بين المارينز ومأزق العدوان .. بقلم/ حلمي الكمالي
لا غرابةَ في أن تقومَ واشنطن بإرسال 500 جندي أمريكي إلى الرياض، فمثلُ هذه المستعمرات مرتعٌ لآلاف من جنود المارينز منذ عقود، وليس أمراً مفاجئاً ظهورُ البزة العسكرية الأمريكية خلف راية “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن منذ اللحظة الأولى على اليمن، لكن ما يثير التساؤلاتِ هو إرسالُ هذا الكم من الجنود في هذا التوقيت بالذات ما يشير إلى دلالات كثيرة!
خلقت الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية فجوة عميقة في جسد العدوان المتهالك، كما خلفت حالة ذعر غير متناهية لدى الرياض على وجه الخصوص، علاوة على أن هذا التطور العسكري اليمني قد أحرجَ آلةَ التقانة الأمريكية وحوّلها إلى عالةٍ “لا تسمن ولا تغني من جوع”.
صُحُفٌ أمريكية أكّـدت ليلةَ الأمس أن عملية إرسال الجنود الأمريكيين إلى السعودية رافقها توقيع صفقة أسلحة بقيمة 1.5 مليار دولار لبيع منظومة “ثاد” الدفاعية للرياض، ماذا يعني ذلك إذاً؟!
إذا تمعنا جيداً في الأمر سنجدُ أن دولَ العدوان في مأزق كبير للغاية، والأهم من ذلك فإن هذه الخطوة تؤكّـدُ أن القواتِ المسلحة اليمنية استطاعت تحييدَ منظومة الدفاعات الجوية السعودية بشكل نهائي وأن العمليات العسكرية التي تنفذها الطائرات المسيرة اليمنية في عمق العدوّ أصابت أهدافها بدقة عالية، وهذا تطور كبير له شأنه في تغيير المعركة رأساً على عقب.
لا تعيشُ الرياض وحدَها ورطةَ “الحرب على اليمن” وإنما دول عظمى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعيشُ نفسَ المأزق ولنفس الأسباب التي تكمُنُ في العجز القائم حيال ما يرميه اليمنيون في ميادين الحرب والسياسة.
في جميع الأحوال تجسِّدُ مثلُ هذه الخطوات حالةَ الوهن القائمة في كواليس العدوان وحسب دون أن تشكل قلقاً للقوى الوطنية على أية مستوى، فلا يمكن أن تغامر واشنطن بدفع جنودها لصد التوغل اليمني جنوبي السعودية الذي عجزت عن صده جبالٌ واعرة وطائرات حديثة ومرتزقة من مختلف الجنسيات أشرفت رتبٌ عسكرية أمريكية “ثقيلة” على تدريبهم.
ليس أمام الولايات المتحدة الأمريكية سوى الدفع بجنودها فقط لإعفائها من الحَرَج الدولي لا تغيير واقع المعركة التي تدرك مسبقاً بأن مفاصلها أصبحت خارجَ سيطرتها، لكن امتصاص المزيد من المليارات من جُعبة البقرة الحلوب قبيل موتها هو ما قد يشغل الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن، مع العلم بأن منظومة “ثاد” الدفاعية التي سيتم جلبها بعشرات المليارات بصفقات قادمة قد فشلت في مواجهة الصواريخ اليمنية خلال عمليات واسعة لها في السواحل الغربية للبلاد لم تأخذ صداها، ويبدو أن هذا الأمر تجهله الرياض أَو تتغابى في إدراكه.
اليوم هناك اختلالات واضحة لدى دول العدوان في إدارة المعركة والتحكم في حالات الهزائم المتكررة التي ترتد على الطاولة الأممية بشكل مباشر والتي تحاول رأس الأفعى “أمريكا” التعامل معها كحالات نشاز حتى الآن، لكنها بكل تأكيد لن تبقى نشازاً لفترةٍ طويلة ويمكن ملاحظة ذلك في هذا التطور الأخير.
بجانب ذلك تظهر الخيبةُ الأممية أيضاً في سياسة “أمريكا العظمى” التي تقفُ اليوم على ساقٍ مرتعشة، وردود فعلها “الهزيلة” تجاه أهم الأزمات المشتعلة في المنطقة وعلى رأسها إيران ودول المقاومة بحسب توصيف ساستها الليبراليين.
بعيداً عن ذلك، تترفع القوى اليمنية عن رفع درجة التأهب والاستعداد لمواجهة 500 جندي أمريكي فقط، فهذا رقمٌ هزيلٌ يمكن “للحفاة” اليمنيين أن يدوسوا على أشلائهم بغمضةِ عين.
فَلهذا الشعبِ اليمني العظيم الذي يسطّرُ أعظمَ ملاحم العزة والكرامة في التأريخ الحديث تقفُ اليوم إمبراطورياتٌ خاشعةً ذليلةً، يقفُ أمراء وقادةُ دول على قدم واحدة.
الصدامُ مع التأريخ اليمني وإرادته الشعبيّة هي مفاضلة غير عادلة لقادة العدوان بكل تأكيد؛ لذلك هي رحلة شاقة لا نعتقد أن الأعداء قادرون على خوضها، وسيكونُ على أمريكا التوقف عند أقلَّ من 500 عام لو أن سفينةَ الرحالة الإيطالية أمريكوفسبوتشي اختفت في مثّلث برمودا قبل أن تصلَ إلى سواحل المكسيك.
أما بالنسبة لملوك البادية فإن عليهم الوقوفَ عند أول خنجر يماني شمّر ضد أعداء رسول الله وآخر خوذة عسكرية يمنية عائدة من تولوز في القرن الثامن عشر.
بين هذا وذاك سيستمرُّ اليمنيون في إبهار العالم بفخر الصناعة اليمنية الضاربة في أعماق التأريخ، بينما ستظل كيتونات النفط تنتجُ لهذا العالم المزيدَ من الأغبياء والحمقى.