ستر عيوب الآخرين (2) أعظمُ الذنوب أن يجهلَ الإنسانُ عيبَ نفسه .. بقلم/ أم مصطفى محمد
إن تتبُّعَ عيوبِ الآخرين وزلاتهم وأخطائهم من أقبح العيوب وأسوأِ الخصال الرذيلة؛ لذلك نجدُ الإسْــلَامَ قد نهى في تعاليمه ووصاياه الكثيرة عن تتبع عورات وعيوب وزلات المؤمنين، فها هو إمامنا أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام يؤكّـــد على ما ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، إذ أنّ بعض الناس يُخطئ الهدف ويضل الطريق وفي قصده الإصلاح، لكنه لا يلتفت إلى ما ينبغي عليه أن يبدأ به فنجده عليه السلام يوضح ذلك قائلاً ‹‹إنْ سمت همتك إلى إصلاح الناس فابدأ بنفسك فإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر العيب››، فالتركيز على عيوب الآخرين بقصد الإصلاح وإظهار النقص لديهم عيب بل من أكبر العيوب مع أنّ النية سليمة لكن الإمام عليه السلام لا يُعير النية هنا أي اهتمام بل نجده يُركز على التأثير السلبي للإنسان الذي يتتبع عورات الآخرين ونقائص سائر الناس فقوله ‹‹إنْ سَمَت همتك›› أي إذَا ارتفعت بقصدك الإصلاح للغير لكنك ضللت الطريق وأخطأت الهدف وكان ينبغي أن تبدأ بنفسك فإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد ولديك عيوب -كان ينبغي أن تهتم بإصلاحها- أكبر العيب مع أنّ النية هنا سليمة، لكنّ الإمام عليه السلام يمزج بين العمل والنية، فالنية لا بد أن تكون صالحة والعمل لابد أن يكون صالحاً ولا يكفي أن تكون نية الإنسان صالحة وعمله يؤدي إلى إيذاء الناس وتركيز العيوب في شخصيتهم لذلك نجده عليه السلام يقول ‹‹جهل الإنسان بعيوبه من أعظم ذنوبه›› فمن أعظم الذنوب التي يقترفها الإنسان في حق شخصه أن يجهل عيوبه؛ كون الإنسان أُمِر بتزكية نفسه ولا يتاح له تزكية نفسه مع جهله بعيوبه وعدم التفاتة إلى النقائص في شخصيته التي ترديه إلى الهلكة، فلا يتعلم من عيوب نفسه ولا يبحث عن العيوب المؤثرة في شخصيته فتسافل شخصيته من أعظم الذنوب والكمال كُـــلّ الكمال في الاشتغال بإصلاح عيوبه يقول إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام: ‹‹طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس›› وعنه عليه السلام ‹‹أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس››، فالإنسان الأفضل والأحسن والأكمل هو الذي يشتغل بعيوبه فيحاول جاداً في إصلاحها لذا أبان القُــرْآن هذه المسألة بقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} فالتزكية معناها الاشتغال بعيوب النفس وإصلاح تلكم العيوب ومعالجة الأمراض التي يُصاب بها، فبعض الناس يرتاح إذَا اغتاب الآخرين وذمهم وأبدى معايبهم في حين أنه ينسى عيوبه ويستهزئ بشخصيات الآخرين لكن في نفس الوقت لا يقبل منهم الاستهزاء بشخصه، فالنقد اللاذع إلى الغير يُنسيه كونه مصاباً بتلك العيوب وهذا ما ركّز عليه إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام في الفضل الذي يحصل عليه الإنسان المشتغل بإصلاح عيوبه، حَيْــثُ قال ‹‹أفضل الناس -الذين هم في درجة الكمال ولهم النجاة من الله تعالى – من شغلته معايبه عن عيوب الناس›› وعلى عكس ذلك من تشغله عيوب الناس عن عيوب نفسه فهو الأسوأ، لكن الذي يشتغل بعيوبه ويغضي عن عيوب الآخرين هو الأفضل كما يقول إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام كما أن من التفت إلى عيبه وترك عيوب الآخرين يكون قد امتلك العقل الكامل كما ورد في بعض الروايات يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ‹‹أعقل الناس من كان بعيبه بصير، وعن عيب غيره ضرير›› فالعاقل هو الذي يلتفت إلى عيوب نفسه ويدقق النظر ويمعن الفكر في تلك العيوب وإنْ كانت صغيرة في ذاته ويحاول الخلاص منها والستر والإغضاء عن العيوب الكبيرة عند غيره ملتفتاً إلى أنّ اشتغاله بعيوب الآخرين نسيان لنفسه..