ارتباك سعودي حول اتّفاق الحديدة: قوة الردع اليمنية ترسم مسارات الحرب والسلام
المسيرة | ضرار الطيب
قد يبدو «الاتّفاقُ» الذي خرجت به الاجتماعاتُ الأخيرة للجنة تنسيق إعادة الانتشار، خطوةً إلى الأمام، فيما يتعلقُ بمضمونه، لكن إمكانيةَ تطبيقه على الواقع لا تجعلُ منه سوى مجرد ورقة أُخْــرَى ضمن كومة أوراق لا فائدة منها، إذ تؤكّـــد جميع المعطيات، بما في ذلك معطيات موقف فريق حكومة المرتزقة نفسه، أن السعودية ما زالت مصرة على العرقلة بمواضيع خارجة عن الاتّفاق، وما زالت تمسك بزمام القرار الرئيسي لتنفيذ أية خطوة عملية من قبل طرف المرتزقة، وهو ما أشار إليه بيانُ اللجنة المشتركة حين تحدث عن الحاجة إلى «قرار سياسي» لتطبيق ما تم التوصل إليه.
لكن حتى مع إصرارها على إبقاء فاعلية نفوذها المعرقل في الواجهة، تبدو الرياض مرتبكة إلى حَــدٍّ كبيرٍ وغير قادرة على تحديد مبتغاها الحقيقي من عرقلة الاتّفاق، فبالرغم من سعيها الحثيث للحصول على «غطاء» مناسب لتجاوز الاتّفاق تَمَاماً، من خلال مزاعم استهداف «أمن الملاحة» في البحر الأحمر وتسريب الأخبار عن «تعليق» التزامات حكومة الفارّ هادي، إلا أن مواقف فريق المرتزقة من الاتّفاق الأخير عكس تخبطاً واضحاً، فقد وافق ممثلو الفريق على المقترحات الأممية، برغم رفض العديد من التفاصيل التنفيذية، لكنهم أقروا بأن القرار يعود للرياض، بحسب ما أكّـــد مصدر من داخل اللجنة المشتركة للصحيفة، أمس الأول.
الكثيرُ من الفراغات ظهرت بين رغبات السعودية في نسف الاتّفاق وبين نتائج الاجتماعات الأخيرة، فراغات أشارت في جانب منها إلى ارتباك كبير في مخططات الرياض، لا يمكن فصله عن التصعيد الاستراتيجي المستمر ضد مطاراتها ومنشآتها العسكرية والحيوية ؛ لأَنَّ ذلك التصعيد يجبرها على التفكير ألف مرة قبل أن تقررَ إعادة الهجوم على الحديدة أَو الاتّجاه نحو مرحلة الرفض المعلَن للاتّفاق، خاصةً وأن تحذيرات قائد الثورة لا زالت على الواجهة وتثبت واقعيتها يوماً بعد يوم.
ومن جانب آخر، مثّلت تلك الفراغات فجوةً في «التنسيق» بين السعودية وبين حكومة المرتزقة، خاصة وأن فريق المرتزقة لم يجد ما يبرر به ربط الاتّفاق الجديد بمسائل «السلطة المحلية والأمور المالية» سوى الإقرار بأن السعودية هي من تصر على ذلك وهي صاحبة القرار الحقيقي، وهو أمر لم يكن يحدث من قبل عندما كانت الإمارات هي من توجّـه فريق المرتزقة، فيما يدور الحديث الآن بكثرة عن تسلم السعودية لإدارة ملف الساحل الغربي بعد مغادرة القوات الإماراتية، وبالتالي فإن هذه الفجوة وثيقة الارتباط بالتخبط والارتباك الحاصل في إدارة التحالف.
خلاصة القول: إن نتائج الاجتماعات الجديدة للجنة إعادة الانتشار لم تكن بمعزل أبداً على الظروف الميدانية التي عقدت خلالها، سواء في العمق السعودي أَو في الداخل اليمني، وفي مقدمة تلك الظروف التصعيد الجوي والصاروخي ضد المطارات والمنشآت السعودية الذي بدا حضورُه وتأثيرُه واضحاً من خلال الارتباك السعودي، وأما الاتّفاق الجديد نفسه، فسواء تم تنفيذه أَو تجميده، فهو يؤكّـــد على جدية الطرف الوطني في الانفتاح على عملية السلام، كما يؤكّـــد من خلال ما حمله من تأثيرات الميدان العسكري، على أن قوات الجيش واللجان الشعبيّة استطاعت الوصولَ إلى مرحلة رسم مسارات السلام إلى جانب فرض معادلات الحرب.