى معسكرات التدريب وإلى الجبهات، المهم أن يواصل العلماء والثقافيون والإعلاميون التعبئة الثقافية والإعلامية والمعنوية في كُلّ أوساط هذا الشعب، المهم أن يسعى رجال الأعمال وأن يستمروا في توفير لقمة واحتياجات هذا الشعب المحاصر، المهم أن نستعين بالله ونعمل ونواجه ونقاتل، نحن في موقف الحق ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نضحي بكرامتنا وعزتنا وحريتنا واستقلالنا ما بقي في عروقنا دماء وما بقيت في أجسادنا حياة، سنقاتل وسنواجه وسنتوكل على الله وسندافع عن حريتنا حتى لا نُستعبد لأحد من دون الله، وعن كرامتنا حتى لا تُمتهن وعن واستقلالنا وعن أرضنا وعرضنا وشرفنا، هذه هي مسؤوليتنا وهذا ما علينا فعله، وهذا ما ينبغي أن نستمرَّ عليه، كما أننا لن ننسى مهما كانت ظروفنا قضايانا الكبرى وفي مقدمتها ما يتعرض له الأقصى الشريف، اليوم للنظام السعودي إسهام أَسَــاسي في كُلّ ما تفعله إسرائيل، هو يتحالف مع إسرائيل هو يتعاون مع إسرائيل في إغراق شعوب المنطقة في كثير من المشاكل والفتن حتى لا تتفرغ ولا تلتفت الى قضاياها الكبرى.
اليوم كلاهما يتعاون مع بعضهما البعض، إسرائيل شاركت مع هذا العدوان على بلدنا، وإسرائيل نقلت قبل أيام الكثير من صواريخها وقنابلها إلى قاعدة خميس مشيط، الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي كلاهما يمثل كُلّ واحد منهما يداً قذرة إجرامية في المنطقة تضرب لصالح أمريكا والله المستعان.
أتوجه إلى شعبنا اليمني العزيز في هذه المناسبة وفي هذه الذكرى لنواصل تحركنا جميعاً وفي إطار مسؤوليتنا وفي خيارنا الذي لا خيار غيره، أولئك اليوم مكشوفون ومفضوحون واضحون، ليس لهم هدف في هذا البلد إلا إذلال شعبه وقتل ما استطاعوا والسيطرة على ما بقي، هذا هو هدفهم ليس لهم أي هدف غيره، كُلّ تبريراتهم قد سقطت، كُلّ العناوين التي كانوا يجعلون منها عناوين لعدوانهم قد سقطت وآخر ما أسقط كُلّ تبريراتهم النقاط السبع في سلطنة عمان التي قدمت للأمم المتحدة، وانكشف بعدها أنه ليس هناك أية تبريرات نهائية لهؤلاء، هم يريدون احتلال هذا البلد، على كُلّ حال نحن أقوياء بالله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى، والمطلوب هو الاستمرار ولا قلق، كُلّ منطقة قد احتلوها سيطردهم شعبنا بتوكله على الله بثباته بصموده منها بل وأكثر مما كان عليه في تَـأريخه، إذا كان الاستعمار البريطاني أَوْ المستعمر العثماني أَوْ غيره من المستعمرين أَوْ المحتلين تمكنوا من استعمار البلد أَوْ أجزاء كبيرة منه ولبثوا فترات طويلة فإن الواقع بإذن الله هذه المرة سيكون مختلفاً، وشعبنا اليوم بإيمانه بثباته بوعيه بحريته بعزته بإبائه بتوكله على الله بمظلوميته الكبيرة أقدر وأقدر مما كان في الماضي على مواجهة المحتلين وطرد المحتلين ودحر المحتلين.
ونسأل الله سُـبْحَـانَـه وَتَعَالَى أن يرحم شهداءنا وأن يشفي الجرحى وأن ينصر شعبنا المظلوم إنه على ما يشاء قدير.
والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.