الباحث حمود الأهنومي مؤلف كتاب “مجزرة الحجاج الكبرى” في حوار خاص لصحيفة المسيرة:
قبل تسعة وتسعين عاماً كانت أول مجزرة ارتكبها عدوانُ آل سعود بحق اليمنيين، هذه البدايةُ ترتبطُ بمجزرة تنومة بحقّ الحجاج التي وعلى الرغم من المسافة الزمنية الفاصلة بين ما حدث فيها وما يحدث اليوم إلّا أن المجرمَ هو ذاتُه لم يتغيّر، بما يشير إلى حقيقةٍ ثابتة ومثبتة ببراهين الوقائع التأريخية أن العدوّ أزلي وبما لا يمكن لليمنيين نسيانُ أفعاله حتى وإن حاول عبر أدواته ومرتزِقته عبر الأزمنة من طمسها فجرائمُه الماضية والحاضرة لن تسقُطَ بالتقادم.
ولأننا في موسم الحج لهذا العام كان من الطبيعي أن تستوقفَنا هذه المحطة التأريخية الهامة التي يمثل كشفُها والحديثُ عنها انتصاراً للحقيقة المغيَّبة وكيف أن هذا النظام المتوحش لم يأمن مكرَه حتى حجاجُ بيت الله الحرام، حيثُ لم تكن الأماكن المقدّسة فيه سوى وسيلة سياسية لا أكثر ورداء مزايدة دينية يضحك به على المغفلين بحيث لم يسلم من ممارساته كُــلّ المسلمين وَتعد مذبحة تنومة من أبرزها، وعليه كان لا بد لنا في صحيفة المسيرة أن نواكبَ موسمَ الحج لهذا العام بنبذة عن هذه المذبحة، حيثُ التقينا بالأُستاذ والباحث حمود عَبدالله الأهنومي الذي صدر له كتابٌ مفصَّلٌ عن هذا الحدث الهام في تأريخ الصراع اليمني مع نظام آل سعود، وعُدنا بهذا الحوار:
حاوره: فاروق علي
– بداية.. أُستاذ حمود ونحن نعيش هذه الأيام موسمَ الحج وهذا يقودونا للسؤال عن تنومة أَو مجزرة تنومة؟
تنومة هي منطقةٌ تقعُ في عسير إلى الوسط من منطقة الباحة شمالاً وأبها جنوباً، أما جريمةُ تنومة فهي مجزرة ارتُكبت بحق الحجاج اليمنيين قبل تسعة وتسعين عاماً، وهي مأساة فظيعة وبشعة تجاوزت الحدود في وحشيتها بحق حجاج عُزّل أبرياء لا ذنب لهم إلّا أنهم أرادوا الذهابَ لأداء هذه الفريضة، وهذه الجريمة وقعت في السابع عشر من ذي القعدة سنة 1341ه الموافق 1 يوليو 1923م، حيثُ كان عسكر وجيش عبدالعزيز بن سعود رتّبوا أماكنهم؛ لأَنَّهم يعرفون مسبقاً المحطات التي يتوقف عندها الحجاج؛ لأخذ الراحة والأكل والنوم وغير ذلك، سيما أن الذهاب إلى الحج كان يحتاج شهرين كاملين.
ولذلك كانت تنومة إحدى المحطات المتعارَف عليها والتي يتوقفُ عندها الحجاجُ في رحلتهم نحو بيت الله الحرام وعند وصولهم إلى منطقة تنومة كان جيشُ ابن سعود في انتظارِهم، هذا الجيش أَو هذه الفرقة من الجيش والتي كانت تسمى الغطغط وهي تشتهرُ بدموية منتسبيها؛ لتعبئتهم العقائدية العسكرية التكفيرية، وتعتمد على أساس التدين الوهّابي الذي يرى في الآخر كافراً أياً كان الآخر؛ ولهذا قتلت هذه الفرقة من الجيش مِن جميع المذاهب في نجد والحجاز وَالأردن والكويت والعراق.
هناك مجازر بحُجة أنهم مشركون واليمنيون أَيْـضاً مشركون بالنسبة لعبدِالعزيز بين سعود وجيشه، وبينما توقف الحجاج اليمنيون أَثناءَ وقت الظهيرة البعضُ منهم يجمعُ الحطبَ اللازم للغداء والبعض الآخر يؤدون الصلاة فأجهز عليهم جيشُ الغطغط وأبادوهم بشكل بشع.
– مهاجمة حجاج بيت الله وهم عُزِّلٌ من السلاح تدفع للتساؤل عن عدد ضحايا هذه المجزرة وما هي الأسلحة التي استُخدمت في ذلك؟
بالطبع كان الحجاج عُزِّلاً من السلاح؛ لأَنَّهم ذاهبون إلى بيت الله الحرام إلّا من السلاح الشخصي، حيثُ كانوا مجاميعَ في مناطقَ متقاربةٍ هي سدوان الأعلى وسدوان الأسفل وكذلك تنومة لا تزيد مساحتها عن عشرة كيلومترات.
لكن الذين كانوا في تنومة حصلت المجزرة الأكبر بحقهم، حيثُ تم قتلهم بالبنادق ومَن لم يمت تم الإجهاز عليه بالسيوف والخناجر، وقد استشهد في هذه المجزرَة 3105 حجاج منهم 900 شخص فُصلت رؤوسُهم عن أعناقهم ولم ينجُ منهم سوى 500 شخص وهم الذين تظاهروا بالموت بين أكوام القتلى أَو تمكّنوا من الهرب، حيثُ اتّجهوا غرباً إلى تهامة ونزلوا عندما جَنّ عليهم الليل إلى منطقة بارق، حيثُ كانت لا تزال تهامة تحت حكم الشريف حسين ملك الحجاز ولما وصلوا إلى بارق منهم 150 حاجاً واصل الطريق إلى مكة ومنهم من كان جريحاً جالساً بين القبائل إلى أن شفي والبعض منهم عاد إلى اليمن.
– لماذا الإجهاز على هؤلاء الحجاج على الرغم أنهم مسالمون؟ وما المخاوف التي كان ينظر لها عَبدالعزيز بن سعود من هؤلاء الحجاج حتى يكون بهذه الوحشية معهم؟
هذا السؤل يقودُنا إلى السبب، ما هو السبب؟ الأسبابُ عديدة هناك أسبابٌ سياسية، المجزرَة سياسية بامتياز، يعني قتل على أساس سياسي وبهدف سياسي؛ ولإيصال رسائل سياسية بحيث كان عَبدالعزيز ينزعجُ من تصريحات اليمنيين المطالبين باسترجاع بعض أجزاء عسير التي كانت تحت قبضة ابن سعود وخاصة مدينة أبها، وكان اليمنيون يعتبرون عسير جزءاً لا يتجزأ من اليمنيين من الأرض اليمنية التي كانت متصرفية حتى عسير في عهد الأتراك قبل أن ينسحبوا منها، كانت متصرفية من متصرفيات أربع تخضع لحكم صنعاء، فكان الأتراك يرسلون متصرفين إلى عسير وعدن وتعز وعسير وحضرموت، وعليه كان اليمنيون يطالبون باسترجاع عسير، وهذا أحد الأسباب.
فكانت رسالة من آل سعود أن اسكتوا ولا تطالبوا باسترجاع عسير ما لم فسنقدم لكم بمثل هذا الرعب، وأنا أجزم أن المجزرةَ كانت بإشراف بريطانيا؛ لأَنَّها كانت تنزعجُ من تصريحات اليمنيين وحكومة صنعاء بضرورة استعادة عدن التي كان يحتلها آنذاك البريطانيون فأرادَت أن تحرف مسارَ اليمنيين بدلاً عن تحرير عدن إلى شمال اليمن أرادت أن توصل رسالةً بأن المشكلة في الشمال وليس الجنوب، وقد حبكت بريطانيا مسرحيةً طويلةً جِـدًّا، أرسلت أَوَّلاً أمين الريحاني الأديب المعروف، وهذا الرجل في حقيقة أمره كان عميلاً للاستخبارات البريطانية والأمريكية، وكان يحملُ طبعاً جنسيةً أمريكية وأرسلته؛ لكي يوقعَ الإسفين الذي تريده بريطانيا بين نجد وبين اليمن، وأرسلته إلى صنعاء للتفاوض مع الإمام يحيى عبر الشريف حسين ملك الحجاز على أساس أن يعقد معه اتّفاقية دفاع مشترك بين اليمن والحجاز، وَكما هو معروف كانت هناك عداوة بين الحجاز ونجد على الرغم أنهم جَميعاً حلفاء لبريطانيا، وقد حضر إلى هناك.
وحصل الريحاني على وعود من قبل الإمام يحيى بإقَامَة تحالف لكن في إطار الحق وبما لا يضُرُّ المسلمين، طبعاً بسُرعة التقط هذا الموضوع وذهب به إلى المندوب السامي للبريطانيين في البصرة، وطبعاً ذهب البريطانيون إلى ابن سعود وقالوا له إن هناك خطورةً ويجب إفشال الأمر، فأصبح هناك ذريعة لابن سعود وعندما أجهزوا على الحجاج قالوا كنا نظُنُّ أنهم جنود أرسلهم الإمام يحيى للشريف حسين للتحالف معه ضد آل سعود، لكن مظهر الحجاج ومرورهم من أبها وبقاءَهم مع أمير أبها، عَبدالعزيز إبراهيم آل سعود، الذي استقبلهم وطمأنهم وقال إن الطريق آمنة..، وتواصُلُ إبراهيم عَبدالعزيز اليومي باللاسلكي مع عَبدالعزيز آل سعود أثيرياً كله يكذِّبُ هذا الادّعاءَ، وإنما في حقيقة الأمر هي ارتكبت المجزرة من أجل أغراض سياسية ومن أجل أن يوصلوا رسالة يريدون إيصالها؛ كي يُرضُوا طموحَ بريطانيا وكي يُوقِعوا بين اليمنيين وبين الحجاز؛ ولكي يصبحوا العملاءَ المخلصين للبريطانيين، كما يفعل أحفادهم الآن، يوقعون بينهم وبين المحيط من وحولهم؛ كي لا يشكلوا تحالفاً إسلامياً عربياً ويعودوا إلى جذورهم وثقافتهم الإسلامية وينالوا حريتهم واستقلالهم، وإنما يريدون أن يصبحَ آل سعود جنوداً عملاء ينفذون أجندةً ويورطونه بمشاكلَ مع كُــلّ المحيط من حوله.
وأيضاً كان لعبدِالعزيز آل سعود طموحٌ ليس فقط بنجد والحجاز وإنما بالجزيرة العربية كلها، وكان من استراتيجيته حينما احتل نجد والحجاز هو إيصال رسالة توحُّش كما تفعل دَاعش والقاعدة، يوصلون رسالة نفسية، أرهبهم وأرعبهم حتى تجعلهم يستسلمون لك كما يفعل داعش، حينما يصورن أعمالاً شنيعة وقاسية فيجعلون الآخرين ينهارون أمام قساوة وبشاعة أعمالهم، فكان عَبدالعزيز هذا دأبُه وهدفُه ابتداءً بنجد ثم بالحجاز بالطائف ثم في جدة أراد أن يجرّب هذا طبعاً في اليمنيين، هذا سبب سياسي أصيل وهناك أسباب أُخْـــرَى، أسباب ثانوية ومنها أسباب عقائدية، وهذا لم يقم به البريطانيون ولا عَبدالعزيز آل سعود؛ لأَنَّهم بعيدون عن الدين وإنما الأتباع الذين نفّذوا العمليةَ، الغطغط هؤلاء الذين تربوا على الوهّابية فكانت رغبتهم أن “يجاهدوا” ويتحرّكوا “في سبيل الله وأن يجاهدوا المشركين”.
ومَن هم المشركون في نظرهم هم اليمنيون!! الشافعيون والزيديون والحنفيون والصوفيون كلهم مشركون، واليمنيون باعتبارهم كلهم مشركين؛ لأَنَّهم زيود وشوافع، الزيود عندهم أنهم مبتدعون وضالون والشوافع عندهم أنهم يعبدون القبور، إذن كُــلّ الحجاج يجب أن يموتوا، فعبدُالعزيز قال لهم هناك حجاجٌ قادمون من اليمن وكلهم مشركون، وكان يوجد مع الحجاج اليمنيين في قوافلهم أشياءُ ماديةٌ، كان معهم البُن اليمني وكان معهم العسل وكان معهم الزبيب، وهذا يثير لعاب المعتدين، إذاً هناك أسباب مادية أَيْـضاً وَمجموعة الأسباب هذه أدت إلى مقتل الحجاج اليمنيين.
– من المفترض أن الحجَّ محطةٌ من محطات الأُخوّة وتلافي كُــلّ هذه التجاوزات.. لماذا تحاول السعودية دائماً استخدامَ هذه الورقة سياسياً؟
بالضبط لا بد من البراءة من المعتدين والمشركين في أيام موسم الحج؛ لأَنَّ هذا مشروع في الحج (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) يعني لا بد من إعلان البراءة في أيام الحج، وهذه أوامرُ إسلامية وشريعة وقضية وقانونٌ إسلامي، فعندما يُطرح هذا الموضوع يقولون لا تسيّسوا الحج، واجعلوا الحج بعيداً عن السياسة على الرغم من أنهم هم من سيّس الحج من أول يومٍ، منذ أن وطئت أقدامهم الحرمَ الشريف في مكة المكرمة والحرم المدني في عام 1924م بعد مجزرة تنومة بسنة، يعني احتلوا الحجاز وَمنذ أول مرة طلع عبدالعزيز في عرفة وخطب في الحجاج المتواجدين من كُــلّ أنحاء الأرض وهو يتحدثُ عن اليمن ويسُبُّ ويحرِّضُ على الحاكم اليمني، فكان خطابُه فيه تَجَــنٍّ على الحكام الآخرين في الشعوب الأُخْـــرَى، ويتهم الآخرين بأنهم مشركون وأنه قادم بالتوحيد، وهذا من المفارقات بالرغم من أنه إذَا كان هناك من شرك فَإنَّه شركُ بريطانيا، وهو يقول: ادعوا لبريطانيا بالنصر بـ رفع الله رايتَكم ونصر اللهُ لواءكم، وعز جندَكم وقهر عدوَّكم..، في خطب عَبدالعزيز، وهذا الموجود في كتب التأريخ، وهو بنفس الوقت يذهب لقتل حجاجنا الذين يدعون بالتوحيد والتلبية لله وحدَه في حجهم، وليس لله ولبريطانيا كما يعمل هو!
فسيّس الحج من ذلك الزمان واليوم يمارسون نفسَ السياسة ولا يسيسون الحج فقط بل ويسعودونه بل ويُسَلْمِنُونه أي يجعلونه سلمانياً فقط، فمن رضي عنهم سلمان وابنه أتاحوا له الحج ومَن غصب عنهم سلمان وابنه وحاشيته وأسيادهم الأمريكان والبريطانيون والصهاينة يمنعون عنهم الحج، ومن لم يرضوا عنه يقتلوه كما فعلوا بالحجاج في السنوات الماضية، حتى أن هذا الشيء لم يفعله المشركون أنفسهم في الجاهلية.
ونحن نعلم أنه في صُلح الحديبية عندما حاول المشركون منعَ رسول الله، ليس منعاً عن الحج؛ بل لأَنهم يعرفون أنه إذَا دخل محمدٌ رغماً عن أنوفنا فهي هزيمة؛ لهذا قالوا: عليك يا محمد أن تعود هذا العام وتحج العامَ القادم..، يعني ما استطاعوا أن يمنعوا رسولَ الله؛ لأَنَّ هذا بيتُ الله وجعله اللهُ للناس كُــلّ الناس (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) والله سبحانه وتعالى جعله لكل الأُمَّــة، وهم مع ذلك جعلوه بيتَ سلمان فقط!! ومن رضي عنهم أشّروا لهم وسمحوا لهم، ولهذا السوريون ممنوعون، والفلسطينيون الغزاويون ممنوعون، والليبيون والعراقيون واليمنيون والإيرانيون بين فترة وأُخْـــرَى، والمصريون في أيام الملك فاروق عندما كان يحدث خلافٌ في العلاقات يمنعونهم، حيثُ أن السعوديين يستخدمون الحجَّ استخداماً خطيراً، ويسيّسونه بأبشع صورة، بعيداً عن مصلحة وحاجة الإسلام، وبعيداً عن رسالة الحج ورسالة الإسلام الذي يجب إيصالها إلى الحجاج، وهذه من الأشياء الذي يجب على المسلمون أن يعوها وأن يكونوا على بيّنة من أمرهم فيها.
– حقيقهً أُستاذ حمود كان لكم كتابٌ عن هذه المجزرة يحتوي شهاداتٍ مهمةً ما الذي يحتويه هذا الكتاب من معلومات ومن أين استقيتموها؟
طبعاً المصادر كثيرة جداً تأريخية ومعاصرة، يعني كُتِبَت عن المجزرة أيام الإمام يحيى، ومنها أَيْـضاً مخطوطٌ حصلت عليه من الجامع الكبير بصنعاء، ومنها كتابات على مستوى العرب، منها جريدة القبلة المكية التي كانت تعاصِرُ الحدثَ وكانت تتابع القضية يوماً بعد يوم، التي كان يصدّرها الشريف حسين في مكة، حيثُ تضمّنت في عدد من الأعداد هذه القضية وتداعياتها، وهناك أَيْـضاً شهادات استقيناها من أحفاد الشهداء وقليلٍ جداً من أبنائهم؛ لأَنَّ 99 عاماً زمنٌ طويل ولكن من أحفادهم أَو أبناء أحفادهم أَو ممن نقل عنهم.
واستقينا هذه الشهادات بدرجات وهي شهادات مكتوبة وعديدة جداً، والآن قد أصدرنا الطبعة الثانية، والآن معنا الطبعة الثالثة أَيْـضاً بشهادات أُخْـــرَى، وكلها تحكي الجرم والفظاعة التي حصلت بحقِّ الحجاج اليمنيين وجرم نظام آل سعود ووصلت إلى مستوى لم يكن يُتصور، فكانوا يقتلون الناس ويذبحونهم بذلك الشكل الفظيع، وكانوا يتقربون بدمائهم إلى الله، كانوا يتفاخرون، حيثُ يقول كُــلّ واحد لصاحبه كم قتلت يقول قتلت واحدا أَو اثنين أَو ثلاثة، وكان يوزع قصور الجنة على أساس عدد القتلى، فكلما قتلت أكثر كان لك قصورٌ أكثر، واليمنيون مقاومون ويقاومون جداً وكلنا نفخرُ بأفراد وقصص رائعة حصلت مع الحجاج أنفسهم الذين استشهدوا.
لقد واجهوا على الرغم من حمل القليل القليل منهم للسلاح الشخصي الأمني المراد به دفعَ اللصوص وقطاع الطرق فقط وليس سلاحاً عسكرياً.
ومن ضمن هؤلاء نحكي قصةَ الشيخ صالح بن مقبل الحلحلي من قرية حلحل بجانب مدينة خمر وكان أحد القادة في الجيش اليمني في ذلك الزمان.
وذهب إلى الحج وكان قد جاء ليستأذن من الأمير أحمد سيف الإسلام للحج فمازحه الأمير قائلاً “كيف تريد أن تذهب للحج وأنت رجلٌ قاسٍ وعسكري وقلبك غليظ وكيف يتقبّلُ اللهُ منك وأنت بهذا الشكل، حتى إذَا مت في الحج لن تدخل الجنة”، وقال له هذه العبارات بطريقة فكاهية.
قال الشيخ الحلحلي: لا بد ما ادخل الجنة ولو بالصميل.
وبعدها ذهب للحج وكان هو أحد من يحمل السلاح ومعه الطيار “المحزق” فيه 70 طلقة، ولما حصلت الحادثة قفز إلى ربوة من الروابي وحفر مترسه ووضع كُــلّ تلك الرصاص في رؤوس أولئك المجرمين، وقتل منهم بعدد الطلقات الموجودة معه، ثم لما قربوا إليه فقاتلهم بالجنبية ثم بالصميل حتى استشهد.
وبعدها سأل الأميرُ أحمد: ماذا فعل الشيخ صالح الحلحلي؟ وهو يعرف من هو الشيخ الحلحلي.. قالوا قتل المعتدين بعدد الذخيرة الموجودة معه ثم قاتل بالصميل حتى استشهد.. فقال: لا إله إلّا الله ما حد دخل الجنة بالصميل إلّا الشيخ صالح الحلحلي.
فلقد سجّل رجولةً وبطولةً مثلُه مثلُ الشيخ الأشموري ومثل الشيخ الشريف أَيْـضاً والآخرين القلة ممن كانوا يحملون السلاح، ومنهم أحد علماء مدينة المدان، عندما رفض الفرار قبل أن يصل المعتدون، وقال: لن أهرب؛ لأَنَّ هذا فرارٌ من الزحف، وقاتل حتى سقط شهيداً.
لقد سجّلوا مواقفَ مهمةً جداً وعظيمة ورائعة.. وأحفادهم الآن سجّلوا ويسجّلون قصصاً رائعة جداً تحكي وعيهم بهذه القضية وأهميّة الربط بين تلك المجزرة وبين المجازر التي نعيشها اليوم.
– ونحن نعيش عدواناً من أحفاد عبدالعزيز آل سعود هل من علاقة تربط ما يحصل اليوم بما حصل من جريمة في تنومة مع العلم أن هناك من أحفاد شهداء مجزرة تنومة لم ينسوا تلك المذبحة؟
هناك قصصٌ حقيقية تبين أن اليمنيين يربطون بين ما حدث بالماضي وما يحدث اليوم، إذ يعتبرون أن العدوان بدأ منذ ذلك التأريخ المشؤوم، فعلى سبيل المثال هناك شخصيات من أحفاد وأبناء شهداء تلك المذبحة، حيثُ يعتبر العقيد عبدالسلام الحلحلي حفيد الشيخ صالح الحلحلي الذي استشهد في تنومة هذا العقيد هو أحد شهداء معركة اليوم شهداء معركة العدوان وهو أحدُ أبطالِ اليمن وأبطال قبيلة حاشد الأبية، وأذكر أنه أول من استهدف بارجة عسكرية للعدوان في هذه الملحمة التي يسطّرُ فيها اليمنيون أروع البطولات وقد تم نعيُه من قبل اللجنة الثورية وشُيِّعَ في جنازة مهيبة؛ تقديراً لدوره وبطولاتِه في ميدان المعركة، وأجزمُ أن العقيدَ الحلحلي انطلق من تصوُّراته عن نظام آل سعود بناءً على مجزرة تنومة التي كان أحدَ ضحاياها جدُّه الشيخ صالح الحلحلي، كذلك هناك شيخ سبعيني الشيخ صالح بن علي النصرة من أبناء بني مطر، هذا الشيخ استشهد أبوه وجدُّه في تنومة، حيثُ كان أبوه لا يزال شاباً يافعاً، ومع بداية العدوان أخذ بندقيته رغم عمره السبعيني وذهب إلى الجبهات مرةً في المخاء وأُخْـــرَى في جبهات نجران، واستقر به المطافُ في جبهة عسير، ورابط وقاتل أشهراً عدةً حتى استشهد في العام 2016م في منطقة عسير على مقرُبةٍ من المنطقة التي استشهد فيها أبوه وجَدُّه.. هذه الملاحم تعيد لنا وتبين لنا أن اليمنيين يدركون ويعون بأن المجرمَ واحدٌ رغم محاولات طمس هذه الجريمة، لكن اليمنيين عندهم وعي بأننا عندما نقاتلُ اليوم فَإنَّنا في الحقيقة إنما نأخُذُ بالقِصاص من قَتَلَةِ آبائنا وأجدادِنا، وعلينا أن نكونَ أكثرَ قوةً والآن فرصةٌ أمامنا لأخذ القِصاص لشهداء تنومة.