سترُ عيوب الآخرين (1) الأثرُ السلبي المترتب على تتبُّعِ عيوب الآخرين .. بقلم/ أم مصطفى محمد
يقولُ اللهُ تعالى في محكم كتابه العزيز (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ).
إن من الأمراض الأخلاقية الكبيرة التي يُصاب بها بعض الناس تتبُّعَ عيوب الآخرين، حَيْــثُ نجدهم ينشغلون بتتبع بعض النقائص لدى شخصيات تربطهم بهم أعمال وَأحياناً نجدهم يتتبعون نقائصَ من لا يربطهم بهم شيءٌ، وإنما يعود هذا الأمر؛ كون شخصياتهم بُنيت على هذا الداء فلا تستريح نفوسهم إلاّ إذَا تتبعت عورات ومعايب الآخرين، ولقد جاءت طائفة من الروايات تبين أنّ الإنسان ينبغي أن يجتنب هذا الداء، وأن يلتفت إلى أنّ الناس من طبيعتهم الوقوع في الخطأ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‹‹كل ابن آدم خطّاء وخيرُ الخطائين التوابون››، فمن طبيعة الإنسان أن يقترفَ بعض الأخطاء خلال مسيرة حياته بيد أنّ الطريقة الفضلى التي يجب عليه أن يتبعها تلافي ما وقع فيه من نقائص وما اقترفه من أخطاء، غير أنّ بعض الناس لا يمارس دوره الطبيعي في هذه الحياة فبدلاً عن أن يُعين المخطئ باجتناب الخطأ نجده يحاول أن يُظهر ذلك الخطأ ويفشي ذلك العيب الذي وقع فيه، وهذا الأمر يؤثر سلباً على المقترف للخطأ من جهة، وله تأثيرات على المتتبع للخطأ من جهة أُخْــرَى، فمن يُذيع عيوب الناس ويسعى إلى نشرها في المجتمع يجعل تلك العيوب بإشهاره لها أمراً طبيعياً واعتيادياً فحينها لا يتأثر مقترف ذلك الخطأ من ارتكابه الخطأ مرة تلو الأُخْــرَى ما دام أنه فشا واشتهر بين الناس مما يزيده تمادياً في مواصلة سلوكه الخاطئ، أما بالنسبة للمتتبع للخطأ فمن ينهج منهج تتبع عثرات الآخرين يصبح هذا السلوك جزءاً من شخصيته فلا يفسح المجال له للرجوع إلى الاستقامة ومن ثم يصعب عليه ترك ذلك الداء.
لقد عالج إسْــلَامنا الحنيف هذا العيب والمرض الذي يُصاب به بعض الناس من خلال توجيه الآخرين إلى الالتفات إلى عيوبهم بدلا من الانشغال بعيوب الآخرين فالتفات الإنسان إلى عيوب نفسه واشتغاله بها يحجزه عن الاشتغال بعيوب الآخرين، والإنسان بطبيعته يعيش النقص، والكمال لله تعالى وهو الذي يريد من الإنسان أن يتكامل بشكل تدريجي فإذا التفت الإنسان إلى عيوب نفسه وبدأ بإصلاحها فإنه سائر في الصراط المستقيم، ولكنه إذَا وجّه قواه إلى عيوب الآخرين استشرت تلك العيوب والنقائص في ذاته وتجذرت في شخصيته وأصبحت أشجاراً كبيرة يصعب عليه اقتلاعها؛ لذا نجد أن الروايات قد عالجت هذا الداء بأبلغ علاج فلفتت انتباه من وقع فيه ومن أُصيب به إلى ما ينبغي عليه فعله يقول نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله ‹‹كفى بالمرء عيباً أن ينظر من الناس إلى ما يعمى عنه من نفسه ويُعير الناس بما لا يستطيع تركه، ويؤذي جليسه بما لا يعنيه›› فالنبي صلى الله عليه وآله من خلال هذه الرواية يبين عيوباً ثلاثة من تلك العيوب النظر إلى بعض العيوب الموجودة في بعض الناس وتناسي أنّ تلك العيوب التي ينظر إليها قد اتصف بها فهو “ينظر من الناس إلى ما يعمى عنه من نفسه ويُعَيّر الناس بما لا يستطيع تركه” فمن يتحدث عن عيوب الآخرين لا ينظر إلى عيوب نفسه التي يعددها في الآخرين فهو لا يرضى بعيوب الغير مع كونه متصفاً بها، كما نجد النبي صلى الله عليه وآله يذكر خصلة أُخْــرَى في هذه الرواية وهي خصلة إيذاء الجليس، فبين صلى الله عليه وآله وسلم أن من تجالس من الناس له حق عليك ويتمثل ذلك الحَــقّ في أن تحترم مجالسه فلا تذكره بعيوب أَو بنقائص وإنْ كانت تلك النقائص في شخصه، فبين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أن عليك أن تستر عيوبه وتلتفت إلى عيوبك يقول صلى الله عليه وآله ‹‹من مقت نفسه دون مقت الناس آمنه الله من فزع يوم القيامة›› فالنبي صلى الله عليه وآله يُركز على السلامة في عالم الآخرة؛ لأَنَّها هي الفوز الأكبر يقول الله تعالى {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} فالفوز الأعظم للإنسان هو أن يأمن من مقت الله تعالى في عالم الآخرة، والنبي صلى الله عليه وآله يعلمنا بهديه كيف نستطيع أن نأمن من عذابه ونحصل على أمنه وذلك من خلال مقت النفس واعتبارها ناقصة والمحاولة الجادةً لكل إنسان في تلافي ما لديه من عيوب كي يأمنه الله تعالى في عالم الآخرة وفي عرصات القيامة.